أمضيت 20 عاماً تقريباً في عملي كاستشارية أقدم النصح للشركات حول التعامل مع تحديات معقدة في الأخلاقيات والمخاطر والمسؤولية. في كل عام يثير العديد من العملاء نفس القضية: الحاجة للحصول على موافقة من تنفيذي كبير مشكك للبرهان على أنّ هناك فائدة ملموسة من استثمار مقترح في وظيفة أو مبادرة أخلاقية. يُطالب التنفيذي بدراسة جدوى. لهذا كانت توجه إليّ أسئلة مثل: "ما الدليل الذي يمكنني تقديمه لأثبت أنّ فعل الصواب سوف يجعل الشركة تكسب أو توفر المال؟ وأيضاً "كيف يمكنني إقناع الشركة أنّ تبني النزاهة يعود بالفائدة على الجميع؟".
يريحني أننا انتهينا أخيراً من عصر كانت فيه مسؤولية الشركة تعني طلاقاً بين الجهود الخيرية المبهجة للقلوب والنشاطات الأساسية للمشروع. لقد أصبحت تتلاشى من ذاكرتنا غير مأسوف عليها العبارة المبتذلة القائلة: "أنّ فرق الأخلاقيات والامتثال هي قسم لتعطيل الأعمال". ولم يعد صعباً على الكثير من المدراء سرد دراسة لجدوى الأخلاقيات: من منا لا يريد إدارة أفضل للمخاطر، وتفاعلاً أعمق من الموظفين، وتكاليف مخفضة على الدوام، وثقة من الجمهور، وإغراء لجيل الألفية الذين تحفزهم الغاية؟ يُعتبر هذا الانتشار لعقيدة "الفائدة للجميع" إشارة على التطور.
تكمن المشكلة في هوسنا بوضع دراسات لجدوى الأخلاقيات تجعلنا نبدو تبريريين وفارغين. ففي نهاية المطاف، هناك أيضاً دراسة جدوى للتهرب الضريبي ولمخالفة الأنظمة وحتى لنسب الوفيات الأعلى. حبس أنفسنا في هذا الجدل المنفعي لا يعود علينا أو على العالم بأي فائدة. هنا (على الأقل) ثلاث علل رئيسية في ذلك.
المقاييس ليست في صالحك
لنكن واضحين. مع أنّ هناك دراسة جدوى في صالح النزاهة، لكن يجب على الشركة التي تتبناها أن تتخذ قراراً واعياً يُعطي أولوية لما هو طويل الأمد وغير ملموس وموجود على حساب ما هو محدد وقابل للقياس. وعلى الرغم من وجود كمّ متنام من الأدلة التي تُظهر أنّ الشركات الأخلاقية تتفوق في أدائها المالي على المدى البعيد، إلا أنّ من الخطير محاولة ترجمة مثل هذا الاكتشاف العريض ضمن مقاييس التخطيط القصير الأجل التي تتبناها معظم الشركات، إذ أنه في مقابل كل مثال عن "قيمة متبادلة" في مبادرة لتوفير الطاقة وتقليل التكاليف التشغيلية أو استثمار اجتماعي يعزز ولاء العملاء، يستطيع المرء أن يجد نتائج أُخرى أقل تشجيعاً. كذلك، فإنّ الحرص على معايير عمل أفضل في سلسلة التوريد أو توافق مع المعايير البيئية أمور تكاليفها أكبر. ومع أنه يجب على الفائدة أن تظهر في النهاية بشكل تحسن في السمعة والموقع الاستراتيجي على المدى البعيد، لكن إلى أن يحدث ذلك يتوجب على المدافعين عن الإصلاح أن يحافظوا على رباطة جأشهم في المدى القصير، خاصة بينما تتذبذب مشاعر المستثمر.
بالإضافة لهذا، هناك أوجه عديدة لاستفادة الشركات من النزاهة. فأنّى لك إظهار أنّ برنامج الامتثال الأفضل في فئته لدى شركة ما، وليس سوق العمل الصعبة، قد لعب دوراً في تعزيز تفاعل الموظفين؟ وكيف تعرف أنّ النمو الحاصل مؤخراً سببه ثقة أكبر في المنتج، وليس نتيجة للأداء السيء للمنافسين؟ أدت هذه الصعوبات في تحديد المسببات إلى التركيز على توثيق الجهد بدل التركيز على الأثر الذي يحدثه، وأدت بالتالي للدفع بمبادرات كانت تدريجية بدل أن تكون تحولية.
لن تستطيع أبداً إقناع متشكك
بصراحة، لم أحضر يوماً اجتماعاً غيّر فيه تنفيذي مشكك رأيه نتيجة لدراسة جدوى للنزاهة فقط، حتى وإن قُدّمت الحجة بدرجة عالية من الإقناع. يعود هذا في جزء منه إلى تحديات "القياس - المسبب" المذكورة أعلاه: هو يشجع أي شخص لديه تركيز عنيد على الربح والخسارة للتشكيك به. هناك دليل يقول أنّ التركيز فقط على مفهوم الفائدة المالية للأخلاقيات يضعف من قضيتك، على اعتبار أنّ التركيز على المال ينسف النوايا الأخلاقية لدى الناس.
وبالمثل، تميل النقاشات التي تتناول الأعمال الأخلاقية إلى التركيز كثيراً على الجوانب الإيجابية في تفادي المخاطر: تجنب حصول تحقيق قانوني أو فضيحة تؤثر في السمعة. ومع أنّ النقاش حول تفادي الأخطار يكون ملحاً، إلا أنه يتجاهل ثقافة معظم شركات القطاع الخاص. البشر مدفوعون بالغايات وتنافسيون واجتماعيون إلى حد كبير، وليس لديهم إلا سعة ذاكرة وانتباه محدودين. كما أنّ لدى الناس عادة ثقة زائدة عند تقييم المخاطر، ويريحهم التركيز على الاحتمالات أكثر من التأثيرات المحتملة. وعند الأخذ بالاعتبار أنّ كبار متخذي القرارات في الشركة وصلوا إلى مطاف القيادة لتمتعهم تحديداً بالتنافسية والإقدام، فلن تُثنيهم غالباً مطالبات أخذ الحيطة والحذر. أخبر تنفيذياً ألا يقضي وقتاً طويلاً على حالات صعبة أو احتمال نجاحها ضئيل، وسترى كيف تتسع عيناه في ذهول.
ليست أفضل حججك
من ناحية أخرى، يستجيب كبار التنفيذيين عادة بحماس إلى الإمكانيات الكامنة في نزاهة الأعمال على خلق قصة ملهمة. في ظل تردد الإرادة السياسية للعالم في معالجة التحديات الاجتماعية والبيئية البعيدة المدى، فإنّ الشركات في موقع جيد للاضطلاع بدور قيادي. يدرك معظم قادة الشركات هذا. هم يدركون قوة السمعة والعلاقات، ويفكرون ملياً عادة في الإرث الذي سيتركونه شخصياً في الشركة وبفرصتهم لتغيير العالم للأفضل. هم أقل عرضة للضغوطات التشغيلية قصيرة الأمد، وعلى هذا الأساس فإنهم أكثر إقبالاً على المخاطرة.
ليست التصريحات الأخيرة من مايكروسوفت وآبل دعماً لبرنامج دي أي سي أي (DACA) إلا مثالاً واحداً عن هذا. تأثر جزء قليل فقط من موظفي هذه الشركات بصورة مباشرة بإلغاء البرنامج، وهو ما جعل منها مشكلة تصاعدية في ظروف غياب دراسة جدوى واضحة للتعامل معها. لكن عند النظر إليها كوسيلة للإشارة إلى قيم الشركات للجمهور الأميركي، يمكن عندها بسهولة كسب انتباه الكبار وحماسهم.
تُعتبر المجادلة بأنّ على الشركات إعطاء الأولوية للنزاهة فقط لأنها الشيء الصحيح فعله حجة قديمة مضى عليها الزمن. ومن هنا فمن غير المفاجئ تجنبنا لها. لكن خوفنا هذا من أن نبدو سذّجاً يعني أنّ الأمر انتهى بنا في موقف لا نحسد عليه نحاول فيه وضع دراسة تجارية بسيطة "لغاية" الشركة، ونحن بذلك نناقض أنفسنا ونعرّيها. وجد مسح أجرته أخيراً مؤسسة أي واي (EY) أنّ هناك اتفاقاً عريضاً على أنّ الغاية أهم من قيمة الأسهم، لكن المشكلة أنّه لا يوجد تعريف واضح للغاية بعد. في الواقع، يكون لدى الشركة غاية عندما تتقصد إعطاء الأولوية لمبادئها الأخلاقية على حساب الفرص المولدة للربح، ولو أحياناً على الأقل. نحن نحاول تجنب النظر إلى الواقع متذرعين بأسباب واهية. وبالنتيجة، ينظر الموظفون والعملاء اليوم إلى الشركات على أنها منافقة، تتبجح بعبارات لا معنى لها عن القيمة في كتيبات لماعة.
لدفع التغيير في الشركات، نحن بحاجة لقياس وفهم المنافع والتكاليف المالية للمبادرات الأخلاقية. لكن إن حاولنا وضع دراسة للنزاهة فقط باستخدام أدوات تخطيط تشغيلية قصيرة الأجل، فنحن نضيّع على أنفسنا فرصة أكبر.
لدى الشركات اليوم دور حيوي في بناء مستقبل مستدام لأبنائها وكوكبنا. ويوفر هذا الفعل مساراً لاستعادة ثقة الجمهور ويضمن نجاتها على المدى البعيد. إن نظرنا للأمور من هذا المنظور، ألن تكون حينها دراسة الجدوى اختزالية بعض الشي؟