وصف الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الصناعية الكبرى مؤخراً إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها "الإدارة الأكثر دعماً لقطاع الأعمال منذ عهد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة". ويعد هذا الاعتقاد شائعاً لدى قطاع الأعمال والشركات الأميركية، لدرجة أن هذا الاعتقاد بات يؤثر في سوق الأسهم والأوراق المالية. وفي حين أن هناك بعض المتفائلين بإمكانية إجراء إصلاح ضريبي للشركات أو تطبيق الخطة الاستثمارية (الموعود بها سابقاً) بقيمة تريليون دولار في البنى التحتية، فمن المرجح أنهم يشيرون بذلك إلى التخفيف من ضوابط التشريعات التنظيمية للعديد من القطاعات، مثل قطاع الوقود الأحفوري أو المناجم أو صناعة الأسلحة أو القطاع المالي ويعتبر ذلك من الأمور المستحسنة للشركات والقطاع التجاري. ولكن دعم قطاع الأعمال بهذه الطريقة التي ستؤدي إلى هبوط حاد في الضمانات الصحية والبيئية والمجتمعية المقدمة لنا هو دعم بالمفهوم الضيق للكلمة، وإيجابياته لن تدوم على المدى الطويل.
بالطبع، قد تكون هذه الضوابط التنظيمية مرهقة وغير عملية في بعض الأحيان. في الوقت الذي نمت فيه هذه الضوابط وانتشرت في العديد من مجالات الأعمال، كانت كلفة تطبيقها مرتفعة، كما أنها حدّت من الابتكار. لكنها موجودة عموماً لأسباب وجيهة. فالمبادئ التوجيهية المصممة بإتقان لقطاع الأعمال والشركات كفيلة بحماية مواردنا المشتركة والأشخاص (وبيئات العمل) غير القادرة على حماية نفسها.
تأتي هذه الفكرة القائلة إن الإجراءات والضوابط تعد من السلوكيات المعادية لتطور الأعمال، من مفهوم خاطئ مفاده أن الشركات تنشط في بيئة أعمال معزولة عن عالم يحتاج إلى هواء نقي وموارد مائية نظيفة أو مناخ مستقر يمكن العيش ضمنه، أو أنه يمكن لهذه الشركات الازدهار دون وجود مجتمع صحي ومتعلم، يتمتع بمصادر آمنة للغذاء والدواء. وفي هذا الصدد، يشير وليام روكيلسهاوس، الرئيس السابق لـ "وكالة حماية البيئة الأميركية" في عهد الرئيسين الجمهوريين نيكسون وريغان، إلى أن "وجود آلية تنظيمية قوية موثوق بها يعد أمراً ضرورياً وأساسياً لدفع عجلة الاقتصاد للعمل بسلاسة".
ولنستكشف الآن تأثيرات أحد أبرز الأمثلة على تخفيف ضوابط التشريعات التنظيمية في قطاع الأعمال: خفض معايير كفاءة استهلاك الوقود في قطاع السيارات. في خطاب ألقاه في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية، أشار الرئيس الأميركي ترامب إلى أنه، كما طلبت الشركات المصنعة للسيارات، سيطلب من "وكالة حماية البيئة" و"وزارة النقل" الأميركية مراجعة معايير كفاءة استهلاك الوقود الموافق عليها مسبقاً. وقد تستغرق هذه العملية بعض الوقت، ولكن من الواضح أنها ستقوض الهدف المتمثل في جعل السيارات المصنعة تقطع 54,5 ميلاً في الغالون الواحد بحلول العام 2025، حيث قال ترامب: "انتهت فترة الهجوم على قطاع صناعة السيارات الأميركية".
وقد يوفر هذا الخفض لمعايير كفاءة استهلاك الوقود على شركات تصنيع السيارات بعض التكاليف على المدى القصير، وذلك ستصفه الصحافة على أنه "نصر" لصالح عمالقة هذا القطاع، إلا أن ذلك لن يدوم طويلاً. وسيكون لهذا الأمر تبعات عديدة، وأولها أنه سيحد من قدراتها التنافسية، خاصة أن بقية الدول حول العالم ستواصل في تعزيز معاييرها في هذا الصدد، مثل الصين واليابان و"الاتحاد الأوروبي" الذين لديهم أهداف مماثلة بل وأفضل. وفي ظل توجه الطلب في أغلب أسواق السيارات نحو السيارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، كيف يمكن لإبطاء التقدم في هذا المجال أن يساعد شركات تصنيع السيارات في الولايات المتحدة؟
إضافة إلى ذلك، فإن هذه صفقة سيئة لجميع الأطراف الأخرى. ماذا عن الموردين الذين يصنّعون قطع الغيار للسيارات الأكثر كفاءة أو الكهربائية؟ والقطاعات الأخرى خارج سلسلة القيمة لقطاع السيارات، حيث تسعى الشركات فيها لتعزيز التطور المستمر في تحقيق الكفاءة في استهلاك الوقود؟ ماذا عن عمالقة خدمات الدعم اللوجستي مثل "فيديكس" و"يونايتد بارسل للخدمات"، اللتين تنفقان مليارات الدولارات على الوقود، وبالتالي فهم من أكثر المهتمين باستخدام التقنيات الجديدة التي تحسّن كفاءة استهلاك الوقود لمركباتها. يعتمد الاقتصاد بأكمله في الحقيقة على الوسائل الفعالة التي تعزز من حركة البضائع والأشخاص بكفاءة عالية. فضلاً عن المدراء التنفيذيين لعدد من أكبر شركات الأغذية الذين سلطوا الضوء في أكثر من مناسبة على التهديدات والمخاطر التي تواجه سلاسل التوريد الخاصة بهم بسبب أسعار الطاقة المتقلبة والتغير المناخي (الذي يعزى جزء منه لانبعاثات السيارات). أما فيما يتعلق بالمستهلكين، فهم ينفقون أقل على الوقود في السيارات الأكثر كفاءة، وبالتالي أكثر توفيراً للمال والتمتع بأسلوب حياة صحي مع جودة هواء أفضل. بالإضافة إلى أن دراسات "وكالة حماية البيئة" تظهر أن صافي المنافع العائدة على المجتمع عند الالتزام بالمعايير الأعلى تبلغ 100 مليار دولار.
وفي الختام، فإن معايير الانبعاثات الحالية، والتي صادقت عليها شركات تصنيع السيارات علنية قبل عدة سنوات، ستسهم في تحقيق أكبر انخفاض في مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة في التاريخ. وهذا أمر مهم لجميع الشركات، خاصة شركات تصنيع السيارات، وذلك لأسباب عديدة قد لا يدركونها في الوقت الحالي. وبمعنى أوضح، لن يشتري الأشخاص الذين يعيشون في أماكن تغمرها الفيضانات بانتظام الكثير من السيارات. وإذا كان التغير المناخي يهدد استقرار العالم، فلن يكون الاقتصاد والشركات بمعزل عن هذا العالم وما قد يصيبه.