دراسة حالة: كيف تنقِذ هذه المزرعة؟

13 دقيقة
shutterstock.com/veeterzy
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية المشكلات التي يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. وتستند هذه القصة إلى دراسة حالة أعدتها كلية هارفارد للأعمال بعنوان “وولف فارمينغ وأزمة المياه في كاليفورنيا” (Woolf Farming and the California Water Crisis)، بقلم فورست راينهارت وديفيد بيل وناتالي كندريد وماري شيلمان ولورا وينيغ.

يحبّ بيتر ووكر أن يبدأ كل صباح بجولة تفقدية بين الحقول. يمكنه بالطبع مراقبة محاصيله من وراء شاشات الكمبيوتر في بيته الريفي، لكنه يحب أن يرى بنفسه التربة المحروثة ويتنسّم عبير البراعم المزهرة وأغصان الأشجار اليانعة والمحاصيل الناضجة. جلس في مقعد سيارته الجيب، وارتشف قهوته، ونظر إلى الأفق، حيث تمتد أمامه مزرعة “ووكر فارمز” على مساحة 23,000 فدان تحت سماء كاليفورنيا الزرقاء الصافية دائماً.

ستصل شقيقات بيتر الثلاث وشقيقاه خلال ساعة لحضور اجتماع مجلس إدارة المزرعة المقرر بانتظام. على الرغم من أنهم انتخبوا بيتر بالإجماع لتولي منصب الرئيس التنفيذي للمزرعة قبل 4 سنوات بدلاً من والدهم المسن، غرانت، فإن كلاً منهم يمتلك العدد نفسه من الأسهم، وأودعوا وصية باسم أطفالهم تحدد عدد أسهم كلٍّ منهم أيضاً. سيكون البند الأول على جدول أعمال الاجتماع هو حصة المياه السطحية المخصّصة لمزرعتهم هذا العام التي وصلت إلى الصفر مرة أخرى بسبب الجفاف الممتد في الولاية. لم تكن هذه كارثة في حد ذاتها، فقد استثمرت المزرعة في حفر الآبار لاستخراج المياه الجوفية والري بالتنقيط لرفع كفاءة استخدام المياه، لكنه كان خبراً مخيباً للآمال. إذ كان عليهم ترك 6,000 فدان بوراً خلال المواسم الزراعية الثلاثة الماضية، وكان من المؤلم أن يكرر بيتر الإجراء نفسه مرة أخرى ربيع هذا العام.

اعتاد في صغره أن يتجول بين الحقول بصحبة أبيه، غرانت، ويراقبه وهو يجرّب المحاصيل والتقنيات التي تساعد المزرعة على مقاومة نوبات الجفاف. وبدلاً من محاصيل القطن والحبوب والبطيخ التي اعتادوا زراعتها عندما كان بيتر صغيراً، تخصصت مزرعة آل ووكر الآن في المنتجات التي تشتهر بها كاليفورنيا في الأساس، مثل اللوز والفستق والطماطم، وكانت الهيمنة على السوق تعني لهم أن بإمكانهم تحميل المستهلكين بعض تكاليف المياه المرتفعة. وقبل حوالي عقد من الزمان، قاد بيتر أيضاً توسعاً ناجحاً في معالجة اللوز والطماطم والخضراوات المجمدة، واستثمرت مزرعة “ووكر فارمز” مبالغ كبيرة في 3 مصانع بمنطقة سنترال فالي.

وكان السؤال الذي يطرح نفسه آنذاك: ما هي الخطوة التالية؟ إنهم يأملون هطل الأمطار، ولكن هل يجب عليهم حفر الآبار وضخ المياه ريثما تمطر السماء؟ كانت تلك استراتيجيتهم حتى هذه اللحظة. لكن بيتر كان محبطاً وحريصاً على استكشاف حلول أكثر إبداعاً. فقد كانت مزرعة آل ووكر متاخمة لواحدة من أكبر محطات توليد الطاقة الكهربائية في كاليفورنيا. ويمكنهم تأجير قطعة أرض للمحطة لمدة 25 عاماً لتضع عليها ألواح الطاقة الشمسية، وبالتالي يحققون منها عوائد مماثلة لتلك التي تحقّقها زراعة الطماطم، دون أي مشكلات في الري. وكانت زوجته، سالي، تمازحه أحياناً بأنه يجب على الأسرة الاستفادة من الأسعار المرتفعة للأراضي، وبيع المزرعة بأكملها والانتقال إلى سياتل، للتخلص من مشكلة قلة الأمطار نهائياً.

كانت زراعة المحاصيل العضوية خياراً آخر، فهي تستهلك القدر نفسه من المياه كأي محصول آخر، لكن إيراداتها أعلى بكثير. حيث يُباع الرطل الواحد من معجون الطماطم العضوي مقابل 75 إلى 80 سنتاً، مقارنة بأقل من 40 سنتاً للرطل الواحد من معجون الطماطم التقليدي. كان يجب خلو الأرض من المبيدات لمدة 3 سنوات حتى يتم اعتماد محاصيلها كمحاصيل عضوية، لكن مساحة الأراضي البور البالغة 6,000 فدان مؤهلة الآن لهذا الغرض. وكان مدير مصنع الخضراوات المجمدة يحثه على اتخاذ هذه الخطوة.

وبينما كان يسير في طريق عودته إلى بيته الريفي، لوّح له سام، شقيقه الأصغر، من باب المطبخ.

نظر بيتر إلى ساعته. وصاح: “لقد جئت مبكراً!”.

رد سام مبتسماً: “أعلم ذلك. ولكنني قد أحصل أيضاً على 3 وجبات كاملة من طبيخ أمي خلال فترة وجودي هنا”.

كانت اجتماعات مجلس إدارة مزرعة آل ووكر متبوعة دائماً بأيام ترفيهية أسرية. فكانت زوجات أشقائه وأزواج شقيقاته وأطفالهم يأتون لقضاء يوم عمل في المزرعة وتناول الشطائر في الحقول وتناول العشاء خلال النزهة مساء هذا اليوم. تنتاب بيتر العصبية في بداية أيام الاجتماعات، فمن الصعب إدارة شركة تعول 3 أجيال من أسرتك وتجاوز الخلافات واتخاذ قرارات صعبة، ولكن بغروب شمس اليوم الأول تهدأ أعصابه ويتمكن دائماً من الاسترخاء. كانت هذه المزرعة والأسرة إرث والده. ويملي عليه الواجب أن يصون هذا الإرث.

الاجتماع

“صفر؟ لا بد أنك تمزح معي. كيف يعطوننا صفراً من حصتنا مرة أخرى؟ لقد ارتفع معدل هطل الأمطار هذا العام -قليلاً”.

قال بيتر لأخيه الأكبر: “هذا هو الأمر الواقع يا بيل، ولا يمكنني الجدال مع الجهات الحكومية”. كانت الوكالات الفيدرالية قد حددت كمية المياه التي ستتدفق من “مشروع سنترال فالي” ولِمَنْ ستتدفق، علماً بأن هذا المشروع عبارة عن شبكة بمليارات الدولارات من السدود والخزانات والقنوات المائية المصممة لمنع المنطقة من الجفاف، حتى في فترات الجفاف. ويعد الحفاظ على تدفق المياه العذبة في الأنهار، لحماية بيئة الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، في غاية الأهمية، حتى إنه يعطيه الأولوية على توصيل المياه إلى المزارعين.

تساءل بيل: “هل نحن بحاجة إلى دراسة إمكانية الحصول على تحويلات المياه؟”. كانت ولاية كاليفورنيا قد أقرّت نظاماً جديداً يمكن للمزارعين من خلاله الحصول على المياه “التكميلية” من البائعين في مناطق الري الأكثر رطوبة بحكم الطبيعة، لكنه كان نظاماً غير اقتصادي إلى حدٍّ كبير. فقد قفزت الأسعار في العام السابق إلى 800 دولار لكل 1,233 متراً مكعباً من المياه، وستكون أسعارها أعلى هذا العام. وتبلغ تكلفة استخراج المياه الجوفية من آبار مزرعة آل ووكر 200 دولار فقط لكل 1,233 متراً مكعباً من المياه، وتكلفة حصص المياه السطحية أقل من ذلك، إن استطاعوا الحصول عليها.

أجابه بيتر: “لا تزال التكاليف باهظة للغاية. ومن الأفضل لنا أن نستخدم المياه الجوفية التي لدينا وترك الأراضي البور إذا اضطررنا إلى ذلك. ولدينا ما يكفي من المياه لتدبر أمورنا”.

استدرك بيل: “لكن لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال إلى الأبد. إلى متى سترفض الحكومة تزويدنا بالمياه التي من المفترض أن نحصل عليها؟”. لم تتلق مزرعة “ووكر فارمز” حصتها بنسبة 100% منذ عام 2006.

باغتتهم ماري، شقيقتهم الكبرى، صارخة: “لقد قلتها من قبل، وسأكررها مرة أخرى. هذا هو التغير المناخي. علينا أن نفترض استمرارية هذا الوضع إلى الأبد”.

قالت شقيقتها إيزابيل مازحة: “لا تدعي أمي تسمعك تتحدثين عن ’الدجل العلمي‘”. عندما حاولت هي وماري شرح الحقيقة المزعجة لوالديهما قبل بضع سنوات، همهمت والدتهما بشيء عن “الليبراليين الحمقى” وهبّت خارجة من الغرفة.

كان الأشقاء ينتمون إلى اتجاهات متنوعة سياسياً، لكنهم كانوا يتفقون على أن درجات الحرارة آخذة في الارتفاع وأن أنماط الطقس أصبحت أكثر تقلباً. وكان هذا يعني من وجهة نظرهم أن استمرار المزرعة على مدى العقدين المقبلين أو نحو ذلك موضع شك. كان بعضهم يعتقد أن استمرارها سيكون مهمة شاقة، وكان بعضهم الآخر يحسبها حسبة تجارية كالمعتاد، معتقدين أن أعوام الرخاء ستعوّض سنوات القحط.

قال بيل في حسم: “من الواضح إذاً أنه يتعين علينا حفر المزيد من الآبار. الجميع يفعل ذلك. وإذا حفرنا 10 آبار أخرى، فيمكننا التوقف عن ترك كل تلك الأراضي بوراً. إنها مياهنا، وفي أرضنا”.

علّقت ماري: “لكن جودة مياه الآبار لا تُقارَن بجودة المياه السطحية، وستؤدي الأملاح الذائبة فيها إلى قتل أشجارنا في النهاية. واستخراج المياه الجوفية بكثرة سيصيب التربة بالانخساف. وعلى أي حال، فإن حكومة الولاية تتحدث عن فرض قوانين تنظّم حفر الآبار”.

رد بيل معترضاً: “هذا سبب أدعى للإسراع بحفر الآبار الآن”.

قالت ماري في إصرار: “لكن هذا مجرد حل مؤقت. ونحن بحاجة على المدى البعيد إلى سوق حقيقية للمياه، على غرار سوق المياه في أستراليا. بالنسبة لكافة المستلزمات الأخرى التي نحتاج إليها لزراعة محاصيلنا، فإن الحكومة تتركها لقوانين العرض والطلب. لكن ليس المياه. ما يغيظني فعلاً أن المياه لا تُستغَّل بالشكل الأمثل ولا تُستخدَم في الأغراض الأكثر نفعاً. والأشخاص الذين يحصلون عليها بسعر رخيص أو حتى مجاناً ليس لديهم تقريباً أي حافز لبيعها للأشخاص الذين تشكّل لهم قيمة أعلى. ولا يتم تداول سوى 1% فقط من المياه في هذه الولاية. فقط 1%، تخيلوا!”.

تساءلت إيزابيل: “هل يجب أن نستمر حقاً في المراهنة على المزرعة بأكملها، وأنا أعي ما أقول، على مورد متناقص؟ فأسعار الأراضي مرتفعة للغاية. وإذا لم نتمكن من استغلال الستة آلاف فدان لمدة عام آخر، فلماذا لا نبيعها ونترك شخصاً آخر يتحمّل مخاطر شحِّ المياه؟ لكن مهلاً! ألم يكن لديك اقتراح باستخدام الطاقة الشمسية تريد أن تعرضه علينا يا بيتر؟”.

أومأ بيتر برأسه ووزّع الوثائق ذات الصلة. كانت إحداها عبارة عن كتيب يعرض صوراً لمساحة من الأرض المكسوة بالألواح العاكسة للضوء.

صاح سام: “لا، هذا منظر قبيح”.

وافقه بيتر الرأي، قائلاً: “بالتأكيد ليست بمثل جمال أشجار اللوز”.

قالت إيزابيل: “للألواح جمالها، لكن بطريقتها الخاصة، فهي أنيقة وعصرية وتقدمية”.

شرح بيتر نظام الإيجار والعوائد المتوقعة. أومأت شقيقته جين برأسها: “إذاً سنجني القدر نفسه من المال الذي سنجنيه من زراعة الطماطم؟ ليست صفقة سيئة”.

أردف بيل: “إلا أننا سنتخلى عن قدرتنا على زراعة الأرض لمدة 25 عاماً. وهذا شيء جنوني”.

ردت جين، قائلة: “في غضون 25 عاماً، قد تجد أنه ليس لدينا ما يكفي من المياه لزراعة 10,000 فدان. وسيبدو ضمان عائد جيد على هذا القطعة من الأرض خطوة ذكية. وربما كان علينا التفكير في زيادة المساحة المؤجَّرة”.

قال بيتر لنفسه: الألواح بدلاً من النباتات في المزرعة كلها. لم يستطع استساغة الفكرة. فاستدرك قائلاً: “يجب أن نتحدث أيضاً عن المحاصيل العضوية”.

انتهز سام الفرصة وقال مؤكداً: “نعم، لا بد من بحث هذا الأمر”. بعد حصوله على شهادته في العلوم الزراعية، خاض تدريباً داخلياً في شركة “هوول فودز”، ولطالما حدّث بيتر منذ ذلك الحين عن الأسعار المرتفعة للمحاصيل العضوية. “إذا أردنا استغلال مساحة الأرض البور البالغة 6,000 فدان هذا العام، فقد تكون زراعة بعض المحاصيل العضوية هي السبيل الأمثل أمامنا. فقد ظلت هذه الحقول خالية من المبيدات لمدة 3 سنوات، وبالتالي فهي تغنينا عن هذه الخطوة بالفعل. وسيتعين علينا بالطبع الاستفادة من احتياطيات المياه الجوفية لدينا لزراعتها. لكننا نعلم أنه يمكننا طلب أسعار كبيرة على المنتج: أطنان أقل للفدان، ولكن المزيد من المال للطن الواحد”.

قاطعهم بيل، قائلاً: “لقد تحدثنا عن هذا الأمر من قبل يا بيتر. هل نريد حقاً استغلال هذه الحيلة؟ يعلم كل مَنْ يعمل في هذا المجال أن المحاصيل العضوية ما هي إلا خدعة، ولا يوجد دليل مؤكّد يثبت فوائدها الصحية مقارنة بالمنتجات التقليدية. وسيكتشف المستهلكون هذه الخدعة إن عاجلاً أو آجلاً”.

اعترض سام، قائلاً: “يمكنني تسمية بعض الأشخاص لك من ذوي الذكاء الحاد والملايين من عملاء متاجر البقالة الذين يخالفونك الرأي. وهذه الشريحة تنمو بسرعة فائقة يا بيل. وحتى إذا كانوا مخطئين، فهم ما زالوا ينفقون أموالهم لشراء المنتجات العضوية. فلماذا لا نستغل نحن الفرصة وندخل إلى حلبة المنافسة؟”.

قالت جين: “لا يمكننا الاستمرار في محاولة الحصول على محاصيل ذات عائد مرتفع لتعويض تكاليف المياه الفلكية. وسيتعين علينا في مرحلة ما التوصل إلى حل جذري للمشكلة. بيتر، هل استطعت نيل فرصة التحدث مع حاكم الولاية؟”.

أجابها بيتر: “الحقيقة أن الإجراءات البيروقراطية بطيئة للغاية، وتحتاج إلى التفرغ التام، في حين أنني يجب أن أركّز على إدارة المزرعة”.

أومأ أشقاؤه جميعاً برؤوسهم. وتساءل بيل: “ما رأيك إذاً يا بيتر؟ فدائماً ما نُجري هذه المناقشات وندلي فيها بآرائنا، لكنك الخبير الحقيقي ونحن نثق برأيك. ما الذي يجب علينا فعله من وجهة نظرك؟”.

“دعوني أفكر في الأمر. لدينا بعض البنود الأخرى على جدول أعمالنا التي يجب أن ننتقل إليها. وسيحضر الأطفال بعد قليل. ولا أريد أن يبدأ الحفل متأخراً بسببي”.

النزهة

كان بيتر يراقب من كثب الأولاد السبعة، أبناءه وأبناء أخوته، وهم يحاولون ركوب أحد الجرارات الكبيرة ويدورون حوله. كانت والدته، هيلين، تشرف على طبخ وجبة رائعة من شرائح اللحم المشوية والدجاج والخضراوات وسلطة البطاطس، بالإضافة إلى كعكة الفراولة للتحلية. وسيعود الجميع بعد قليل إلى محال إقامتهم في ماونتن فيو ومونتيري وفينتورا. وكانت أسرة بيتر ووالديه هم الوحيدون الذين ما زالوا يعيشون في البيت الريفي بالمزرعة.

راح غرانت يمشي متمهلاً وراءه، وسأله: “كيف سار اجتماع مجلس الإدارة هذا الصباح؟”.

“على خير ما يرام. لم يكن ينقصه إلا وجودك معنا. كان يجب أن تشاركنا الرأي”.

“كلا، فعندما استقلت، وعدت والدتك ونفسي بأنني لن أتدخل من قريب أو بعيد. وأنت تعرف أين تجدني إذا كنت بحاجة إلى نصيحة”.

قال بيتر مستنكراً: “ما زلت لا أصدق أن حصتنا صفر”.

فقال له والده: “هذا هو الأمر الواقع، وعلينا التعامل معه”.

“لكني لا أريد أن أترك جزءاً من المزرعة بوراً مرة أخرى”.

“ولا أنا. فهذا إهدار للموارد”.

أردف بيتر: “يمكننا محاولة تجربة المحاصيل العضوية”. تجهّم غرانت. “أو نفكّر في تأجير بعض الأراضي لشركة ألواح الطاقة الشمسية”.

تجهّم والده مرة أخرى متسائلاً: “هذه أفضل خياراتك؟”.

“يمكننا زراعة المزيد من أشجار اللوز أو الفستق، وإلا فإنني إذا كنت أرغب في استغلال تلك المساحة، فأنا بحاجة إما إلى محاصيل أخرى ذات عائد مرتفع أو إلى محصول مضمون لا يتطلب مني استهلاك الكثير من المياه”.

قال غرانت: “المياه! تلك هي المشكلة. عندما كنتَ صغيراً، كانت الأمطار غزيرة”.

“أتذكر ذلك”.

“لذا فإن مهمتك أصعب مما كانت عليه مهمتي يا بني. لكنني أعلم أنك تستطيع أداءها بنجاح. انظر إلى أشجار اللوز الجميلة! لا تزال كاليفورنيا أفضل مكان في العالم للمزارعين”.

السؤال: ما الذي يجب على بيتر فعله بمساحة الأرض البالغة 6,000 فدان؟ رأي الخبراء

كيم موريسون: مدير إداري في شركة “بلو سكاي ووتر بارتنرز” (Blue Sky Water Partners).

أنصح بيتر على المدى المنظور بتأجير الستة آلاف فدان لشركة الطاقة الشمسية. وإذا انتهى الجفاف، فيمكنه البحث عن أراضٍ أخرى في أي وقت لشرائها أو استئجارها. أما إذا لم يحدث ذلك، فسيكون قد احتاط للأمر. ويمكنه التفاوض على اتفاقية شراء الطاقة للحصول على الطاقة اللازمة لحفر آبار المياه الجوفية وري أراضيه المتبقية بتكلفة أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها من شبكة الكهرباء.

وأنصحه على المدى البعيد بضرورة إعادة النظر في كيفية عمل مزرعة “ووكر فارمز”. إذ لا يمكن الاستمرار في العمل كشركة عائلية صغيرة تمنح كل شقيق مقعداً في مجلس الإدارة ويُطلَب منها إعالة العديد من الأُسر والأجيال. في الواقع، إن فكرة زوجته ببيع كل شيء والخروج من سنترال فالي ليست سيئة.

وتمتلك المزرعة ما يكفي من الأصول والمساحات لتكون موضع اهتمام مستثمري الأسهم الخاصة الذين يمكنهم المساعدة على إعادة تمويل عملياتها. ويمكن لأفراد الأسرة الذين يحرصون على مواصلة الزراعة إما الاحتفاظ ببعض الحصص وشغل مناصب إدارية مع تعويض المخاطر المالية الشخصية، أو الخروج تماماً والانتقال إلى ولاية وفيرة المياه. ويمكن للأشقاء ذوي الاهتمامات الأخرى أن يفعلوا ما يحلو لهم بعائداتهم من بيع حصصهم.

وقد تأسست شركة “بلو سكاي ووتر بارتنرز” في الأصل لمساعدة أُسر، مثل آل ووكر، بهذه الطريقة. حيث نشتري الأراضي الزراعية المروية وحقوق المياه (بشكل أساسي في أستراليا التي يقع بها مقر الشركة) من المزارعين نيابة عن المؤسسات والمستثمرين الآخرين من أصحاب الثروات الكبيرة. ويحصل المزارعون على رأس مال يمكنهم استخدامه في أغراض أفضل، مثل زراعة محاصيل أكثر كثافة وذات عائد أعلى، وتُغطي عائدات هذه الاستثمارات تكلفة تأجير المياه من شركتنا. ويستفيد عملاؤنا من الاستثمارات التي تقع خارج فئات الأصول التقليدية (مثل الأسهم والممتلكات التجارية)، وتحقّق دخلاً سنوياً، وتوفر عنصر تحوّط ضد التضخم.

أنصح بيتر على المدى البعيد بضرورة إعادة النظر في كيفية عمل مزرعة “ووكر فارمز”.

حقّق عملنا نجاحاً ملموساً لأن أستراليا لديها إطار قانوني مُحكَم وشفَّاف ينظّم استخدام كلٍّ من المياه السطحية والجوفية. وإذا كنت تمتلك أرضاً في الولايات المتحدة، فأنت تمتلك كل شيء تحتها: حيث يتمتع المزارعون بحرية حفر الآبار في كثير من الأحيان كيفما يشاؤون، مع عدم الاهتمام باستدامة طبقة المياه الجوفية التي يحق لهم استغلالها (هم وغيرهم). أما في أستراليا، فإن أصحاب الأراضي يمتلكون الحق في أول 6 أمتار فقط من التربة، وإذا أرادوا الوصول إلى أي شيء تحت هذا العمق، فيجب عليهم التقدم بطلب للحصول على ترخيص الحفر أو شراء حقوق استخراج المياه من طبقة المياه الجوفية بأعماق محدَّدة. وتم وضع حد أقصى لهذه الحقوق لمنع الاستخراج الجائر للمياه الجوفية.

كما أن الوصول إلى المياه السطحية محدود أيضاً، ولكن على عكس الولايات المتحدة، يمكننا تداول المياه السطحية وكذلك المياه الجوفية داخل الإقليم الواحد، ما يسمح بتوزيع المياه بكفاءة أكبر. وفي حالة الجفاف، يتوقف المزارعون المتخصصون في زراعة المحاصيل الموسمية، مثل القطن والأرز، التي قد تدر عوائد قدرها 180 دولاراً أسترالياً لكل 1,233 متراً مكعباً من المياه، ببساطة عن زراعة محاصيلهم وبيع حقوقهم المائية السنوية لمزارعي العنب أو اللوز الذين لا يمانعون في دفع 250 دولاراً لهم عن كل 1,233 متراً مكعباً من المياه لأن محاصيلهم أكثر ربحية. وهكذا تربح كل الأطراف. (تجدر الإشارة هنا إلى أن أستراليا لا تقدم دعماً مالياً أو عينياً للمزارعين، وبالتالي فإنهم مطالبون بإنتاج المحاصيل بسعر السوق).

وسواء عمل المسؤولون الأميركيون على تحديث سياسات المياه أو لا، فيجب على بيتر أن يبدأ في إدارة مزرعة أسرته كعمل تجاري.

كين لاغراندي: الرئيس التنفيذي لشركة “صن فالي رايس” (Sun Valley Rice).

إذا أراد بيتر ضمان الجدوى التجارية لمزرعة “ووكر فارمز”، فيتعين عليه التوصل إلى حل يمزج بين كافة الخيارات المتاحة أمامه.

لقد تم تكليفه بالحفاظ على إرث الأسرة: ليس فقط قيادة النشاط التجاري لأسرته وصونه للأجيال الحالية والمستقبلية، ولكن أيضاً إنجاز عمل تاريخي ذي أهمية اقتصادية في أحد أكثر الوديان خصوبة في العالم. وإذا كان هذا يعني حفر المزيد من الآبار لزراعة أخصب أراضيه بالمحاصيل العضوية وتأجير الأراضي الأقل خصوبة لشركة الطاقة الشمسية، فعليه فعل الأمرين معاً.

يجب أن يخصص بيتر أيضاً جزءاً من وقته وجهده لإصلاح الأوضاع المتردية في الولاية وتعديل الأنظمة الفيدرالية لتوزيع المياه السطحية. صحيح أنه قد يكون من الصعب التعامل مع الأنظمة البيروقراطية، لكن لا يمكنه التنصل من مسؤوليته للدفاع عن حقوق المزارعين. إذ يمثل المزارعون الركن الأساسي الذي تعتمد عليه الأمة الأميركية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية. وإذا لم ندافع عن حقوقنا، فلن يدافع عنها أحد نيابة عنّا.

ويقع مقر شركة “صن فالي رايس” في سنترال فالي بكاليفورنيا، أي في المنطقة ذاتها التي يقع بها مقر مزرعة “ووكر فارمز”، لذلك فإننا نواجه المشكلات نفسها يومياً. ونحن نزرع المحاصيل ونعالج الأرز ونربي الماشية، وقد تضررنا أيضاً بسبب عدم حصولنا على المياه السطحية من أحد مصادر إمدادنا الرئيسية لعدة سنوات. ولحسن الحظ، تقع بعض أراضينا في مناطق قديمة جداً تؤهلها للحصول على حقوق المياه على ضفاف النهر، حيث يتم تطبيق قيود أقل صرامة. لكن لا يزال يتعين علينا ترك عدة مئات من الأفدنة بوراً. وبصفتي رئيساً لـ “هيئة قناة تِهامة كولوسا” (Tehama-Colusa Canal Authority)، التي تخدم نحو 150,000 فدان من أراضي منطقة ساكرامنتو فالي، فأنا على دراية تامة بالتداعيات الاقتصادية للجفاف، إلى جانب السياسات الحكومية التي عفاها الزمن، في المزارع الأخرى وموظفيها والشركات ذات الصلة في المنطقة، مثل شركات مبيدات الآفات الزراعية والأسمدة.

وهذا أحد الأسباب التي تجعلني لا أنصح بيتر بترك أراضيه البالغة 6,000 فدان بوراً إلى أجل غير مسمى. إذ تمثل الزراعة المصدر الرئيسي للدخل في مجتمعات بأكملها بولاية كاليفورنيا، وهي جزء مهم من اقتصاد الولاية. وعندما تقلل المزارع من المساحات المزروعة أو تتركها بوراً، فسيكون لكل ذلك أثر سلبي مضاعف.

لذلك إذا كان لدى مزرعة “ووكر فارمز” مياه جوفية متاحة (وبكميات كبيرة، بحسب موقعها)، وإذا سمحت القوانين التي أقرّتها الولاية مؤخراً بشأن حفر الآبار، فسأؤيد تماماً فكرة حفر بيتر لمزيد من الآبار. أعتقد أيضاً أن الانتقال إلى زراعة المحاصيل العضوية سيكون قراراً حكيماً: فهو اختيار واع بيئياً ومن المحتمل أن يحقّق عوائد أعلى.

يتعين على بيتر التوصل إلى حل يمزج بين كافة الخيارات المتاحة أمامه.

لكن يجب ألا يستبعد بيتر خيار الطاقة الشمسية. ربما يمكنه استقطاع جزء من المزرعة بمساحة 1,000 فدان بتربة منخفضة الخصوبة واستثنائها من دورة الزراعة وتأجيرها بغرض تأمين فرص مناسبة لتحقيق دخل ثابت خلال العقد أو العقدين المقبلين.

وعليه أن يكثف جهوده في حشد تأييد واضعي السياسات من أجل تحسين نظام توزيع المياه وكذلك النظام الكلي لإمدادات المياه، وتطوير سوقٍ عمليةٍ لتداول المياه عند توافرها، وإدراك أن حماية البيئة يجب ألا تكون على حساب المزارعين دائماً. فقد كان الخزان الأساسي في كاليفورنيا، أي بحيرة شاستا، ممتلئاً من الناحية العملية طوال صيف عام 2016. وعلى الرغم من ذلك، تواجه الولاية بأكملها قيوداً على المياه لأن بعض (وليس كل) الهيئات الحكومية والفيدرالية لحماية الكائنات البحرية تعتقد أن بعض الأنواع قد تحتاج إلى المياه في وقت ما في المستقبل. لكن خبراء آخرين يرون أن هناك احتمالاً بنسبة تزيد على 50% للجوء الحكومة إلى التخلص من المياه الزائدة في الخريف للسيطرة على الفيضانات. وسيكون مثل هذا الإجراء محبطاً للغاية، على أقل تقدير، بعد صيف من انعدام إمدادات المياه المتاحة للمزارعين.

غالباً ما يكون الجفاف مدمراً للمزارعين والمجتمعات والاقتصادات. وللتغلب على هذا التحدي، يجب على بيتر اتباع نهج ديناميكي متعدد الجوانب.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

الملاحظات التعليمية حول دراسة الحالة

يُدرِّس فورست راينهارت الحالة التي تستند إليها هذه الحالة في ندوة كلية “هارفارد للأعمال” لتعليم المهارات التنفيذية بقطاع الزراعة.

ما الذي جذبك إلى هذه القصة؟

إنها قصة رائعة. وقد أعطانا رائد الأعمال الواقعي، ستيوارت وولف، من شركة “وولف فارمينغ آند بروسسنغ” (Woolf Farming and Processing)، القدرة على إلقاء نظرة ثاقبة على الأوضاع من منظور أوسع. في الواقع، هذه هي الحالة الثانية لكلية هارفارد للأعمال حول مزرعته.

ما طبيعة ردود فعل الطلاب في العادة؟

إنهم يحبون البحث عن حلول تتيح تحقيق النفع للطرفين، ويريدون التوصل إلى طريقة تمكّن بيتر من الاستمرار في أعمال الزراعة. ويتحول النقاش في النهاية إلى كيفية إنشاء سوق فاعلة للمياه بحيث يمكن استغلالها في أغراض تحقّق أكبر قيمة ممكنة.

ما الدرس الرئيس الذي تريد تعليمه للطلاب؟

نحن بحاجة إلى رفع كفاءة توزيع الموارد، وهذا يعني إعطاء مزيد من الحرية للأسواق والحد من أنظمة التحكم والسيطرة الحكومية. ويبدو لنا أن السماح للمزارعين بالتنافس على المياه المخصصة للزراعة يجب ألا يكون مثار جدل. وعندما تقول إن هذا المورد شحيح، فيجب أن يكون السؤال التالي: “بأي ثمن؟”.

[/su_expand]

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .