أخبرني رئيس تنفيذي لإحدى شركات البرمجيات تحدثت إليه مؤخراً، أنه يتحاشى طلبات العمل من الأشخاص الحاصلين على درجات جامعية متقدمة في هندسة البرمجيات، لأنهم يأتون من بيئة تعليمية تقود إلى طلب رواتب مرتفعة وثقة زائدة بالنفس.
وعندما يتعلق الأمر بشهادات الكليات أو الدراسات العليا، فإن هناك عقليتان متمايزتان ومختلفتان تماماً في التوظيف تتوفران جنباً إلى جنب في الوقت الحاضر في عالم التكنولوجيا. فالشركات الناشئة التي لا تزال في مراحلها الأولى ذات عقلية أكثر ميلاً إلى التقشف، بينما الشركات التي في طور النمو فإنها تكون في سباق محموم مع الزمن وتمتلك ما يكفي من الموارد لخوض هذا السباق. وبالتالي، فإن الطريقة التي تؤثر بها هاتان العقليتان، خاصة المخاوف اللتين تنطويان عليهما، على أسلوب دراسة طلبات التوظيف هي أمر مهم. والشهادات الراقية يمكن أن تشكّل مسؤولية كبيرة بالنسبة للمجموعة الأولى، بينما يمكن أن تنطوي على قيمة كبيرة للمجموعة الثانية.
• تخشى الشركات الناشئة التي لا تزال في مراحلها المبكرة شعور طالب الوظيفة بأن لديه حق مكتسب.
لا يمكن وصف نفسية شركة ناشئة جيدة إلا بأنها تستند إلى قدر كبير من الحماس الدؤوب. عندما تقيّم هذه الشركة الطلب الوظيفي للشخص المتقدم إليها، فإنها تبحث عن إنسان يحمل عقلية رجل الكوماندوز، أي رجل المهام الخاصة، وعن درجة الاستعداد لأداء المهام الصعبة. في كلا الجانبين، تنظر هذه الشركات إلى الشهادات الراقية على أنها علامات إنذار إذا لم تعتبرها أصلاً إشارات سلبية.
إن "رجال الكوماندوز" ينفذون الأمور بطريقتهم الخاصة وهم بارعون في العمل بمفردهم. فهم يمتلكون حافزاً ذاتياً قوياً للغاية، وغالباً لا يقبلون أي نظام للحوافز يتعدى على استقلالهم الذاتي، سواء على شكل ترقيات أو أموال أو درجات وظيفية. ومن النادر أن يكون لدى شخص يحمل عقلية مثل "رجال الكوماندوز" أن يمتلك سجلاً نظيفاً في المدرسة.
أما الشهادات الجامعية النخبوية، فإنها ترسل إشارة إلى أن هذا الشخص سوف يتفوق في الأداء ضمن المؤسسات وضمن أنظمة التقييم، وهذان أمران لا تجدهما في شركة ناشئة صغيرة. فالمؤسسون الجدد يعانون في تقديم التوجيهات المتناغمة، والقليل جداً من الشركات الناشئة لديها إجراءات تشغيلية تخص تقدير الموظفين أو تقديم الحوافز لهم. لذلك، فإن هذه الشركات تختار المرشحين الذين سيجدون طرقاً لخلق القيمة دون أن يحظوا بأي رأي أو تعليق أو تقدير فوري من الإدارة.
• تخشى الشركات التي هي في طور النمو أنها لن تكون قادرة على التوسع بالسرعة الكافية
بالنسبة للشركات التي هي في طور النمو، فإنها تكون قد جمعت أصلاً رأس مال كبير أو تحقق إيرادات تفوق قدرتها على تحصيلها. وفي كلتا الحالتين، تخطط الشركة للنمو بقوة، وفي بعض الأحيان قد تسعى إلى مضاعفة حجم فريقها خلال عام واحد. وبالتالي، فإن التركيز ينتقل من الحماس إلى السرعة المدروسة.
وفي شركة في طور النمو، للشهادة الجامعية قيمتها الكبيرة؛ فالشهادة دائماً تحمل في طياتها إشارات ضمنية إلى قدرة الشخص على التأقلم الثقافي، خاصة بين صفوف خريجي الجامعات المرموقة. وبالتحديد، فإن الشركات التي في طور النمو تحتاج إلى شخص قادر على قراءة الأوضاع، واستقراء التوقعات وتفسيرها، وتقديم أداء يفوق التوقعات دون الخضوع لبنية إدارية ثابتة. فما يهم هو وجود أشخاص قادرين على التعلم بسرعة، وهذا أمر تمثله أيضاً الشهادات الجامعية المرموقة.
ومع ذلك، بوسع الشركات التي في طور النمو إظهار المزيد من الغرور عندما تصل إلى مرحلة توسيع الشركة وتنمية حجمها. فالمستثمرون الذين يقدّمون رأس المال الداعم لهذا النوع من الشركات يزورونها ويلقون محاضرات حول ضرورة توظيف "أفضل المواهب". والشركات التي في طور النمو مستعدة لدفع الرواتب إلى أذكى الناس الذين تستطيع العثور عليهم وهي تتطلّع إلى التقليل من المجازفة في عملية التوظيف. فهي تشعر بأنها قادرة على أن تَعِد المرشحين لشغل الوظائف بالمجد والقوة والغنى، وبناء الفريق، وتولي المناصب القيادية، والسفر، والحصول على وجبة طعام ثلاث مرات يومياً وفي عطلات نهاية الأسبوع في لاس فيغاس.
وبالتالي، فإن خريجي كبريات الجامعات والكليات العريقة ينجذبون إلى هذا النوع من الشركات. وهم يتّبعون القاعدة الشهيرة التي أطلقتها شيريل ساندبيرغ: "إذا عرض عليك أحدهم مقعداً في صاروخ فضائي، فاصعد إلى المركبة فوراً". كما أنهم يبدؤون بالبروز وسط كومة من السير الذاتية تتجاوز آلاف الطلبات للمنافسة على عدد قليل من المقاعد.
لكن المشكلة تكمن في أن الشركات التي في طور النمو توظف عدداً أكبر من الأشخاص، لكن عددها قليل بالمقارنة مع الشركات الناشئة الجديدة. وبالتالي تظل الشهادات الجامعية الرفيعة ذات جاذبية لشركات التكنولوجيا. لكن هناك إدراكاً واسع النطاق بأنها إشارة على نقطة ضعف فيما يخص جودة الموظف المحتمل وقدرته على التأقلم.