منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الشركات في الولايات المتحدة تتبنى بصورة متزايدة سياسات التنوع بغرض تحسين مستوى تمثيل المرأة والأقليات العِرْقية في أماكن العمل. واليوم، قد أسست نسبة تربو على 95% من الشركات التي يعمل بها ما لا يقل عن 1,000 موظف، برامج تهدف إلى زيادة مستوى التنوع وتعزيز الشمول ضمن مستوياتها الإدارية.
ولكن على الرغم من ذلك، فإننا نجهل الكثير عن انطباعات الناس عن هذه البرامج، بل ونجهل أكثر عن سبب تكوينهم لهذه الانطباعات. هذه فجوة معرفية كبيرة. فالأبحاث تشير إلى أن برامج التنوع تكون أكثر فاعلية عندما تظفر بدعم العاملين، وعندما تُنفذ بطريقة صحيحة فإنها تتيح فرصاً عظيمة لتحسين مستوى المساواة في أماكن العمل، وتعزيز أداء الشركة في نهاية المطاف. ومع ذلك، فإذا نُفِذت هذه البرامج بطريقة خاطئة، فقد تحفز خلق مقاومة ضدها، بل وفي حقيقة الأمر قد تخلق مناخاً أكثر صعوبة بالنسبة للعاملين غير الممثلين بقدر كافٍ في المؤسسة.
ولمساعدة الشركات على تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه البرامج، ومن أجل سد هذه الفجوة المعرفية، أجرينا دراسة مسترشدين بالأسئلة البحثية الثلاثة التالية:
- إلى أي مدى يدعم العاملون سياسات التنوع في شركاتهم؟
- كيف تؤثر خصائص السياسية على مستويات الدعم التي تلقاها؟
- كيف تؤثر التوجهات الاجتماعية للعاملين على مستويات الدعم؟
الجزء الأول: إلى أي مدى يدعم العاملون سياسات التنوع في شركاتهم؟
لقد أجرينا تحليلاً لبيانات مستقاة من استطلاع رأي أجري عام 2015 على عينة مختارة عشوائياً حجمها 1,862 من السكان من أصول لاتينية، وذوي البشرة السمراء، وذوي البشرة البيضاء، ومن العاملين بأجور أو مرتبات (ليسوا من أصحاب الأعمال الحرة) في الولايات المتحدة الأميركية. نظراً لأن المسح أجري على عينة عشوائية من الأميركيين البالغين، فقد كان هناك تمثيل واسع لمختلف المجالات والمهن. وبفضل استخدام عينة كبيرة ومتنوعة، استطعنا فحص إجمالي مستويات الدعم التي تحظى بها ثمان من سياسيات التنوع الشائعة، وكذلك حددنا ما إذا كانت هذه التوجهات تختلف حسب الخصائص الديموغرافية أم لا. فيما يلي نستعرض الأنواع الثمانية من السياسيات التي خضعت للدراسة:
- السياسيات العامة: السياسات التي تتناول مشكلة عدم المساواة داخل العمل.
- التوظيف الموجه: السياسيات القائمة على التوظيف النشط للأقليات لشغل الوظائف الشاغرة.
- التدريب التطوعي: السياسيات التي تقدم للموظفين تدريباً تطوعياً عن التنوع.
- التدريب الإلزامي: السياسيات التي تشترط إخضاع جميع الموظفين لتدريب عن التنوع.
- الإرشاد: السياسيات التي تزود العاملين الذين يحظون بقدر غير كافٍ من التمثيل بمرشدين يقدمون لهم يد العيون في الأمور الوظيفية، وفي تغيرات المسار المهني.
- سياسات التوظيف الرسمية: السياسات التي تعتمد على معايير رسمية/ موثقة لاتخاذ القرارات حول التوظيف والترقية.
- مكتب التنوع: السياسات التي تؤسس مكتباً أو لجنة خاصة تهدف إلى التعرف على العقبات التي تعترض طريق التنوع، وتعمل على تذليل تلك العقبات.
- أهداف التنوع: السياسات التي تضع أهدافاً عددية لمعالجة مشكلة انخفاض مستوى تمثيل مجموعات بعينها في مكان العمل.
وبالنظر إلى إجمالي مستويات الدعم التي تحظى بها سياسات التنوع المختلفة، نجد أن أكبر قدر من الدعم كان من نصيب سياستين، وهما التدريب التطوعي، وإنشاء مكتب للتَنَوّع. وهذا خبر سار، لأن هاتين السياستين قد ثَبت أنهما تعملان على تحسين مستوى التنوع في مكان العمل. ولكن لسوء الحظ، لوحظ أن سياستين أخريين ثبُتت فاعليتهما كاستراتيجيات لدعم التنوع، وهما التوظيف الموجه، ووضع أهداف تنوع خاضعة للمساءلة، كانتا الأقل شعبية. ونحن نرى أن هذه التفاوتات في مستوى الدعم تنبع من تفسير العاملين لهاتين السياستين على أنهما أكثر إلزامية مقارنة بالسياستين السابقتين. وذلك يتسق مع نتائج بحث آخر أشار إلى أن العاملين يميلون إلى معارضة مبادرات دعم التنوع التي تُفرض عليهم.
ومن خلال عقد مقارنة بين مستويات الدعم التي يبديها المستجيبون المختلفون، لاحظنا اختلافات كبيرة بناءً على العِرْق والنوع الاجتماعي. فبشكل عام، أظهر العاملون من النساء، وذوو البشرة السمراء، واللاتينيين قدراً أكبر من الدعم لسياسات التنوع مقارنة بالرجال وذوي البشرة البيضاء. وفي 7 من أصل 8 سياسيات تَنَوّع، أظهر العاملون ذوو البشرة السمراء أعلى مستوى من الدعم، وحل اللاتينيون في المركز الثاني بعدهم، في حين أظهر ذوو البشرة البيضاء أكبر قدر من المعارضة لهذه السياسيات. وبين الجنسين، فالنساء أظهرن مستويات أعلى من الدعم مقارنة بالرجال في جميع السياسات عدا واحدة، بينما أظهر كل من النساء والرجال القدر نفسه من الدعم للسياسية الأخرى.
أردنا أن نستكشف السبب وراء وجود هذه التفاوتات. وكان جزء من استطلاع الرأي الذي تناولناه بالتحليل مصمماً للإجابة عن هذا السؤال، عن طريق تحديد آلية تأثير خصائص معينة في السياسة على مقدار الدعم الذي تحظى به. وفور استكمال الاستطلاع، خضع المستجيبون لعملية توزيع عشوائية للإجابة إما على نموذج به أسئلة متعلقة بسياسيات تنوع رامية إلى تحسين مستوى تمثيل المرأة، أو على نموذج به أسئلة متعلقة بسياسيات تهدف إلى تحسين مستوى تمثيل الأقليات العِرْقية. وفضلاً عن ذلك، كانت تبريرات دعم السياسيات عشوائية. فلقد أخبرنا المستجيبون عن واحد من أصل ثلاثة مبررات محتملة:
- أن السياسة كانت ضرورية للتصدي لممارسات التمييز.
- أن السياسة كانت ضرورية لتحسين مستوى التمثيل لمختلف الأطياف.
- لم يُقدم لهم أي مبرر.
ولاحظنا أن الأشخاص ذوي البشرة البيضاء دعموا السياسيات الرامية إلى تحسين مستوى تمثيل المرأة أكثر من دعمهم للسياسات الموجهة أكثر نحو دعم الأقليات العِرْقية (43% و23% ممن شملهم استطلاع الرأي على الترتيب). بينما أظهر ذوو البشرة السمراء واللاتينيون قدراً أكبر من الدعم للسياسيات الأخيرة.
وبهذا يمكننا أن نرى أن الإطار الذي عُرِضَت فيه سياسيات التنوع قد لعب دوراً كبيراً في كيفية استقبال العاملين لها – تحديداً السياسات الرامية إلى تحسين مستوى تمثيل الأقليات العِرْقية. وبين الأعراق المختلفة وبين الرجال والنساء، خلصنا إلى أن الناس يميلون إلى دعم سياسيات العمل عندما تُوضع هذه السياسيات في إطار يدلل على أن الهدف منها هو التصدي لممارسات التمييز، بدلاً من وضعها في إطار يدلل على أن الهدف منها هو زيادة التنوع، أو عندما تفتقر السياسية إلى رسالة واضحة. وبالنظر إلى سياسيات دعم التنوع العامة، فقد وجدنا أن 50% تقريباً من المستجيبين قد أعربوا عن دعمهم لها عندما وضعت في إطار يكشف مدى أهمية وجود هذه السياسيات للتصدي للتمييز، بينما انخفضت النسبة إلى 38% فقط من داعمي السياسيات عندما وضعت في إطار يبرر وجود هذه السياسيات بهدف تحسين التنوع.
الجزء الثالث: كيف تؤثر التوجهات الاجتماعية للعاملين على مستويات الدعم؟
في أول جزأين من دراستنا، كشفنا الستار عن انطباعات الناس حول سياسيات التنوع، وكيف تؤثر خصائص السياسية على مستويات الدعم التي تحظى بها، لكننا لم نجب بعد عن أهم سؤال: لماذا يكوّن الناس هذا الانطباع عن سياسيات التنوع؟ وللإجابة عن هذا السؤال، استخدمنا الجزء الأخير من الاستطلاع، لتحديد العلاقة بين معتقدات الشخص المستجيب عن عدم المساواة الاجتماعية، وسلوكياته تجاه سياسيات التنوع في أماكن العمل. وكان تحقيقنا قائماً على نظرية تنص على أن سلوك الفرد تجاه المشكلات الاجتماعية له آثاره على مكان العمل.
وقد كشف تحليلنا عن أن من آمنوا أن التمييز القائم على النوع الاجتماعي أو العِرْق قد تسبب في حصول النساء وذوي البشرة السمراء على وظائف أقل شأناً، وبالتالي أجوراً أقل مقارنة بذوي البشرة البيضاء، كانوا أكثر دعماً لسياسيات التنوع في أماكن العمل. وفي الوقت ذاته، فالعاملون الذين آمنوا أن عدم المساواة بين الأعراق أو الأجناس كان سببها الرئيس هو الفوارق التعليمية، أو الاختلافات في التدريب، أظهروا مستويات دعم أقل نسبياً.
وكان ذوو البشرة البيضاء والرجال هم الأقل احتمالاً أن يعتقدوا أن التمييز يسبب عدم مساواة بين الجنسين أو بين الأعراق. فهؤلاء العاملون أعطوا أهمية نسبية أكبر للاختلافات العرقية أو النوع الاجتماعي في التدريب المهني. وهذا أحد الأسباب الرئيسة وراء إبداء هؤلاء الأشخاص لأقل قدر من الدعم لسياسيات التنوع.
ما الذي يمكن أن نتعلمه من أراء العاملين حول سياسات التنوع؟
ويعتبر الحصول على دعم الموظفين شرطاً أساسياً لنجاح برامج التنوع. فعندما يعارض الموظفون المبادرات المصممة لتحسين المساواة، ودعم الشمول، فإنهم على الأرجح يقوضون هذه الجهود. وقد سلطت دراستنا الضوء على بعض من سياسيات التنوع الأكثر شيوعاً بين صفوف الموظفين، وكذلك على الجوانب التي من شأنها أن تحشد الدعم، وتلقى التأييد. واستناداً إلى نتائجنا، استطعنا تحديد 3 استراتيجيات مهمة يمكن للشركات تطبيقها من أجل رفع مستوى الدعم الذي تلقاه سياسيات التنوع، وتحسين فاعلية هذه المبادرات في خلق بيئات عمل أكثر إنصافاً وعدلاً.
ضع سياسيات التنوع في إطار يظهرها كوسائل لمواجهة التمييز. تحظى مبادرات التنوع بمزيد من الدعم عندما توضع في إطار يظهر أهميتها في مواجهة مشكلة التمييز. وبينما يعد تعزيز التنوع في أماكن العمل هدفاً قيماً، يظهر العاملون حماسة أكبر تجاه السياسيات الرامية إلى معالجة مشكلات تتعلق بعدم المساواة الاجتماعية. ونقترح أن يعمل المدراء على إثراء هذا الاهتمام، وعلى وضع سياسيات التنوع في إطار عبر منظور يشرك العاملين في حل المشكلات الاجتماعية. وإحدى الطرق الفاعلة لإدراك ذلك هي توعية العاملين بشأن الدور الذي يلعبه التمييز، والهياكل الاجتماعية في أنماط عدم المساوة بين الأجناس، والأعراق، والطبقات الاجتماعية. وأيضاً من الجدير بالذكر، أن تنمية الوعي في أماكن العمل بشأن الدور الذي يلعبه التمييز في أنماط عدم المساواة من شأنها أن تحد من التفاوتات بين الأجناس والأعراق فيما يخص مستوى مناصرتهم لسياسيات التنوع – إذ أوضحت دراستنا أن هذه المعتقدات كانت سبباً رئيساً في إبداء الرجال قدراً أقل من الدعم لسياسيات التنوع في أماكن العمل مقارنة بالنساء والملونين غير ذوي البشرة البيضاء.
طبق أكثر سياسيات التنوع شيوعاً أولاً، ثم قم بالبناء عليها تصاعدياً. ومن بين أكثر سياسيات التنوع شيوعاً، يعد التدريب التطوعي وتأسيس مكتب للتنوع من أكثر السياسيات فاعلية في زيادة مستوى التنوع في أماكن العمل. وخلص باحثون آخرون، عند تحليلهم لبيانات امتدت على مدار ثلاثة عقود لأكثر من 800 شركة أميركية، إلى أن عقد برامج تدريب تطوعية عن عدم المساواة الاجتماعية قد أدى إلى ارتفاع مستوى تمثيل المرأة والأقليات على حد سواء. وعلى وجه التحديد، أظهرت نتائجهم "زيادات تراوحت بين 9 و13% في أعداد الرجال ذوي البشرة السمراء، والرجال المنحدرين من أصول إسبانية، والرجال والنساء الأميركيين من أصول آسيوية، الذين يتقلدون مناصب إدارية في خلال 5 سنوات (دون انخفاض أعداد النساء ذوي البشرة البيضاء أو ذوي البشرة السمراء في نفس المناصب)". وبالرغم من أن برامج التدريب التطوعية تؤتي عادة نتائج جيدة، فإنها ليست كافية وحدها. إذ يجدر بالشركات استخدام هذه البرامج لعقد مناقشات مع العاملين بخصوص التمييز، ولحشد الدعم لسياسيات التنوع الأخرى؛ كالأهداف الخاضعة للمساءلة، التي ثبت أيضاً أنها استراتيجية عالية الفاعلية.
اعقد مناقشات مباشرة مع موظفيك بشأن المشكلات القائمة على النوع الاجتماعي أو العرق. فإشراك العاملين في محادثات بناءة حول المشكلات الاجتماعية ومشكلات عدم المساواة تهدف إلى حل هذه المشكلات، بدلاً من مجرد توعيتهم بشأنها، يعتبر استراتيجية أخرى واعدة لتحقيق أهداف المساواة. ويمكن الاستعانة بسياسية برامج التدريب التطوعية كنقطة بداية مثالية لهذه النقاشات، حيث قد تتيح للعاملين تحديد المشكلات، والتعاون معاً لتصميم حلول والخروج بها. وما أكثر الخبراء الذين يمكن الاستعانة بهم في تسهيل هذه البرامج التدريبية. وعلى الرغم من هذا، فإن الاستثمار في بناء كفاءات داخلية في هذه الأمور يوفر حلاً أطول أجلاً، ينبغي أن يكون المدراء مؤهلين لعقد محادثات مثمرة مع العاملين بخصوص المشكلات الاجتماعية داخل مكان العمل وخارجه على حد سواء. كما من شأن برامج تدريب القادة المصممة لمساعدة المدراء على تنمية هذه المهارات أن تساعد في ضمان استعدادهم لاحتضان بيئة عمل شاملة تسع الجميع.
ويعد حشد الدعم لمساندة مبادرات التنوع عاملاً جوهرياً في ضمان نجاحها. وقد أثبتت دراستنا أن استراتيجيتي برامج التدريب التطوعية وتأسيس مكاتب للتَنَوّع من المرجح أن تحظيا بالدعم وأن تؤتيا نتائج فاعلة. ومن شأن استغلال شعبية هذه المبادرات في توعية العاملين بشأن المشكلات المتعلقة بالتمييز أن يساعد في تحفيز المزيد من الآمال الطموحة لتحقيق المساواة في أماكن العمل. وبصورة أعم، يشير بحثنا أيضاً إلى الطريقة التي تؤثر بها المعتقدات الشخصية على انطباعتنا عن المبادرات في أماكن العمل. فهؤلاء، المهتمون بقضايا التنوع، وبالتعرف على الدور الذي تلعبه ممارسات التمييز في الحياة الاجتماعية، يظهرون قدراً أكبر من الدعم والتأييد لجهود الشمول. وأماكن العمل هي منابع التغيير الاجتماعي، ولهذا يجب ألا تكون معزولة عن المشكلات والقضايا الأوسع نطاقاً. وهؤلاء الذين ينخرطون بشكل مباشر مع هذه المشكلات الاجتماعية سيكتب لهم نجاحاً باهراً في سعيهم لاحتضان بيئات شاملة تسع الجميع.