أعدّ نفسي من الأشخاص الذين يتحلون بشخصية قوية وأرى نفسي قادراً على العمل تحت ضغوط كبيرة وإنجاز الكثير من المهام في يوم واحد، عدا عن العمل لساعات طويلة وشحذ عزيمتي والتغلب على العقبات في اللحظات الحاسمة. فأنا ممن لا يستسلمون أمام المشاكل المحتملة في بيئة العمل، بل يعمل بلا كلل إلى أن يتمكن من حلها.
أنا قائد ومعظم القادة الذين أعرفهم لديهم الشعور نفسه. وهو الشعور بأن علينا واجبات يتحتم علينا أداؤها، فشركاتنا وموظفونا وعملاؤنا وعائلاتنا، جميعهم يعتمدون علينا لإيجاد الحلول في اللحظات الحرجة ونحن نفعل ذلك.
في بعض الأحيان، وبفضل إتقاننا مواجهة الضغوط وحل الأوضاع المعقدة وتحقيق إنجازات خارقة، قد نشعر أننا نتحلى بقدرات تفوق قدرات البشر العاديين.
ولكن في طريقي إلى مطعم في نيويورك لتناول العشاء مع أقرب أصدقائي من المدرسة الثانوية، اصطدمت دراجتي الهوائية بحفرة فتوقفت فجأة ورأيتني أندفع بقوة من فوق المقود وأصدم رأسي بسيارة مركونة بجانب الطريق.
أصابتني الصدمة بحالة من الذهول وفقدت قدرتي على التفكير وأنا ممدد في الشارع أنزف. اقترب مني بعض المارة وسألوني إذا كنت بخير، لكنني لم أكن أعرف. سألوني إذا كنت بحاجة للماء، فلم أعرف الإجابة. عندما تمكنت في النهاية من الوقوف على قدمي، سألوني إذا كنت بحاجة للجلوس، لكنني لم أكن أعرف.
عندما أعود الآن بذاكرتي إلى الوراء، إلى تلك اللحظة، إليكم ما كنت أعرفه بكل يقين: أنني مجرد إنسان عادي تماماً.
باعتباري قائداً يدعو إلى تحويل أي نقاط ضعف إلى نقاط قوة، يُدهشني كيف وصلت بطريقة ما إلى الاقتناع بفكرة أنني بحاجة إلى أن أكون إنساناً فوق العادة وأن أي ضعف سينال من قدراتي القيادية.
في الواقع، أرى الآن بوضوح أن الأمر على العكس من ذلك تماماً. فمن شأن عدم الاعتراف بنقاط الضعف لدينا أن يؤدي إلى نتائج عكسية لسببين بسيطين:
الأول، أن مثل هذا الأمر لا يدوم فنحن لا بدّ أن نعيش أعباء الحياة وتبعاتها في نهاية الأمر، ونواجه الواقع الذي لا مفر منه وذلك لأننا بشر لا نخلو من نقاط ضعف وعيوب وهفوات.
الثاني، إن مثل هذه القيادة هي قيادة ضعيفة. فالقيادة تعني التواصل والاتصال. لن يسير الناس وراءك ويعملون بجد ويبدعون ويجازفون ويضحون من أجلك، إلا إذا شعروا بأنهم قادرون على التواصل معك والاقتراب منك. وإليك سؤالي: هل سيتمكّن أي شخص من التواصل معك ويهبك ثقته حقاً، ويعمل معك بكل إخلاص، إذا كنت تكشف فقط عن جوانب شخصيتك التي تعتقد أنها ستبهره؟ إلى متى تعتقد أنك تستطيع أن تستمر في هذا الأمر؟ كم من الوقت سيمضي قبل أن يكتشف هؤلاء الناس حقيقة الأمر ويفقدون إيمانهم بك؟
بعبارة أخرى، إن إخفاء مواطن ضعفنا في محاولة لأن نكون قادة أقوياء يجعلنا قادة ضعفاء. بمعنى أن نقاط ضعفنا تجعلنا نبدو أكثر ضعفاً عندما ندعي أنها غير موجودة.
إليك ما عليك أن تتذكره دائماً: صراعاتنا ومواجهاتنا لا تحدد من نكون أكثر مما تفعل نجاحاتنا. أنت لست ضعيفاً وإنما لديك نقاط ضعف. وهما أمران مختلفان.
ومن هذه النقطة التي تجعلنا نشعر أننا بشر، يمكن أن نحمل نقاط قوة ونقاط ضعف، يمكننا أن نفعل أكثر ما يجعلنا نتحلى بصفات القادة وهو: أن نطلب المساعدة.
عندما نهضت في النهاية ومضيت بخطى متعثرة إلى المطعم، استقبلني أصدقائي بأن أعربوا عن شعورهم بالقلق وبادروا إلى مساعدتي. أحضرت صديقي سيارتها ووضعت دراجتي في الصندوق وأخذتني إلى غرفة الطوارئ. وبقي أصدقائي بجانبي في المستشفى حتى وقت متأخر من الليل.
كنت محظوظاً لأنني لم أكن وحدي في تلك الليلة، وكان ذلك بفضل أنني بشر.
إن الحاجة إلى المساعدة أو طلب المساعدة جزء أساسي من صفات القيادة. وعلى الرغم من أنني كنت أدرك هذا الأمر، فقد شعرت دائماً في داخلي أن وظيفة القائد هي مد يد العون للآخرين، وليس أن يحتاج للمساعدة.
لكن هذا مجرد وهم. فالحقيقة أن القادة الذين لا يحتاجون إلى المساعدة ليس لديهم من يقودون. يشعر الناس بالارتياح عندما يساعدون الآخرين. يُلهمهم شعورهم أن هناك من يحتاج إليهم لمد يد العون، ولا يقللون من قدر من يساعدونهم، لا بل يشعرون أنهم قادرون على التواصل معهم وأكثر قرباً منهم.
لست برجل خارق ولا أنتم، وهذا ليس جيداً فحسب بل إنه أفضل لنا.