الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

دليل متكامل لاعتماد الذكاء الاصطناعي بطريقة منظمة في مؤسستك

5 دقيقة
اعتماد الذكاء الاصطناعي
بيير/غيتي إميدجيز

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة مستقبلية، بل أصبح واقعاً حاضراً ومتجسداً في مجالات العمل كافة، بدءاً من خدمة العملاء إلى البرمجة والتسويق. يستخدم الموظفون في القطاعات المختلفة أدوات مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT) و"كلود" (Claude) و"غيت هاب كوبايلوت" (GitHub Copilot) لتحسين إنتاجيتهم؛ إذ سجل بعض القطاعات زيادة في الإنتاجية بنسبة تصل إلى 25%. على الرغم من النجاحات التي تحققت على الصعيد الفردي، فإن غالبية الشركات لا تزال تواجه صعوبة في تحويل فوائد الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات مؤسسية فعالة وملموسة وهادفة.

أظهر استطلاع حديث أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) شمل أكثر من 1,400 مدير تنفيذي بالإدارة العليا أن 89% من هؤلاء المدراء يصنفون الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن أهم 3 أولويات تكنولوجية في عام 2024. هذا التركيز الكبير على الذكاء الاصطناعي ليس مجرد رد فعل على الضجة الإعلامية التي ترافقه، بل يستند إلى الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا في إحداث تغييرات جذرية في القطاعات المختلفة ودفع عجلة النمو الاقتصادي. تشير توقعات شركتَي ماكنزي (McKinsey ) وبرايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بقيمة تتراوح بين 13 تريليون و15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030.

على الرغم من هذه الأرقام اللافتة والمثيرة للإعجاب، فقد كشف الاستطلاع نفسه عن وجود فجوة واضحة بين الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي والإجراءات الفعلية والعملية لتبنّيه. ومع أن معظم المسؤولين التنفيذيين يدركون الأهمية الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي، فإن 6% منهم فقط اتخذوا إجراءات فعلية لتطوير مهارات الموظفين في هذا السياق.

هذه المشكلة ليست جديدة؛ إذ لاحظنا أنا وجين بايك تحديات مماثلة تواجه الشركات عند محاولة اعتماد ما نسميه "الإدارة الرقمية للمواهب المستقلة" (Open Talent)؛ وهو أسلوب لإدارة القوى العاملة المستقلة الموزعة عالمياً باستخدام التكنولوجيا الرقمية، التي يمكن الوصول إليها عبر منصات رقمية عند الطلب. اتضح أن المدراء يترددون في اعتماد هذا الأسلوب الجديد في العمل حتى يروا فوائد واضحة ومباشرة وقابلة للتطبيق على نطاق واسع.

من الطبيعي أن يصاحب اعتماد تكنولوجيا جديدة على نطاق واسع الكثير من التحديات، لكن ما يدعو إلى التفاؤل هو أن هذه التحديات قد تؤدي إلى إحداث تحول كبير. يكمن الحل في اعتماد الإطار المناسب، ومن الممكن أن يسهم الإطار الذي طورتُه أنا وجين لمساعدة الشركات على تبنّي ثورة المواهب المفتوحة أيضاً في تسهيل اعتماد الذكاء الاصطناعي. فيما يلي، سنوضح بعض العناصر التي وجدنا أنها الأكثر فعالية في إطار العمل هذا:

إنشاء مجتمعات للممارسة والتطبيق العملي

لن تتمكن الشركات من إنشاء ثقافة يزدهر فيها الذكاء الاصطناعي بطريقة تفيد الجميع إلا من خلال تعزيز الترابط في المؤسسة، حيث تعتمد على التعاون وتتدفق الأفكار فيها بحرية وسلاسة. يصبح الابتكار في المؤسسة القائمة على الترابط جزءاً لا يتجزأ منها، ويتحقق في الفِرق والأقسام المختلفة بطريقة فعالة ومرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات. يجب على الشركات دعم الموظفين في تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي واستكشاف إمكاناتها ومشاركة نجاحاتهم وإخفاقاتهم دون خوف من العواقب. تشجع المؤسسة القائمة على الترابط هذا النوع من التجارب من خلال إضفاء الطابع اللامركزي على الابتكار والاعتراف بأن أفضل الأفكار لا تأتي بالضرورة من القيادة، بل تأتي غالباً من الموظفين في المستويات الأدنى.

عندما تفشل الشركات في توفير بيئة مؤسسية تعاونية ومترابطة تتيح للموظفين تجربة الأدوات الجديدة ومشاركة نتائجهم، ستظهر ممارسات مشابهة لما يحدث في مجال المواهب المفتوحة، حيث يلجأ المدراء الأفراد، الذين يشعرون بالإحباط من العمليات الجامدة وسياسات إدارة المواهب التقليدية، إلى تجاهل أساليب التوظيف التقليدية سراً والاستعانة بمواهب مستقلة لإنجاز العمل عبر منصات مثل "أنديلا" (Andela) و"تورك" (Torc). يصف أستاذ الإدارة، إيثان موليك هؤلاء المدراء، بأنهم "روبوتات سرية" (Secret Cyborgs)، في إشارة إلى استخدام التكنولوجيا في عملهم بطريقة غير رسمية، ومن ثم فهم ينجحون على المستوى الشخصي من خلال هذه الجهود السرية، لكن مؤسساتهم لا تستفيد بطريقة منهجية من جهودهم ولا تتعلم كيفية استخدام الأدوات الجديدة بطريقة فعالة.

عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، فإننا نجد أن الكثير من المدراء يستخدمون هذه التكنولوجيا بهذه الطريقة لإنجاز أعمالهم. لكن، مثلما هو الحال مع المواهب المفتوحة، فإن هؤلاء الأشخاص يعملون بطريقة فردية وسرية، الأمر الذي لا يقدم الفائدة للمؤسسة. لحل هذه المشكلة، يجب على الشركات تأسيس مجتمعات داخلية للممارسة والتطبيق العملي، وهي مجموعات تمكّن الموظفين من تبادل النصائح والأدوات والأساليب المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الموظفين علناً على الانضمام إليها. لقد شهدنا نجاح هذا النهج في فعاليات، مثل ماراثونات البرمجة (الهاكاثونات) المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وجلسات تبادل الأفكار حول كيفية صياغة الأوامر النصية، حيث يجتمع الموظفون لمعالجة مشكلات حقيقية ومشاركة الحلول التي تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي. تعمل هذه الفعاليات على إزالة الحواجز بين الأقسام المنعزلة، كما تسهم في تعزيز شعور مستخدمي الذكاء الاصطناعي بالانتماء إلى رؤية المؤسسة وهدفها الأكبر.

إنشاء مراكز للتميز

عندما تستكشف الشركات كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، يجب عليها التفكير في إنشاء مركز للتميز، بحيث يكون محوراً أساسياً للتجارب المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ووضع قواعد الحوكمة والمعايير وإدارة المخاطر والامتثال وضمان توافق المشاريع مع الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة. يمكن أن يسهم هذا المركز أيضاً في تطوير معايير محددة تلبي احتياجات المؤسسة.

من خلال تجربتنا في العمل مع الشركات على تبنّي المواهب المفتوحة، فإننا ندرك أهمية تصميم استراتيجيات الابتكار بما يتناسب مع ثقافة الشركة وإطار عملها بدلاً من الاعتماد على الحلول الجاهزة. الأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي، فمن خلال إنشاء معايير مخصصة له، يمكن للشركات تقييم فعالية الأدوات مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT) و"كوبايلوت" (Copilot) وتحويل التجارب الصغيرة إلى حلول قابلة للتطبيق على نطاق واسع. في بعض الأحيان، يجب تنفيذ ذلك خارج المؤسسة لأن الهيكل التنظيمي التقليدي قد يعرقل التجارب الناشئة.

تبنّي العملية

تتمثل إحدى الأفكار الرئيسية التي اكتسبناها من خلال عملنا في مجال المواهب المفتوحة في أن التحول هو عملية مستمرة تتطلب خطوات مدروسة ومتدرجة، إذ لا تنتقل الشركات من نقطة الصفر إلى تبني هذا المجال بالكامل بين عشية وضحاها، بل يتطلب ذلك اتباع سلسلة من الخطوات التي تمكّنها من ابتكار طرق عمل جديدة. لذا، حددنا 5 خطوات رئيسية لهذه العملية، وهي التقييم والتعلم والتجربة والبناء والتوسع.

التقييم: إذا كنت ترغب في نجاح جهودك التي تبذلها لتبنّي الذكاء الاصطناعي بالكامل، فعليك أن تفهم كيفية استخدامه داخل مؤسستك حالياً. احرص على إجراء تقييم شامل لتحديد المجالات التي يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي فيها والفرص المتاحة لتوسيع نطاق استخدامه في أنحاء المؤسسة كافة. تحلَّ بالانفتاح والشفافية والوضوح. شجّع المدراء الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بطريقة غير رسمية على الكشف عن أنفسهم ومشاركة تجاربهم وجهودهم.

التعلم: التعلم هو هدف ثقافي بقدر ما هو هدف عملي. احرص على مشاركة الأفكار والرؤى بين الفرق المختلفة داخل الشركة وكذلك بين الأقسام والمناطق الجغرافية المختلفة التي تعمل فيها المؤسسة. احرص على إنشاء منصات داخلية لمشاركة المعرفة وتأسيس مجتمعات للممارسة العملية، حيث يمكن للموظفين التعاون في مشاريع الذكاء الاصطناعي والاستفادة من نجاحات زملائهم وإخفاقاتهم.

التجربة: لا تنتظر الأداة المثالية أو اللحظة المناسبة للبدء بتجربة الذكاء الاصطناعي لأن الأمور تتغير بسرعة كبيرة جداً. ابدأ بتجارب محدودة ومدروسة وخاضعة للمراقبة في مجالات متنوعة من الأعمال وامنح الفِرق الحرية لاستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي بطرق هادفة ومفيدة تتناسب مع احتياجاتهم وأهدافهم. من خلال عملنا في مجال المواهب المفتوحة، تعلمنا أن أفضل الأفكار والرؤى تأتي أحياناً من مصادر غير متوقعة.

البناء: بعد أن تسفر التجارب عن بعض الحلول، يصبح من الضروري تنظيم هذه النتائج وتحويلها إلى إجراءات رسمية. احرص على دمج هذه الحلول ضمن سير عمل المؤسسة وعملياتها التشغيلية، وتأكد من وجود البنية التحتية المطلوبة لتوسيع نطاق استخدامها. في كثير من الأحيان، يتطلب تنفيذ تلك الحلول التعاون مع المورّدين الأكثر ابتكاراً، ما يجنّبك الحاجة إلى تعلم أساليب العمل الجديدة من الصفر.

التوسع: في النهاية، اعتمد الحلول الناجحة وطبّقها على مستوى المؤسسة بأكملها. عند الوصول إلى هذه المرحلة، سيكون الذكاء الاصطناعي قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية شركتك، تماماً مثلما أصبحت المواهب المفتوحة عنصراً أساسياً لدى المؤسسات التي اعتمدتها في وقت مبكر.

لا تزال غالبية الشركات التي تسعى لاعتماد الذكاء الاصطناعي بطريقة منهجية، في مرحلة التقييم المشار إليها في العملية السابقة، لكن مع تسارع الأحداث والتغيرات، فإن الشركات التي تتبنى هذه العملية بفعالية هي التي ستتمكن من تحقيق النجاح في المستقبل الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. حان الوقت الآن للتعامل بجدية مع هذا الأمر وتهيئة بيئة يشعر فيها الموظفون بالثقة والأمان والدعم لتجربة الذكاء الاصطناعي. لا يقتصر الأمر على إزالة العقبات فحسب، بل يتطلب إعادة صياغة طريقة تفكيرنا بشأن الابتكار والتجريب في العصر الرقمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي