يتحدث المدير التنفيذي لمؤسسة حكومة دبي الرقمية عن دور الابتكار وتآزر الجهود في أن تكون دبي عاصمة رقمية عالمية.
بارتفاع يناهز 830 متراً، متجاوزةً نصف الميل، ينتصب برج خليفة بطوابقه المائة وثلاثة وستين شامخاً. ولكن دبي تمكنت من توفير ما يتجاوز هذا الارتفاع الشاهق بثلاثين مرة سنوياً، بفضل تنفيذ "استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية"؛ وما حققته من تطور حتى الآن في السعي إلى أن تكون جميع المعاملات الحكومية رقمية بالكامل. وكما يشرح لنا وسام لوتاه، المدير التنفيذي لمؤسسة حكومة دبي الذكية- إحدى مؤسسات دبي الرقمية- فإن السعادة هي غاية تلك الجهود. ومنذ أن أسسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، و"دبي الرقمية" تنهض بمسؤولية التحول الرقمي، التي تهدف لأن تكون دبي "عاصمة رقمية عالمية".
وهي مهمة لا يستهان بها على الإطلاق، وخاصة بالنظر إلى المشقة التي يتحسب لها سكان أي مدينة في العالم عندما يضطرون إلى التعامل مع بيروقراطية الجهات الحكومية وسبر أغوار تنظيماتها، التي قد تبدو له متضاربة متناقضة في بعض الأحيان. ولكن التجربة الجديدة ناجحة في دبي. وقدمت طيفاً رائعاً من الابتكارات التي جعلت حياة سكان المدينة وزوارها وشركاتها أسهل وأفضل، بعد أن قدم لوتاه وفريق العمل لديه تطبيقات سهلة سلسة، تتبنى حلولاً من وجهة نظر الأفراد والشركات، ومن أبرزها "دبي الآن" (التطبيق الموحد لأكثر من 130 جهة خدمية حكومية على الهاتف الذكي)، و"استثمر في دبي" (بوابة جديدة عبر الإنترنت لأصحاب الشركات والمدراء ورواد الأعمال والمستثمرين، تمكنهم من تأسيس وإطلاق شركاتهم ومشاريعهم في دبي خلال دقائق فحسب)، و"الهوية الرقمية" (الذي يقدم حلول الهوية الرقمية والتوقيع الرقمي داخل دولة الإمارات)، وجميعها ابتكارات فعالة أسهمت في إتمام خدمات الهيئات الحكومية المحلية والاتحادية دون الحاجة إلى أوراق.
في مارس/آذار الماضي، تحدث لوتاه مع عبد القادر لمع، شريك "ماكنزي آند كومباني"، عن حكاية "دبي الرقمية"، والابتكارات الجديدة المتاحة، وكيف أن التركيز المتواصل على تطوير العنصر البشري يجعل من رحلة التحول الرقمي ميزة تنافسية.
ماكنزي: حدثنا عن تجربة "دبي الرقمية"، وتجربتك الخاصة.
وسام لوتاه: "دبي الرقمية" الجهة المنوط بها تنفيذ مهمة التحول الرقمي في كل أنحاء دبي. إنها قصة تطور مرت بالعديد من العلامات الفارقة شديدة الأهمية، وكانت البداية بالرؤية غير التقليدية من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تهدف لأن تكون عاصمة رقمية عالمية. لقد كانت دبي وما زالت مدينة تسعى بلا توقف صوب التقدم. وفعلياً، سبقت رحلة التحول الرقمي في دبي تأسيس "دبي الرقمية"؛ حيث بدأت منذ أكثر من عقدين بتكوين "الحكومة الإلكترونية"، التي تمثل اليوم جزءاً من أجندة عمل "دبي الرقمية".
ولكن من الأهمية بمكان التأكيد على حقيقة أن التقنية مجرد وسيلة وليست غاية في حد ذاتها. هدفنا دوماً هو أن نضمن سعادة الناس وراحتهم، ونفعل ذلك من خلال تطويع التقنيات المتقدمة في صورة خدمات أفضل للأفراد والشركات. وبالفعل، هناك تحول رقمي، إلا أن أولويتنا الفعلية هي التحول في تجارب المواطنين والمقيمين صوب استخدام التقنية، ليس من أجل التقنية في حد ذاتها، وإنما لغرض زيادة كفاءة الحكومة من خلال التنفيذ الأمثل لعمليات الأتمتة، وتكامل الخدمات وتوفير الخدمات المشتركة. اذكر مثلاً أننا وضعنا منذ ما يزيد على عقدين أساس نظم تخطيط الموارد الحكومية، وهي مجموعة من النظم تعمل في المكاتب الخلفية للحكومة بأكملها. ويستفيد ما يزيد على 70 ألف موظف من هذه النظم، سواءً أكانوا في الموارد البشرية، المشتريات، الجرد، التخطيط المالي، أو غيرها من الاختصاصات عبر أكثر من سبعين جهة حكومية. ومن خلال تقديم هذه الخدمات المشتركة، وفرنا مليارات الدولارات، كما ساعدنا الجهات الحكومية في التركيز على ممارسة مهامها الرئيسية.
كما انتقلنا الآن إلى مرحلة جديدة من الرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة التي تقتضي للعمل على تحويل كامل الحياة في دبي إلى حياة رقمية وليس فقط الخدمات الحكومية.
أما عن قصتي، فقد التحقت بالعمل الحكومي منذ نحو 20 عاماً. وأمضيت ثلثا مسيرتي المهنية في القطاع الحكومي، وخاصة ما يتصل بتطويع التكنولوجيا في الخدمات الحكومية. وقد أسعدني الحظ بأن يكون عملي هو شغفي؛ أي الخدمة العامة والتكنولوجيا.
من المؤكد أن دورك يتطلب الأمرين.
بالفعل؛ يلزمك امتلاك دراية وفهم عميق لمبادئ التكنولوجيا والهندسة وما يتصل بها من كفاءات. على أن ذلك وحده لا يكفي. السر في القيادة الحكيمة والرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ونجد نماذج ناجحة بكل وضوح في القطاع الخاص. شركات مثل آبل أو أمازون لديها رئيس تنفيذي صاحب رؤية وفريق إدارة عالمي المستوى. والأمر لا يقتصر على تبني الابتكار، بل يتجاوزه إلى تحديد الطموحات. وطموحنا في هذا الصدد واضح؛ أن تكون دبي أسعد مدن الأرض وأن تكون عاصمة رقمية عالمية. وهي الغاية التي تتآزر العديد من الجهات الحكومية لأجل تحقيقها، وقد كان سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، حريصاً على تعريف فريق العمل بهذه الرسالة؛ أن نتجاوز كل المعوقات وأن نتعاون ونتشارك، في بناء منصة موحدة في خدمة المدينة، ومتعاملوها هم مواطنوها والمقيمون فيها.
كيف تفكرون في احتياجات المتعاملين؟
نتبنى حلولاً من وجهة نظر المتعامل. نهتم بمعرفة ما هي تجربة المستخدم، وكيف تبدو؟ لدينا تطبيق "دبي الآن"، الذي يؤدي المهام للمستخدمين، من قبيل سداد رسوم موقف السيارة أو فاتورة الكهرباء أو الهاتف أو حتى بيع منزل، واستخدامات أخرى كثيرة بلمسة أو نقرة واحدة على الهاتف. ولم تكتمل رؤيتنا تماماً بعد، فالرحلة مستمرة، لكننا تجاوزنا خلالها مليون عملية تنزيل للتطبيق على هواتف المستخدمين وجمعنا أكثر من مليار دولار. ونحن سعداء بآراء وتعليقات رائعة تلقيناها من مستخدمي التطبيق بشأن تجربتهم معه.
كل ما يعنينا ونفكر به هم المستخدمين ورحلاتهم مع التجربة من البداية للنهاية، ولا يقتصر الأمر على العنصر المتعلق بالحكومة. إننا نحاول أن نُدرِج الحالات والمواقف الفعلية التي يتعرض لها المستخدمون ضمن التطبيق. فعلى سبيل المثال، عندما أشتري سيارة، لا أفكر في خدمات تسجيلها فحسب، وإنما أيضاً أفكر في التأمين وفي القرض الذي استخدمه في شرائها. ونحن نُدرِج كافة هذه النقاط، كما نُشرِك القطاع الخاص في رحلة المتعامل. وطموحنا هو أن نزود متعاملينا بتجربة سلسة من بدايتها إلى نهايتها.
ما رأيك في التعاون بين القطاعين العام والخاص؟
لم نكن لنبلغ "دبي الرقمية" التي نعيش فيها الآن دون شبكتنا الواسعة من علاقات الشراكة، والتي تتضمن القطاعين العام والخاص. نتعاون مع شركات اتصالات، شركات برمجيات، بنوك، وغيرها من الجهات التي تشترك جميعها معنا في بعض النقاط التي تهمنا جميعاً، وهي: العمل بسرعة، التركيز على المتعامل، والاهتمام بالـتأثير. وتتجمع هذه النقاط لتصنع علاقة تكافلية بين أطرافها.
بمناسبة الحديث عن المنافع والتأثير، حدثنا عن استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية.
خلال العام 2016، حين كنا ندرس مدى التأثير وقوة النتائج التي حققناها في الحكومة وفي المدينة من حيث التحول الرقمي، وجدنا مستويات مختلفة من النضج. كانت بعض الجهات الحكومية متقدمة جدًا في خدماتها وقنواتها الرقمية. والبعض الآخر يلحق بالركب. ولكننا عندما درسنا بشكل شامل الكيفية التي تساعد بها الأنظمة الرقمية المواطنين والمقيمين في إدارة أعمالهم داخل المدينة وفي الحكومة، وجدنا الكثير من فرص التطوير والتحسين.
قبل بدء الاستراتيجية، رصدنا 325 مليون فرصة لتحقيق التحسن، هي فعلياً عدد الأوراق التي كنا نستخدمها كل عام في التعامل مع الحكومة. ولو وضعنا هذا العدد من الأوراق فوق بعضه البعض، لتجاوز طولها ارتفاع برج خليفة، أطول برج في العالم، 30 مرة. نحن لم نبلغ بعد نسبة المائة في المائة المرجوة لتخفيض الورق في التعاملات الحكومية، ولكننا حققنا حتى الآن نسبة تتراوح ما بين 80 إلى 82 في المائة. كما أعلنا خلال الفترة الأخيرة أن هناك أربعة جهات حكومية في دبي صارت رقمية بنسبة 100%. فما بدأ مثل حلم، وما اعتبره البعض مستحيلاً، على الأقل في نطاق مدة زمنية قصيرة، أصبح اليوم حقيقة ممكنة.
ولا يمثل الجانب المتعلق بخفض الورق رغم ذلك سوى وسيط نحو التحول الرقمي. فلا نهدف إلى مجرد التوقف عن استخدام الورق، ولكن هدفنا فعلياً أن نحول الخدمات الحكومية فنجعلها أكثر سلاسة، وملائمة لاحتياجات المتعاملين، وتأثيراً وكفاءة. وترتكز استراتيجيتنا في هذا الشأن على ثلاث ركائز:
التقنية: حيث نوفر التقنية ونستفيد من البنية التحتية الرقمية المتاحة في دبي.
التشريع: لن تحقق لك التقنية أهدافك من دون توافر الإطار القانوني الذي يحكم عملها.
الثقافة: قبول وتبني المتعاملين من مواطنين، مقيمين وشركاء لعملية التحول.
ومن خلال العمل عبر كل هذه الركائز، أقول وبفخر إننا الآن نحقق استراتيجيتنا. إننا بصدد توفير أكثر من 250 مليون دولار سنوياً، وسيعود هذا المبلغ إلى المواطنين والمقيمين، بالإضافة إلى التأثير البيئي الناتج بطبيعة الحال عن تجنب الطباعة واستخدام الورق.
وماذا عن المبادرة الأخرى، "استثمر في دبي"؟
من الواضح أن "دبي الآن" قناة رقمية أساسية؛ تخدم 80 إلى 90% من احتياجات أو كفاءات المقيمين والشركات في دبي. ولكن سوف تكون هناك دائماً مجالات نحتاج فيها إلى قناة رقمية خاصة؛ فنحن ندرك أن الاحتياجات تختلف وتتفاوت. لذلك، فإن منصة "استثمر في دبي" لمن يرغب في بدء عمل تجاري في دبي. وفيها، يختار المستخدم القطاع أو الصناعة، ثم يحصل على الموافقات الحكومية اللازمة، وينشئ حساباً مصرفياً، ويحصل على رخصة تجارية، في خطوات رقمية بالكامل.
وفي كثير من الحالات، يمكن بدء عملية التسجيل والبدء في ممارسة النشاط التجاري خلال يوم واحد. كان هدفنا هو تأسيس نظام أساسي لمساعدة المستخدمين على توفير الوقت والجهد للاتصال بالجهات الحكومية وضمان تجربة سلسة، عبر جميع الأنشطة التجارية الممكنة التي قد يهتم بها المستثمرون. هذا هو الحال سواء كنت تفتح متجر بقالة أو مصنع كيماويات؛ فمجموعة الأنشطة التجارية متنوعة للغاية. وكانت القدرة على الجمع بين جميع الهيئات الحكومية المشاركة في إصدار الرخصة التجارية وربط جميع الأنظمة ورقمنة قواعد العمل المختلفة التي تدخل حيز التنفيذ واحدة من أهم التحديات التي واجهتنا.
تعامل مع المنصة من منظور المدراء ورجال الأعمال، وما يحتاجون إليه لإدارة أعمالهم بكفاءة، ومع كل ما يستلزمه ذلك من معاملات؛ التوظيف، امتلاك منشآت جديدة أو التوسع في منشآت قائمة، فتح فروع جديدة، والتواصل مع الفرص الأخرى داخل المدينة. هناك معاملات أكثر بكثير مما قد يتخيله المرء في البداية، وتكبر القائمة عندما تفكر في دورة حياة الشركة؛ التفويض أو التوكيل، على سبيل المثال، أو تحديد الشركات القانونية وأدوار العلاقات العامة، والتفويض بالمعاملات اليومية، وإجراء تغيير في عقد التأسيس، وكثير منها يدخل حيز التنفيذ في نفس الوقت. نحن نتعامل مع هذا من خلال تحديد الأدوار في الجهات الحكومية، وأن نكون ديناميكيين ومرنين في مساندة جميع السيناريوهات العديدة المختلفة.
"طموحنا هو أن نزود متعاملينا بتجربة سلسة من بدايتها إلى نهايتها. ويتطلب تحقيق هذا الطموح رشاقة في أداء الخدمات الحكومية. لقد بنينا ما أسميناه "قبيلة رقمية" ومكناها من العمل عبر مسارات إنتاجية مختلفة"
"لم يعد الاستثمار في التكنولوجيا ترفاً. هو ضرورة تكفل جاهزية المدن للتعامل مع كافة ما ينتظرها من تحديات"
هناك بالتبعية تحدياً يتمثل في القوانين والتنظيمات. ما هو نهجكم في التعامل مع رقمنة هذا الجانب، أو ما يطلق عليه البعض مسمى "ترميز القواعد"؟
ننظر إلى مهمتنا بشكل أساسي. فمن مهام الحكومة الجوهرية توفير بيئة تحمي المواطنين والمقيمين والشركات داخل المدينة من خلال اللوائح والضوابط. ومن الخطأ التعامل مع الخدمات الحكومية من منظور الجهة التنظيمية؛ وهنا أكرر مجدداً أن علينا التفكير من وجهة نظر المستخدم.
فمثلاً، يمكنني أن أقصد مطعماً وأطلب وجبتي وأتناولها بأمان، وأنا أعلم أن هناك تنظيمات معمول بها للصحة والسلامة؛ أن البلدية قامت بتفتيش هذا الموقع وتأكدت من أن عملية إنتاج هذه الوجبة كانت آمنة. وبالمثل، إذا نظرت عبر العديد من الأنشطة داخل المدينة، فإن الحكومة تلعب دورها التنظيمي؛ حيث نقول بأن "هذا هو مستوى الحماية الذي نريده لمواطنينا ومقيمينا، هذا هو المستوى المعياري الذي نتوقعه". وهو ما يُترجم إلى معايير أهلية الفرد لبدء عمل تجاري من أي نوع، والمتطلبات التي عليه الامتثال لها واستيفائها قبل حصوله على الرخصة التجارية. وليس بوسعنا ترميز كل قاعدة وإدراجها في النظام.
فقد كان علينا التوصل إلى طريقة تلخص كل هذه القواعد في شيء يسهل على الأفراد التعامل معه؛ سواء كانوا موظفين أو مشرعين أو صانعي سياسات. لذلك، عندما تقرر، على سبيل المثال، دائرة الصحة والسلامة في البلدية أن من شروط الأمان في مطعم أن يقام على مساحة لا تقل عن 250 قدماً مربعاً، فعندئذ يطبق النظام مجموعة متسقة من القواعد. ويحدد ما يجب القيام به بطريقة بشرية مفهومة. ويتم تحويل هذه القاعدة إلى رمز تتعامل معه الآلة حتى يمكنها تطبيق القاعدة لحظياً. ومن دون القيام بذلك، لن نتمكن من إنشاء 2,000 نوع مختلف من القواعد واللوائح المطلوبة لتسجيل شركة والامتثال للمتطلبات الحكومية.
وبالمناسبة فإن القواعد في مدينة مثل دبي ديناميكية للغاية ومرنة. إنها عملية مستمرة يجب أن تكون قادراً على تحديثها وتحسينها وتطويرها بطريقة شفافة. ونقوم الآن بربط التشريع، والمراسيم المعمول بها، والقواعد داخل النظام، وهكذا يمكن لأي شخص الاطلاع على القواعد ومعرفة الأنظمة، في أي وقت من الأوقات.
كيف تفكرون في الخطوات التالية، وما مدى أهمية أن تعمل الأنظمة بطريقة متكاملة؟
لم يعد الاستثمار في التكنولوجيا ترفاً. هو ضرورة تكفل جاهزية المدن للتعامل مع كافة ما ينتظرها من تحديات. ويمكننا التأكيد بثقة على أن البنية التحتية لمدينة دبي الرقمية والاستثمارات في التكنولوجيا كانت القرار الصحيح، خاصة فيما يتصل بمواجهة جائحة "كوفيد-19" التي كانت بمثابة مفاجأة لبعض المدن وبعض الحكومات الأخرى.
ومن أهم جوانب تحقيق تلك الغاية قدرتنا على تطبيق التوقيع الرقمي، بدعم من برنامج الهوية الرقمية الوطني. فمن مهام دبي الرقمية التوصل إلى تقنيات أو مكونات تمكينية من شأنها أن تساعد في تسريع التحول الرقمي لتجارب الأفراد داخل المدينة. وكانت الهوية أحد الأشياء التي يجب حلها؛ فكلما تعاملت مع شريك آخر أو جهة أخرى، فإنك عادةً ما تحدد هويتك من خلال هوية صادرة عن الحكومة. وهذا معمول به رقمياً منذ فترة؛ فالأشخاص يستخدمون جواز سفر أو بطاقة هوية. ولكن في الفضاء الإلكتروني، يجب أن يكون لديك معرّف رقمي مكافئ حتى تستخدمه عبر قنوات رقمية مختلفة. وإذا لم يتحقق ذلك، سوف ينتهي بك المطاف ومعك عشرات بل مئات الهويات الرقمية. والأسوأ أنها ستكون في معزل عن بعضها البعض. وهذا لا يخدم التحول الرقمي بطبيعة الحال. لذلك شرعنا في إنشاء هوية رقمية موحدة لكل مواطن ومقيم في دولة الإمارات. وهو تعاون بين "دبي الرقمية" وهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في دولة الإمارات وهيئة أبوظبي الرقمية. تعاونا جميعاً لإنشاء هوية رقمية موحدة مرجعيتها بيانات بطاقة الهوية الفعلية التي يحصل عليها الجميع هنا في الإمارات. وقد أطلقنا هذه الهوية الرقمية الوطنية الآمنة (UAE PASS) منذ أكثر من عامين، وتجاوزنا المليون مستخدم لهذه الهوية الرقمية. ويجري الآن دمج أكثر من 6,000 خدمة في جميع أنحاء دولة الإمارات، بما في ذلك الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، ومؤخراً أتاح القطاع المصرفي استخدام الهوية الرقمية في إنشاء الحساب المصرفي وفي أداة التحقق من هوية العميل (KYC).
في ظل وجود العديد من الاعتبارات المختلفة؛ ومنها مثلاً الاعتبارات البيئية وسبل الحد من الفقر والمشاكل الاجتماعية والبطالة، كيف تحددون أولويات تمويل استثماراتكم في التكنولوجيا؟
ينصب تركيزنا على الأفراد. فغايتنا أن تكون دبي أسعد مدن الأرض؛ وليس أن تكون الأذكى أو الأكثر تقدماً تكنولوجياً وحسب. بل الأسعد. وعندما تمنح الثقة للناس تحصد نتائج مدهشة. وأقرب مثال لهذا هو تجربة الإمارات في ارتياد كوكب المريخ، حيث كان شعارنا "لا شيء مستحيل".
نطمح من خلال تمكين الأفراد إلى التطور والارتقاء وإحداث تأثير إيجابي في المنطقة بأسرها، وخاصة في شبابها. وأملنا أن تلهم تجاربنا مدناً أخرى. سوف تشهد العقود المقبلة تنافساً متزايداً بين المدن على المواهب والاستثمار. لذلك نسعى لكي تكون دبي وجهة مميزة لكليهما. ومن أجل ذلك، نعمل على أن تكون المدينة أفضل مكان لحياة سكانها، أنسب مكان لمزاولة الأعمال التجارية، والمكان الأمثل للتطور والتعلم. فمن الواضح أن التحول الرقمي يلعب دورًا محوريًا في توسع المدينة بنطاقها حتى تحقق هذه التجارب الفريدة. ويبقى التركيز الأساسي على الإنسان. وتبقى الأولوية لمواطني دبي ومقيميها وزوارها دائماً.