هناك كثير من النقاشات والمناظرات بشأن طريقة دعم رائدات الأعمال، وهذا هو الصواب. فاليوم، تقل احتمالات استمرار الشركات التي تقودها نساء، وذلك على الرغم من الأدلة التي تبين أن شركاتهن الناشئة غالباً ما تكون على درجة عالية من النجاح. يبين بحث جديد أجرته "بوسطن كونسلتينغ جروب" (Boston Consulting Group (BCG)) أنه إذا شارك النساء والرجال حول العالم بنسبة متساوية كرواد أعمال، فسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تتراوح بين 3% و6%، ليعزز الاقتصاد العالمي بما يتراوح بين 2.5 و5 تريليون دولار.
إذن، كيف ندعم رائدات الأعمال؟ غالباً ما ينصب التركيز على تحسين إمكانية الحصول على الرصيد (رأس المال المالي) أو توفير التدريب لمساعدة المرأة على بناء مهارات جديدة (رأس المال البشري)، وهما مجالان هامان لتحسين نجاح الشركات التي تقودها النساء. ولكن، هناك عامل أساسي آخر في نحاج الشركات ويتم تجاهله، ألا وهو إمكانية الوصول إلى الشبكات.
من خلال عملنا مع عملاء من القطاعات العامة والخاصة والاجتماعية حول العالم، رأينا بأعيننا حجم الإمكانات التي يمكن أن تملكها هذه الشبكات، كما تمكنا من فهم أن آليات الدعم هذه لا تحظى بما يكفي من الموارد.
ولكن الخبر الجيد هو أنه بإمكاننا سدّ هذه الفجوة من خلال العمل في جميع القطاعات.
الفجوة الكبيرة في ريادة الأعمال
كي نتمكن من فهم الفجوة بين الجنسين في ريادة الأعمال بصورة أفضل، قمنا بتحليل بيانات من مشروع الرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) بين عامي 2014 و2016، وحللنا معدلات استدامة الشركات وريادة الأعمال حسب الجنس في 100 دولة. وكانت النتائج تتضمن ما يلي:
- في المناطق العالمية الست، كانت النسبة المئوية للرجال بعمر العمل الذين ينشئون شركات جديدة يتجاوز النسبة المئوية المقابلة لها للنساء بعمر العمل اللواتي ينشئن شركات جديدة بنحو 4 إلى 6 نقاط مئوية.
- تمكنت أربع دول من تجاوز القاعدة العالمية، إذ تنشئ النساء فيها شركات جديدة أكثر من الرجال، وهذه الدول هي الفيتنام والمكسيك وأندونيسيا والفلبين.
- في 50 من أصل 100 دولة أجرينا عليها دراستنا، وجدنا أن الفجوة بين الجنسين في تأسيس شركات ناشئة (النسبة المئوية للرجال الذين ينشئون شركات جديدة بمقابل النساء) أصبحت أضيق بمرور الوقت بين عامي 2014 و2016، وكانت تركيا وكوريا الجنوبية وسلوفاكيا هي الدول صاحبة المكاسب الأكبر.
- كانت الفجوة بين الجنسين تتسع في 40 دولة، أهمها سويسرا والأورغواي وجنوب أفريقيا.
وعلى الرغم من أن الفجوة بين الجنسين في الشركات الناشئة ثابتة في معظم الدول، إلا أن الفجوة في نجاح الشركات على المدى الطويل تختلف أكثر. ففي جميع الدول باستثناء أميركا الشمالية، كانت مستويات الاستدامة في الشركات التي تقودها النساء أدنى منها في الشركات التي يقودها الرجال. وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال، كان احتمال بقاء الشركات التي تقودها النساء لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام ونصف بعد إنشائها يعادل 50% من احتمال بقاء الشركات التي يقودها الرجال لنفس المدة. بينما في أميركا اللاتينية، وصل احتمال بقاء شركات النساء إلى 82%.
محركات الفجوة بين الجنسين
يشير بحثنا إلى وجود أسباب كثيرة لأوجه القصور هذه، بما فيها الاختلافات في الوصول إلى الدعم المالي. ووفقاً لتحليل أجرته "بوسطن كونسلتينغ جروب" لبيانات عام 2018 لمجموعة "ماس تشالينج" (MassChallenge)، وهي شبكة عالمية من مسرعات الأعمال تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فإن الاستثمارات في الشركات التي أسستها النساء أو شاركت في تأسيسها بلغت وسطياً 935 ألف دولار، وهو أقل من نصف متوسط الاستثمارات في الشركات التي أسسها رواد الأعمال الرجال والتي تبلغ نحو 2.1 مليون دولار. وهذا التفاوت قائم على الرغم من أن أداء الشركات الناشئة التي أسستها النساء أو شاركت في تأسيسها كان يتحسن فعلياً بمرور الوقت، وأدى إلى توليد عائدات تراكمية أعلى بنسبة 10% على مدى فترة خمس سنوات. إذ بلغت هذه العائدات 730 ألف دولار للنساء مقارنة بنحو 662 ألف دولار للرجال.
اقرأ أيضاً: بحث: المستثمرون يعاقبون رائدات الأعمال على سلوكياتهن
إن تحدي التمويل هذا موثق جيداً، ولكن تمكن بحثنا من تحديد تحدّ آخر لا يحظى بالقدر الكافي من التقدير، ألا وهو إمكانية وصول النساء المحدودة نسبياً إلى "رأس المال الاجتماعي"، الذي يتمثل بشبكات الدعم القوية.
ووجدنا مراراً وتكراراً أن هذه الشبكات تشكل عاملاً أساسياً في نجاح الشركات الصغيرة. في البلاد ذات الدخل المتدني والمتوسط مثلاً، قمنا بدراسة تأثير معرفة رائد أعمال واحد على الأقل (كوكيل عن شبكات رواد الأعمال) على الشركات التي تقودها النساء. ووجدنا أن الشبكات الأوسع والأقوى ترتبط بفجوات أصغر بين الجنسين في استدامة الشركات، وأنها تحسن إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من موارد التمويل. أجرت مجموعات أخرى بعض الأبحاث، بمن فيها "آشيا فونديشين" (the Asia Foundation)، ووجدت أن شبكات النظراء تشجع النساء على رفع سوية طموحاتهن بالنسبة لشركاتهن والتخطيط للنمو واحتضان الابتكار.
بناء شبكات أفضل
يمكن للشركات الكبرى ممارسة دور كبير في تأسيس الشبكات، ففي أجزاء كثيرة من العالم، تشكل الشركات الصغيرة التي تقودها النساء عنصراً هاماً في سلسلة التوريد العالمية، سواء كموزعين أو تجار تجزئة أو موردين. ويمكن للشركات احتضان الشبكات التي تساعد رائدات الأعمال على الحصول على الرؤى والتوجيهات حول كل شيء، بدءاً من طريقة تمويل عملياتهنّ وصولاً إلى إدارة البضائع. على سبيل المثال، يمكن لشركة السلع الاستهلاكية المعبأة التشارك مع شركات غير ربحية، أو الجمعيات التجارية، أو الغرف التجارية المحلية، من أجل جمع النساء اللاتي يدرن متاجر صغيرة توزع منتجات الشركة.
إن دعم المشاريع التي تقودها المرأة بهذه الطريقة هو عمل رابح، وإذا قامت به الشركات على نحو جيد فستتمكن من بناء سلسلة توريد أكثر تنوعاً وجدارة بالثقة. وقد وجد بحث "بوسطن كونسلتينغ جروب" أن هذه واحدة من فرص عديدة متاحة للشركات كي تحقق أهداف المجتمع مع تعزيز العوائد للمساهمين في نفس الوقت.
المبادئ الأساسية لبناء شبكات تدعم رائدات الأعمال
ويمكن لجميع المؤسسات التي تدعم رائدات الأعمال، بما فيها الشركات والمجموعات المانحة الدولية والحكومات، أن تضخم تأثيرها من خلال إنشاء وبناء شبكات للنساء. في تجربتنا، وجدنا أن أفضل الشبكات تبنى على المبادئ التالية: الهدف والشمول والتعامل.
الهدف: يجب أن يكون للشبكة هدفاً معرّفاً بوضوح منذ البداية. ويجب أن تكون الشبكات أكثر من مجرد فهرس موقر لأسماء الشركات ورواد الأعمال. ما الذي ستجنيه المرأة من الانضمام إلى الشبكة؟ هل ستمكنها من الوصول إلى رأس المال البشري والمالي بالإضافة إلى رأس المال الاجتماعي؟ كيف يمكن للشبكة مساعدة المرأة في تحقيق أهداف تجارية ملموسة؟ خذ مثلاً شركة "إنديفور" (Endeavor)، فهي لديها رسالة واضحة مع شبكتها المؤلفة من المرشدين والمستثمرين من أجل اختيار رواد الأعمال ذوي التأثير العالي من مختلف أنحاء العالم وإرشادهم وتسريع نمو مشاريعهم، عن طريق تقديم المشورة في مجال الأعمال، وزيادة إمكانية الوصول إلى رأس المال المالي. (إفصاح كامل عن المعلومات: دعمت "بوسطن كونسلتينغ جروب" شركة إنديفور وهي تستمر بمشاركتها).
اقرأ أيضاً: بحث: فرص تمويلية أكبر لرائدات الأعمال الملتزمات بمهمات اجتماعية في مشاريعهن
الشمول: في الخطوة التالية، اختر المشاركين بعناية. يكون مؤسس أفضل الشبكات متفانياً إلى حد كبير، سواء كان فرداً، أو منظمة غير حكومية أو شركة أو مؤسسة أخرى تتمتع بمصالح وحضور كبيرين على الأمد الطويل في المجتمع. كما تتمتع هذه الشبكات بعضوية نشطة، وقاعدة متنوعة من الأعضاء تشمل مزيجاً من رواد الأعمال الجدد وأصحاب الشركات الراسخة، وحبذا لو كانوا يتمتعون بخلفيات ثقافية متنوعة. ولتحفيز الارتباط والالتزام، يستطيع مؤسسو الشبكات التفكير في فرض رسوم للعضوية، وصياغة متطلبات حضور إلزامية، والمطالبة بإجراء مقابلات أو الحصول على رسائل توصية للأعضاء الجدد.
التعامل: ابن الشبكة على نحو يسهل التعاملات الرسمية وغير الرسمية. فالتدريب الرسمي له مكانه، ولكن التعاملات غير الرسمية بين الأقران لها أهمية بالغة في بناء الثقة وضمان الحفاظ على أهمية الشبكة مع مرور الوقت. قد تكون منصات الإنترنت ضرورية للنجاح في هذا المجال. على سبيل المثال، تمتلك مؤسسة "شيري بلير للنساء" في نيجيريا برامج إرشاد رسمية، ولكنها تشجع أيضاً العلاقات غير الرسمية وتبادل الأفكار والتعاون من خلال منتداها الإلكتروني على الإنترنت والذي يستطيع الأعضاء الحاليين والقدامى الدخول إليه حسب الطلب عندما يكون اتصالهم بالإنترنت ممكناً.
لن نبالغ بقولنا إن رائدات الأعمال لديهن القدرة على تغيير العالم. ومن المؤكد أن سد الفجوة بين الجنسين في ريادة الأعمال وتغذية نمو الشركات التي تملكها النساء سيطلق العنان لأفكار وخدمات ومنتجات جديدة في الأسواق حول العالم. وكي يتحقق ذلك، يتعين علينا دعم رائدات الأعمال، وأن نضمن تمكين المرأة من الوصول إلى جميع أشكال رأس المال، وخاصة رأس المال الاجتماعي المتمثل بالشبكات القوية.
اقرأ أيضاً: