ما المهارات التي يحتاج إليها كل موظف لدمج الذكاء الاصطناعي في مهامه اليومية؟

6 دقيقة
الذكاء الاصطناعي التوليدي
يورغ غرويل/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يدرك قادة اليوم أن المستقبل سيشمل تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي، ويشعرون بضغط هائل للعمل على تطبيق حلول هذه التكنولوجيا. لكن كيف يمكن للشركات تحقيق التكامل الفعّال بين الذكاء الاصطناعي وقوى العمل لضمان تحقيق الأهداف التجارية المستهدفة؟ كشفت المقابلات الشخصية مع قادة الشركة والرؤساء التنفيذيين عن إجابة غير بديهية؛ وهي ضرورة الاستثمار في مهارتين مهمتين. وعلى وجه التحديد، أفادت الشركات بضرورة تمتّع الموظفين بـ 1) مهارات التعامل مع الآخرين؛ أي القدرة على التواصل بفعالية مع الآخرين والتفاعل معهم على نحو هادف وتشجيع التعاون بين أعضاء الفريق، و2) المعرفة المتخصصة التي تتيح لهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحقيق أقصى استفادة منها، لا سيما فيما يتعلق باتخاذ أفضل القرارات.

يشهد عالم الشركات حالياً دورة ضجيج بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ يتكرر على مسامع القادة الكثير من التكهنات حول قدرة الذكاء الاصطناعي على تحويل الأعمال، لكن ثمة تحديات جديدة بانتظارهم: فهم يدركون اليوم أن المستقبل سيشمل تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي، ويشعرون بضغط هائل للعمل على تطبيق حلول هذه التكنولوجيا. لكن كيف يمكن للشركات تحقيق التكامل الفعّال بين الذكاء الاصطناعي وقوى العمل لضمان تحقيق الأهداف التجارية المستهدفة؟

أجرينا عشرات المقابلات المتعمقة مع رؤساء تنفيذيين من مختلف القطاعات منذ إطلاق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تشات جي بي تي بشهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022 ومجموعة التطبيقات الأخرى التي تلته. تمثّل هدفنا الرئيسي في تحديد دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تغيير ممارسات الشركات الرائدة، ومن ثم استخلاص الدروس التي تُسهم في تحقيق النجاح مستقبلاً.

كشفت مقابلاتنا الأخيرة عن تغير ملحوظ في تركيز ثقافات الشركات مقارنة بالدراسات السابقة، سواء دراساتنا أو دراسات باحثين آخرين؛ في المقابل أظهرت مقابلاتنا السابقة أهمية تبنّي ثقافة مرتكزة على العنصر البشري، أشارت مقابلاتنا الأخيرة إلى تحوّل حاسم نحو تطوير كفاءات الموظفين. وعلى الرغم من أن دورة الضجيج الحالية تتمحور حول قدرات الذكاء الاصطناعي، والمهارات الرقمية، وضرورة إدارة التغيير المؤسسي، تُظهر نتائج دراستنا أهمية القدرات البشرية في الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي بالكامل.

في الواقع، إن القدرة على فهم السياق هي خاصية يتميّز بها الإنسان وتفتقر إليها أدوات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعزز الحاجة إلى المهارات البشرية؛ هذه فكرة مهمة تساعد القادة على فهم العناصر البشرية الضرورية لضمان تحقيق المؤسسة الفائدة الكاملة من أداوت الذكاء الاصطناعي.

المهارات التي تحتاج إليها الشركات

لاحظنا فئتين من المهارات البشرية التي يوليها القادة أهمية بالغة وتشجع المؤسسات موظفيها على تعلّمها بالفعل: الأولى هي مهارات التعامل الفعال مع الآخرين، مثل القدرة على حل النزاعات والتواصل والتفكير الواعي بمعزل عن العواطف، وحتى ممارسات اليقظة الذهنية؛ والثانية هي الخبرة في مجال العمل، مع التركيز على أهمية الحفاظ على هذه المعارف لدى أصحاب المواهب ذوي الخبرة ونقلها إلى الموظفين المبتدئين الشباب.

لاحظنا من المقابلات التي أجريناها أن القادة الذين تحدثنا إليهم يرون المعرفة الرقمية أمراً مسلّماً به، ولكنهم لم يولوا أي أهمية لمهارات التعامل مع الآخرين، مثل القدرة على التواصل والتفاعل على نحو هادف وتبني ثقافة التعاون بين أعضاء الفريق، وفي حين تحظى المهارات التقنية بتركيز متنامٍ في وسائل الإعلام، فالمهارات البشرية الفريدة هي ما تحتاج إليه الشركات بالفعل، بيد أنها شحيحة في سوق العمل الحالي. أكد الرئيس التنفيذي لشركة لينوكس غروب (Lenox Group)، بيتر كاميرون، بالفعل أن نجاح مكان العمل يعتمد على القدرة على تنمية العلاقات الشخصية، قائلاً: “لن يحل شيء محل العلاقات الطويلة الأمد الشخصية، وكلما كانت العلاقة أطول أصبحت أفضل”. وسلّطت المؤسِّسة المشاركة لشركة فيوتشر إنسايت نتوورك (Future Insight Network) ورئيستها التنفيذية، ماريا فيلابلانكا، على صفات معينة يجب البحث عنها عند اختيار المواهب بقولها: “هم أشخاص يتوصلون إلى الحلول بطرق إبداعية ومبتكرة، إنهم حلّالو المشكلات”. وهو ما أثبتته الدراسات أيضاً: فقد كشفت دراسة أُجريت على 1,700 شركة عالمية أن الشركات التي تتفوق في مؤشرات رأس المال البشري ازدادت احتمالات تفوقها في أدائها المالي 4 مرات.

ولعلّ إحدى أعظم قيم العاملين ذوي الخبرة هي امتلاكهم الخبرة في مجالات عملهم؛ أي المعرفة العميقة ببيئة العمل، ومع تزايد تبنّي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تنشأ تحديات تتعلق بفقدان المهارات وهذا النوع من المعرفة والخبرة. أشار رئيس شركة إدارة سلاسل التوريد، كيناكسيس (Kinaxis)، ورئيسها التنفيذي، جون سيكارد، إلى أن امتلاك المعرفة في مجال العمل أساسي في دعم الشركة لمواجهة التحديات خلال الفترات الصعبة. وشبه الأمر بالطائرة حين تواجه حدثاً طارئاً، إذ يوقف الطيار وضع الطيران التلقائي على الفور ويقودها بالتحكم اليدوي، ويفكر في الوقت نفسه في الإجراءات التي يجب عليه اتخاذها؛ ومن المهم بالتالي تطوير هذه المهارات وتنميتها.

من جهة أخرى، يبدو أن فائدة الذكاء الاصطناعي التوليدي تزداد عند استخدامه مساعداً آلياً للموظفين المتمرسين الذين يمتلكون القدرة على تحليل “هلوساته”؛ أي المعلومات غير الدقيقة التي يقدمها على أنها حقائق، واعتبارها بيانات مساعدة. ومع ذلك، قد لا يمتلك الموظفون ذوو الخبرة القدرة الكافية على تمييز الصحيح وغير الصحيح من المعلومات، ويحتاجون إلى مسار مخصص لتطوير هذه المعرفة. أكّد الرئيس التنفيذي السابق لشركة تي جيه إكس كومبانيز (TJX Companies) ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة بوبز ديسكاونت فيرنتشر (Bob’s Discount Furniture)، تيد إنغليش، هذا الرأي قائلاً إن القيادة تتطلب “مزيجاً من الحدس والخبرة والمعرفة”، لكن الآلات لن تقدم لك هذا المزيج، فدور التكنولوجيا هو تمكينك من اتخاذ قرارات أدق فقط.

وعلى الرغم من الأدبيات الكثيرة التي تتحدث عن ضرورة دمج الذكاء الاصطناعي في بيئة عمل الموظفين، فالتحدي الحقيقي يكمن في تنفيذه عملياً؛ إليكم الخطوات التي يجب على الشركات اتخاذها.

عدم الاقتصار على إضافة حلول الذكاء الاصطناعي إلى أعمال البشر

نشرنا في عام 2020 إطار عمل فور آي (Four I) لاستخدام الذكاء الاصطناعي يدعو إلى إنشاء مؤسسة مرتكزة على البشر، وعدّلنا استناداً إلى نتائجنا الحالية مواصفات إطار العمل الأصلي لجعله أكثر تفصيلاً في توجيهاته. وهو يقدم اليوم مقارنة وتحوّلاً مباشرين في استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن بيئة العمل بعد الجائحة.

يركز الجزء الأول من إطار العمل على التنفيذ المدروس؛ أي يجب أن يبنى تصميم نموذج العمل التجاري للشركة على قدرات الذكاء الاصطناعي بطرق مدروسة، بدلاً من مجرد إضافة التكنولوجيا الذكية إلى العمليات الحالية. وقدّم المدير العام والرئيس التنفيذي لشركة سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية العالمية، لي آند فونغ (Li & Fung)، سبنسر فونغ، مثالاً تشبيهياً قائلاً: “الشركات التي تشتري تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دون تطوير نموذج عمل جديد تشبه شركة تسعى إلى رقمنة عربة تجرها الخيول في حين ابتكرت الشركة المنافسة سيارة رقمية بالفعل”. وعرض مثالاً آخر عن شركة الملابس شي إن (Shein)، التي أصبحت رائدة في قطاع الأزياء السريعة من خلال استخدام نموذج عمل متميز يركز على تطوير منصة تجارة إلكترونية سلسة وتوظيف نهج مستند إلى البيانات.

يركز الجزء الثاني من إطار العمل على تحقيق التكامل بين أقسام الشركة من خلال التواصل الأفقي واستخدام الذكاء الاصطناعي بصفته عامل تمكين؛ بعبارة أخرى، التخلص من عقلية الصومعة. على سبيل المثال، استثمرت شركة إيكاتيرا (ekaterra)، أكبر شركة لإنتاج الشاي في العالم، في منصة ذكاء اصطناعي موحّدة بهدف تعزيز التواصل الأفقي الكامل وتحقيق التكامل في جميع جوانب العمل وضمان الشفافية الآنية.

غير أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ. كتب بطل العالم السابق في لعبة الشطرنج، غاري كاسباروف، أن النجاح الحقيقي لا يعود إلى استخدام أفضل الأشخاص لأفضل الأدوات التكنولوجية، بل إلى تبني أفضل عملية لتحقيق التكامل بينهما. ولتحقيق هذا التكامل، يجب أن يكون أصحاب المواهب على دراية بإمكانات الذكاء الاصطناعي وأن يعرفوا طرق استخدامها المثلى.

ومع ذلك، يبقى الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا دائمة التطور، وهذا يستدعي من الشركات إتاحة المجال والموارد اللازمة في النظام لخلق فرص التعلم. وقد اكتسب أحد مؤلفي هذا المقال تلك الخبرة في عمله سابقاً على مشروع طائرة إف -22 رابتور (F-22 Raptor) مع شركة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin)، بعد أن خصصت الشركة فترات توقف عن العمل ليتعرف العمال على الأدوات والتكنولوجيا الجديدة. قد يؤدي تعلم التكنولوجيات الجديدة الآخذة بالتطور إلى خسارة مؤقتة في الإنتاجية، لكنها ستُعوض في نهاية المطاف، فكما يقول المثل: “علمني كيف أصطاد ولا تعطني سمكة كل يوم”.

قد يتطلب التنفيذ أيضاً التمييز بين “العمل العميق” و”العمل السطحي”؛ فالأخير يمكن تحميل الذكاء الاصطناعي أعباءه، أما الأول فيتطلب تدريب الموظفين على تطوير مهاراتهم الفكرية والذهنية. على سبيل المثال، تُخصص إحدى الشركات جلسات مدة 90 دقيقة ضمن أيام العمل الأسبوعية العادية لتطوير مهارات الموظفين.

والجزء الأخير من إطار العمل هو المؤشرات أو قياس الأداء. تجاوز التفكير في مقاييس الأداء التقليدية أو الجدل العقيم حول العمل من المقر المكتبي أو من المنزل، واسعَ إلى تطوير مؤشرات جديدة ترتبط مباشرة بغاية نموذج أعمالك باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبالفعل، تستخدم المؤسسات الذكاء الاصطناعي اليوم لإعادة تحديد ما يجب قياسه وكيفية قياسه وتحسين الأداء، بدءاً من جوجل وحتى شنايدر إلكتريك (Schneider Electric).

مشاركة البشر ذوي المهارات المحسّنة في “حلقة التعلم

لا يمكن تحقيق الميزة التنافسية دون مشاركة البشر في حلقة التعلم، والإسراع في اعتماد الذكاء الاصطناعي بديلاً عن المواهب هو خطأ كبير.

ما السبب؟

أولاً، خوارزميات الذكاء الاصطناعي قابلة للتقليد والتكرار؛ أما نموذج الأعمال الفريد والعمليات الفريدة والتكامل المدروس بين التكنولوجيا والعنصر البشري فلا يمكن تقليدها وتكرارها ببساطة.

ثانياً، يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات القديمة التي قد لا تكون صحيحة في بيئة العمل العالمية المتقلبة. أكّد سيكارد من شركة كيناكسيس أن “كل النماذج التي تعتمد على الحسابات الرياضية ألغيت عندما انتشرت الجائحة، ولم يكن من الممكن الوثوق بالمعطيات المفترضة. هذا ليس انتقاداً للعلم، بل للاعتقاد أن هذه التكنولوجيات تُلغي الحاجة إلى التحلّي بالمرونة”. بعبارة أخرى، لا تُتّخذ قرارات الأعمال بمعزل عن قضايا العمل والتضخم والعلاقات الجيوسياسية، وهنا يأتي دور خبرة الأفراد الأساسية في مجالات العمل. سمعنا في مقابلاتنا مع المسؤولين التنفيذيين أن الميزة التنافسية الجديدة تكمن في “عقل الإنسان” و”تفكيره النقدي” و”ذكائه في صنع القرارات”.

ثالثاً، قد يكون الذكاء الاصطناعي عرضة للهلوسة و”الانحراف”، فيولّد نتائج مختلَقة أو غير دقيقة. وقد يفرض تسليم زمام السيطرة للذكاء الاصطناعي مخاطر كبيرة من حيث صناعة قرارات غير دقيقة وتحمّل تبعات قانونية.

باختصار، الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، والعنصر المحوري في العمل هو البشر، شريطة تعزيز القدرات البشرية، ووضع نموذج أعمال مدروس، وتطوير عمليات متميزة تضمن التكامل بين الموظفين وأدوات الذكاء الاصطناعي المساعدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .