دراسة حالة: هل يمكن أن تكون الثقافة أقوى من اللازم؟

13 دقيقة
دعم الكوادر البشرية
shutterstock.com/Body Stock

تعرض دراسات الحالة التي تصوغها "هارفارد بزنس ريفيو" على هيئة قصص مشكلات يواجهها القادة في شركات حقيقية وتقدم لها حلولاً من الخبراء. وتستند هذه الدراسة إلى دراسة حالة صاغتها كلية "هارفارد للأعمال" بعنوان "زينسار: مجتمعات الرؤية المستقبلية" (Zensar: The Future of Vision Communities)، بقلم ديفيد غارفين وراتشنا تاهيلياني.

"كم يبلغ طول قائمة الفارين هذه؟" تساءل كومار تشاندرا، رئيس قسم العمليات التشغيلية في شركة "باريفار" (Parivar)، وهي شركة متوسطة الحجم متخصصة في خدمات تكنولوجيا المعلومات يقع مقرها في مدينة تشيناي، بينما أشار إلى الشريحة المعروضة على شاشة غرفة الاجتماعات.

ضحك الجميع، باستثناء أنديرا بانديت، نائبة رئيس الموارد البشرية. كان ما يقرب من 100 موظف قد قدموا إشعاراً بالاستقالة في الأسابيع الأخيرة.

قالت وهي تلتفت إلى فيكرام سرينيفاسان، رئيس قسم التعيينات: "إننا نفقدهم بمعدلات أسرع مما يستطيع موظفوك تعيينهم. لقد وصل معدل دوران الموظفين لدينا إلى 35%".

هز فيكرام رأسه معترضاً: "هذه ليست مشكلتنا. إنها سوق العمل الهندية. وقد لا يكون هذا شيئاً سيئاً. إذ تشير بعض الدراسات إلى أنه كلما زاد تنقل الموظفين في قطاع ما، أصبح أكثر ابتكاراً".

حدجته أنديرا بنظرة توحي بالشك فيما يدعي.

فأردف معللاً: "هذا أمر متوقع، أنديرا، خاصة الآن بعد أن شرعنا في تجاوز المستوى الثاني من النمو".

اكتفى كومار هذه المرة بالضحك، وعرفت أنديرا السبب. فلا شك في أن شركة "باريفار" كانت تنمو من حيث الإيرادات والربحية والسمعة، لكنها كانت لا تزال أصغر بكثير من شركات مثل "إنفوسيس" و"آتش سي إل" (HCL) وغيرهما من الشركات العالمية الرائدة في مجال خدمات التعهيد الخارجي للأعمال التجارية. وقد مرت الشركة خلال العقد الماضي بأزمة كادت تعصف بها، لولا تدخل رئيسها التنفيذي سودهير غوبتا ذي الشخصية الكاريزمية الذي أنقذها من الإفلاس وحوّل مأساتها إلى قصة نجاح يُضرَب بها المثل في القطاع بأكمله، لكنها لم ترقَ قطّ إلى مصافّ شركات المستوى الأول.

قالت أنديرا: "أحتاج إلى عرض هذه الأرقام على سودهير في نهاية الأسبوع، ولا يمكنني فعل ذلك دون تكوين فكرة عامة حول ما يحدث والحل الذي يمكن اقتراحه. وهذا هو سبب دعوتي لهذا الاجتماع".

تساءل فيكرام: "ماذا عن فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘ التي تم طرحها في تمرين الرؤية المستقبلية؟". كانت شركة "باريفار" قد أنهت لتوها عملية الابتكار السنوية. وتم تشجيع الموظفين من مختلف أقسام الشركة، خاصة الشباب منهم والموظفين الجدد، على الانضمام إلى كبار القادة في جلسات العصف الذهني والتصميم الهيكلي التي تركز على كيفية تحقيق الشركة لأهدافها لهذا العام. تعتبر هذه الفعالية أحد المظاهر المميزة لثقافة الشمول في شركة "باريفار"، وتهدف إلى تعزيز روح التعاون وثقافة ريادة الأعمال. وكان أحد الاقتراحات التي حظيت بالاهتمام يقتضي استحداث تخصص جديد يتألف من مدراء يتمثل هدفهم الوحيد في الاستماع إلى شكاوى الموظفين الآخرين واكتشاف الحلول المناسبة.

أضاف فيكرام: "أنا شخصياً أحب فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘. فهي تبرز فلسفة سودهير المتمثلة في الاعتناء الحقيقي بموظفينا".

قال كومار: "يبدو لي أن الأمر باهظ التكلفة". لكم أحبّت أنديرا أسلوبه البراغماتي.

أشارت إلى الشاشة، معلقةً: "بغض النظر عن التكلفة، فلست واثقة في أن هذا هو الاتجاه الذي يجدر بنا السير فيه. لقد أخبرنا هؤلاء الأشخاص بأن ’ثقافة الحب‘ التي أرسى سودهير دعائمها، وما تدعو إليه من الاهتمام بالمسائل الشخصية والمهنية، لم تعد مغرية الآن. فهم لا يريدون بالضرورة أن يشعروا بأنهم جزء من أسرة واحدة في العمل".

قال فيكرام: "مهلاً! هذه أهم نقاط الجذب في شركتنا. إذ يحب الموظفون الجدد فكرة ألا يتحولوا إلى ترس في آلة، وأن شركتنا ومدراءها، بمن في ذلك سودهير، سينصتون إليهم، وأن كل فرد في ’باريفار‘ مهم".

ردت أنديرا قائلة: "قد تجذبهم هذه المغريات، لكنها لن تفلح في إقناعهم بالبقاء هنا، خاصةً إذا عرض عليهم المنافسون زيادة في الراتب بنسبة 30%. هذا ما نسمعه في مقابلات ترك الخدمة".

من الواضح أن فيكرام لم يكن مقتنعاً، فعلّق قائلاً: "نحن بحاجة إلى التوسع. ويجب أن نضع أموالنا في مكانها الصحيح وتوجيهها إلى وظيفة ’دعم الكوادر البشرية‘، ونُظهِر التزامنا التام بترسيخ ثقافة العناية بموظفينا. هذه هي أفضل طريقة لقلب المعادلة وتغيير الاتجاه الحالي".

الحب الأخوي من الأخ الكبير

كان من الواضح أن أمال، وهو موظف مساعد في العشرينيات من عمره، قد استعد لإجراء مقابلة ترك الخدمة مع أنديرا. كان يراجع البنود الموجودة في قائمة مكتوبة بخط اليد.

"يقول الجميع إنني سأكره الانتقال إلى شركة ’ويبرو‘ لأنهم صارمون للغاية هناك. لكنها ’ويبرو‘ يا عزيزتي، وتكفيها سمعتها! فكيف لي أن أرفض؟".

قالت أنديرا: "نعم، لقد سمعت أن لديهم التوقعات العالية نفسها التي لدينا هنا. لكنهم يعتمدون على إجراءات العمل بدرجة أكبر، ولا يبالون كثيراً بالمسائل الشخصية. أما هنا فإنك تحصل على مزيد من الاهتمام من الإدارة العليا".

ابتسم أمال قائلاً: "هذا إذا كنت من عشيرة سودهير".

سألته أنديرا: "ماذا تقصد؟". 

"لا تسيئي فهمي. لقد وعدتنا "باريفار" بالوصول إلى كبار المسؤولين التنفيذيين، وأوفت بوعدها معي. لكن سودهير لا يكاد يدخل مكتبه، ولا يكف عن العمل، ولا يتحدث مع أي شخص. وهناك دائماً الفريق المَرضي عنه. ولا يحصل أحد على هذا الاهتمام الأسري إلا المقربون منه. أعتقد أن هذا أمر مفهوم، فلا يمكن أن نطلب المستحيل من رجل واحد فقط. ولكن إذا لم أستطع رؤيته هو أو غيره من كبار الشخصيات، فأنا عالق في شركة تريد أن تتدخل في شؤون حياتي أكثر من اللازم".

ثم أردف مشيراً إلى البند الأخير في قائمته: "عندكِ على سبيل المثال فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘". يبدو أنه لن يتراجع عن قراره، لذا اكتفت أنديرا بالاستماع إليه. "سمعت عنها من صديقي الذي كان ضمن مجموعة الرؤية المستقبلية تلك. على المرء أن يعترف بأن الأمر يشبه الأخ الأكبر إلى حد ما. فلدينا مجموعة كاملة من المدراء المكرسين للتجول بين صفوفنا وسؤالنا عن مشاكلنا. لكننا لا نحتاج إلى المزيد من الأشخاص للتحدث معهم، بل نحن بحاجة إلى المزيد من المال". رجع بظهره على كرسيه شاعراً بالرضا.

عقّبت أنديرا قائلة: "شكراً لك على صراحتك الشديدة. هذا مفيد حقاً، ونتمنى لك حظاً سعيداً".

بعد بضع دقائق، أطلّ مدير أمال برأسه في مكتب أنديرا، وسألها: "هل تلقيتِ توبيخاً قاسياً؟".

أجابته أنديرا، مشيرة إليه ليأتي: "بالتأكيد. أعتقد أنه سيكون سعيداً في ’ويبرو‘. يبدو أنها تلائم طموحاته أكثر من شركتنا".

"يجب أن تعلمي أن أمال حالة شاذة. فمعظم أفراد فريقي ليسوا مثله. وهم يحبون ثقافة ’باريفار‘".

بالتفكير في قائمتها الطويلة من "الفارين"، تساءلت أنديرا عما إذا كان هذا صحيحاً حقاً.

أفضل الممارسات الجديدة

كان مكتب سودهير مزدحماً بالأرائك المريحة والجذابة، حيث كان يعقد فيه الاجتماعات المكبَّرة بانتظام. ألقت أنديرا نظرة فاحصة على الغرفة بعد أن اتخذ الجميع مقاعدهم. لقد كان تجمعاً نموذجياً يضم معظم كبار قادة "باريفار"، بمن في ذلك فيكرام وكومار، بالإضافة إلى عدد من الموظفين الأصغر سناً.

أعلن سودهير: "لقد طلبت من نيشا أن تخبرنا بالمزيد عن فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘. إنها من بنات أفكار فريق الرؤية المستقبلية الذي تشرف عليه. هل أنت جاهزة يا نيشا؟".

بدت نيشا نموذجاً مثالياً لفتاة حديثة التخرج في كلية إدارة الأعمال، وبدأت عرضها التقديمي المدعوم بشرائح الباوربوينت، واصفةً الهيكل التنظيمي للوظيفة الجديدة. وشرحت كلامها بسيناريو خيالي: موظف قلق بشأن مستقبله مع الشركة لأنه كُلِّف بمشروع يستغرق مدة طويلة من الزمن ويستلزم منه العمل حتى وقت متأخر يومياً، ما يؤثر في قدرته على رعاية والدته المريضة في المساء. ولأنه كان يعلم بوجود موظفين مسؤولين عن "دعم الكوادر البشرية‘، راح يبحث عن أحد هؤلاء الموظفين "المستمعين"، كما يُطلَق عليهم، ويشرح لهم مشكلته. يساعده "المستمع" على التفاوض مع مديره للتوصل إلى نظام محدّد لا يسمح له بالمكوث لوقت متأخر كل ليلة. وعرضت نيشا آخر شريحة تظهر فيها رسوم كارتونية لكافة الشخصيات المعنية والبسمة مرسومة على وجوههم، بدايةً من الموظف ومديره و"المستمع" وصولاً إلى الأم المريضة.

صفق كل الحاضرين، وهنّأ سودهير نيشا. "هذا ما أحبه في القدوم إلى العمل كل يوم: أفكار جديدة من الشباب الأذكياء".

ليس من المستغرب أن يكون كومار أول من يطرح أسئلة: كم ستبلغ تكلفة هذه الوظيفة؟ وكيف ستتوسع مع نمو الشركة؟ ومَن سيتولى إدارتها؟ حاولت نيشا تقديم إجابات، لكن سودهير قاطعها قبل أن تستطرد: "لا يزال يتعين علينا حل بعض الأمور، بالطبع، وهذه كلها مخاوف مشروعة. لكنني أعتقد أن هذا سيكون مالاً يتم إنفاقه في المكان الصحيح".

لم يكن كومار مقتنعاً، فتساءل: "حسناً، لن نناقش التفاصيل اليوم، ولكن ماذا عن خططنا الأوسع للنمو؟ هل سيكون هذا مناسباً خارج الهند، عندما نتوسع في المملكة المتحدة والولايات المتحدة؟".

أجابه سودهير: "هذه أيضاً قضية مهمة يجب استكشافها، لكن الناس في كل مكان يريدون من شركتهم أن تهتم بهم". ورمق كومار بنظرة مفادها أن هذا الاستجواب يجب أن يتوقف. "أنديرا، هل لديك أي أسئلة؟ من الواضح أن هذا يقع في نطاق مجال عملك".

شاركت أنديرا كومار في مخاوفه، بل وأكثر. لكنها أرادت أن تسأل عن شيء آخر. "نيشا، شكراً لك على هذا العرض التقديمي المدروس. كنت أتساءل عما إذا كنت قد فكرت في كيفية تقييم المستمعين. كيف سنعرف ما إذا كان أداؤهم جيداً؟".

قالت نيشا: "من خلال معدلات استبقاء الموظفين. فكلما انخفض معدل دوران الموظفين لدينا، كان أداء المستمعين أفضل".

فكرت أنديرا في مدى تعقيد تقييم أي شخص على أساس معدل دوران الموظفين، نظراً للتقلبات في سوق العمل. وكانت تخشى عرض أحدث أرقام استنزاف الكوادر البشرية على سودهير.

وهنا تساءل فيكرام عمّا إذا كانت أي شركات أخرى في الهند أو في أي مكان آخر قد جربت برنامجاً مشابهاً أو ما إذا كانت شركة "باريفار" ستضرب للآخرين مثلاً يُحتذَى به في هذا السياق.

أجاب سودهير: "على حد علمنا، وقد بحثت نيشا هذه المسألة، لم تُقدِم أي شركة أخرى على طرح برنامج كهذا من قبل. صحيح أن شركة ’آتش سي إل‘ تتمتع بثقافة الموظف أولاً، ولكن هذا يتعلق بفهم احتياجات موظفينا وتلبيتها بصورة حقيقية. وقد تحدثنا في وقت سابق مع نيشا عن كيفية تحويل هذا البرنامج يوماً ما إلى واحد من أفضل الممارسات في كافة أنحاء الهند، وربما خارجها".

في وقت لاحق، وبينما أخذ الجميع ينصرفون من المكان، انتحى سودهير بأنديرا جانباً، وقال لها: "شكراً لك على لطفك مع نيشا. نريد تشجيع أمثالها من الشباب على طرح أفكار جريئة. لكنني بالطبع أريد رأيك بصدق. وسنجتمع يوم الجمعة، أليس كذلك؟ فهل لديك شيء تريدين قوله لي؟".

الشك الصادق

أخذت أنديرا المصعد إلى الطابق الرابع. كانت تأمل أن تكون زميلتها وصديقتها في كلية إدارة الأعمال، أمريتا، في مكتبها.

قالت مازحة: "الحمد لله أنك لست مشغولة"، وجدت أمريتا منكبة برأسها على مكتبها. كانت المرأتان غارقتين في العمل دائماً، لكنهما كانتا تطبّقان سياسة الباب المفتوح معاً.

شرحت أنديرا ما دار في الاجتماع الذي انعقد منذ قليل في مكتب سودهير، وحدثتها عن وظيفة ’دعم الكوادر البشرية‘، ومقابلة ترك الخدمة مع أمال، وأرقام دوران الموظفين الرهيبة.

"أشعر بالشك في فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘ هذه لأنني لست متأكدة من قدرتنا على ترسيخ ’ثقافة الحب‘ التي أرسى سودهير دعائمها في مؤسسة تنمو بسرعة كبيرة. ففلسفة كيفية تفاعله مع الأفراد شيء، ولكن بناء العمليات وهياكل الإدارة الرسمية من حوله شيء مختلف تماماً".

قالت أمريتا معقبةً: "هذه رسالة يصعب إيصالها إلى شخص ضاعف إيراداته 3 مرات وزاد أرباحه 5 مرات في ظل وجود هذه الثقافة في صميم عمل الشركة. وأنا متأكدة من أنه يعتقد أن هذا يحل مشكلة قدرته المحدودة".

تساءلت أنديرا بصدق: "ولكن هل يمكنك إضفاء الطابع الرسمي على ثقافة مميزة مثل ثقافتنا في العمليات والأدوار الوظيفية؟ وهل ستنجح وظيفة ’دعم الكوادر البشرية‘ أساساً؟ وإذا نجحت، ألن تسهم في فرار المزيد من الموظفين مثل أمال؟ ماذا لو أدى ذلك إلى تفاقم مشكلة معدلات دوران الموظفين لدينا بدلاً من إصلاحها؟ وإذا أردنا التوسع في أوروبا والولايات المتحدة، ألا نحتاج إلى التخلي عن فكرة الجماعة المتكتلة؟".

ضحكت أمريتا، معلقةً: "أنت تعرفين ما يحب سودهير قوله: "التكتل جزء من ثقافتنا". صمتت قليلاً، ثم أردفت: "اسمعي يا أنديرا، أعرف أنه ليس من أسلوبك أن تقولي ما يريد أن يسمعه. وإذا كنتِ تعتقدين أن فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘ فكرة سيئة، فأخبريه بذلك. سيأخذ نصيحتك على محمل الجد".

كانت أنديرا تعرف أن لديها من السلطة والنفوذ ما يفوق معظم رؤساء الموارد البشرية. لقد أراد سودهير أن يدير شركة تراعي الجوانب الإنسانية، وكان ذلك يعني إبداء رأيها في القضايا المهمة.

أجابت أنديرا: "أنوي أن أكون صادقة معه، لكنّ هناك شيئاً آخر يقوله سودهير دائماً وهو: ’لا تأتي إليّ بمشكلة، لكن تعالي ومعك الحل‘. وإذا كان فيكرام ونيشا على حق، فقد تكون فكرة ’دعم الكوادر البشرية‘ مجرد ميزة نحتاج إليها ضد الشركات الأخرى، من أمثال شركة ’ويبرو‘ و’إنفوسيس‘، أي مجرد طريقة لاستبقاء موظفينا وجذب موظفين جدد. وماذا لو ساعدنا هذا على الوصول إلى مصاف شركات القمة؟".

"هل تعتقدين أن هذا سيحدث حقاً، أنديرا؟".

"لست متأكدة، لكن ليس لديّ أي أفكار أفضل في الوقت الحالي".

نصائح من مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

ماذا كنت ستفعل؟ 

هذا عمل، وليس أسرة. وهي علاقة نقدية، وليست علاقة عاطفية. ويجب أن يدرك سودهير أن المنافسة محتدمة في سوق العمل، وأن الموظفين سيتحركون جيئة وذهاباً في هذه السوق. ولمساعدة شركة "باريفار" على النمو، يجب عليه بناء شبكة من الموظفين السابقين الذين يعملون الآن لدى العملاء والمنافسين. - خورخي لوبيز، مستشار مستقل.

تتمثل رؤية سودهير في توفير مكان عمل استثنائي يراعي الجوانب الإنسانية، وتعزز فكرة "دعم الكوادر البشرية" هذه الرؤية. ومع توسع الشركة، يمكن تصميم المواصفات بما يناسب كل سوق محلية. وقد يتضح أن الوظيفة الجديدة هي الشيء الوحيد الذي يميز الشركة. - ديفيد آرون ستيفنز، مالك شركة "ستيفنز كونسلتنغ" (Stevens Consulting).

قبل إطلاق فكرة "دعم الكوادر البشرية"، يجب على شركة "باريفار" أن تفهم جيداً العوامل التي تسهم في سعادة موظفيها. ما الذي يعتبره العاملون مهماً في حياتهم، وكيف يمكن للشركة إنشاء رابط ذي مغزى بين الوظيفة الجديدة وقيم الموظفين الرئيسية تلك؟ - روبن كولين، مالك شركة "براند ستيشن" (Brand Station) والشريك المؤسس لها.

تبدو المبادرة المقترحة رائعة، لكنها تنطوي على مخاطر المغالاة في الوعود دون الوفاء بها. ويبدو أنها غير قابلة للتطوير أو لا تلائم احتياجات قوة العمل العالمية. نتيجة لذلك، قد يتسبب هذا في ارتفاع معدل دوران الموظفين عندما لا تتم تلبية التوقعات. - موراج باريت، الرئيسة التنفيذية لشركة "سكاي تيم" (Skye Team).

هل يجب أن تعتمد أنديرا وظيفة "دعم الكوادر البشرية" الجديدة؟

رأي الخبراء

غانيش ناتاراجان: نائب رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي لشركة "زينسار تكنولوجيز" (Zensar Technologies).

تُظهر أرقام استبقاء الموظفين السيئة في شركة "باريفار" بوضوح أن الشركة لا تبلي بلاءً حسناً فيما يخص تلبية احتياجات موظفيها، لذا يجب على أندريا اعتماد وظيفة "دعم الكوادر البشرية". قد يؤدي اتخاذ هذه الخطوة إلى السماح لها ولفريقها بتحديد المشكلات التي تزعج الأفراد وحلها قبل أن يقرروا مغادرة الشركة.

تستند هذه الحالة بشكل فضفاض للغاية إلى تجاربنا في شركة "زينسار". وقد وجدنا أن مكان العمل الممتع والحميم يمنحنا ميزة تنافسية كبيرة في تعيين الموظفين واستبقائهم. ويسألنا المرشحون المحتملون في المقابلات الشخصية ما إذا كانت القصص التي سمعوها عن العمل في شركتنا صحيحة. وبعد انضمامهم، فإن الثقافة هي التي تبقيهم معنا، على الرغم من أن الكثيرين منهم يمكن أن يجدوا وظائف ذات رواتب أفضل في مكان آخر. ويتراوح معدل دوران الموظفين لدينا في الواقع ما بين 11% إلى 12% فقط سنوياً، أي أقل بنحو 5% من متوسط القطاع، ويتجاوز معدل استبقاء الموظفين المهمين لدينا 98%. ويستمتع موظفونا بالبقاء معنا بسبب الثقافة التي أرسيناها معاً.

وقبل أن تمضي أنديرا قدماً في الوظيفة الجديدة، يجب أن تكون واضحة بشأن كيفية تنفيذها بشكل صحيح. فإذا رأى الموظفون أن هذه الفكرة تهدف إلى الإمساك بتلابيبهم أو التدخل السافر في حياتهم، حسبما قال الموظف المغادر أمال، فلن ينجح الأمر.

ولدينا في شركة "زينسار" برنامج مشابه، يسمى "علاقات المنتسبين"، يعمل به 27 موظفاً تحت مسمى مدراء "علاقات المنتسبين". ونحرص على تدريب هؤلاء المدراء لمدة 6 أشهر على كيفية العمل مباشرة مع الموظفين الأفراد ومدرائهم في الأمور الحساسة التي قد يتردد المرؤوسون في طرحها مع رؤسائهم. تتضمن هذه القضايا التخطيط لإجازة الأمومة أو التفاوض بشأن عبء العمل أو تغيير الأدوار الوظيفية. ويثق الموظفون الشباب بمدراء "علاقات المنتسبين" لأنهم غالباً ما يكونون هم أنفسهم موظفين صغاراً ولكن كبار القادة ينصتون إليهم، بمن في ذلك رئيس الموارد البشرية وأنا.

ستؤتي فكرة "دعم الكوادر البشرية" ثمارها في شكل انخفاض معدل دوران الموظفين وانخفاض نفقات تعيين الموظفين الجدد

وتعتبر الثقافة مسألة تطوعية ولا يمكن فرضها على الموظفين. ولا ينبغي لبرنامج مثل وظيفة "علاقات المنتسبين" أو فكرة "دعم الكوادر البشرية" في شركة "باريفار" نشر فكرة التكتل. على العكس من ذلك، يجب أن يتم تنفيذها بطريقة تراعي العدالة والمساواة. وستكون المبادرة الجديدة في شركة "باريفار" فرصة لإظهار أن قادة الشركة يعاملون الجميع على قدم المساواة ولا يحابون موظفاً على حساب موظف آخر.

وعلى الرغم من ذلك، فمن حق كومار أن يسأل عن مدى نجاح ثقافة الشركة فيما وراء حدود الهند، كما تساءلنا في البداية في شركة "زينسار". وقد وجدنا كمؤسسة عالمية أن فكرة "علاقات المنتسبين" يمكن أن تنجح بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة في كلٍّ من اليابان والصين وأوروبا وحتى الولايات المتحدة. فكل شخص في العالم يريد مكان عمل حميمياً، وليس الهنود فقط. صحيح أن تدريب "مستمعي" دعم الكوادر البشرية ودفع أجورهم سيكلف مالاً. ولكن يجب أن يُنظر إلى ذلك على أنه استثمار سيؤتي ثماره في شكل انخفاض معدل دوران الموظفين وانخفاض نفقات تعيين موظفين جدد.

وإذا كانت أنديرا تتصدر المبادرة، بدلاً من مجرد تأييدها، فإنها ستثبت أيضاً أن هذا ليس مجرد مشروع مفضَّل لدى سودهير أو محاولة للمبالغة في "ثقافة الحب" التي أرسى دعائمها. ومن خلال قيادتها للمبادرة، قد تكون وظيفة "دعم الكوادر البشرية" كما تريدها نيشا: طريقة لتلبية الاحتياجات الفردية للموظفين واستبقائهم لأطول فترة ممكنة من الزمن وتعزيز مناخ أوسع من الرعاية والاهتمام.

ديزي داولنغ: رئيسة تطوير المواهب في شركة "بلاكستون غروب" (Blackstone Group)، وهي شركة عالمية لإدارة الأصول البديلة.

يجب أن تتخلى شركة "باريفار" عن فكرة "دعم الكوادر البشرية"، على الأقل في الوقت الحالي. قد تتماشى المبادرة المقترحة مع رؤية سودهير لشركة تهتم بموظفيها، ولكن ليست لها فائدة تجارية واضحة، ومن غير المرجح أن توقف الحلول المقترحة معدلات دوران الموظفين المشهودة حالياً بين الموظفين. ومن خلال وضع توقعات غير واقعية حول تدخل الإدارة في الحياة الشخصية للموظفين، فإن فكرة "دعم الكوادر البشرية" ستضر بثقافة الشركة أكثر مما تنفعها.

وتتمثل المشكلة الأكبر من وجهة نظر أنديرا في الافتقار إلى التفكير الاستراتيجيّ. إذ تبدو هي وزملاؤها كمن يحاولون تحسس طريقهم في الظلام الدامس، لأنهم لم يضعوا أيديهم على الحقائق الملموسة التي من شأنها أن تفسر معدل دوران الموظفين المروّع. ويبدو أن سودهير وفيكرام وآخرين في الشركة يعتمدون على حدسهم وحده لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن الموهبة. ويجب على أنديرا بصفتها رئيسة للموارد البشرية اكتشاف السبب الحقيقي وراء استنزاف الكوادر البشرية، ومن ثم توجيه انتباه الفريق إلى هذه المعلومات والحلول العملية المقترحة، حتى لو كان ذلك يعني إثارة بعض القلاقل.

يجب أن تبدأ بطرح 4 أسئلة رئيسية:

  1. كيف تقود ثقافة شركة "باريفار" الأداء التجاري؟
  2. كيف يُنظر إلى العلامة التجارية للشركة في سوق المواهب؟
  3. كيف تُقيّم الشركة المواهب المحتملة؟
  4. لماذا يترك الموظفون الشركة؟

يجب أن تتعمق أنديرا في بحثها أكثر ممّا تفعل في مقابلات ترك الخدمة السلبية التي تجريها. وبالإضافة إلى البحث عن إجابات من مجموعة واسعة من الموظفين، فإنها تحتاج إلى استشارة مصادر خارجية، مثل وكالات توظيف المسؤولين التنفيذيين، وتحليل جميع البيانات الموجودة تحت تصرف الموارد البشرية، بدايةً من الاستقصاءات الثقافية مروراً بإحصاءات تعيين الموظفين الجدد وصولاً إلى نتائج مراجعة الأداء. ستحدد البيانات أهم العناصر في ثقافة الشركة وأكثرها جاذبية للموظفين الجدد، ومدى نجاح الشركة في التعريف بهذه العناصر، ومدى فاعلية تقييم الموظفين الجدد، ومدى قدرة الشركة على الوفاء بوعودها. وإذا اكتشفت أنديرا عدم التوافق بين الركائز الأساسية الأربع لاستراتيجية الموظفين في الشركة، أي الثقافة والعلامة التجارية والتقييم وتجربة الموظف، فيجب عليها عندئذٍ إطلاق برنامج مكثّف لعلاج المسائل الماسة بالعمالة والثروة البشرية، مثل برنامج "دعم الكوادر البشرية".

ونواجه في شركة "بلاكستون" تحدياً مماثلاً، فبصفتنا شركة صغيرة في سوق المواهب الذي يشهد منافسات حامية الوطيس، فإننا نركز بقوة على مواءمة ثقافتنا التي تبرز أهمية رعاية موظفينا مع استراتيجية الموارد البشرية لدينا. على سبيل المثال: حرصنا مؤخراً على إصلاح استراتيجية التوظيف في الحرم الجامعي وتواصلنا مع المواهب من أجل شرح التطلعات المهنية البعيدة المدى بشكل أفضل في شركة "بلاكستون". ونحرص أيضاً على إجراء استقصاءات سنوية سرية للموظفين المبتدئين لتقييم ما إذا كانت خبرات عملهم اليومية تعكس الطريقة التي نحب أداء الأعمال بها. ويؤتي هذا التركيز ثماره: حتى في الأسواق المزدهرة، كان معدل استنزاف الكوادر البشرية لدينا أقل من المتوسطات العامة في القطاع، وقد أمضى 30% من شركائنا حياتهم المهنية بالكامل معنا. تجدر الإشارة هنا إلى أن "بلاكستون" ليست مناسبة للجميع، لذلك نحرص على اختيار الموظفين القادرين على الانسجام مع ثقافتنا، ثم الارتقاء إلى مستوى توقعاتهم. ولوقف استنزاف الكوادر البشرية، يجب على شركة "باريفار" فعل الشيء نفسه.

تبدو أنديرا وزملاؤها كمن يحاولون تحسس طريقهم في الظلام الدامس، لأنهم لم يضعوا أيديهم على الحقائق الملموسة.

تشعر أنديرا بالذهول بسبب ارتفاع معدل دوران الموظفين، وربما تشعر بالخوف قليلاً من سودهير، لكن ينبغي لها ألا تخافه. ويمكن لمتخصصي الموارد البشرية الرائعين تحليل مشكلة الكوادر البشرية بطريقة عقلانية، وصياغة حلول دقيقة ومجدية تجارياً، والدفاع عن هذه المبادرات. ويوفر تحدي دوران الموظفين فرصة مثالية لأنديرا لتعزيز أعمال شركة "باريفار" وحياتها المهنية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي