ملخص: توسُّع الشركة هو الخطوة المنطقية لأي شركة تريد أن تحقق إيرادات معتبرة، بل هو يجسد منطق للرأسمالية: البحث عن تحقيق أرباح أكبر عبر استثمار الموارد المالية المتاحة. لكنّ خيار التوسع نفسه ينطوي على مجموعة من الخيارات مثل الدخول إلى أسواق جديدة بالمنتج الحالي، أو الدخول إلى أسواق خارجية بمنتج جديد. تعد استراتيجية التدويل من أهم أدوات التوسع التي تلجأ إليها الشركات لأنها تعتمد على نقاط قوة الشركة لاختراق أسواق جديدة أو ما يُسمى تنويعاً جغرافياً. ويسلط هذا المقال الضوء على طبيعة المنتجات أو النشاطات الملائمة للتدويل ثم يُبرز أهم نموذجيّن يمكن اتبّاعهما للتدويل: 1. نموذج أوبسالا للتدويل، 2. نظرية دورة حياة المنتج في التجارة الدولية.
استراتيجية التدويل هي الاستراتيجية التي تهدف من خلالها الشركة إلى خلق ميزة تنافسية عبر النشاط في عدة أسواق خارج وطنها الأم. وتعتمد الشركات التي تهدف إلى تدويل منتجاتها على صنفين أساسيين: التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر، أي أن الشركة يمكنها أن تصدر منتجاتها انطلاقاً من بلدها الأصلي، أو أن تستثمر في البلد المضيف وتنتج منتجاتها محلياً ثم تبيعها؛ لكن في الحقيقة، الكثير من الشركات متعددة الجنسيات يدمج الصنفين معاً مع استخدام متفاوت مثل تصدير بعض المدخلات ثم تركيبها محلياً في البلد المستهدف، غير أن ميدان النشاط الذي تستهدفه الشركة يؤدي دوراً رئيسياً في تبني الصنف الملائم، فبعض النشاطات تستوجب التصدير قبل إنشاء وحدة إنتاج محلية، وتتميز نشاطات أخرى بتفضيلها للمنتجات المنمّطة، في حين تستلزم نشاطات أخرى منتجات مكيّفة على أذواق السوق المحلي. يمثل التوازن بين هذين الصنفين أهم عوامل نجاح استراتيجية التدويل، فالمنتجات المنمّطة تتيح للشركة الوصول إلى اقتصاديات الحجم وتحقيق ميزة التكلفة المنخفضة، بينما يتيح تكييف المنتجات تلبية حاجات المستهلكين بطريقة أفضل وملاءمة المحيط الذي توجد فيه هذه الأسواق.
من خلال الجمع بين صِنفيْ التدويل وقيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة (استثمارات محدودة أو معتبرة)، نحصل على أربعة أنواع أساسية لتدويل نشاطات الشركة كالآتي:
- النشاطات المحلية: هي النشاطات قليلة التأثر بالعولمة، وتكون معظم الشركات التي تنشط فيها محلية، كما أنه في معظم الأحيان تعمد الحكومات لحماية هذه النشاطات من المنافسة الخارجية؛ نذكر منها على سبيل المثال الخدمات البريدية، والنقل الحضري.
- نشاطات متعددة المحلية (Multi-Domestic): هي النشاطات التي تكون فيها المنتجات متمايزة حسب كل بلد مضيف، وتستلزم حضور الشركات المنتجة محلياً، فقطاع الفندقة الفاخر مثلاً يسيطر عليه مجموعة من العلامات العالمية، غير أن هذه العلامات يجب أن تكون حاضرة بمدرائها من أجل السهر على احترام معاييرها محلياً.
- نشاطات دولية مصدرة: هي نشاطات تنتج وفقها الشركات في مكان محدد، ثم تصدر هذه المنتجات عبر مختلف بلدان العالم، وعادة ما تتميز هذه المنتجات باقتصاديات الحجم وسهولة نقلها بواسطة مختلف وسائل النقل، لذلك لا بد أن يتميز مكان وحدات الإنتاج بخصائص محددة وملائمة، قد تكون طبيعية مثل الإنتاج الزراعي كزيت الزيتون الذي يُنتج في جنوب إسبانيا، أو صناعة المجوهرات والطائرات.
- نشاطات دولية معقدة: تتميز هذه النشاطات باقتصاديات الحجم وطلب متجانس نسبياً عبر العالم، كما أنها نشاطات يكون فيها حجم التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر مرتفعاً، ويكون فيها أيضاً تدفق السلع بين مختلف فروع الشركات متعددة الجنسيات مرتفعاً جداً، إذ عادة ما تعمل هذه الأخيرة على نقل جزء من عملية الإنتاج إلى البلد المضيف، على أن تزوده بباقي عناصر الإنتاج من الفروع الأخرى مثل صناعة السيارات وصناعة الدواء.
أشهر النماذج المفسّرة لاستراتيجية التدويل
1. نموذج أوبسالا للتدويل (Uppsala Model): يُعنى هذا النموذج بخطوات تطوّر الشركات لتصبح متعددة الجنسيات، وهو نموذج اقترحه باحثان من جامعة أوبسالا السويدية هما يوهانسون وفالنو (Johansson & Vahlne) عام 1977، واستخلصا 4 مراحل أساسية تدريجية لتدويل الشركات كما يلي:
- أولاً: مرحلة أولى غير منتظمة تصدر فيها الشركة لأسواق تظهر فيها فرص تسمح بذلك.
- ثانياً: مرحلة ثانية منتظمة من التصدير تتم عن طريق وكيل معتمد.
- ثالثاً: مرحلة ثالثة تتميز بإنشاء فرع تجاري في البلد المستهدف.
- رابعاً: مرحلة أخيرة أين تؤسس فيها الشركة فرعاً فاعلاً بصفة دائمة عن طريق إنشاء وحدة إنتاج، ثم يتم التوسع في البلد المستهدف مع زيادة فهم الشركة لعوامل محيطه المحلي.
2. نظرية دورة حياة المنتج في التجارة الدولية (Product Life Cycle Theory of International Trade): مكّن هذا النموذج من تحقيق تطوّر ملحوظ في فهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة والشركات متعددة الجنسيات، ويرجع الفضل إلى صاحب النظرية ريمون فيرنون (R.Vernon) الذي درس أنواع توسّع الشركات متعددة الجنسيات الأميركية خلال ستينيات القرن الماضي، واستخلص 4 مراحل أساسية بناء على دورة حياة المنتج كالآتي:
- أولاً: في البداية، يتم طرح المنتجات الجديدة في أسواقها المحلية أين تكون القدرة الشرائية مرتفعة.
- ثانياً: ارتفاع حجم الإنتاج وشدة المنافسة يؤديان إلى انخفاض الأسعار، ما يؤدي بدوره إلى ظهور إمكانية تصديرها نحو أسواق ذات قدرة شرائية أقل.
- ثالثاً: تؤدي المنتجات المصدّرة إلى ظهور منافسة محلية على الأسعار، حيث تتميز الأسواق المحلية بانخفاض تكاليف العمالة، وهو ما يدفع الشركات المصدرة إلى إنشاء فروع محلية للاستفادة من التكاليف المنخفضة.
- رابعاً: يتم التوقف الكلي عن الإنتاج في البلد الأم (الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحالة)، ويتم تلبية الطلب عليها عن طريق استيرادها سواء من شركات أجنبية أو من فروع لشركات تنتمي لنفس البلد الأم.
تعرضت هذه النظرية إلى النقض لأنها لا تسمح بالتعميم، ذلك أنها تمت في فترة زمنية تميزت بهيمنة شركات الولايات المتحدة الأميركية من حيث القدرة على الإنتاج بحجم كبير وخفض التكاليف.