إدارة الإبداع: دروس من شركتي “ديزني” و”بيكسار”

6 دقائق
إدارة الإبداع
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ماذا تعلم عن إدارة الإبداع في اكبر الشركات العالمية؟ إد كاتمول هو الشريك المؤسس لشركة “بيكسار” لاستديوهات الرسوم المتحركة ورئيسها لفترة طويلة من الزمن. عانت “بيكسار” لمدة 10 سنوات منذ تأسيسها عام 1986 وحتى نجاح فيلمها الطويل الأول “قصة دمية” (Toy Story) عام 1995. ومع حيازة شركة “والت ديزني” على شركة “بيكسار” عام 2006، تولى كاتمول رئاسة شركتي “ديزني” للرسوم المتحركة و”بيكسار”.

وفي كتابه الجديد “الإبداع في عمل الشركات” (Creativity, Inc)، يتحدث كاتمول بإسهاب حول أفكاره الخاصة بإدارة شركة إبداعية. وفيما يلي نص مقابلة أجرتها معه “هارفارد بزنس ريفيو”.

سؤال: تعتبر “والت ديزني” شركة كبيرة وفيها تداخل في النشاطات ضمن مجالات مختلفة. فعلى سبيل المثال، من الواضح أن شركة “بيكسار” تنتج الرسوم المتحركة بواسطة الكمبيوتر مثل شركة “آي إل إم” (ILM). فهل يخلق ذلك ضغوطاً لتبني التكنولوجيا ذاتها أو العمليات ذاتها؟

عقدنا منذ فترة مؤتمراً ضم 250 شخصاً تقنياً من مختلف الأقسام في شركة “ديزني”. وقد حضرت شركات “بيكسار”، و”والت ديزني للرسوم المتحركة”، و”والت ديزني للحدائق الضخمة”، وشركة “آي إل إم”، وشركة “ديزني” للألعاب، وقناة “إي إس بي إن” (ESPN).

وكان الأمر يستند إلى مقترح قدّمناه إلى شركة “والت ديزني” للرسوم المتحركة عندما ذهبت أنا وجون لاسيتر، كبير مسؤولي الإبداع في “بيكسار” و”ديزني” للرسوم المتحركة إلى هناك قبل 8 سنوات. بالنسبة لمعظم الشركات الأخرى، كانوا سيقولون طالما أننا شركتان متشابهتان، فلماذا لا نوحد أدواتنا وعملياتنا وطريقة عملنا، وقسمي الأبحاث والتطوير لدينا، بحيث لا يحصل تكرار في جهودنا؟

لكننا سرنا في الاتجاه المعاكس تماماً من أجل إدارة الإبداع تحديداً، أي أننا قلنا للعاملين في كل استديو: “يمكنكم الاطلاع على الأدوات الموجودة في الاستديو الآخر، وبوسعكم استعمالها إذا شئتم، لكن الخيار بأكمله يرجع إليكم”. كان لدى كل منهما فريق للتطوير يطرح أفكاراً مختلفة، ولكن لأننا قلنا لهم: “لستم مضطرين إلى أخذ الأفكار من أي أحد آخر”، فإنهم شعروا بحرية أكبر في الحديث مع بعضهم البعض.

تتغير الأجهزة والمعدات الأساسية باستمرار، كما تتغير البرمجيات أيضاً. كل شيء يتغيّر. لذلك أفضل شيء يمكن أن يكون لدينا هو وجود مجموعات مختلفة تطرح أفكاراً مختلفة ومن ثم تتشاركها مع الآخرين. وهذا يساعدها في التحرك بسرعة أكبر.

فبعد الانتهاء من هذه المقابلة، سأفعل شيئاً أقوم به مرة كل أسبوع، وهو غداء عشوائي، حيث سأتناول الطعام مع 8 أشخاص منتقين عشوائياً من الشركة. ليس هناك جدول أعمال مسبق، وإنما مجرد حديث حول القضايا، وأي شيء يرغبون به. والفكرة هنا هي إرسال رسالة مفادها بأن أي شخص بمقدوره الحديث إلى أي شخص آخر.

سؤال: هناك بعض الأخبار غير السارة عن أحد أفلامكم وهو قيد الإنتاج حالياً. حبث أعلنت “بيكسار” في سبتمبر/أيلول أن إطلاق فيلم “الديناصور الجيد” “The Good Dinosaur”، الذي كان يفترض إطلاقه أساساً في 2014، سوف يؤجل حتى 2015. وستكون هذه السنة الأولى منذ 2005 الذي لا تطلق فيه الشركة فيلماً طويلاً. وبالتأكيد كان هناك بعض النقاشات العصيبة التي قادت إلى هذا القرار.

جواب: سبق وواجهنا صعوبات جمّة في كل فيلم من الأفلام التي أطلقناها من قبل. وهذا الأمر يشمل أفلام “قصة دمية 2” (Toy Story 2)، و”راتاتويل” (Ratatouille)، و”الديناصور الجيد”. في الماضي، ولأننا كنا شركة صغيرة، لم يكن أحد يولي اهتماماً أو ينتبه. ولكن بعد أن أصبحت “بيكسار” شركة ناجحة، بدأ الناس ينتبهون إلى الأمر ويقولون: “ما الذي يحصل هناك؟”، ما يحصل الآن قد حصل كثيراً في الماضي: ففي نهاية المطاف، هناك معيار هناك معيار لما إذا كان الفيلم جيداً بما يكفي أم لا، ونحن لا نسمح لأي عوائق بأن تمنع انطلاقه بصورة مناسبة.

ثمة شيء لا أؤمن به، وهو مفهوم العملية الكاملة الخالية من أي عيوب. فنحن لا يكمن هدفنا في الحيلولة دون وقوع جميع المشاكل، وإنما هدفنا هو صنع أفلام جيدة.

سؤال: لدى “بيكسار” ما يُقرب من 1,200 موظف والكثير منهم مطلعون على الأسرار المتعلقة بالأفلام التي هي قيد التحضير في الشركة. ومع ذلك، فمن النادر أن نجد أي تسريب للمعلومات حول أفلام “بيكسار”. ما هو السبب في ذلك؟

جواب: هناك سبب وجيه جداً وراء هذا الأمر. ولكن دعني أعطيك مثالاً معاكساً: عندما وصلنا بداية إلى شركة “ديزني” للرسوم المتحركة، كان هناك الكثير من التسريبات، وجرت محاولات هائلة ومجنونة من قبل الشركة لوقف هذه التسريبات وكل ما كنت أعرفه هو أن شخصاً أو اثنين كانوا يتحدثون بطريقة غير مناسبة عنها، وأن هذا الأمر لم يكن جيداً لمعنويات الشركة.

لذلك وقفت أمام الجميع في شركة “ديزني” للرسوم المتحركة، وأوضحت لهم أنه عندما يصنع المرء فيلماً، وعندما يضعه للمرة الأولى على البكرة، فإن الفيلم لا يعمل (بكرة القصة هي عبارة عن فيديو لسلسة من الاسكتشات، التي تتضمن غالباً رسوماً متحركة بسيطة – وهي عملياً عبارة عن نموذج عن الفيلم المخطط له). والحال أن النسخ الأولى تكون كارثية. وبعد ذلك نعقد اجتماعات يحضرها مختلف المخرجين، وكتّاب القصة، وغيرهم، ويجرون نقاشات موسّعة حول كيفية جعل الفيلم ينجح. وعندما ينتهي الاجتماع، يتعين على المخرج وفريقه العودة إلى الطاقم والحديث حول الأمور التي لم تحصل كما ينبغي. ويتعيّن عليهم الثقة بالطاقم واستئمانهم على المعلومات. وعندئذ فإن كل الأمور التي لم تحصل كما يجب ستشيع في أرجاء الاستديو. وأنا قلت لهم أنه إذا ذهب شخص ما وأفشى الأمر في أماكن أخرى أو أخبر أحد الصحفيين بتلك الأمور، وهو ما كان يحصل في تلك الحالات، فإنه بذلك يخون الثقة.

عندما قلت ذلك، انفجر الجمهور الموجود في الاستديو كلّه دفعة واحدة بالتصفيق الحار. بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يفشون الأسرار إلى الصحفيين الخارجيين، ما رأوه هو أن كل الباقين في الاستديو كانوا مستائين من قيام أحد بذلك. وبهذا فإن الرسالة لم تأتِ منّي أنا شخصياً، وإنما جاءت من خلال استجابة الجمهور – والشخص أو الأشخاص الذين كانوا يفشون الأسرار توقفوا عن ذلك.

أنا أؤمن بأن الطريقة المناسبة للحفاظ على الأسرار هي أن تخبر الناس بالمعلومات؛ وأن تدعهم يعرفون ما هي المشاكل بحيث يشعرون بملكيتهم للحل. فإذا لم نثق بهم، وإذا ما حاولنا إخفاء الأسرار عنهم، فإنهم سيشعرون بملكية أقل، وعلى الأرجح فإنهم سيتحدّثون عن الأمر في الخارج. إذاً نحن نلجأ إلى التواطؤ للحصول على الإحساس بالملكية الذي يحافظ على المشاكل داخل البيت ويمنع إفشاءها أو خروجها.

سؤال: هل تعتقد أن النجاح الذي حققته أنت وجون لاسيتر في شركتي “ديزني” للرسوم المتحركة و”بيكسار” بعد عملية الاستحواذ، ساعد في إعطاء بوب آيغر الرئيس التنفيذي لشركة “ديزني” الثقة التي يحتاجها ليقدم على الرهانات الكبيرة الأخرى التي قام بها في عمليات الاستحواذ على “مارفل” و”لوكاس فيلم”؟

لقد أخذنا شركة “ديزني” للرسوم المتحركة، والتي كانت قبل 8 سنوات فاشلة تماماً، وقلبناها رأساً على عقب. فكل فيلم من الأفلام الستة التي أنتجناها منذ ذلك الوقت حقق نجاحاً باهراً. وعندما وصلنا إلى فيلم “فروزين” (Frozen)، فإن المنظمة المسؤولة عن التسويق دعمته بكل طاقاتها وفي جميع أنحاء العالم، مستندة بذلك إلى كل النجاحات المتحققة سابقاً. وتجاوزت أرباحه المليار دولار. وثمّة احتمال كبير بعد أن ننهي هذه المقابلة، بأن يكون “فروزين” هو فيلم الرسوم المتحركة الأول في التاريخ من حيث الأرباح (وقد حصل هذا الأمر فعلياً في أواخر مارس/ آذار). لذلك فإن الإجابة هي نعم. بوب آيغر سعيد للغاية.

أكثر شيء كنا متشددين فيه للغاية هو عدم دمج الاستديوهين ضمن استديو واحد. وقد حددنا قاعدة صارمة، ما زلنا ملتزمين بها، وهي بألا تقوم أي من الشركتين بأي عمل إنتاجي لصالح الشركة الأخرى. فبالنسبة لي، الملكية المحلية في غاية الأهمية. وقد وضعنا آليات للمحافظة على ثقافة كل شركة.

وهذا نموذج يتبع إدارة الإبداع يستعمله بوب في شركة “مارفل” التي تتمتع بثقافة تختلف كلياً عن الثقافة السائدة في “بيكسار”، أو شركة “ديزني” للرسوم المتحركة، وقد سمح لهم بإدارتها بالطريقة التي يرغبون فيها. من الضروري أن تكون هناك آليات لجسر الهوة بينهم، لكن لا يجوز التدخل بالثقافة المحلية لكل شركة.

سؤال: هل تعتقد بأن الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد (3D) ستصبح متاحة لعامة الناس تماماً كما حصل مع موضوع برمجيات النشر؟ وهنا أقصد أنها ستصبح متاحة كما فعلت صناعة النشر التي وفرت للناس أدوات للتصميم يمكن لأي كان أن يستعملها؟

تتغير الأجهزة والبرامج الأساسية المستخدمة باستمرار وأسعارها تتغير. وهذا يعني أنه سيصبح من السهل على المجموعات الأصغر حجماً، وبصورة متزايدة، أن تجتمع سوياً وتحاول صنع شيء ما، وعندما يحصل ذلك، فإنه سيمنح بعض الناس الفرصة ليبدعوا بطرق غير متوقعة، فمجرد وجود الأدوات وتغيّر الأسعار يعنيان بأننا على الأرجح سنشهد حصول حدث غير متوقع.

بوسعك أن تنظر إلى الكثير من المجالات وأن تقول ذلك. فقد رأينا هذا الأمر يحصل في الموسيقى، وفي قطاع النشر. هناك الكثير من الناس الذين يحاولون مقاومة ذلك، لكن الخصائص الاقتصادية الجوهرية للموضوع سوف تتغلب بشكل أساسي على هذه المقاومة، والتي أعتبرها شخصياً بمثابة وقت مهدور عملياً. فإذا قبل الناس حقيقة أن التغيير قادم لا محالة، سواء أحبّوا ذلك أم لا، فإن عليهم عندئذ محاولة التعلم منه، والتكيّف معه، واكتساب ا الخبرة فيه، لأن ذلك سيجعلهم أكثر قدرة على التعامل معه، وسيساعدهم في صياغة شكل هذا الشيء الجديد.

لكن الجزء الثاني من القضية هو: ما هذا الشيء الجديد؟ لسنوات طويلة كان الناس يسألونني دائماً “ما هو الشيء الكبير التالي برأيك؟” وكنت قد أدركت أنه بالرغم من أنني كنت جزءاً من مجموعة ساعدت في تغيير التكنولوجيا، فإنني لم أتمكن قط من توقع الوتيرة التي ستسير بها الأمور، أو الكيفية التي ستحصل بها. واعتمدت على التوجهات العامة وكنت منفتحاً إزاء التغيير. لكن قدراتي على التكهّن بالمستقبل هي بالتأكيد ضعيفة كما يتضح.

سأعطيك مثالاً. عندما كنت على وشك التخرج في جامعة “يوتا”، كان واضحاً بالنسبة لي بأن الشيء التالي الذي سيحصل هو استخدام الكومبيوترات للمساعدة في التصنيع. كان الأمر واضحاً وضوح الشمس.

ولم يحصل ذلك، أو لنقل أنه استغرق 30 عاماً أخرى. وسبب عدم حدوث ذلك هو بحث الشركات عن المزيد من المكاسب على المدى القصير، والذي تمثّل باللجوء إلى اليد العاملة ذات التكلفة الأقل في الخارج. الناس الذين فعلوا ذلك هم اليوم متقاعدون؛ ويعتبرون أنفسهم عباقرة في مجال الإدارة، لكنهم ببساطة فككوا البنية التحتية التصنيعية للولايات المتحدة الأميركية.

بعبارة أخرى، بوسعنا أن نقول: “حسناً، ما الذي تسمح التكنولوجيا به في إدارة الإبداع بالفعل؟” ولكن الأمر عملياً يرتبط بنظام من المكاسب قصيرة الأجل، والأنا، وسوء التصوّر، والخوف من خسارة الموقع في السوق، وهكذا دواليك، مما يمكن أن يضفي طابعاً من الفوضى على العملية، ويجعل من الصعب جداً توقع أي شيء فيها.

اقرأ أيضاً:

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .