ما هي الدروس القيادية التي نتعلمها من رياضة الرماية بالسهام؟

5 دقيقة
الرياضات الأولمبية
مصدر الصورة: ماتياس هانست/غيتي إميدجيز

ملخص: بوسع قادة الشركات استخلاص دروس مفيدة من المنهجية المتبعة في رياضة الرماية بالسهام التي تستند تدريباتها إلى التدريب المدروس والتركيز الواعي والقوة الذهنية والقدرة على التكيف. ومثلما يقسّم الرماة مهارة استخدام القوس والسهم لإصابة الهدف من مسافة بعيدة إلى أجزاء مُنفصلة، مثل وضعية الجسم أو طريقة التصويب، فبوسع المدراء تقسيم مهمة "تحسين المهارات القيادية" إلى خطوات محددة وقابلة للتنفيذ ويسهل التحكم بها. ومثلما يتعلم الرماة ضرورة رفع مستوى تركيزهم إلى أقصى حد ممكن وتوجيه طاقاتهم كلها إلى إتقان رمي السهام بأعلى مستويات البراعة من خلال التدريبات الذهنية المكثفة، مثل التأمل وحديث النفس، بوسع رجال الأعمال استخدام أساليب مماثلة لتطوير قدرتهم على التركيز التحويلي. ومثلما يمارس الرماة أساليب التصور الذهني وإعادة التأطير الإدراكي لإدارة التوتر والحفاظ على رباطة الجأش في المواقف الصعبة، فبوسع القادة أيضاً استخدام تخطيط التصورات وحديث النفس لتعزيز قدرتهم على التحمّل. وأخيراً، مثلما يعزز الرماة قدرتهم على التكيف مع مختلف الظروف، مثل الرياح والضوء وحالتيهم البدنية والذهنية في لحظة أو يوم معينَين، فبوسع المدراء محاولة أداء تمارين مماثلة لتحسين استعدادهم لمواجهة الأحداث غير المتوقعة.

لم تكن الرماية بالسهام أكثر الرياضات شعبية أو أعلاها مشاهدة مقارنة بكثير من الرياضات الأولمبية التي انطلقت فعالياتها في باريس في شهر يوليو/تموز، لكن بوسع قادة الشركات المعاصرين استخلاص دروس قيّمة من المنهجية المتبعة في هذه الرياضة التي تستند إلى التدريب المدروس والتركيز الواعي والقوة الذهنية والقدرة على التكيف.

وقد استفدنا في الأعوام الأخيرة من خبراتنا في مجالين مختلفين: الإدارة والقيادة بالنسبة لمايكل، وتدريبات الرماية بالسهام على المستوى الأولمبي بالنسبة لخوان كارلوس، واستطعنا من خلالها تحديد 4 استراتيجيات مستوحاة من تدريبات الرماية بالسهام تساعد على تسريع تطوير القدرات التنفيذية؛ واختبرنا طريقة تفكيرنا مع مهنيين يعملون في عدد من القطاعات والتخصصات.

ولا يقتصر دورنا في التدريبات والمناقشات على تعليم المسؤولين التنفيذيين كيفية استخدام القوس لإصابة الهدف بسهم من مسافة 15 متراً، بل نوضّح لهم أيضاً قدرة الركائز الأساسية لإتقان الرماية بالسهام على زيادة فرص نجاحهم في المجالات القيادية وكيفية تطبيق ما تعلموه في مؤسساتهم. كما نوفر التدريب على الرماية بالسهام أيضاً للمشاركين كلهم تقريباً في برامجنا المخصَّصة لتطوير القدرات القيادية، بغض النظر عن خبراتهم فيها أو حالاتهم البدنية، ويحرز معظمهم تقدماً سريعاً، ويستطيع الكثيرون منهم إصابة بؤرة الهدف.

التدريب المدروس

ينصح مدربو الرماية بالسهام الرماة بممارسة "التكرار المدروس"، وهي النصيحة نفسها التي يوجّهها مدربو الرياضات الأخرى للاعبيهم، بيد أن هذا لا يعني إطلاق الكثير من السهام فحسب؛ بل يعمل المدربون على تقسيم الأسلوب العام بدقة إلى عناصر أساسية، مثل وضعية الجسم وطريقة الإمساك بالقوس والسحب والتصويب والإطلاق والمتابعة، ومن ثم يحددون مواطن الضعف في كل عنصر ويصممون جلسات التدريب بطريقة تركز على هذه المواطن. تضمن هذه المنهجية الموجَّهة إسهام كل تكرار في تطوير مستوى الرامي، ما يزيد من كفاءة التدريب وفعاليته.

ويمكن تطوير القدرات التنفيذية بالطريقة نفسها، وإليك كيفية تطويرها بهذه الطريقة:

  • قسِّم أسلوبك القيادي إلى عناصر أساسية، مثل التواصل وصناعة القرار والتفكير الاستراتيجي وتفويض المهام، على غرار منهجية الرماة في تقسيم أسلوبهم العام.
  • حدِّد المهارات القيادية التي تحتاج إلى التطوير، مثلما يفعل الرماة حينما يحددون مواطن الضعف.
  • ضع استراتيجيات موجَّهة لتحسين مستوى الأداء، مع التركيز على جانب واحد في كل مرة بطريقة تحاكي تركيز الرماة على العناصر الأساسية لأسلوبهم.
  • اطلب من أقرانك وموجهيك وأعضاء فريقك أن يقدموا لك ملاحظاتهم بانتظام على غرار الملاحظات التي يتلقاها الرماة خلال التدريب.
  • قيّم التقدم بصورة منهجية وعدّل الأساليب المتبعة بحسب الحاجة، تماماً مثلما يعدّل الرماة نظامهم التدريبي.

على سبيل المثال، يمكنك التركيز على تعزيز مهارات الاستماع الفعال في الاجتماعات أو توزيع العمل على نحو أكثر فعالية؛ يجب أن يصبح كل نشاط قيادي فرصة للتدريب المدروس وتحسين مستوى الأداء.

تعمل هذه المنهجية على تحويل المهمة الشاقة المتمثلة في "تحسين المهارات القيادية" إلى خطوات محددة وقابلة للتنفيذ ويسهل التحكم بها، ما يسمح لك بتعزيز الثقة بالنفس ورفع مستوى الكفاءة باستمرار.

احرص على تنمية التركيز الواعي

يُظهر الرماة المهرة قدرتهم على الوصول إلى أعلى درجات التركيز والحضور الذهنيين، ويعمل معهم مدربوهم على رفع مستوى تركيزهم إلى أقصى حد ممكن وتوجيه طاقاتهم كلها إلى إتقان رمي السهام ببراعة من خلال تصفية أذهانهم من مختلف عوامل التشتيت والمحفزات غير ذات الصلة مع الحفاظ على الوعي التام بأجسادهم وعواطفهم وحواراتهم الداخلية وأنفاسهم ومحيطهم. وهكذا يستطيعون الوصول إلى حالة التدفق الذهني التي تمتزج فيها الحركة البدنية والوعي الإدراكي من خلال التدريبات الذهنية المكثَّفة، مثل التأمل وحديث النفس.

بوسعك استخدام أساليب مماثلة لتطوير مهارة التركيز التحويلي وتعزيز عملية صناعة القرار والتفكير الاستراتيجي والعلاقات في الفريق.

وإليك بعض الأمثلة على هذه الأساليب:

  • استخدم حديث النفس الإيجابي بمحاكاة "العبارات التحفيزية" التي يستخدمها رماة السهام للحفاظ على تركيزهم وثقتهم بأنفسهم عند التعرُّض للضغوط، مثل: "ركِّز على ما يمكنك التحكم به، ودعك مما لا يمكنك التحكم به".
  • احرص على الانتباه الشديد لأفكارك ومشاعرك وأحاسيسك البدنية طوال اليوم، تماماً مثلما يحاول الرماة الوصول إلى حالة من التناغم مع أجسادهم وأنفاسهم. وعندما تتعرّض للضغط والتوتر المصاحب للأداء، لا تحاول محاربته، بل تنفس وقل: "ما أشعر به طبيعي، وإذا ركزت على ما أعرف كيفية فعله، فسيكون كل شيء على ما يرام".
  • وجِّه انتباهك كاملاً لكل مهمة على حدة، سواء كانت التخطيط الاستراتيجي أو توجيه الفريق، على غرار انخراط الرماة بجوارحهم كلها في كل تسديدة.
  • أنشئ بيئات خالية من المشتتات الذهنية وحدّد "ساعات التركيز" لمنع المقاطعات في أثناء الأعمال المهمة، مثلما يتخلص الرماة من المحفزات الخارجية غير الضرورية.

عزز الاستماع الفعال مع التركيز التام على نظرائك في المحادثات والاجتماعات، مقتدياً برماة السهام الذين يجسّدون الوعي الذهني بمعنى الكلمة. وبصقل هذه المهارات، يمكنك التغلب على ضجيج الحياة العملية اليومية وتوجيه انتباهك الكامل إلى الجوانب المهمة فعلاً. ستتمكن أيضاً من تصفية ذهنك وتنظيم عواطفك، إلى جانب تعزيز قدرتك على إلهام أعضاء فِرق العمل والتواصل معهم.

عزِّز القوة الذهنية

القوة الذهنية ضرورية لثبات مستوى الأداء تحت الضغط؛ إذ تتوقف عوامل الفوز أو الهزيمة في المنافسات الحادة على قدرة رامي السهام على التحمل الذهني، لذلك يركز مدربوه على تطوير قدرته على التحكم في التوتر والحفاظ على رباطة جأشه في المواقف الصعبة من خلال التصور الذهني والتمارين وإعادة التأطير الإدراكي، فيتدرب على التحكم في معدل ضربات القلب والتنفس واستخدام حديث النفس الإيجابي وتطوير عادات ما قبل التسديد لاستجماع شتات أفكاره والتركيز على هدفه. ويتعلم الاستعداد لأي مفاجآت يواجهه بها مدربوه ويعتبر الضغط قوة إيجابية وفرصة للتميُّز بدلاً من اعتباره مبرراً لتراجع مستوى الأداء.

هذا الثبات الذهني نفسه بالغ الأهمية لقادة الشركات الذين يتحملون غالباً العبء النفسي لاتخاذ قرارات حاسمة في بيئات تشهد ضغوطاً عالية قد تسفر عن عواقب تؤثر بشدة في مؤسساتهم وموظفيهم وأصحاب المصلحة، فتطوير القدرة الذهنية على التحمل ليس مفيداً فحسب، بل هو عنصر ضروري لتحقيق النجاح والرفاهة على المدى البعيد.

وتشمل الطرق المستوحاة من الرماية بالسهام لتعزيز القوة الذهنية كلاً مما يلي:

  • زيادة الثقة بالنفس من خلال الاستعداد المدروس للمواقف الصعبة، مثل تخطيط التصورات وتقمّص الأدوار، مثلما يمرِّن مدربو الرماية اللاعب ليتمكن من اللحاق بمنافسيه إذا تأخر عنهم أو لينهي المنافسة في وقت أقل من المعتاد أو يعلمونه كيفية التعامل مع المفاجآت غير المتوقعة.
  • إعادة صياغة العثرات باعتبارها فرصاً للنمو على غرار نظر الرماة إلى التسديدات غير الموفَّقة أو الخسارة باعتبارها تجارب تعليمية قيّمة.
  • التدرب على إدراك المشاعر وتنظيمها تحت الضغط، على غرار تحكُّم الرماة في أعصابهم وحفاظهم على رباطة جأشهم خلال التسديدات الحاسمة.
  • التفكير في أساليب إدارة الضغوط المتقدمة التي يستخدمها رماة السهام، مثل استرخاء العضلات التدريجي وتصور النتائج الناجحة والتدرُّب على تقديم البيانات البيولوجية.
  • بناء شبكة دعم قوية من الموجهين أو الأقران أو المدربين الموثوقين الذين يمكنك اللجوء إليهم طلباً للمشورة والرأي، على غرار اعتماد الرماة على مدربيهم وزملائهم في الفريق.

أتقن القدرة على التكيف

القدرة على التكيف هي كلمة السر في إدارة الزعزعة واغتنام الفرص غير المتوقعة والحفاظ على الميزة التنافسية في الأسواق الدائمة التطور، إلى جانب الازدهار خلال الاضطرابات. ويعمل المدربون مع الرماة لتطوير قدرتهم على التكيف مع مختلف الظروف، مثل الرياح والضوء وحالتيهم البدنية والذهنية في لحظة أو يوم معينَين، باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات، منها التدريب في أماكن مختلفة وتغيير الظروف عمداً في منتصف التدريب وإجراء البروفات والتصورات الذهنية تحسباً لوقوع سيناريوهات متنوعة وضبط الميكانيكا الحيوية.

وإليك بعض التمارين المماثلة التي يمكن للقادة إجراؤها:

  • انخرط في سيناريوهات الأعمال المتنوعة من خلال عمليات المحاكاة ودراسات الحالة والمشاريع المشتركة بين الأقسام واكتساب القدرة على التكيف مثل رماة السهام.
  • أنشئ تمارين حيوية لحل المشكلات تتطلب تغييرات استراتيجية حثيثة، على غرار تدريبات المرونة الإدراكية للرماة.
  • استخدم التصورات الذهنية استعداداً لمختلف سيناريوهات العمل، مثل تخيُّل مآلات تغيير محوري، مثلما يتخيل الرماة كيفية تسديد السهام في ظروف مختلفة.
  • حلّل أسلوبك القيادي بانتظام اعتماداً على الموقف، مثلما يعدّل الرماة طريقة تسديد السهام بما يلائم مختلف السيناريوهات.

إصابة بؤرة الهدف

تقدم هذه الدروس المستفادة من رياضة الرماية بالسهام منظوراً جديداً لتطوير القدرات القيادية، مع التركيز على تكامل المهارات الذهنية والعاطفية والاستراتيجية؛ فبوسعك رفع مستوى أدائك وأداء فريقك ومؤسستك من خلال التدريبات التي تستند إلى الممارسة الهادفة والتركيز الواعي والقوة الذهنية والقدرة على التكيف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .