كيف يمكن للشركات استخدام تعلم الآلة لفهم احتياجات زبائنها ورعباتهم بفعالية، دون التخلي عن الرؤى التي تأتي من حدس الموظفين وتعاطفهم؟
تعمل شركتي في مساعدة المؤسسات الأخرى على إبداع منتجات وخدمات جديدة، التي بدورها ستكون مفيدة وظيفياً، ومؤثرة في الزبائن عاطفياً. وكجزء من هذا العمل، طلبنا من زبائن المؤسسات وزبائنها المحتملين على شبكة الإنترنت، تزويدنا بمواد من صور وملفات فيديو ونصوص. في إحدى السنوات، تلقينا تقريباً 13 مليون رسالة عشوائية، وأكثر من 307 آلاف صورة وفيديو من حوالي 167 ألفاً من مساهمين متنوعين، أجابوا عن أسئلة ذات نهاية مفتوحة طُرحت من قبلنا، بالإضافة إلى إنتاج محادثاتهم حول مواضيع من اختيارهم. وكان التحدي، يتمثل في تلبية الحاجات التي لم تتم تلبيتها بعد، والرغبات التي لا يُعبّر عنها في هذه الوفرة من المحتوى. ولفعل ذلك، استخدمنا منهج تعلم الآلة الذي يشرف عليه الإنسان والذي نعتقد بأنه يمكن للشركات الكبرى التعلم منه. وإليك هنا كيف يعمل.
تعتمد برمجة الكمبيوتر التقليدية على صياغة مجموعة مبادئ صريحة ليتبعها الكمبيوتر. مثال: إذا تضمنت العبارة كلمة "مجنون" نرمز لها على أنها سلبية. وإذا كان الشيء في الصورة يحتوي على 4 عجلات، نشير إليه على أنه سيارة. لكن ما الذي يحدث إذا كان الشيء ذو العجلات الأربع يأتي في علبة وجبة سريعة للأطفال؟ هل يشار إليها على أنها لعبة؟ أم أنها شيء يحمل خطر بلعه من قبل الأطفال؟
يمكنك ملاحظة القيود المفروضة على الطريقة المرتكزة على القوانين عندما تحاول فهم التعابير الإنسانية العفوية. فكلمة "مجنون" السلبية ينقلب معناها إذا جاءت في سياق "مجنون في حب...". وليس فقط يمكن للأشياء ذات العجلات الأربع أن تكون مكنسة كهربائية أو لعبة سحب، لكن السيارات أيضاً يمكنها أن تكون بثلاث عجلات.
لا أحد يستطيع كتابة أو صياغة جميع القواعد لتصنيف كل شيء، ولا يمكن توثيق جميع الطرق التي يعبّر بها الإنسان عن مشاعره. فنحن البشر، نتعلم ونصنف ونتصرف بناء على تمييز الأنماط والمعاني المسبقة. ونطرح افتراضيات بناءً على الأنماط والأهداف والسياق.
ويتوقف نوع تعلم الآلة الذي نوظفه، على التعلم الخاضع للإشراف الذي يعتمد على التعلم من المعاني المسبقة. وعن طريق تقديم أمثلة صنفناها مسبقاً، يمكن للكمبيوتر التعلم من الخبرات دون أن تكون مبرمجة بشكل صحيح، ويصبح أذكى مع مرور الوقت عندما تتراكم هذه الخبرات لديه.
يُعتبر تعلم الآلة الأداة الوحيدة من أدواتنا دائمة التطور. وتعد طريقة مفيدة لأسباب عديدة، وتعكس التزامنا لجعل الشركات تتمتع بصبغة بشرية أكثر. نأخذ مثالاً: تركز الأعمال التجارية على ما يقاس بسهولة من خلال جهودها لتقييم وتحسين الأداء وكذلك خبرة الزبون. وتم تضخيم هذه النزعة في بحوث السوق التقليدية، حيث يُطلب من الناس تصويت مغلق، وأسئلة تصنيف تنتج عنها إجابات قابلة للقياس الكمي والتكرار بسهولة. لكن البصيرة الأكبر، هي التي نجدها في الحوار العفوي مع الزبائن، ليس في المسح عبر الإنترنت الذي يُطلب من المتسوقين إكماله، إنما في الصور التي يلتقطونها، والتغريدات التي ينشرونها، والنصائح التي يعطونها في المنتديات عبر الإنترنت. لذلك عوضاً عن دفع الناس إلى لعب دور المستفتي، وتقويض مساهماتهم فقط للإجابة عن الأسئلة التي نفكر بطرحها، نشجع أفراد مجتمعنا على المشاركة بطرق عديدة، وكلنا دراية بأن تعلم الآلة سيجعل منا أكثر فعالية في تفسير عدة أشكال من تعابير البشر العفوية والأساسية. وبذلك نتمكن من أن نكون أكثر بشرية، ونركز على الزبون أكثر.
لا يغنينا تعلم الآلة عن الحاجة إلى متعة الاكتشاف الكبيرة. بالأحرى، إنه مثل كاشف المعادن لدينا، الذي يبحث عن الإشارات في البيانات، ويرشدنا لإيجاد ضالتنا. على سبيل المثال: في التجمعات الخاصة، نحن نتصفح لصالح أشخاص يعانون من الفصام، توقعنا ورأينا العديد من المحادثات حول الأعراض، والعلاج، والآثار الجانبية. لكن عندما حللنا النصوص العفوية التي تُعرض في تلك المجموعة، رأينا عدداً غير اعتيادي من مراجع الفن والموسيقا والكتابة. ما قادنا إلى اكتشاف أكثر عمقاً لأهمية التعبير الإبداعي في حياة هؤلاء المرضى، الذي بدوره يُعلم زبائننا بالرسائل وببرامج الدعم بطرق جديدة وقوية.
هذا النوع من التحليل يأتي بمخاطر وقيود كثيرة، والموجه خلاله هو التحيز الضمني في مجموعات التدريب بحد ذاتها، التي يمكن أن تقودنا بدورها إلى نتائج خاطئة أو غير فعالة أو غير أخلاقية حتى. بعد كل ذلك، لا تُعتبر أجهزة الكمبيوتر فضولية. فلا يمكن للآلة أن تسأل "ما وجهات النظر التي لم نحصل عليها؟"، ولا يمكنها أن تقترح "ماذا لو طرحنا السؤال بطريقة مختلفة؟"، لذلك، بصفتنا مفكرين واعيين، يتحتم علينا أن نفعل ذلك ونراجع خوارزميات التحيز.
إضافة إلى ذلك، تفتقر الآلات إلى مميزات الإنسان الضرورية لنمو الأعمال التجارية. في حين يمكنها تعلم تمييز وجهات النظر، ولكن يبقى النهوض العاطفي أمراً حاسماً لقيادة التغيير الفردي والمؤسسي وبناء علاقات قوية مع المستهلكين. ولأن الحواسيب تفتقر إلى العواطف، فهم يفتقرون إلى قدرة التعاطف مع مشاعرنا، أو حتى اكتساب حماسنا.
يجعلنا العجز العاطفي، الذي بدوره يخلق عجزاً في العلاقات، نميل لنعامل الآلة من حيث إنها أداة وليست زميلاً. كما يقول كارت غراي في مقالة ساحرة في "هارفارد بزنس ريفيو": "إن الثقة في أعضاء الفريق تتطلب 3 أشياء: الاهتمام المشترك، والإحساس المشترك بالضعف، والإيمان بالكفاءة". ويعرّف الاهتمام المشترك بأنه: الاعتراف بأن رفاقك في الفريق يهتمون بمنفعتك، وهو على الأغلب العنصر الأساسي الأهم للثقة. نحن لا نثق بـ الذكاء الاصطناعي ليس فقط لأنه يفتقر إلى الذكاء العاطفي، بل لأنه يفتقر إلى الإحساس بالضعف.
وبغض النظر عن أن أهم عنصر للثقة زهو الاهتمام المشترك، فإننا نستمر بتقدير واستخدام تعلم الآلة، لكن لا يتعلق الأمر بالآلة بحد ذاتها. إنما بوضع العناصر البشرية في مكانها المناسب، ويمكن للشركات أن تصوغ علاقات قوية ومذهلة مع الزبائن، التي لا يمكن لأي آلة أن تساعد في بنائها، بل تضعها في مكانها المناسب.