دورة حياة الرئيس التنفيذي

14 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن الرؤساء التنفيذيين الذين يظهرون في قائمة هارفارد بزنس ريفيو لعام 2019 للرؤساء التنفيذيين الأفضل أداء في العالم قد تمكّنوا من المحافظة على ديمومة طويلة في مناصبهم: فمتوسط الفترة التي يقضيها الرئيس التنفيذي المكرّم تصل إلى 15 عاماً، أي أكثر من ضعف متوسط المدة التي قضاها الرئيس التنفيذي لشركة على مؤشر (S&P 500) في 2017 وبلغت 7 سنوات وشهرين. وكان هؤلاء الأشخاص جميعاً قد حققوا قدراً هائلاً من القيمة خلال مسيراتهم المهنية – لكن كما هو حال معظم الرؤساء التنفيذيين الآخرين فإن العديد منهم قد شهد حالات من المد والجزر في الأداء لفترات قصيرة. وبالنسبة لمجالس الإدارة، هذا الأمر يمكن أن يشكّل مأزقاً، إذ كيف بوسع أعضاء هذه المجالس أن يحدّدوا ما إذا كان الرئيس التنفيذي يعاني من مشكلة عارضة أم أنه يواجه مشكلة بعيدة المدى، وكيف يجب أن يكون رد فعلهم؟ كما أن الأرقام الممتازة التي حققها هؤلاء الرؤساء التنفيذيون يمكن أن تتسبب بمشكلة أخرى: فكيف يعلم مجلس الإدارة أن الوقت قد حان لكي يتنحى قائد من أصحاب الإنجازات العالية؟

ليس هناك إلا كمية ضئيلة من البيانات التي تُظهرُ شكل الأداء الذي يميل الرؤساء التنفيذيون إلى تقديمه مع مرور الوقت؛ فالرؤساء التنفيذيون، وأعضاء مجالس الإدارة، والمستثمرون غالباً ما يملؤون النقص المعرفي بقصص مروية، وافتراضات، وقواعد أساسية. على سبيل المثال، عندما سألنا الرؤساء التنفيذيين عن الفترة المثالية التي يجب أن يقضيها أحدهم في المنصب، ذكر العديد منهم المعدل الوسطي المتداول والبالغ سبع سنوات.

عندما استطلعنا آراء أعضاء مجالس الإدارة، قالوا إن الرؤساء التنفيذيين عموماً يجب أن يغادروا المنصب بعد 9 سنوات وخمسة أشهر – وهي لحظة من الزمن يؤمن عديدون أن الأداء يبدأ عادة بالثبات عندها. فلماذا هذه التوقعات؟ لا يمتلك أي منهم إجابة مقنعة أو مسندة بالأدلة. فكلامهم لا يعدو كونه ضرباً من الحكمة التقليدية.

عادة ما ينتقل الرؤساء التنفيذيون الذين ينجون من فخ التراخي ليشهدوا بعضاً من أفضل سنواتهم في مجال تحقيق القيمة.

ولكي نكوّن فهماً أفضل عن المسار التقليدي لتحقيق القيمة خلال مدة ولاية قائد معيّن، أطلقنا مشروعاً اسميناه “مشروع دورة حياة الرئيس التنفيذي”. تتبع فريق الباحثين لدينا الأداء المالي من سنة إلى أخرى على مدار كامل عهود 747 رئيساً تنفيذياً لشركات مدرجة على مؤشر (S&P 500)، وأجرينا 41 مقابلة معمّقة مع رؤساء تنفيذيين وأعضاء مجالس إدارة بخصوص تجاربهم. (راجعوا الفقرة الجانبية بعنوان “منهجيتنا”). تكشف الدراسة عن نمط مفاجئ من الظروف المعاكسة والظروف المواتية التي سيتعرض لها الرؤساء التنفيذيون خلال السنوات التي يقضونها في مناصبهم، كما أنها تفنّد بعض الآراء الشائعة بخصوص مدة ولاية الرئيس التنفيذي وتحقيق القيمة خلالها. فعلى سبيل المثال، تشير الدراسة إلى أن بعض مجالس الإدارة تتخلى عن رئيس تنفيذي قوي قبل الأوان بكثير بعد تراجع متوقع في الأداء غالباً ما يكون مؤقتاً، في حين أن هناك مجالس إدارة أخرى تتسامح مع أداء متواضع لفترة زائدة عن اللزوم.

سيساعد فهم هذا النمط – وكذلك فهم اللحظات الحاسمة التي يميل الأداء فيها إلى التحول – في خوض حوار جديد بين مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين. كما يساعد التعرف على المراحل النموذجية لعملية تحقيق القيمة في تمكين مجالس الإدارة من الاضطلاع بالمساءلة، ودعم الرؤساء التنفيذيين في كل مرحلة بأفضل شكل ممكن، والتفكير في كيفية المحافظة على ديمومة نجاح المؤسسة. وبالنسبة للرؤساء التنفيذيين، يمكن لهذا الإطار أن يساعد في بناء الثقة والشفافية مع أعضاء مجلس الإدارة، وإدارة التوقعات، والتكيف مع السياق المتغيّر خلال عهدهم، وكذلك تقويم “السؤال البالغ الصعوبة ‘هل ما زلتُ الشخص المناسب لإدارة المهام المستقبلية؟'” كما قال لنا أحد الرؤساء التنفيذيين.

نادراً ما يتشابه عهدا رئيسين تنفيذيين. فكل قائد له مسيرته الخاصة به، ويواجه ظروفاً محددة تماماً. ومع ذلك، عندما قارنّا أداء الرؤساء التنفيذيين على أساس السنوات التي قضوها في مناصبهم وليس على أساس السنوات التقويمية، وعندما نظرناً إلى مسيرة مركّبة مؤلفة من مسيرات عدة أفراد توصّلنا إلى تحديد خمسة مراحل مميزة لعملية تحقيق القيمة سيمر بها العديد من الرؤساء التنفيذيين خلال عهودهم في مناصبهم.

العام الأول

شهر العسل

يقدم معظم الرؤساء التنفيذيين أداء يفوق المتوسط خلال عامهم الأول. فهم يدخلون المنصب بكامل طاقتهم وحيويتهم، وببطاريات مشحونة تماماً، كما يُقال، ويكونون جاهزين لتولي مقاليد القيادة. أخبرنا أحد أعضاء مجلس الإدارة قائلاً: “في معظم الحالات، يكون الشخص قد شعر بتوق كبير لتولي المنصب ويكون قد فكّر ملياً في الطريقة التي سيدير بها المؤسسة ويبث الحياة في أوصالها”. يُسهم هذا الحماس للتغيير في رفع سعر السهم وتوحيد صفوف المستثمرين، ومجلس الإدارة، والمؤسسة.

خلال فترة شهر العسل، يتعلم الرؤساء التنفيذيون كيف يتعاملون مع الأولويات المتنافسة، ويقررون أين سيركزون اهتمامهم، ويحددون أي من الجهات المعنية يستحق جزءاً من وقتهم المحدود. والعامل الأساسي الذي يحدد مدى النجاح اللاحق هو مقدار ما يتعلمه الرئيس التنفيذي الجديد في مقابل اكتفائه بالتركيز على عمليات التشغيل. فمع وجود مطالب كثيرة تتنافس على وقته واهتمامه، قد يكون من السهل عليه أن يظل عالقاً في حالة التنفيذ فقط. لكن السعي النشيط إلى تطوير القدرة على التراجع قليلاً إلى الوراء، والتأمل، وإعادة النظر في طريقة العمل في ضوء التجارب السابقة يؤدي إلى توسيع قائمة الأدوات المتاحة للرئيس التنفيذي، ويحسن لديه عملية اكتشاف الأنماط السائدة، ويزيد من سرعته على اتخاذ الإجراء المطلوب.

يجد معظم الرؤساء التنفيذيين الجدد أنفسهم على أحد طرفي الطيف الذي يمثل العافية المؤسسية عند توليهم للمنصب. فهم إما يرثون مشروعاً يمتلك عمليات قوية ويسير في اتجاه استراتيجي معرف بوضوح، أو يستلمون مشروعاً يعاني من أزمة ويحتاج إلى من يقلبه رأساً على عقب. بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين يترأسون شركات تتمتع بموفور الصحة، كلما كانت تدخلاتهم أقل كان ذلك أفضل لمصلحة المؤسسة، وهدفهم الأولي يتمثل في المضي قدماً في مسار راسخ. أما من يرثون أزمة فإنهم يتخذون إجراءات جريئة عوضاً عن ذلك. ورغم أن هاتين المجموعتين تتخذان مقاربتين مختلفتين، إلا أنهما تميلان إلى عيش حالة من شهر العسل وتشعران بتفاؤل يسهم في جعل سهم الشركة يقدم أداءً يفوق المتوسط.

عندما ينظر بعض الرؤساء التنفيذيين إلى الوراء ويراجعون تلك الفترة، يدركون أن النتائج المالية العظيمة خلال عامهم الأول ربما تكون قد فرضت توقعات عالية وغير واقعية، ما قد يسهم في زرع بذار مشاكل تظهر خلال المرحلة التالية. يتذكر أحد الرؤساء التنفيذيين ما حصل قائلاً: “حقق السهم قفزة عالية جداً. كان هناك تدخل من المستثمرين الذين يستثمرون بناء على الزخم الموجود. لكن ليس بوسع الرئيس التنفيذي أن يخرج ويقول: “دعوني أقول لكم شيئاً: السهم أعلى مما يجب”. ثم عاد الأداء إلى واقعه الحقيقي، وتراجع أداؤنا كثيراً (في عامنا الثاني)”.

العام الثاني

هبوط السنة الثانية

بعد حالة السعادة العارمة المصاحبة لشهر العسل، عادة ما ينتقل بندول الساعة إلى الاتجاه الآخر، وغالباً ما يكون هذا التحرك مدفوعاً بالتوقعات غير المتحققة أكثر من كونه ناجماً عن مشاكل كبيرة. في بعض الحالات، قد يستقطب أحد التحديات غير المتوقعة اهتماماً سلبياً أكثر مما يستحق من المستثمرين. وكما وصف أحد الرؤساء التنفيذيين الأمر، “في وقت من الأوقات خلال الأشهر الاثني عشر إلى الثمانية عشر الأولى ستجد رقبتك تحت السكين”.

يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يدركوا مدى تكرار حالات الهبوط في السنة الثانية وأن يديروا توقعات الآخرين بخصوص التباطؤ المحتمل. وكما قال أحد أعضاء مجلس الإدارة: “حتى عندما تعتقد أنك تتواصل مع الآخرين زيادة عن اللزوم، ربما يكون كل ذلك التواصل غير كافٍ”. ويمكن للرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة تحويل هذه الفترة المبكرة من الأداء الضعيف إلى فرصة للعمل معاً عن كثب، وإعادة تحديد المسار الاستراتيجي ليصبح أدق، والأهم من ذلك، بناء الثقة وإعادة الأمور إلى نصابها حيثما تقتضي الضرورة ذلك. عندما يدرك أعضاء مجلس الإدارة أنهم في هذه المرحلة، فإنهم سيكونون أكثر ميلاً إلى المحافظة على هدوئهم، ودعم الاتجاه المتفق عليه، وعدم تشجيع الإدارة على التحرك لمجرد التحرك فقط.

لكن حصول تراجع كبير في الأداء لا يتمكن الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة خلاله من ضمان التواؤم الكافي بينهما قد يهيئ المجال لحصول متاعب مستقبلية. تُظهر بياناتنا أن الرؤساء التنفيذيين الذين يختبرون حالة الهبوط في السنة الثانية معرضون لاحتمال كبير بإزاحتهم من منصبهم في السنوات اللاحقة.

أخبرنا رؤساء تنفيذيون من أصحاب الأداء العالي أن اتباع سياسة الشفافية الكاملة مع مجلس الإدارة وفريق الإدارة والمستثمرين ساعدهم في تلمس طريقهم خلال سنتهم الثانية. فقد جمعوا مقداراً قيماً من الآراء التقييمية ونشطوا في عقد محادثات ثنائية لزيادة الدعم لهم. وبسبب هذه الإجراءات الرامية إلى بناء الثقة، فإن معظم النية الحسنة التي كانت سائدة في البداية ظلت قائمة، حتى عندما كان الأداء متراجعاً. يجب على مجالس الإدارة طرح أسئلة أساسية خلال هذه الفترة، لكن هذا العملية يجب أن تكون بناءة وداعمة. فالحوار سيساعد على تقريب التوقعات الإيجابية والسلبية من الواقع.

بين العامين الثالث والخامس

استرداد العافية

إذا ما تمكن معظم الرؤساء التنفيذيين من الصمود وتجاوز هبوط السنة الثانية، فإنهم يدخلون حقبة تتضافر فيها العوامل لتصب في مصلحتهم. وهكذا تبدأ تحركاتهم خلال العامين الأولين في إعطاء ثمارها. ويمنح مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي مقعداً في الصف الأول على خلفية تعامله مع الهبوط الذي حصل، في حين يتمكن المستثمرون من رؤية نتائج إيجابية ويبعثون إشارة يُبدون فيها دعمهم. وتأكيداً على ذلك، كان أحد الرؤساء التنفيذيين قد قال لنا ما يلي: “تكون قد حظيت بثقة فريقك ويزداد التلاحم فيما بينكم بعد أن واجهتم الأزمة معاً”.

يعمل الرؤساء التنفيذيون في هذه المرحلة بجد من أجل المستقبل. وصولهم إلى هذا الوقت يجعل بصمتهم واضحة في جميع أرجاء المؤسسة، إذ إن التوجه الاستراتيجي يكون قد حُدّد، والثقافة المؤسسية تكون في حالة تطور مستمر، فيما تكون الديناميكيات الإيجابية قد ترسخت داخل مجلس الإدارة. وبالنسبة لبعض الرؤساء التنفيذيين، هذا هو الوقت المناسب لدراسة فرص الاستحواذ والاندماج. كما أن هذا هو الوقت المناسب لتجريب الأفكار وزراعة بذار المبادرات الجديدة، سواء في مجال الأبحاث والتطوير، أو دورات حياة المنتجات، أو تطوير القدرات التي تساعد في المضي في الاستراتيجية قدماً، وغالباً ما تُتخذ هذه الخطوات بعيداً عن أعين الجهات المعنية الأخرى. وهذه الفترة، كما قال أحد الرؤساء التنفيذيين، هي التي “لا تنعكس فيها إجراءاتك وحجم العمل الذي تبذله فوراً في الأداء وقد تُعاقب من الأسواق على المدى القصير”. وبحلول هذا الوقت، يجب أن يكون الرئيس التنفيذي قد أصبح يتمتع بما يكفي من الخبرة للتعامل مع حالة الانفصال هذه”.

يمكن للرؤساء التنفيذيين الذين لم يستردوا عافيتهم بالكامل من هبوط السنة الثانية أن يجدوا أنفسهم معرضين لضغوط متنامية من مجلس الإدارة. وكما أخبرنا أحد أعضاء مجلس الإدارة: “عادة ما يبدأ مجلس الإدارة بطرح الأسئلة الصعبة بحق خلال العام الثالث أو الرابع”. وقد أخبرنا بعض الرؤساء التنفيذيين ممن واجهوا ضغوطاً خلال هذه الفترة أنهم تمنوا لو كانوا قد أمضوا وقتاً إضافياً مع أعضاء مجلس الإدارة خارج غرف مجلس الإدارة في وقت أبكر لبناء علاقات قوية معهم، والعديد من الرؤساء التنفيذيين الناجحين كانوا قد فعلوا ذلك، حيث أنهم غالباً ما بذلوا جهداً كبيراً للاجتماع مع أعضاء مجلس الإدارة بشكل منفرد أثناء سفرهم.

مع اقتراب نهاية هذه المرحلة، قد يتعرض الرؤساء التنفيذيون إلى خطر الوصول إلى ما يسمى النقطة العمياء. فالثقة يمكن أن تتحول إلى ثقة مفرطة، ولا سيما إذا كانوا قد مروا بعدة سنوات من الأداء العالي. والبعض منهم يصبح مشوشاً ومتململاً. وقد تفوتهم الترقيات المعتادة والتغيرات الوظيفية التي كانوا قد خبروها وهم في طريقهم إلى شغل المنصب – أو قد يعون الضغوط المترتبة على حياتهم وعلى عائلاتهم. فيما يبدأ آخرون بالتركيز على أسئلة لها علاقة بأشياء موروثة، فهم يفكرون في الغاية ويتحدثون عنها. ويفكر آخرون في الزمن المطلوب لكي تبدأ الاستثمارات الكبيرة بإعطاء النتائج المرجوة ويترددون في استثمار الكثير من الوقت والجهد في رهان قد لا يكون مربحاً إلا بعد أن يكونوا قد غادروا مناصبهم.

بين العامين السادس والعاشر

فخ التراخي

غالباً ما تلي استرداد العافية فترة من الركود المديد والنتائج المتواضعة. قد لا يكون الأداء سلبياً بشكل صريح (وفي بعض الأحيان قد يكون هذا الأداء مموهاً نتيجة الصعود في السوق)، لكن الرؤساء التنفيذيين يميلون إلى مواجهة صعوبة في تقديم مستوى من النتائج مشابه لما كان عليه الحال في السنوات السابقة. فقد تكون هناك سنة قوية تليها سنتان ضعيفتان. وبما أن بعض مجالس الإدارة لا تعلم ما إذا كانت السنة السيئة تبعث بإشارة إلى وجود مشاكل كبيرة تلوح في الأفق أم لا، فإنها قد تؤجل التدخل، في حين قد يسارع بعضها الآخر إلى عزل الرئيس التنفيذي من منصبه. فالعديد من الرؤساء التنفيذيين في مجموعة بياناتنا غادروا مناصبهم خلال هذه الفترة، كما هو متوقع، بالنظر إلى المعدل الوسطي لمدة ولاية الرئيس التنفيذي في منصبه.

مع دخول الرؤساء التنفيذيين في هذه المرحلة، يرتفع خطر الشعور بالتراخي، سواء على مستوى الرئيس التنفيذي، أو مجلس الإدارة، أو حتى على مستوى المؤسسة. فبما أنهم الآن يجلسون وبكل ثقة في مقعد السائق، فإن بعضهم يرخي قبضته عن مقود السيارة. والبعض منهم يفرط في الانخراط في الأنشطة الخارجية – مثل مجلس الإدارة وإلقاء الخطابات والأنشطة الخيرية – ويتشتت انتباههم عن العمل. وبعد مرور بضع سنوات في المنصب الأعلى، تبدأ المحافظة على الطاقة الشخصية ومواكبة العالم السريع التغير ترخي بظلالها الثقيلة على شاغل المنصب. وقد أشار عدد من أعضاء مجالس الإدارة إلى فخ التدرج الذي يبدأ الرؤساء التنفيذيين فيه بالتفكير في النجاح بشجاعة أقل أو يقاومون فكرة إلقاء نظرة معمقة على قراراتهم التي اتخذوها في الماضي. ففي الأيام الأولى، كانوا يُدخلون تعديلات وتغييرات على قرارات أسلافهم، أما الآن فهم بحاجة إلى إعادة النظر بقراراتهم الذاتية وإلى أن يقروا بالحالات التي خرجوا فيها عن المسار الصائب. هذا الأمر يمكن أن يكون أصعب.

يدرك الرؤساء التنفيذيون الذين يقدمون أداء متفوقاً خلال هذه المرحلة الحاجة إلى إعادة ابتكار أنفسهم بحلّة جديدة. فهم يحافظون على تركيزهم على نشاط الشركة ويظلون يشككون في الوضع الراهن. “كان الشعور بالتراخي هو الهم الأكبر الذي يقض مضجعي”. هذا ما أخبرنا به أحدهم حيث أضاف: “داخل الشركة، بدأ الموظفون يفترضون أننا سنحقق نتائج عظيمة… لكن توجب عليّ أن أقول: ‘كلا، يجب علينا أن نستمر في البحث عن طرق جديدة لإنجاز المطلوب'”. في المقابل، يتبنى بعض القادة ذهنية تقول “إذا لم تكن الآلة معطلة، لا تحاول إصلاحها”، ويخفقون في إعادة النظر في الاستراتيجية بالمقدار الكافي. وحتى عندما يدرك الرئيس التنفيذي الحاجة إلى تعديل المسار، فإن حالة الجمود الموجودة في مجلس الإدارة يمكن أن تُبطئ التغيير أو أن تحول دون حصوله. كما أن حالة عدم اليقين المحيطة بما يمكن أن يتغير وكيف يمكن تغييره يمكن أن تطيل أمد العملية، إلى ما بعد فوات الأوان ربما. لاحظ أحد أعضاء مجلس الإدارة أن العديد من الرؤساء التنفيذيين “يتبنون موقفاً دفاعياً عندما يبدأ الأداء بالهبوط، وهذا ليس في مصلحتهم”. عوضاً عن ذلك، يجب عليهم البحث عن فرص جديدة لصالح الشركة.

يصف بعض الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة هذه الفترة أنها فترة من السعادة المؤجلة حيث يتخلون فيها عن مكاسب على المدى القصير في سبيل رهانات على المدى الطويل. تنطوي هذه الجهود الرامية إلى إحداث تحولات على إمكانية إعادة تشكيل المؤسسة، وغالباً ما تكون لذلك آثار أبعد مدى على النموذج التجاري. لكن الضغوط الرامية إلى تحقيق مكاسب على الأمد القصير قد تستمر في التنامي، ما يدفع الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة إلى المحافظة على حلفهما الوثيق بخصوص الرؤية والإطار الزمني. وتفرض التأخيرات في أنشطة الاستحواذ والاندماج أو دورة تطوير المنتجات، أو فترات التكامل التي تستغرق وقتاً أطول من المتوقع، أو مستهدفات التآزر غير المتحققة ضغوطاً إضافية، ما يشكل ضغطاً مؤقتاً على العوائد الإجمالية للمساهمين ويشتت الانتباه عن أرباح كبيرة محتملة من عملية تحول ناجحة. وقد أخبرنا أحد الرؤساء التنفيذيين قائلاً: “إنها لفترة مؤلمة عندما يبدأ المنتج (أ) بالتراجع لكن ليس بوسعك أن تتحدث عن المنتج (ب) الذي سيخلفه. أنت تعلم أن هناك قصة عظيمة يجب أن تروى؛ لكن لا يكون بوسعك أن ترويها بعد”.

منهجيتنا

حللنا كامل عهود 747 رئيساً تنفيذياً لشركات مدرجة على مؤشر (500 S&P)، غادروا مناصبهم بين 2004 و2017. وقد تراوح طول الفترة التي أمضوها في المنصب ما بين ثلاثة أشهر و41 عاماً. في بادئ الأمر، حسبنا العوائد الإجمالية السنوية للمساهمين، والمعدلة بحسب السوق، في كل شركة (أي الفرق بين العوائد الإجمالية للمساهمين في الشركة والعوائد الإجمالية للمساهمين لمؤشر (500 S&P) لكل سنة من سنوات ولاية الرئيس التنفيذي. أنتج ذلك 7,000 ملاحظة خاصة تتعلق بالأداء، ونحن استعملناها لرسم خط أساس متوسط يظهر أداء الرؤساء التنفيذيين كل عام، بغض النظر عن بيئة السوق. بعد ذلك وحدنا معايير البيانات من أجل سهولة المقارنة.

عوضاً عن المقارنات المعتادة المستندة إلى الزمن، التي ستراجع أداء رؤساء تنفيذيين مختلفين خلال عام تقويمي محدد، درسنا أداء الرئيس التنفيذي على أساس السنوات التي أمضاها في المنصب. فعلى سبيل المثال، عوضاً عن مقارنة أداء جميع الرؤساء التنفيذيين في 2012، راجعنا أداء كل واحد منهم خلال عامه الأول في المنصب، وخلال العام الثاني، وفي المراحل الثلاث اللاحقة. بهذه الطريقة، لم نرتب تأثيرات السوق والاتجاهات السائدة في القطاع بعشوائية فحسب، وإنما تمكنا أيضاً من عقد مقارنة بين أداء الرؤساء التنفيذيين الذين كانوا يعملون خلال شرائح زمنية مختلفة.

وفي مسعى منا لاستبعاد التفسيرات البديلة للفروقات في الأداء، درسنا البيانات المؤسسية وبيانات الأفراد التي ربما تكون قد تركت أثراً ملموساً مثل العِقْد الذي بدأ الرئيس التنفيذي العمل فيه، والقطاع، وتجربة الرئيس التنفيذي أو مجلس الإدارة السابقين، والعمر في تاريخ البدء، ونوع الرئيس التنفيذي، وحالة المؤسسة أو الاكتتاب العام الأولي، والتغيرات في الإيرادات والدخل، والنفقات الرأسمالية، والقيمة السوقية، والأحداث الاستثنائية مثل الأزمة المالية العالمية. وقد أدخلنا هذه المعطيات ضمن نماذج إحصائية متعددة المستويات لتحديد كيف أثرت المتغيرات على الأداء والتأكد مما إذا كانت نتائجنا ستصمد.

بعد أن حللنا البيانات، أجرينا 41 مقابلة معمقة مع الرؤساء التنفيذيين من ذوي الأداء العالي في مجموعة بياناتنا وأعضاء مجلس الإدارة الذين راقبوا هؤلاء الرؤساء التنفيذيين لكي نفهم كيف يفكر القادة ومجالس الإدارة وكيف يتحدثون عن الأداء، والولاية، والعناصر الأساسية والإنجازات خلال مسيرة الرئيس التنفيذي.

بالنسبة لمجالس الإدارة، يطرح ظهور فخ التراخي سؤالاً حرجاً: هل رئيسنا التنفيذي يجيد الركض في سباقات المسافات القصيرة أم أنه أبرع في سباقات المسافات الطويلة والماراثون؟ كما يجد أعضاء مجالس الإدارة صعوبة في تحديد ما إذا كانوا يجب أن يستعينوا بشخص جديد أم أن يلتزموا بالرؤية البعيدة المدى للرئيس التنفيذي الذي يشغل المنصب حالياً. تُظهر بياناتنا أن الأداء غالباً ما يحقق قفزات كبيرة في العام الذي يشهد حدثاً مهماً – مثل استحواذ كبير، أو طرح ابتكار تكنولوجي، أو تحول في دورة حياة المنتج، أو توسع جغرافي – في حين تتعرض العوائد للضغوط في السنوات التي تسبق ذلك أو تليه. وقد يبدأ مجلس الإدارة بالتساؤل عما إذا كان الرئيس التنفيذي قد أصبح خالي الوفاض من أي أفكار. يقول أحد أعضاء مجلس الإدارة: “يمتلك بعض الناس رؤية واضحة بخصوص كيفية توجيه دفة السفينة في السنوات المبكرة. لن أقول إنهم يشبهون أحصنة السيرك التي ليس لديها إلا خدعة واحدة تؤديها، لكنها تجد معاناة في عرضها الثاني أمام الجمهور”. وحتى لو بدأ أعضاء مجلس الإدارة يفكرون في تغيير القيادة، إلا أنهم يميلون إلى التردد. “سلبيات تغيير الرئيس التنفيذي تبدو هائلة بالنسبة لمجلس الإدارة”، كما قال أحد أعضاء مجلس إدارة الذين تحدثنا إليهم. وتشير بياناتنا إلى أن مجالس الإدارة يجب أن تتحرك بشكل حاسم، فهي يجب إما أن تسرع عملية الإحلال الوظيفي أو أن تحمي الرئيس التنفيذي من الضغوط الخارجية.

بين العامين الحادي عشر والخامس عشر

السنوات الذهبية

عادة ما ينتقل الرؤساء التنفيذيون الذين ينجون من فخ التراخي ليشهدوا بعضاً من أفضل سنواتهم في مجال تحقيق القيمة. فالتزامهم الطويل الأجل وقدرتهم على إعادة ابتكار أنفسهم هم والشركة بحلّة جديدة يبدآن بإعطاء الثمار المرجوة. وصف بعض الرؤساء التنفيذيين ما يسمى “تأثير الحدّافة (عجلة تنظيم السرعة)”: فالمشاريع والاستثمارات التي لم تثمر عن أي نتائج في وقت مبكر بدأت أخيراً تؤتي أكلها”.

بحلول هذا الوقت، تكون الثقة الإضافية التي توليها مجالس الإدارة للرؤساء التنفيذيين قد أثبتت أنها في محلها. فالرؤساء التنفيذيون يكونون قد اكتسبوا معرفة عميقة بالمؤسسة، وقادوا خلال فترات مختلفة من دورة الأعمال، وتمكنوا من الصمود في وجه عدة أزمات. ويزداد باضطراد احتمال أن تتوالى الأعوام الجيدة واحداً تلو الآخر. لقد تعلم هؤلاء الرؤساء التنفيذيون كيف يتجاوزون الأوضاع المعقدة التي تضم عدة جهات معنية في الوقت ذاته. أخبرنا أحد الرؤساء التنفيذيين بما يلي قائلاً: “عندما تنفد بجلدك لتصل إلى السنوات الذهبية، فهذا لا يعني أنك قد أحسنت إدارة الشركة فحسب، وإنما عرفت كيف تتعامل مع مجلس إدارتك، ومع الجهات المعنية أيضاً، ومع أي شخص يشكك في بقائك في سدة السلطة”. كان العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين بقوا في مناصبهم لفترات طويلة ممن أجرينا مقابلات معهم يشعرون بحافز كبير جراء فكرة بناء إرث يتركونه خلفهم عندما يغادرون مناصبهم.

أداؤهم يُفسّر جزئياً من خلال عينة بياناتنا. فمعظم الرؤساء التنفيذيين كانوا قد خرجوا من السباق بحلول هذه المرحلة، سواء بسبب الأداء، أو الوضع الصحي، أو لأسباب شخصية، لذلك فإن القادة الأقوى هم من يبقى لفترة تزيد على عقد من الزمن. في الحقيقة، عندما طرحنا بياناتنا، شكك بعض المراقبين فيما إذا كان الأداء المتفوق خلال السنوات الذهبية ناجم حصرياً عن هذا التحيز للبقاء، نتيجة كون القادة الأضعف قد استبعدوا باكراً. لكن أبحاثنا تُظهر أن هناك عوامل أخرى مؤثرة. فعندما استقصينا معدلات الاستنزاف في بياناتنا، رأينا رؤساء تنفيذيين يغادرون المنصب بأرقام ثابتة في كل السنوات. ولو كان الاستنزاف وحده يفسر حالات الصعود والهبوط، لكنا سنرى تحركات مقابلة في الاستنزاف والأداء. إضافة إلى ذلك، فإن الرؤساء التنفيذيين الذين بقوا في مناصبهم لعقد ثانٍ من الزمن يُظهرون نمطاً مشابهاً من حالات الصعود والهبوط خلال مدة ولايتهم. بالتالي فإن بقاءهم لم يكن ناجماً ببساطة عن أدائهم، فالمصداقية والثقة اللذَين بنوهما مع مجلس الإدارة والمستثمرين ساعداهما في المحافظة على مسارهم في السنوات المحفوفة بالتحديات.

في هذه المرحلة، يصبح توقيت الإحلال الوظيفي سؤالاً أساسياً بالنسبة لمجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين. فغالباً ما يكون لدى الرؤساء التنفيذيين ذوي الأداء العالي قدرة استنسابية أكبر في تحديد متى يتنحون من مناصبهم. وعلى حد قول أحد الرؤساء التنفيذيين: “إذا كنت ناجحاً لمدة 10 سنوات أو ما شابه، فسيكون من الصعب جداً على أعضاء مجالس الإدارة أن ينظروا إليك في وجهك وأن يقولوا: “يجب عليك أن تغادر”. لذلك فإنك تبقى في منصبك لفترة أطول من الزمن لكنك لا تنجز عملك بذات الجودة التي يمكن لشخص آخر أن ينجزه به. أردت أن أغادر منصبي كشخص ناجح”. رغم أن الشركات والمستثمرين يستفيدون من وجود رئيس تنفيذي من ذوي الأداء العالي لفترة طويلة الأجل، إلا أن ذلك يمكن أن يعقد عملية الإحلال الوظيفي. وقد أكدت دراسة أجرتها مؤخراً شركة “بي دبليو سي” (PwC) النتائج التي توصلنا إليها من أن الرؤساء التنفيذيين الذين يشغلون مناصبهم منذ فترة طويلة يتفوقون في الأداء على غيرهم، ومع ذلك فإن خلافة رئيس تنفيذي أسطوري يؤدي إلى نتائج غير متناسبة من حيث ضعف الأداء واحتمال الاستبعاد من المنصب.

تتعرض مجالس الإدارة إلى ضغوط غير مسبوقة على الإطلاق. فقد أصبح المساهمون الناشطون بارعين في ممارسة نفوذ هائل على أعضاء مجالس الإدارة وإبقائهم في حالة استنفار دائم. وثمة لجوء متزايد من صناديق المؤشرات، التي لا تستطيع بيع الأسهم عندما لا تكون راضية عن قيادة الشركة أو طريقة الحوكمة فيها، إلى استعمال نفوذها لإخضاع مجالس الإدارة للمساءلة عن أداء الرئيس التنفيذي. يزيد الضغط الخارجي من احتمالات وجود علاقة عدائية بين الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة، الأمر الذي يجعل الرؤساء التنفيذيين يشعرون أنهم غير مدعومين ومعرضين لسوء الفهم. كما اتسعت رؤية مجالس الإدارة لنفسها، فالعديد منها بات يسعى الآن إلى إضافة القيمة إلى القرارات الأهم التي تواجه الشركة، وتتراوح ما بين الاستراتيجية وأصحاب الموهبة والثقافة.

يمنح إطارنا التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة لغة مشتركة لخوض حوارات صريحة بخصوص المخاطر والفرص المحتملة في كل مرحلة. وهو يمكن أن يساعد مجالس الإدارة على النظر إلى الأداء ضمن سياق أوسع وتجنب المبالغة في إبداء ردود الفعل في لحظات الشك – أو تحمل الأداء الضعيف لفترة زائدة عن اللزوم. كما يمكنه أيضاً أن يساعدهم في التعاون في موضوع الإحلال الوظيفي وتحديد اللحظة المثالية لتنحي القائد عن منصبه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .