دور التوطين في تحقيق التحول المنشود ضمن رؤية 2030

5 دقائق
برامج التوطين
shutterstock.com/redpixel.pl

جاءت رؤية 2030 لتعلن عصراً جديداً، إذ شهدت المملكة حراكاً تنموياً شاملاً ومستداماً في مدة وجيزة وتمكّنت من تحقيق اقتصاد مستدام ومتنامٍ بكوادر وطنية لم تكن ممكنة لولا الرؤية وبرنامج التحول الوطني في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان. 

مع توجه المملكة العربية السعودية نحو تنفيذ رؤية 2030، تم وضع برامج التوطين لتكون جزءاً من خطة تحقيق أهداف التنمية والتحوّل الاقتصادي والاجتماعي. تسعى المملكة من خلال برامج التوطين إلى تحقيق عدة مستهدفات منها: إحلال المواطنين السعوديين محل العمالة الوافدة، وتوفير 450 ألف وظيفة للسعوديين والسعوديات، وخفض معدلات البطالة، ورفع مستوى معيشة الأفراد، وتأهيل الموارد البشرية الوطنية وزيادة عدد الكفاءات، وتحقيق التوازن والتكامل في المجتمع السعودي. وعلى هذا الأساس بادرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى توطين عدد من القطاعات الاقتصادية لتقودها كوادر وطنية متميزة.

وفي سبيل رفع مستوى مشاركة المواطنين السعوديين في سوق العمل وتعزيز مساهمتهم في المنظومة الاقتصادية، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامج نطاقات في يونيو/حزيران 2011 من أجل تحفيز المنشآت على توظيف السعوديين وتدريبهم وتأهيلهم، إذ تُعطى الشركات تصنيفاً من خمسة تصنيفات (أدناها الأحمر وأعلاها البلاتيني)، للمنشآت التي توظف أعلى نسبة من السعوديين، تبعه إطلاق برنامج نطاقات المطوَّر، وهو امتداد لبرنامج نطاقات المعروف مع بعض التحديثات والتحسينات، مثل إلغاء تصنيف المنشآت بحسب حجمها، ودمج الأنشطة الاقتصادية المتشابهة في نشاط واحد أساسي.

ومن أجل إلزام المنشآت بالعمل وفق النظام الجديد، أنشأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية نظام حوافز يمنح المنشآت الأعلى توطيناً عدداً من المزايا فيما يخص التعامل مع العمالة الوافدة ما يجعلها أقدر على المنافسة وأكثر مرونة في سوق العمل من المنشآت الأقل توطيناً، الأمر الذي يضطرها إلى الالتزام والامتثال.

كما أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامج "توطين" بنسختيه من أجل خلق وظائف للمواطنين السعوديين، وخاصة خريجي الجامعات من الجنسين ممن لم يحصلوا على وظائف في السابق أو لم ينشطوا في القطاع الخاص لأكثر من 3 أشهر.

ولتمكين الشباب وزيادة مشاركتهم في سوق العمل وفق رؤية 2030، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عدداً من المبادرات والمشاريع مثل برنامج المحفزات الوظيفية للقطاع غير الربحي، وبرنامج المحفزات العشرة، ومنظومة التوظيف الحكومي للشباب، وصندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"، واستراتيجية التوظيف السعودية، وبرنامج تنمية القدرات الشبابية، إضافة إلى عدد من المبادرات الحكومية مثل العمل الحر، والعمل المرن، والعمل عن بُعد، ومنصة مسار، وبرنامج ساند، وبرنامج حافز، وبرنامج دروب، وبرنامج تمهير، وأكاديمية هدف للقيادة.

وبالفعل، حققت برامج التوطين أرقاماً قياسية في سوق العمل السعودية. فقد أشارت التقارير إلى وصول عدد العاملين السعوديين إلى نحو 2.2 مليون في القطاع الخاص، حيث ارتفع معدل القوى العاملة السعودية إلى 52.5% مع هدف الوصول إلى 60% عام 2030، وبلغت نسبة التوطين 23%. وفي 2022، وظِّف نحو نصف مليون سعودي مقارنة بعام 2019. وسجَّلت معدلات البطالة 8% وهي نسبة غير مسبوقة في سوق العمل السعودية، وهي قريبة من المستهدف لرؤية 2030 وهو 7%. ونجحت برامج التوطين في توظيف أكثر من 70 ألف امرأة، وبلغت نسبة مشاركة السعوديات في سوق العمل 6.33% خلال الربع الأول من عام 2022. وأشارت بيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى أن قطاع الخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والخدمات المهنية والتقنية، والتشييد، حظيت بأكبر تغيير سنوي في توطين الوظائف، إذ شكلت 56% من إجمالي عمليات توظيف السعوديين الجديدة في 2022. كل الإحصاءات السابقة تدل على تزايد معدل السعودة في سوق العمل، ومؤشر إيجابي على فعالية برامج السعودة التي تبنّتها الحكومة.

كان القطاع المصرفي أحد القطاعات الأولى التي طُبّق توطين الوظائف فيها، والتي شهدت أعلى نسبة توطين للوظائف. فقد ارتفع إجمالي التوظيف بين عامي 2012 - 2017 إلى نحو 60%، كما زاد توظيف السعوديين بنسبة 65%. وتؤكد البيانات الإدارية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن نحو 15% من الموظفين السعوديين في القطاع المصرفي من الإناث، فيما يُعتبر عدد الوافدات الإناث الموظفات في القطاع المصرفي قليلاً جداً. جدير بالذكر أن أصحاب العمل في تلك الفترة كانوا يرون أن السعوديين لا يتمتعون بالتحصيل التعليمي الملائم للعمل في هذا القطاع، لكن ثقتهم زادت تدريجياً بعد خوض تجربة العمل مع السعوديين. 

تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد المرشحين من المواطنين السعوديين المؤهلين في الأعوام الأخيرة بسبب تحسن جودة التعليم في المملكة، وارتفاع عدد السعوديين الذين يتعلمون في الخارج. كما طوَّر عدد من المصارف برامج تدريبية تستهدف الشباب السعودي، بمشاركة الجامعات من أجل تطوير خبراتهم في أثناء الدراسة وبعدها. وتملك المصارف أيضاً برامج متخصصة للتوظيف والتدريب داخل الصفوف وفي أثناء تدريب المرشحين.

أما قطاع الاتصالات، فقد احتل مرتبة عالية في توطين الوظائف، لا سيما في الفترة الممتدة بين عامي 2012 - 2017 بمعدل 80% ويعود معظم هذه النسبة إلى توظيف السعوديين. يرى المتخصصون أن البيئة التنظيمية وأصول قطاع الاتصالات أدت دوراً مهماً في نجاح عملية التوطين. فمن المعلوم أن شركة الاتصالات السعودية (STC) انطلقت بصفتها هيئة حكومية، ما يعني أنها كانت خاضعة أصلاً لدرجة عالية من التوطين. وعندما تمت خصخصتها، أتيحت الفرصة للموظفين السعوديين بمواصلة العمل في الشركة. ومع ظهور شركات جديدة مزودة لخدمات الاتصالات، فرضت الحكومة نسبة من التوطين في صفوف الموظفين الجدد. هناك ميزتان أساسيتان أسهمتا في نجاح عملية التوطين في قطاع الاتصالات. أولاً، هوامش الربح الكبيرة في قطاع الاتصالات ما يمكّنها من دفع رواتب أعلى للموظفين السعوديين مقارنة برواتب الوافدين. ثانياً، زيادة جاذبية القطاع تزامناً مع التحول الرقمي وقصص النجاح في القطاع. وأطلقت شركات كبيرة في قطاع الاتصالات برامج خاصة للتدريب الداخلي تهدف إلى تحديد مسارات مهنية واضحة للسعوديين الشباب المؤهلين، إضافة إلى العديد من البرامج الحكومية لمهنٍ ومهارات في قطاع الاتصالات، مثل برنامج تمهير.

لتوطين الوظائف تحديات داخلية وخارجية. أما التحديات الخارجية فهي التي تقع خارج سيطرة المنشأة، وتؤثر بطريقة أو بأخرى على عملية التوطين، مثل الظروف الاقتصادية والسياسية والقانونية، والعوامل الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. أما التحديات الداخلية فتتضمن أولاً، نقص المهارات المحلية المتاحة التي تحتاج إلى فترة تدريب طويلة لتتمكن من تلبية احتياجات السوق. ثانياً، ارتفاع مستوى الأجور، إذ تعمل الشركات على تدريب الموظفين وتأهيلهم، الأمر الذي يدفع المؤسسة إلى زيادة رواتبهم لضمان بقائهم. ثالثاً، التباين بين العرض والطلب في بعض القطاعات بسبب عدم رغبة شريحة من السعوديين في العمل بمهن محددة كالنجارة والحدادة والسباكة. رابعاً، عدم الاهتمام بسياسات الموارد البشرية وممارساتها بمفهومها الحديث في بعض مؤسسات القطاع الخاص. فتصبح تلك المؤسسات منفِّرة للعمالة المحلية بسبب ممارسات التوظيف غير العادلة، وضعف التهيئة والتدريب، وضعف الرواتب والحوافز. من هنا، يجب على إدارات الموارد البشرية إعادة النظر لمواجهة تلك التحديات من أجل جعل بيئة القطاع الخاص محببة للعمالة المحلية. فضلاً عن التحدي الذي يواجهه مدراء الموارد البشرية في إقناع المستويات الإدارية العليا بفوائد برامج التوطين وأهميتها. يتطلب تجاوز هذه التحديات التعاون والتنسيق الكاملين بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية لتأهيل المهارات والكفاءات السعودية ودعمها في سبيل تعزيز مشاركتها في سوق العمل، والنظر إلى التوطين على أنه قرار استراتيجي يهدف إلى الاستثمار الطويل الأجل في العنصر البشري السعودي وذلك من خلال ربط التوطين بالأهداف الاستراتيجية للمنشأة.

حتى تؤتي جهود التوطين ثمارها، هناك حاجة ماسّة إلى إجراء عدد من الإصلاحات الجوهرية بدءاً من مخرجات التعليم. يجب أولاً، تركيز الجهود نحو سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات السوق، وإرشاد الطلاب إلى الخيارات المهنية الأنسب، وتوفير فرص إعادة تأهيلهم، وذلك من خلال إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية وبناء الشخصية وتطوير المواهب، وقياس التقدم لضمان ملاءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل. ثانياً، تحسين بيئة العمل لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى داخل سوق العمل. ثالثاً، تحسين العلاقة التعاقدية بوضع قواعد تنظم حركة انتقال العمالة الأجنبية حتى لا تصبح سوق العمل مركزاً لتدريب الوافدين وتأهيلهم، الأمر الذي يعيق توظيف العمالة المحلية ويزيد البطالة بشكل مطرد. أخيراً، إجراء إصلاحات في سوق العمل لضمان فعالية جهود التوطين، كالاعتماد على التقسيم الجغرافي في تحديد قرارات التوطين بسبب التوسع الجغرافي الكبير في المملكة واختلاف التقاليد الاجتماعية، واشتراط وجود خبرات عملية في إدارة الموارد البشرية بالقطاع الخاص، وجعل عقود العمل محددة المدة بدلاً من عقود العمل المفتوحة، وزيادة معاهد التدريب للقطاع الصناعي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي