كيف يستفيد المستثمرون من دراسة هيكل ملكية الشركات؟

4 دقائق
دراسة هيكل ملكية الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 2012، شهدت شركة آبل حركة تمرد من حاملي الأسهم ضد إدارة الشركة. رأى المساهمون أن الشركة تحقق أرباحاً ضخمة وتتمتع بموارد مالية كبيرة، فأرادوا الاستفادة من هذه الأرباح مباشرة، مطالبين الإدارة بدفع جزء منها في شكل أرباح موزعة أو في شكل أسهم يمكن شراؤها. وعلى الرغم من مقاومة إدارة آبل التي كانت تفضل حفظ الأموال للتوسع والنمو في المستقبل، فإنها رضخت في النهاية.

ما حدث في آبل ليس بالجديد فإنه مشهد مألوف في قطاع الأعمال. إذ إنه صراع بين المدراء الذين تم تعيينهم لامتلاكهم خبرة أوسع في مجال نشاط الشركة، والمساهمين الذين قد لا يملكون الخبرة ذاتها ولكنهم يحافظون على بقاء الشركة واستمرار تقدمها بأموالهم.

مشكلة الوكالة

تندرج تلك الصراعات تحت ما يسمى بـ “مشكلة الوكالة“، والتي تنشأ من تضارب المصالح بين الطرفين أحياناً. فمثلاً قد يسعى المدراء إلى تحقيق مصالح شخصية من مناصبهم على حساب مصلحة المساهمين، وقد يحدث العكس حين لا يهتم المساهمون سوى بتعظيم قيمة أسهمهم الحالية دون النظر إلى التطوير أو الابتكار المستقبلي مثلما حدث في عملاق التكنولوجيا آبل.

ولمّا بات اختلاف المصالح هذا يضر بمصالح الشركات الكبرى، ظهرت نظرية الوكالة، التي صاغها الباحثان جنسن (Jensen) وميكلنج (Meckling) عام 1976، لتنظيم العلاقات داخل الشركة، ومن ضمنها علاقة المساهمين والمدراء. وتتأثر هذه العلاقة بهوية ملاك الشركة (إذا كانوا أفراداً أو مؤسسات)، وعددهم (إذا كانت الملكية في يد عدد محدود من الملاك أو موزعة بين آلاف المستثمرين)، وجنسيتهم (إذا كانوا مواطنين أو أجانب)، ومدى مشاركة هؤلاء الملاك في تسيير الأعمال.

لذلك يعتبر هيكل الملكية متغيراً مهماً ومؤثراً ضمن آليات حوكمة الشركات، والذي ينظر إليه الخبراء والباحثون بعين الاعتبار، ويولونه أهمية كبيرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من المستثمرين لا يضعون هذا المتغير في حساباتهم في أثناء اختيارهم الشركة التي يودون استثمار أموالهم فيها، والذي يبدو أنه يؤثر على أداء الشركة، وأرباحها، وطريقة إدارتها، والفرص التي يمكنها اقتناصها، والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها.

ما علاقة هيكل الملكية بأداء الشركات؟

للإجابة عن هذا السؤال، سنركز فيما يأتي على دراسة، نشرت عام 2015، أُجريت في الأردن من طرف الباحثين خالد عبد الوهاب، وسارة الرواش، وحملت عنوان “تأثير هيكل الملكية على أداء الشركات المدرجة في بورصة عمان“، وكان الهدف منها تحليل تأثير هياكل الملكية على أداء الشركات، وتقديم المشورة للمستثمرين عن أفضل أنماط الملكية للشركات التي يودون الاستثمار بها.

واختبرت الدراسة، التي أجريت على 51 شركة أردنية مدرجة في بورصة عمان في الفترة من عام 2005 إلى عام 2009، أربعة أنماط لهياكل الملكية، وهي الملكية الفردية (أي تعود ملكية الشركة لمالك واحد)، والملكية المؤسسية (أي تحوز مؤسسة على جزء من الملكية مثل صندوق مشترك أو بنك أو شركة تأمين)، وملكية المساهم الذي يملك الأغلبية (أي مساهم لديه أكثر من 50% من أسهم الشركة)، وملكية كبار المساهمين (حيث ترتكز أكثر من 50% من الملكية في يد عدد محدود من المساهمين).

وتوصلت الدراسة إلى أن نمط كبار المساهمين هو الأفضل بينهم، إذ تبيّن وجود أثر إيجابي لهيكل الملكية الذي يتحكم فيه كبار المساهمين على أداء الشركات محل الدراسة. وقد استند الباحثان خلال تقييمهم لأداء الشركات إلى ثلاثة مقاييس لتحليل أداء الشركات، وهي العائد على الأصول (ROA)، والعائد على حقوق المساهمين (ROE) ونسبة سعر السوق إلى القيمة الدفترية للسهم الواحد (MBVR).

توافقت نتيجة هذا البحث مع عشرات الأبحاث أخرى. ففي الأردن أيضاً، أظهرت نتائج دراسة أجريت على جميع الفنادق المدرجة في بورصة عمان، أن زيادة تركيز الملكية (أي توزيع الملكية بين عدد صغير من المساهمين) يؤدي إلى زيادة الضغط على الإدارة لانتهاج ممارسات تؤثر على زيادة الأرباح، والعكس صحيح، إذ إن تشتت الملكية (أي توزيع الملكية بين عدد أكبر من المساهمين) يؤدي إلى تخفيف الضغط على الإدارة، وبالتالي تقليل ممارسات من شأنها زيادة الأرباح.

بصفة عامة، بيد أن مركزية الملكية تؤثر بشكل إيجابي في أداء الشركة، وفقاً لدراسة أخرى. ويعود ذلك إلى أنه في الشركات التي يغلب عليها نمط كبار المستثمرين، يملك هؤلاء الملاك الجزء الأكبر من الملكية، ما يمنحهم مزيداً من القوة والسيطرة فيما يتعلق بالقرارات المهمة التي قد يكون لها تأثير مباشر في مستقبل الشركة، بل إن هؤلاء الملاك الذين يمتلكون غالبية الأسهم، يمكنهم انتخاب مدراء من موالين لهم من أجل ممارسة مزيد من السيطرة على الشؤون المالية للشركة وأنشطتها.

والعكس في الشركات ذات الملكية المشتتة التي تتوزع أسهمها بين عدد كبير من المساهمين، قد يصل إلى مئات الآلاف، حيث يُمنح المدراء والرؤساء التنفيذيون المزيد من السيطرة والتحكم والتصرف بحرية أكبر، ويصبح رأيهم هو النافذ والنهائي في أغلب الأحيان.

وعلى الرغم من تفضيل هذه الدراسات وغيرها لنمط الملكية المركزة، إلا أن بعض الدراسات سلطت الضوء على أحد جوانب قصور نمط الملكية المركز، إذ يمكن أن يستغل كبار المستثمرين في هذه الشركات قوة أصواتهم لتوجيه الشركة بما يخدم مصالحهم على حساب صغار المستثمرين، خاصة في سوق ناشئ لا تحظى فيه حقوق صغار المساهمين بالحماية اللازمة.

وهذا ما حدث في جوجل، إذ إنه على عكس شركة آبل، كان المؤسسون قادرين على الاحتفاظ بنسبة كبيرة من الملكية، واستخدموا هذه القوة لمنح أسهمهم سلطة تصويت أكبر من المساهمين العاديين. فكانت النتيجة أن جوجل وزعت 6% فقط من فائض الأرباح المحققة على المساهمين خلال نفس الفترة التي كانت آبل توزع فيها 72% على المساهمين.

كيف يفكر المستثمر حيال هياكل الملكية؟

خلصت الدراسة التي تمت في الأردن إلى مجموعة من التوصيات يمكن حصرها فيما يلي:

  • ضرورة الدراسة المعمقة لهيكل الملكية باعتباره متغيراً مهماً في حوكمة الشركات وذلك لاتخاذ القرار المناسب بشأن الاستثمار في الشركة المستهدفة.
  • الشركات التي تتميز بهيكل ملكية خاضع لكبار المستثمرين هي الأكثر ملاءمة للمستثمر، بعدما لاحظت تأثيرها الإيجابي على أداء الشركات في السوق الأردني.
  • أنماط الملكية الثلاثة الأخرى الواردة في الدراسة “الفردي، والمؤسسي، والمساهم ذو الأغلبية” أثّرت سلباً في أداء الشركات الأردنية محل الدراسة.
  • دراسة هيكل الملكية يساعد في قرار حجم استثمارك، وكيفية. فمثلاً إذا كان استثمارك ضئيلاً في شركة ذات هيكل كبار المساهمين الذين قد يستغلون قوة أسهمهم للسيطرة على باقي المساهمين، فلا تتوقع أن يكون حجم تدخلك في بعض القرارات مؤثراً بشكل كبير.

في النهاية، على الرغم من توصيات الباحثين التي تختلف وفقاً للمنطقة الجغرافية والقوانين السائدة بها، وحجم الشركة، وطبيعة السوق الذي تنافس فيه الشركة، فإنها جميعاً تتفق على أهمية وضع هيكل الملكية في مقدمة الاعتبارات التي يدرسها المستثمر ليحدد بناءً عليها الشركة الأفضل له، وأخذ آثار هذه الأنماط على محمل الجد، ليستفيد من أفضلها وفقاً لموقفه ورغبته.

نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدم من “أبحاث الشباب العربي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .