أرسلت لي إحدى الشركات المشاركة في إجراء التجارب السريرية للشركات الطبية وشركات الأدوية نسخة من خطتها الاستراتيجية للمراجعة استعداداً لورشة عمل التخطيط الاستراتيجي المقبلة. لقد تفحصت الصفحات التسع بعناية، ولكن على الرغم من الوعد الذي أطلقته الشركة بتوضيح "المهمة والرؤية والاستراتيجيات والإجراءات"، لم تتضمن الوثيقة أي استراتيجية حقيقية بسبب الخلط بين العمل التنفيذي والاستراتيجية لديهم.
لم تكن هذه التجربة جديدة بالنسبة إليّ، فقد صادفتها طوال الوقت، لأن مدراء الشركات غالباً ما يخلطون بين تصميم الاستراتيجية وتطبيقها. وعندما يدركون الفرق بين الاثنين، فإنهم سوف يشهدون تأثيراً كبيراً وإيجابياً على أداء شركاتهم.
الفرق بين العمل التنفيذي والاستراتيجية
ينطوي تصميم الاستراتيجية على تناول تفاصيل المواقع المختلفة لأصحاب المصلحة الرئيسيين لتولي ما أسميه العوامل الاستراتيجية، وهي معايير القرارات المستخدمة من قبلهم، أي المعايير المستخدمة من قبل العملاء في اتخاذ قرار الشراء من شركة ما، أو من قبل الموظفين في اتخاذ قرار بشأن العمل مع شركة معينة، أو من قبل الموردين في اتخاذ قرار تزويد الشركة بالبضائع أو الخدمات. يتعلق تصميم الاستراتيجية بالموقع الذي تأخذه شركة "فورد" أو "تويوتا"، على سبيل المثال، كشركة لجذب العملاء إلى عوامل مثل مجموعة المنتجات، والسعر ومراكز البيع بالتجزئة وجودة المنتج والصورة.
يمكن أن يكون تحديد الموقع دقيقاً جداً، ويمكن أن يكون متشابهاً بين مختلف العلامات التجارية للشركة. خذ على سبيل المثال مجموعة فنادق "أكور" (Accor)، تحمل المجموعة عدة علامات تجارية، التي تلبي كل واحدة منها مجموعة مختلفة من المستهلكين المستهدفين وبمواقع مختلفة فيما يتعلق بخدمة المستهلكين، والسعر، والجودة، وهي كالتالي: الفنادق الفاخرة، مثل "رافلز" (Raffles)، و"فيرمونت" (Fairmont)، و"سوفيتيل" (Sofitel)، وفنادق بمساحة ممتازة، مثل "إم غالوري" (MGallery)، و"بولمان" (Pullman)، و"سويس أوتيل" (Swissôtel)، وفنادق متوسطة، مثل "نوفوتل" (Novotel)، و"ميركيور" (Mercure)، و"أداجيو" (Adagio) وفنادق اقتصادية، مثل "إيبيس" (ibis)، و"أوتيل آي إف1" (hotelF1).
ينبغي أن يكون تصميم الاستراتيجية على مستوى المؤسسة كاملة، لأن كل شركة منها تواجه منافسيها في السوق، إنها تتنافس شركة في مقابل شركة أخرى.
يعود السبب الذي يجعل الفرق التنفيذية تواجه صعوبات عند تصميمها الاستراتيجية هو أنها لا تعتمد التفكير على مستوى المؤسسة في البداية. بل تندفع تلك الفرق إلى عملية التنفيذ عند وضعها لخطط الاستراتيجية، لأنها تصل دائماً إلى هذه المرحلة وهي على استعداد لتناول ما يحتاجون إلى فعله. ما لم توقف الدفع نحو التطبيق، إلى أن يصبح تصميم الاستراتيجية جاهزاً، فإنك تضع العراقيل أمام تقدمك. وهذا ما يجعل المنخرطون في وضع الاستراتيجية ينهون عملية التخطيط مع مجموعة كبيرة من الإجراءات، لكن من دون وجود فكرة واضحة حول المكان الذي تنوي المؤسسة الوصول إليه أو كيف تتميز عن المنافسين في السوق.
يمكن أن أرى ذلك في الخطة الاستراتيجية لشركة التجارب السريرية، إذ كانت الإجراءات لديها تملأ صفحات، وقد كانت جيدة إلى حد معين. لكن كما كشفت مقابلاتي السابقة لورشة العمل مع أعضاء الفريق التنفيذي أن المشكلة انطوت على أن المؤسسة "غارقة في الأمور التي ينبغي إنجازها"، على حد تعبير الرئيس التنفيذي. اقترح مسؤول تنفيذي آخر أن المؤسسة بحاجة إلى "توضيح حول المكان الذي نتوجه إليه". وعرض آخر أنهم "بحاجة إلى الحصول على صورة أوسع حول الأمور الاستراتيجية"، مضيفاً إنهم "سقطوا فريسة القياس الجزئي". وقد وصف مسؤول آخر كثرة الإجراءات هذه بأنها "تترك الموظفين يشعرون بالضياع التام".
ما الذي كان على ورشة العمل المخطط انعقادها تحقيقه هو توضيح موقع المؤسسة بالنظر إلى العوامل الاستراتيجية لأصحاب المصلحة الرئيسيين، وإزالة الإجراءات غير الضرورية عن كاهل المعنيين بالأمر، وترك تلك التي أدت بوضوح إلى هذه المواقع. لتحقيق ذلك، كان عليّ تحويل تفكير الفريق التنفيذي بعيداً عن العمل على الإجراءات المنفردة، ودفعهم نحو تحديد الموقع على مستوى المؤسسة.
ما خلصنا إليه في ورشة العمل هو أن هناك عاملين أساسيين من شأنهما إنجاح الشركة على منافسيها، وهما تخفيض الأسعار وتقديم خدمة ممتازة للعملاء. وصف الرئيس التنفيذي المنافسين الأكبر للشركة بأنهم "مكلفون للغاية"، وبما أن العمل يأتي من العملاء بناء على مناقصات، فإن السعر سوف يجري تحديده تبعاً لكل حالة، أما عن خدمة الشركة فهي واضحة ويمكن أن تحددها بوجه عام.
من أجل رفع تفكير الفريق التنفيذي إلى مستوى تصميم الاستراتيجية، وظفت أسلوباً استخدمته في الماضي لتحقيق المكاسب. وطرحت السؤال التالي: "ما هو الموقع الذي تتخذه مؤسستك فيما يتعلق بخدمة العملاء؟". يجري اختيار صياغة السؤال والتأكيد عليه عن قصد، ذلك من أجل الانتقال بالتفكير بعيداً عن الإجراء الفردي.
وكان رد الفريق هو التالي: "إن الخدمة المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحددة لكل عميل تتضمن مزيجاً فريداً من التخطيط لمرحلة ما قبل السريرية مع تجنب العوائق التنظيمية لتنسيق عملية الموافقة على المنتج". أتاحت فترات الإنجاز المختصرة، التي تسبق الموافقة، للعملاء تسويق منتجاتهم في وقت أقرب، ما منحهم ميزة "الرائد الأول" في الأسواق التي يعملون فيها، وتحقيق تدفقات على الدخل من منتجاتهم في وقت أبكر بكثير.
يمكن أن يكون السعر المنخفض والخدمة المحسنة مزيجاً يتغلب على المنافسين، وقد ثبت أن هذا هو الحال، فقد اكتسبت الشركة ميزة تنافسية هامة جداً مقارنة بمنافسيها. وانطلقت من قاعدة صغيرة نسبياً مقارنة بالمنافسين الأكبر حجماً، إذ يفيد الرئيس التنفيذي عن "نمو مبيعات سنوي بنسبة 28% خلال السنوات الثلاث الماضية".
وفي نهاية الحديث عن العمل التنفيذي والاستراتيجية لدى الشركات، استعداداً لعملية التخطيط لاستراتيجيتك المقبلة، عليك إدراك أن الاستناد إلى الفرق الأساسي بين تصميم الاستراتيجية وتطبيقها هو مستوى التحليل الذي يجب أن تقف عنده. على الرغم من أن معظم المشاركين قد يكونوا غير مدركين لذلك، يعدّ هذا المفهوم أحد أهم المفاهيم وأكثرها منفعة في مجال العلوم الاجتماعية. يعمل تصميم الاستراتيجية على مستوى المؤسسة، بينما تطبيق الاستراتيجية يعمل على المستوى الفردي. إذا لم تميز هذا، فسوف ترتكب الخطأ الذي رأيته في عملي مع العديد من العملاء، إذ إنك ستخلط بين الإجراء الفردي وتصميم الاستراتيجية، وقد يكون هذا كارثياً.
اقرأ أيضاً: