ما يمكن أن تتعلمه الشركات من تجربة الجيش الأميركي بشأن تقديم الدعم لأسر موظفيها؟

5 دقائق

ثمة مصدر لا يتوقعه أحد للمعلومات وحلول المشكلات وقوة العزم يتوفر لكل العاملين الذين لديهم أبناء والذين يجاهدون التحديات التي لا تحتمل الفشل أو تلك الناشئة عن الجمع بين إدارة حياتهم المهنية ورعاية أطفالهم. ويتوفر هذا المصدر أيضاً لكل مؤسسة تسعى للبحث عن سبل عملية ومؤثرة لتقديم الدعم لموظفيها الذين لديهم أبناء.

هذا المصدر هو العسكرية الأميركية.

أياً كانت الخلفية التي تأتي منها أو المنظور الذي ترى به السياسات الأميركية وتصرفاتها مع دول الخارج، من الصعب أن تجادل في أن القوات المسلحة الأميركية أصبحت الآن تتمتع بخبرة تفوق الكثير من سائر المؤسسات أو معظمها في التعامل مع مشكلات العاملين الذين لديهم أبناء، وذلك في ظل ما يزيد عن 15 عاماً سابقة من النشاط العسكري المستمر، وما تبعه من نشر الجنود وانتقالهم من مواقع إلى مواقع أخرى وغير ذلك من متطلبات غير عادية تُفرَض على العاملين بالعسكرية وأسرهم. فكما ذكر لي أحد كبار القادة بمكتب سياسة الأسرة والمجتمع العسكري الأميركي: "السبب الأول الذي يجعل العسكريين غير مستعدين للذهاب إلى المعركة هو قلقهم على أسرهم بالمنزل".

وأمام ذلك التحدي المستمر، توصلت العسكرية وأفرادها إلى حلول ناجعة تتصف بالإبداع والعملية. بعض تلك الحلول ضخمة ومنهجية ويصعب تقليدها في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال يتعذر على أي من الشركات الناشئة في مجال ريادة الأعمال أو حتى أغلب الشركات الكبرى المقتصدة في التكاليف تقديم الرعاية النهارية رفيعة الجودة التي توفرها العسكرية الأميركية.

بَيدَ أن كثيراً من المقاربات الحديثة الأخرى تعد في متناول المؤسسات كافة، بغض النظر عن بؤرة اهتمامها أو مواردها، وهي مقاربات يسهل تطبيقها بالنسبة إلى مدراء الخطوط الأمامية والعاملين من الآباء والأمهات على حد السواء.

وإليك بعضاً من تلك الممارسات، المستقاة من مقابلاتي مع العاملين المخضرمين بالجهاز العسكري في شتى الأقسام والوظائف. وهي ممارسات يمكن للمهنيين في مجالات العمل ذات المخاطر والمتطلبات العالية أن يطبقوها في منازلهم ومهنهم وشركاتهم، بغض النظر عن المجال أو الدور الوظيفي أو بنية الأسرة.

أعط الأولوية للارتباطات التي يمكن معرفتها سلفاً. العمل بالجيش ساعاته طويلة ومتطلباته عالية، ويفرض التغيب عن المنزل لفترات ممتدة وبمعدلات متكررة، وتتبدل فيه الأولويات والاحتياجات بشكل مستمر – وكل تلك الظروف، كما في عالم الشركات، تصعّب الأمر على العاملين به ممن لديهم أبناء. ولموازنة تلك المتطلبات، يصبح من المتوقع من القادة العسكريين مثلما قال لي أحد قادة الجيش الأميركي "أن يتحكموا في الأمور التي يمكن التحكم بها"، وأن يجعلوا كل الارتباطات الدورية والمحددة بمواعيد معروفة سلفاً بقدر الإمكان. فإذا تحدد موعد انتهاء اجتماع الضباط أو أحد التدريبات في الساعة السادسة مساء، فهو ينتهي في الساعة السادسة مساء – وليس في السادسة واثنين وعشرين دقيقة. ويمكن للموظفين أن يضعوا جداول مواعيدهم ورعاية أبنائهم بحيث يلتزمون بإحضارهم من مركز الرعاية النهارية ومتابعة مباراة كرة القدم وتناول الغداء مع أسرهم في الأوقات المحددة وحسب الاتفاق. فمعرفة العاملين بالتزاماتهم بشكل مسبق هي التي تساعدهم على الوفاء بمتطلبات أدوارهم الثنائية، وليس تحليهم بالمرونة وحده. احرص على إنهاء اجتماع المبيعات الأسبوعي في الوقت المحدد وستجد أنك تزيد من فرص الإبقاء على العاملين الذين لديهم أبناء من أصحاب الأداء العالي بشركتك.

اجعل روتين العمل ثابتاً - حتى وإن تغير. عادة ما يحتاج الناس الذين يعملون في وظائف تتطلب السفر لفترات طويلة وقضاء فترات طويلة من الوقت في عمل مكثف إلى الفصل بين مشروع وآخر. فيقول سكون سنوك، وهو عقيد بالجيش الأميركي والمدير السابق لمركز ويست بوينت لبحوث الإدارة والمؤسسات (West Point’s Center for Leadership and Organizations Research): "كنا في الماضي نعود للوطن من مناطق القتال ونستقل سياراتنا لنعود إلى منازلنا ولا نفعل أي شيء طوال ثلاثة أسابيع"L، ولكن تبين لنا أن ذلك أسوأ شيء يمكننا عمله". فالتغيرات الجذرية الفجائية في روتين العمل لا تقلل من مستوى أداء المحترفين بالعمل فحسب، وإنما تدمر علاقاتهم بأسرهم، وبشكل خاص مع صغار أبنائهم. فأصبح الجيش الآن يشجع الجنود العائدين من القتال على اتباع جداول مواعيد عملية وغير مكثفة تقلل التغير الجذري بين فترات العمل والراحة، سواء بالنسبة إلى الجندي أو أسرته. وفي القطاع الخاص، إذا كنت استشارياً عائداً من رحلة عمل طويلة، أو محاسباً تمر بفترة توقف عن العمل بعد انتهاء موسم تقديم البيانات الضريبية، "فلا تبالغ في التعويض" عن فترة غيابك عن المنزل، وإنما ضع روتين مخفف يناسب العمل والمنزل على حد السواء.

أعلن عن الموارد التي توفرها مؤسستك وحسّن نظرة الناس لها. يقول أحد المسؤولين في مكتب سياسة الأسرة: "يقدم الجيش، مثل كثير من المؤسسات، الكثير من مختلف برامج دعم الأسرة، ولكن الأهم هو تشجيع العاملين على الاستفادة الفعلية من تلك البرامج"، "ومن الصعب جداً تحقيق ذلك إذا كانت الثقافة السائدة في مؤسستك تجعل الناس الذين يمكنهم الاستفادة من تلك الموارد يشعرون بالعزلة أو بالانتقاص من شأنهم". لذا يُحَث القادة العسكريين على التحدث صراحة مع مرؤوسيهم عن البرامج والموارد المتوفرة لأسرهم، وتوضع الإعلانات ورسائل التذكير البصرية التي تعلن عن الخدمات المقدمة في أماكن يسهل على الجنود رؤيتها، كما يُحَث أفراد العمل المطّلعين على تلك البرامج على تمضية الوقت في التنقل عبر أرجاء المنشآت العسكرية لمناقشة تلك البرامج. فمن المستبعد أن تقدم برامج الإرشاد والموارد المتاحة عبر برنامج مساعدة العاملين الخاص بمؤسستك أية فائدة لهم إذا لم تكن معروفة سوى لدى قلة محدودة من العاملين في الطابق الذي يشغله قسم الموارد البشرية.

اخلق علاقة بين العاملين الذين لديهم أبناء ونظرائهم. كلما زادت سهولة تواصل العاملين الذين لديهم أبناء في مؤسستك مع نظرائهم، وزادت سهولة حصولهم على ما يقدموه لهم أقرانهم من مشورة وتشجيع وحلول مناسبة لثقافتهم ومهمة لهم، ازداد نجاحهم المهني وازدادت رغبتهم في البقاء في أعمالهم. ففي الجيش يأتي الدعم بشكل كبير من الزملاء. فعندما تحتاج إحدى الأسر إلى المساعدة تطلبها من أسرة زميل لها بالجيش. وينطبق الأمر على مؤسستك. فبناء شبكة تجمع العاملين الذين لديهم أبناء بشكل غير رسمي أو عمل صفحة للموظفين الذين لديهم أبناء على الشبكة الداخلية بمؤسستك يمكن أن يشكل أداة فعالة لتقديم الدعم لجموع العاملين الذين لديهم أبناء بشركتك والإبقاء عليهم، ويمكن تنفيذها بأقل التكاليف الممكنة.

كن حاضراً حتى وأنت غائب. يتدرب أسر العسكريين على كيفية تقليل أثر غيابهم لساعات طوال والانتقال لأماكن بعيدة بحيث يجعلون أبناءهم يشعرون وكأن أباهم لا يزال حاضراً بالمنزل حتى وإن غاب عنه. فإذا كنت في رحلة عمل طويلة أو تبقى بالمكتب لأوقات متأخرة كي تنهي ذلك المشروع الضخم الذي تعمل عليه، احرص على أن تترك لأبنائك ما يذكرهم بك في كل مكان بالمنزل. ضع الألعاب التي تلعبون بها سوياً في مكان واضح بغرفة المعيشة وضع صوراً لكم التقطوها في آخر نزهة أسرية قمتم بها في مكان يسهل على الأبناء رؤيته واحرص على تشغيل الأغاني التي تحبون الاستماع إليها معاً. كن معهم، حتى وأنت غائب.

لا تقض الوقت في الكلام – بل في الفعل. أي أب يعود للمنزل بعد يوم عمل طويل ويسأل ابنه "كيف كان يومك؟" يعلم أن الأطفال أياً كان عمرهم لا يتواصلون مثل البالغين وأنهم لا يتواصلون بالكلام. وسواء كنت عائداً من رحلة عمل أو عائداً للمنزل بعد نهاية يوم عمل، فإن أكثر الطرق فاعلية للتواصل مع أبنائك ليست بتوجيه الأسئلة إليهم وإنما بمشاركتهم الأنشطة من رياضة وقراءة وموسيقى ولعب. انس أمر الأسئلة وامسك بكرة أو كتاب فور وصولك المنزل. فمثلما تساعد المنظمات غير الربحية التابعة للجيش مثل منظمة يونايتيد ثرو ريدينج (United Through Reading) أفراد الجيش في التواصل بهذه الطريقة، يمكن لأي مهني في أي وظيفة ذات متطلبات عالية أن يستخدم نفس الأساليب.

وكما يقول القول المأثور: "الأذكياء يتعلمون من تجاربهم، والأكثر ذكاء يتعلمون من تجارب الآخرين". فبالنظر إلى التجارب الفاعلة في مختلف القطاعات والمناطق والمجالات، يمكن للموظفين الذين لديهم أبناء والشركات التي تستخدمها أن يتوصلوا إلى حلول عملية لا يتوقعوها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي