سلسلة مطاعم تسعى لتوسعة دائرة جاذبيتها دون أن تفقد هويتها.
كان روهيت يقذف البيض، وكانت تلك الأشياء البنية ناعمة الملمس تنتقل من يدٍ إلى أخرى في جزءٍ من الثانية قبل أن تنطلق إلى الأعلى في الهواء. كانت هناك بين يديه في البداية ثلاث بيضات، ثم أربع، فخمس، فتساءل في نفسه: "من أين يأتي كل هذا البيض؟" لكنه واصل تحريك يديه واستمرت الحلقة في الدوران، وبدأ الحشد الذي أمامه بالهتاف له. قال في نفسه: "أين أنا؟ ومن هؤلاء الناس؟"
أراد أن ينظر حوله لكنه كان يعرف أنه لا يستطيع أن يرفع عينيه عن البيض. وفجأةً، تبدّل البيض إلى أشياء أخرى: ساق دجاجة، وحبّة كوسا، وطماطم، وبطاطا، وكيس من العدس. حاول أن يستمر في القذف، ولكن جلد الدجاج الأملس انزلق من بين أصابعه، وقذف كيس العدس منخفضاً جداً والبطاطا عالياً جداً، فسقط كل شيء على الأرض. وعندما نظر إلى الأسفل لم يرَ الفوضى مثلما توقعها. كان كل ما حوله بيض مكسور، بالعشرات، وكان البياض والصفار يتسرب من قشوره المحطمة.
استيقظ مذعوراً وهو يتصبب عرقاً وقلبه يخفق بشدة، وأخذ يتلفّت يمنةً ويسرة. كانت آنايا مستلقية إلى يساره وما تزال نائمة. وإلى يمينه منضدة السرير وساعة المنبه؛ كان الوقت حوالى منتصف الليل. غاص روهيت مجدداً بين وساداته، وأخذ نفساً عميقاً لبعض الوقت ثم أخذ يقهقه بصمت كي لا يوقظ زوجته.
روهيت هو مؤسس مطاعم "يوكاي" (Yolk-ay) ورئيسها التنفيذي، وهي سلسلة رائجة في الإمارات العربية المتحدة متخصصة في تقديم أطباق البيض الهندية التقليدية. ومنذ ذلك الصباح بدأ يفكّر في توسيع قائمة الأطباق التي يقدمها، إذ كان تفسير الحلم الذي رآه سهلاً جداً.
قبل عشر سنوات
"عليك أن تجرب هذا يا أبي".
"ما هو يا فيكرام؟"
سأل روهيت وهو يضع صحيفة الأحد جانباً.
كان يحدّق في إعلانٍ للفندق الذي يعمل فيه رئيساً للسعاة: "منتجع فاره، ومطعم خمس نجوم، وحمام سباحة على السطح"، وتمنى لو وردت أيضاً عبارة "خدمة متميزة".
كان يشعر أنه لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه، وكذلك كان حال فريقه، لكنه على الأقل كان في إجازة ذلك الصباح. كانت آنايا تعدّ طعام الفطور -أوبما (upma) البيض والشوفان- ورائحته الزكية تتصاعد.
"ضع هذه في راحة يدك واضغط عليها بكل قوتك".
"وهل أريد أن تتلطخ يدي بالبيض؟"
"لن تنكسر، أعدك بذلك"
تردد روهيت متشككاً، لكن ابنه ذا التسعة عشر عاماً كان نادراً ما يبادر إلى الحديث معه هذه الأيام، لذلك فعل ما قاله له وضغط بكل ما أوتي من قوة، لكنه لم يستطع أن يكسر البيضة.
"أرأيت؟" قال له فيكرام "إن شكلها يساعدها على تحمّل الضغط"
"هذا مثيرٌ جداً" قالت آنايا وهي تضع الطعام على الطاولة
"بالفعل" قال روهيت مبتسماً وهو يضع البيضة جانباً
"كم اشتقت إلى طعامك يا أماه" قال فيكرام وفمه مليء بالطعام.
كان قد بدأ دراسته الجامعية في الخريف الماضي، وأصبح يأتي إلى المنزل في عطلة نهاية الأسبوع فقط.
"لم أعثر على من يقدم الأوبما الجيدة، ناهيكِ عن عجة الماسالا أو البيض بالكاري. ينبغي أن تفتحي مطعماً بالقرب من السكن الجامعي، أو حتى عربةً كتلك التي أخذنا إليها سائق سيارة الأجرة في فادودارا عندما زرنا جدي وجدتي العام الماضي. هل تذكران كم كانت تلك العجة الطازجة لذيذة؟ هناك الكثير من الهنود في الجامعة، وسنأتي أنا وأصدقائي كل يوم، وكذلك الأساتذة".
فأجابت آنايا:
"أطباق البيض هذه سهلة التحضير عليك أن تتعلم إعدادها بنفسك، ألا يوجد مطبخ في مسكنك؟"
"لا وقت لذلك، فهناك الدروس والكريكت والحفلات..."
قطبت والدته جبينها عند تلك الكلمة الأخيرة، فأردف بسرعة:
"... وقريباً سوف يكون لدي عمل، إذ سأتقدم للتدريب الصيفي في شركة سوني في مدينة الإنترنت بدبي. إليكما مكاناً ينبغي أن تفتحا فيه مطعماً، فهو مكتظ بالوافدين من مومباي وتشيناي ودلهي وبنغالور، وجميعهم في العشرينات من عمرهم وبعيدون عن منازلهم، وقد أتوا للحصول على عمل، تماماً مثلما فعلتِ أنت ووالدي، سوف تجنيان ثروة من ذلك".
لم يلمس روهيت البيض، إذ كان مشغولاً بالإصغاء إلى ابنه وهو يصف فكرة المشروع الذي سوف يغيّر حياتهم.
قبل خمس سنوات
"لقد نجحنا يا أبي؛ ثلاثة مطاعم جديدة خلال ثلاثة أشهر. أعلم أنك كنت تظنني مجنوناً عندما اقترحت ذلك، ولكننا لا نستطيع أن ندع مطاعم "تكا هاوس" و"راجا كوكس" تحصل على مناطق البيع الرئيسية تلك أمام أعيننا، إذ سيكون هناك مئات العمال الجدد الذين سينتقلون إلى تلك المناطق العام القادم، وينبغي علينا فعلاً أن نزيد إنتاجنا لتلبية ذلك الطلب".
فأجاب روهيت وهو يمازحه:
"هل تعلمت ذلك في أحد فصول كلية إدارة الأعمال؟"
كان يشعر بالفخر الشديد بابنه فيكرام لدرجة أنه اعتقد أنه قد ينفجر. فعندما افتتحوا أول مطاعم "يوكي" قبل خمس سنوات، كان ابنه طالباً جامعياً نحيلاً وهزيلاً، يستقبل الزبائن عند الباب ويقدّم لهم النشرة التي طبعها في مركز محلي للتصوير. أما اليوم فقد بات يحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من أكاديمية الإمارات لإدارة الضيافة، والتي حصل عليها أثناء عمله أميناً للصندوق، وطاهياً، ومدير مطعم، ومنسّق طلبيات، وأخيراً رئيس تنفيذياً للعمليات، وقد أصبح رجلاً ناضجاً وشريكاً في المشروع.
أصبح لديهم الآن مطاعم في خمسة مواقع - بما فيها المطاعم الثلاثة الجديدة - تنتشر في دبي وأبوظبي ورأس الخيمة، في المناطق التجارية والسكنية ذات الكثافة العالية من المغتربين الهنود والباكستانيين والبنغال. وقد تلك اشتهرت المطاعم في الإمارات لتقديمها أفضل أطباق البيض الهندية التي يتم إعدادها من المكونات الطازجة الآتية من المزارع المحلية، فضلاً عن أسعارها المعقولة، والابتسامة المترافقة مع تقديمها على الفطور والغداء والعشاء. وكان روهيت وفيكرام قادرين على ترديد قائمة الطعام حتى في نومهما، إذ أنهما قدّماها مراتٍ عديدة للممولين، والزبائن، والصحفيين. وبفضل رواج الإعلانات الإذاعية التي أعدّها فيكرام بصوته وصوت روهيت وهما يعدّدان الفوائد الصحية للبيض، فقد اشتهرا على الصعيد المحلي بصفتهما المغتربين اللذين حقّقا نجاح باهراً. ووصلت عائدات مطاعم "يوكاي" عام 2010 إلى مليوني درهم. وهما يأملان أن يتضاعف المبلغ هذا العام مع التوسعة الجديدة.
وقد كان المطعم الذي افتتحاه للتو بالقرب من مول الإمارات في البرشاء مزدحماً طوال اليوم.
سأل فيكرام:
"إلى أين الآن؟"
فأجاب روهيت:
"إلى المنزل، والدتك تنتظرني، وأنا متأكد أن غريتشن تنتظرك أنت أيضاً".
وغريتشن هي زوجة فيكرام المولودة في ألمانيا، والتي تزوجها منذ عام مضى وهي الآن حامل بتوأم ومن المتوقع أن تلد خلال بضعة أيام.
"كنت أعني ما هي المواقع التي علينا استكشافها بعد ذلك؟ هناك نمو كبير في الشارقة، وقد افتتح مطعم "تكا هاوس" لتوه فرعاً هناك -رغم أنني أعتقد أن الوقت لا يزال مبكراً- لكنني سمعت شائعات تقول إن شركتي "لوفتي" و"تاتا" تفكّران في نقل أعداد كبيرة من الموظفين إلى هناك العام المقبل، ويمكنني أن أكلف أرونداتي بهذه المهمة".
وارونداتي هو صديق فيكرام منذ أيام الجامعة، ويتولى شؤون تطوير المشروعات الجديدة في مطاعم "يوكاي".
"أقدّر حماسك يا فيكرام، لكن دعنا نتأكد أولاً أن المطاعم الجديدة تعمل بسلاسة. فلا نريد أن نشتت جهودنا زيادةً عن اللزوم. ويجب أن يبقى مستوى الجودة ذاته في جميع فروعنا، هذا ما اشتهرنا به، وما نَعِدُ به زبائننا".
"أعدك أنها ستبقى كذلك يا أبي، سوف أتأكد من ذلك بنفسي".
وقد وفى بوعده فعلاً على مدى السنوات الخمس.
ذلك اليوم
"جدي! جدي!"
ركض حفيدا روهيت مسرعين إلى ذراعيه المفتوحين. لقد أصبحا اليوم في الخامسة من العمر، وطلبا إقامة حفلة عيد ميلادهما مع أصدقائهما في الروضة في مطعم "يوكي" الأصلي الواقع في منطقة الكرامة بدبي. ولأن عيد ميلادهما هذا العام يصادف يوم الاثنين - وهو يوم العطلة الأسبوعية في المطعم - فقد طلب فيكرام الإذن من والده، ووافق روهيت بالطبع. كان الولدان نور حياته، ورغم وجود العديد من فروع "يوكي"، حيث افتتحوا الفرع الثامن في الشارقة قبل عام، إلا أن المطعم الأول لا يزال المفضل لديه، وكان يشعر فيه وكأنه في منزله، خصوصاً هذا الصباح، فقد كانت آنايا هي التي تعدّ الطعام في المطبخ. وكان قد عرض عليها أن يأتي بالعمال ليتولوا كل شيء- إذ كان موظفوه بمنزلة أفراد أسرته- لكنها أصرت على أن تعمل بنفسها وقالت له:
"ربما يُعدّ طهاتك الطعام لكل من هم في العشرينات من عمرهم في الإمارات هذه الأيام، لكنهم لن يطبخوا لحفيديّ يوم عيد ميلادهما".
كان فيكرام خلف الولدين مباشرةً حاملاً الهدايا، فوضعها على إحدى طاولات القهوة وقال:
"هل أنتم مستعدون لعشرة أطفال إضافيين يركضون ويلعبون في هذا المكان؟"
فأجاب روهيت:
"طبعاً، إنهم الجيل القادم من الزبائن".
"لدينا ساعة على الأقل حتى يأتوا، هل تحتاج أمي إلى المساعدة؟ لا بأس، غريتشن في طريقها إلى هنا".
وبالفعل أتت زوجة فيكرام وقبّلت روهيت قبلةً سريعةً على وجنته، ثم مضت إلى خلف المنضدة وعبرت الباب المزدوج إلى المطبخ وهي تصيح
"يا أولاد! تصرفوا بشكل لائق". فقال روهيت مازحاً:
"هل توجه كلامها لنا أم لهم؟".
"لقد أحضرت بعض القطارات كي تبقيهم منشغلين" قال فيكرام وهو يخرج الألعاب من الحقيبة.
"عظيم، فلنبدأ اللعب".
"كنت آمل يا أبي في الحقيقة أن نتحدّث بشأن العمل قليلاً. هل فكّرت في الحديث الذي أجريناه مع أرونداتي الأسبوع الماضي؟"
"بالتأكيد، لقد وصلنا إلى نهاية مسدودة. لا بأس، يمكننا أن نركّز على المطاعم الموجودة في الوقت الراهن".
"نعم، لكن الإيرادات كانت ثابتة على مدى الأشهر القليلة الماضية، ويبدو أننا نخسر حصة من السوق لصالح "تكا هاوس" والمنافسين الغربيين مثل "دجاج كنتاكي". ولا يزال لدينا بالطبع زبائننا المخلصون الذين يحبوننا بسبب ألفتهم للمطعم وتعودهم عليه لكننا لا نكسب زبائن جدداً. فلم تعد الإثارة موجودة، ولهذا نعتقد أنا وأرونداتي أننا نحتاج إلى التوسّع في اتجاهات أخرى".
"هل تتحدث عن التوصيل إلى المنازل مرة أخرى؟ اعتقدت أننا اتفقنا على أن أطباقنا تفقد شيئاً من جودتها خلال عملية النقل، فلا أحد يريد بيضاً بارداً".
الواقع أن الناس يحبذون توفر خدمة التوصيل إلى المكاتب أو المنازل، بل يرغبون في ذلك بشدة حسب استطلاع آراء زبائننا. فجميع منافسينا يوفرون هذه الخدمة. لكنك على حق، فهم لا يدركون ربما ما قد ينجم عن ذلك من تراجع في الجودة. والطهاة يصرّون على هذه النقطة، ولن أجادلهم أو أجادلك في هذا الشأن مرةً أخرى".
"عظيم".
"فلنتحدث إذن عن قائمة الطعام، ما الذي يمكن أن نضيفه كي نحسن الأمور؟
"كان الطهاة في مطبخ التجارب أمس يعملون على بعض الوصفات الجديدة؛ وصفةٌ حصل عليها أحدهم من قريبته العجوز وأخرى من كتاب للطهو صدر مؤخراً في أمريكا".
"أهي أطباق بيض؟"
"طبعاً فمطعم يوكاي متخصص في البيض، والبيض هو علامتنا التجارية وأساس تسويقنا وسبب نشأتنا".
"البيض فقط دائماً وأبداً؟! ألا يمكن أن نفكر في إضافة بعض الأطباق النباتية أوأطباق الدجاج بحيث يردنا الدجاج من المزارع نفسها التي تورد لنا البيض؟ إن لدينا بالفعل علاقات متينة مع الموردين، وسيرغبون بالمزيد من التعاون معنا، بل إنهم يرجوننا أن نفعل ذلك منذ سنوات".
"بالطبع سيرغبون بذلك، فهذا يعني حصولهم على مزيد من المال".
"كذلك يعني حصولنا على المزيد نحن أيضاً على ما أعتقد. فقد طرحنا أنا وأرونداتي في استطلاع الآراء الأخير أسئلةً بهذا الشأن. وقال 48% من المشاركين إنهم سيأتون إلى "يوكاي" مراتٍ أكثر وسيُمضون فيه وقتاً أطول إذا كانت لدينا قائمة طعامٍ أكثر تنوعاً".
"وماذا قال الـ 52% الآخرون؟"
أحنى فيكرام رأسه بخجل وقال:
"قالوا إنهم سعيدون جداً بقائمة الطعام، وربما لن يغيروا روتينهم، لكن تذكّر يا أبي أن هؤلاء أكثر زبائننا إخلاصاً، أي الأشخاص الذين يحبون فعلاً أطباق البيض. تخيّل لو أننا أجرينا استطلاعاً موسّعاً حول كافة مطاعم الوجبات السريعة، وسألنا جميع الذين يذهبون إلى "تكا هاوس" أو "راجا كوكس" أو "دجاج كنتاكي" ما الذي سيأتي بهم إلى "يوكاي" مرّاتٍ أكثر، فإنك تعلم أن إجابتهم ستكون: المزيد من التنوع".
"لطالما كررنا أنك إذا حاولت أن تفعل كل شيء فإنك لن تفعل أي شيءٍ بصورةٍ جيدة".
"لا أريد أن نفعل كل شيء، بل بضعة أشياء إضافيةً فقط تكفي لجعل الناس يتحدثون عنا من جديد، وتكفي لضمان استمرار هذا المشروع في النمو، من أجلي ومن أجلك ومن أجل أحفادك".
"ما رأي سونيل في ذلك؟"
كان رئيس الطهاة في "يوكاي" من أنصار الأسلوب التقليدي؛ ولم يكن روهيت يستطيع تخيّل أن يقترح مثل هذا التوسع عليه، ناهيك عن أن يقوم بتنفيذه؛ إذ سيكون له تداعيات كبيرة على عمال المطبخ؛ فمكونات جديدة، وأدوات جديدة، ومساحات عمل جديدة، وتدريب إضافي تعني أسلوباً جديداً بالكامل في العمل الجماعي.
"الحقيقة أننا طلبنا منه القيام باختبارٍ صغيرٍ غير رسمي للسوق يوم الجمعة. لا تغضب، فقد كان الأمر مرتجلاً، مجرد فكرةٍ طرأت على بالنا أنا وأرونداتي ذلك الصباح، مجرد تجربةٍ صغيرة. فأحضرنا بعض المكونات من أجل السمبوسة التي أعدّها لحفلة الشركة الأخيرة، وقد تذمّر في البداية لكنه وافق في نهاية المطاف على طهو دفعة لتقديمها كعيناتٍ على الغداء. وقد أحبها الناس إلى درجة أنهم لم يكتفوا منها وأرادوا المزيد، وكانت ابتسامة سونيل تملأ وجهه".
"إذاً فهو يريد توسعة القائمة أيضاً؟"
"ليس تماماً، فقد تحدّث طويلاَ وبلا توقف عن الفوضى التي سوف تُحدثها في نظامه. لكنني أعتقد أن بوسعي أن أجعله في صفّنا إذا حصلنا على دعمك".
"لا أدري يا فيكرام، هلاّ تحدّثنا عن ذلك غداً في المكتب؟ فقد كنت أعتقد أننا هنا لنأكل الكعكة ونشاهد المهرج وهو يقذف بعض الكرات".
"بالتأكيد يا أبي، فكّر في الأمر وسوف نتحدّث غداً".
تلك الليلة
كان روهيت لا يزال في الحفلة، والتوأمان يفتحان آخر هداياهما، فيمزقان العلبتين المتطابقتين الملفوفتين بورقٍ أصفر وشريطٍ أحمر. كانتا كبيرتين للغاية؛ هل اشترى لهما فيكرام شاحناتٍ عملاقة؟ لكن ما إن استطاعا فتحهما حتى تبين أنه لا يوجد في داخلهما سوى مناديلٍ ورقيةٍ بيضاء. فأخذا يسحبان المنديل تلو المنديل، ويبعثرانها على الطاولة إلى أن وصلا أخيراً -وفي وقتٍ واحدٍ- إلى عمق الصندوقين وسحبا جائزتيهما. فكان في يد ريزا بيضة بنية مثالية يرفعها عالياً فوق رأسه، أما وولفغانغ فكان يمسك في يده ساق دجاجة، وكان الصبيان مبتهجين للغاية.
استيقظ روهيت مذعوراً مرةً أخرى والتفت إلى المنبه: إنها الواحدة صباحاً. لقد رأى حلمين في ليلةٍ واحدة وكلاهما حول الأمر نفسه: اقتراح فيكرام. لكن ما معناهما؟ هل عليه أن يتمسك بتقديم البيض فقط أم لا؟
راجيف ميهريش هو مؤسس مجموعة مطاعم "راجو أومليت" في دبي.
إن فيكرام محقٌ في عددٍ من النواحي: فرواد المطاعم يبحثون عمّا هو جديد، ولا يوجد الكثير مما يمكن صنعه بالبيض. لكن إذا كان مطعم "يوكاي" يريد الحفاظ على هوية علامته التجارية الفريدة التي حققت نجاحاً كبيراً فعليه أن يلتزم بالمنتج الذي يشتهر به.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن توسعة القائمة بالطبع. ففي مطعم "راجو أومليت" نحن على أتم الاستعداد لتجربة تقديم أطباقٍ جديدة، شريطة أن ترقى إلى المستوى الذي يَعِد به اسم المطعم: أي أطباق البيض باللمسة الهندية. فرغم أننا، على سبيل المثال، قد أضفنا الدجاج إلى قائمة أطعمتنا إلا أنه يأتي في لفافةٍ تحتوي على البيض. والحقيقة أن جميع أطباقنا بقيت مرتبطةً بالبيض. ورغم أننا خففنا التوابل في بعض الوصفات كي تتناسب أكثر مع الذوق الغربي، إلا أن النكهة العامة لا تزال نفسها.
وهذا النمط من المرونة - أي التنوع الذي لا يتعارض مع العلامة التجارية - مهمٌ جداً في مدينة متعددة الثقافات وغنية بالمطاعم مثل دبي. وبما أن "يوكاي" استطاع تأمين موقعه كأحد الأماكن المفضلة بالنسبة للمغتربين الآسيويين، فإنه ينبغي عليه أن يبدأ باستهداف الجنسيات الأخرى بطريقةٍ حذرةٍ ومحسوبة.
ويبدو أن فيكرام يحب استطلاع آراء الزبائن كثيراً، وهو أمرٌ مفيدٌ جداً بالتأكيد، لكنني أقترح أن يبداً روهيت بزيارة مطاعمه، خصوصاً الجديدة منها، بوتيرةٍ أكبر كي يستطيع التعامل مباشرةً مع الزبائن القدامى والجدد. وأنا أقوم بذلك أيام الجمعة والأحد، إما في مطعمنا الأصلي في منطقة الكرامة أو في الفرع الأكبر الذي افتتحناه مؤخراً في الجميرة (وسنفتتح فرعاً ثالثاً في الشارقة عما قريب). فحينما تتحدث إلى الناس وتطرح عليهم الأسئلة فإنك تشعرهم بالتقدير، وسيتاح لك الحصول على المعلومات مجاناً.
وعندما تشير هذه الأحاديث إلى أن الزبائن قد يرغبون في أطباقٍ جديدة - مثل لفافات الدجاج أو عصير البرتقال الطبيعي - فإننا نقوم بتقديمها. لكننا لا نضعها ضمن قائمة الطعام على الفور، بل نعلن عنها من خلال البطاقات التي نضعها على منضدة البيع وطاولات الطعام ونبيعها لمدة أربعة أسابيع أو خمسة، ونحض العمال على التوصية بها. وإذا حققت النجاح فإننا نضيفها إلى القائمة.
وربما ينبغي على فيكرام وروهيت النظر في إعادة فتح النقاش حول التوصيل إلى المنازل. فنحن أيضاً كنا نعتقد في البداية أن هذه الخدمة ليست ممكنة: فالبيض سوف يبرد والخبز سيصبح رطباً ويفقد هشاشته. لكننا وجدنا خمس عشرة وجبةً يمكن إيصالها للزبائن دون أن تنقص جودتها، كما أننا نختبر تقنياتٍ يمكن أن تتيح لنا إضافة المزيد من تلك الوجبات.
وقد تكون فرص مطاعم "يوكاي" في النمو جغرافياً وتغيير قائمة الطعام محدودة، لكن ذلك لا يعني أن عليهم التوقف عن الابتكار.
أنتوني أكيل هو الشريك المؤسس لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة "بي غود" (b.good) في الولايات المتحدة وكندا وسويسرا.
يُعدّ الابتكار ضرورةً في مجال مطاعم الوجبات السريعة متوسطة السعر. وبالتالي فإنني أنصح روهيت أن يُجري التجارب ويوسع قائمة الطعام في "يوكاي" بقدر ما تسمح به علامته التجارية.
ويمكن أن يشكّل اسم المطعم وموقعه الأول قيداً. إذ لا يمكن أبداً أن أنصح مطعم "تشيبوتلي" (Chipotle)، على سبيل المثال، بتقديم الهامبرغر، أو مطعم "شيك شاك" (Shake Shack) بتقديم السلطة. فمثل هذه العلامات التجارية تمتاز ببساطة أطباقها وينبغي ألا تتشوش رسالتها. لكن ربما كان "يوكاي" يتمتع بحرية أكبر قليلاً. وكما يقول فيكرام، لا تُعدّ إضافة الدجاج من المزارع ذاتها التي تورّد لهم البيض توسّعاً كبيراً، وخاصة أن الدجاج أيضاً عبارةٌ عن بروتين متنوع وخالٍ من الدهون.
وعندما افتتحنا أنا وشريكي جون أولينتو (Jon Olinto) أول مطعمٍ من سلسلة "بي غود" قبل ثلاثة عشر عاماً، كانت فكرتنا هي تقديم الطعام الحقيقي - أي الوجبات التي يشعر الزبائن بالرضى عند تناولها - مما منحنا الكثير من المرونة في تحديد قائمة الطعام، وقد قمنا باستغلال ذلك. كنا قبل أربع سنوات نركز على لحم البقر، والديك الرومي، والبرغر النباتي، وشطائر الدجاج، والسلطات، ومخفوق الحليب وولكننا قمنا منذ ذلك الوقت بإضافة أطباق الملفوف والحبوب، وعصير الفاكهة الطبيعية، ووجبات الفطور الصحية.
كما أننا نختبر باستمرار التنويع على عناصر قائمة الطعام مع إضافة فئاتٍ جديدة. فقد تخطر فكرة ما على بالي أو على بال جون أو طوني روزفيلد رئيس الطهاة لدينا. كما أننا نصغي أيضاً إلى الزبائن والموظفين والطهاة الآخرين الذين ندعوهم لنستوحي منهم. وعندما يعمل طوني على وصفةٍ ما نقوم باختبارها داخلياً، فإذا أحببنا الطبق، دعونا مجموعة مختارةً من الزبائن الذين انضموا إلى نظام "الأسرة" الموجود لدينا لتجربة هذا الطبق مجاناً في مطاعم محددة، ونرسل لهم القسائم عبر تطبيق الجوال، وما عليهم إلا إبراز الباركود عند الحساب. ثم نتابع التجربة باستطلاع الآراء وتعديل الوصفة قبل أن نضيف الطبق إلى القائمة في بعض المطاعم، وعادة ما نفعل ذلك مطعم في المدينة وآخر في الضواحي. وإذا كانت المبيعات جيدة فإننا ننشر الطبق في جميع مطاعم السلسلة.
وتستغرق هذه العملية وقتاً - من ستة إلى ثمانية اشهر - عند إدخال مفهومٍ جديدٍ كلياً مثل أطباق الحبوب أو وجبات الفطور. وينبغي على روهيت أن يتجه نحو التوسع في إدخال أطباق الدجاج أو الأطباق النباتية بالطريقة الحذرة ذاتها.
إن المراوحة في المكان ليست خياراً متاحاً. وإذا كان سوق الإمارات العربية المتحدة يشبه سوق الولايات المتحدة فإن مطاعم "يوكاي" ستكون عرضة لضغطٍ مستمر من المنافسين الحاليين والمستقبليين الذين يتّبعون الطريقة نفسها في تقديم الوجبات السريعة المحضرة منزلياً وتطويرها. وكي تستمر في النجاح عليها أن تتطور.
إن دراسات الحالة المستندة إلى قصص حقيقية مصاغة بتصرّف، والتي تنشرها "هارفارد بزنس ريفيو"، تعرض مشكلات يواجهها القادة في شركات حقيقية مع حلول يقدّمها الخبراء. وهذه الحالة مبنية على دراسة بعنوان: "راجو أومليت: التوسع في الإمارات العربية المتحدة (الحالة رقم: W15515-PDF-ENG) وقد أعدها كيرتي خانزود وسانديب بوري.
ملاحظات خاصة بتدريس هذه الحالة
يقوم سانديب بوري وكيرتي خانزود بتدريس الحالة التي تستند إليها هذه القصة ضمن مقررات التسويق، وتسويق الخدمات، وإدارة مبيعات التجزئة في ماجستير إدارة الأعمال.
ما الذي جذبكم إلى هذه القصة؟
لدينا الكثير من الطلاب والأصدقاء الذين يزورون مطعم راجو أومليت بانتظام. وقد حظينا بفرصة اللقاء بمؤسس المطعم لمناقشة تحديات التوسّع دون المساس بقيمته الفريدة من نوعها.
كيف تبدؤون النقاش؟
نسأل عن العوامل الرئيسية التي تؤدي للنجاح في مجال المطاعم عموماً وفي الإمارات العربية المتحدة خصوصاً. ثم نطلب من الطلاب مناقشة توقعات الزبائن، والرسائل التسويقية، والتوسّع الجغرافي، والتعديلات على قائمة الطعام.
ما هي الفائدة التي تأملون حصولهم عليها؟
نريدهم أن يفهموا أهمية تعزيز العلامة التجارية بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك من أجل تقييم الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام راجو أومليت على أساس ما يفضله الزبائن، واكتشاف الطريقة التي تحقق بها الشركات الريادية الميزة التنافسية وتحافظ عليها.