لماذا لن يجعل خفض الضرائب من أميركا مكاناً أكثر إبداعاً

5 دقائق

بينما ينظر الكونجرس الأميركي المقترح المتعلق بالضرائب المُقدم من الجمهوريين، دارت الكثير من النقاشات حول الكيفية التي يمكن أن يؤثر بها هذا المقترح على الابتكار. ويحتج أنصار المقترح بأن الضرائب الأقل ستزيد استثمارات الشركات، ويزعم نقاده أن مشروع القانون سيلحق ضرراً بالجامعات البحثية وأن مشروعات القانون بنصها الحالي ستبطل الإعفاء الضريبي للبحث والتطوير في الشركات.

لكن أثر مشروع القانون الضريبي في الابتكار لن يعتمد فقط على القواعد الخاصة بالجامعات أو أقسام البحث والتطوير في الشركات وحدها. وكما ذكَّرتنا دراستان حديثتان، فاحتمالية أن يرقى المخترعون المستقبليون لمستوى إمكاناتهم تعتمد على العديد من العوامل، لا على قدراتهم فقط، وإنما أيضاً على البيئة التي ترعرعوا فيها ودخول آبائهم وجودة الخدمات العامة التي حصلوا عليها، خاصةً التعليم في مجاليْ العلوم والرياضيات والوضع الصحي لمجتمعاتهم. وهذه الأمور تعتمد على السياسة العامة، بما في ذلك الضرائب. ويوحي ثقل الدليل القائم بأن الطريقة الأكثر فاعلية لخلق مبتكرين جدد تكمن في الحد من الفقر، وتحسين الحراك الاجتماعي، وضمان أن عدداً أكبر من المجتمعات يمكنها الإشارة بالبنان إلى مبتكرين من بني جلدتها ليتأسى بهم أطفالها. ولا يوجد سبب وجيه للاعتقاد أن مشروع قانون الضريبة سيكون مُعِيناً على أي صعيد من تلك الأصعدة.

في بحث حديث، أجراه فريق من الباحثين ضمن مشروع "المساواة في الفرص"، بقيادة ألكسندر بيل (Alexander M. Bell) من "جامعة هارفارد"، درسوا خلاله أكثر من مليون مخترع في الولايات المتحدة، بغية الوقوف على العوامل التي تحدد أيهم الذي سيتقدم بطلب لتسجيل براءة اختراع، ومَن الذي لن يفعل. وخلص الباحثون، كما هو متوقع، إلى أن "هناك تفاوتات كبيرة في معدلات الابتكار بحسب الشرائح الاجتماعية-الاقتصادية"، وهو ما يُستدل عليه من هذا الرسم البياني:

بافتراض تكافؤ العوامل الأخرى كلها، من المرجح كثيراً أن يسعى الطلاب المتفوقون إلى التقدم بطلب تسجيل براءة اختراع. لكن العوامل كلها ليست متكافئة. "فالأطفال الذين يندرج أباؤهم ضمن نسبة 1% الأعلى في توزيع الدخل من المرجح أن يصبحوا مخترعين أكثر عشر مرات مقارنة بالأطفال الذين يندرج أباؤهم ضمن فئة الدخول الأقل من المتوسطة"، هكذا كتب الباحثون في ملخص بحثهم، وهذا الأثر يستحيل تفسيره بقدرات الطالب. "فارتقاء المرء إلى مرتبة المخترع في أميركا يعول على أمرين: التفوق في الرياضيات والعلوم، والانتماء إلى عائلة ثرية". والأهم من ذلك أن الفريق البحثي اكتشف فجوات شبيهة، وإن كانت أقل تطرفاً نوعاً ما، بحسب العرق والنوع الاجتماعي.

واكتشف البحث أيضاً دليلاً على أن المجتمع الذي نشأتَ في كنفه هو الذي يحدد احتمالات اختراعك شيئاً ما. فحص بيل وزملاؤه ما إذا كان الأفراد أكثر قدرة على تسجيل براءات اختراعهم في مجالات مُمثلة تمثيلاً جيداً في المكان الذي نشؤوا فيه لا في المكان الذي يعيشون فيه بعد أن بلغوا رشدهم. وكتب الباحثون ما نصه: "من بين الذين يعيشون في بوسطن، تبين أن الذين نشؤوا تحديداً في وادي السيليكون من المرجح أن يسجلوا براءات اختراع في مجال الحواسيب، بينما الذين نشؤوا تحديداً في مدينة مينيابوليس - التي تحوي الكثير من شركات تصنيع الأجهزة الطبية - من المرجح أن يسجلوا براءات اختراع في مجال الأجهزة الطبية". و"من المرجح أن يبتكر النساء في نوع محدد من التقنية إذا ترعرعن في منطقة تزخر بعدد كبير من المخترعات من هذا النوع".

وثمة أدلة أخرى على أن الظروف الاجتماعية تشكل احتمالية أن يصبح المرء مخترعاً، تم استخلاصها من بحث حديث آخر لفيليب آغيون وزملائه من مؤسسة "كوليدج دى فرانس" (College de France)، يفحص بيانات خاصة بالرجال في فنلندا. (وهم يدرسون الرجال لأنهم يستخدمون بيانات حاصل الذكاء المتاحة من عملية التجنيد الإجباري للجيش الفنلندي). ولقد اكتشفوا هم أيضاً أن من المرجح كثيراً أن يصبح أطفال الآباء الأثرياء مخترعين، وكذلك أطفال الآباء الحاصلين على تعليم عالٍ. ويصح ذلك أيضاً حتى بعد وضع حاصل ذكاء الأطفال في الحسبان.

وهذا لا يعني أن دخل الآباء أو المكانة الاجتماعية- الاقتصادية تحدد بالكامل مَن الذي يصبح مخترعاً. على العكس تماماً. الواقع أن آغيون وزملاءه اكتشفوا أن الرجال الذين يتمتعون بحاصل ذكاء عالٍ في فنلندا من المرجح أن يسجلوا براءات اختراع، مقارنةً بالرجال ذوي حاصل الذكاء الأقل، حتى بعد أن وضعوا في الحسبان دخل آبائهم ومستوى تعليمهم. وكتبوا ما نصه: "[إن أثر حاصل الذكاء] في احتمالية الاختراع... يكاد يُقدر بخمسة أضعاف احتمالية الانتماء إلى والد يملك دخلاً عالياً".

ومع ذلك، يسلط البحثان الضوء على العدد الكبير من المخترعين المُفتَقدين. وأعني هؤلاء الذين من الأرجح أن يبادروا بالاختراع لو نشؤوا في ظروف مختلفة. اكتشف آغيون وزملاؤه أن تسجيل براءات الاختراع حكر على الأشخاص ذوي حاصل الذكاء العالي جداً، لكنهم يقترحون أن "نسبة ضئيلة إيجابية من ذوي حاصل الذكاء العالي جداً يحققون أداءً متدنياً كمخترعين محتملين نظراً لخلفية آبائهم المتدنية". ويأسى بيل ومعاونوه على "المخترعين العباقرة المُفتقدين" في أميركا، ويرون أنه "لو قُدر للنساء والأقليات والأطفال الذين ينتمون إلى أسر محدودة الدخل أن يخترعوا بالمعدل ذاته الذي يخترع به الرجال البيض أبناء أسر عالية الدخل (نسبة 20% الأعلى دخلاً)، لتضاعف معدل الابتكار في أميركا أربعة أضعاف عما هو عليه الآن".

فما المطلوب لسد تلك الفجوات؟ ربما لم تكن الإجابة تتمثل في الضرائب الأقل. وليس السبب أن الحوافز المالية غير مهمة لجميع المخترعين. بل هي مهمة. ثمة دراستان حديثتان اكتشفتا أن معدلات الضريبة لها أثر في الأماكن التي يقع اختيار المخترعين على العيش فيها، مع أن جسامة الأثر اختلفت اختلافاً كبيراً بين الدراستيْن. ولكن، على الرغم من أن الضرائب الأقل ربما كانت وسيلة لجذب المخترعين الحاليين، ما زال فريق بيل يرتاب في أن تلك الضرائب هي الوسيلة الأكثر فاعلية لإنجاب مخترعين جدد. فمن ناحية، تنبع الطفرات العلمية من مجموعة صغيرة نسبياً من الأشخاص، ومن ثم، فإن منافع التخفيضات الضريبية واسعة النطاق ستعود غالباً على الآخرين. ومن ناحية أخرى، فقد حصل أبرز المخترعين على تعويضات عظيمة بالفعل - فالمخترعون الذين تندرج براءات اختراعاتهم ضمن نسبة 1% الأعلى من الاستشهادات في البحوث العلمية يجنون أكثر من مليون دولار سنوياً في المتوسط - ومن ثم، بحسب تخمين الباحثين، قد يكونون أقل استجابةً للتغييرات الطارئة على السياسة الضريبية.

وبدلاً من ذلك، يقترح فريق بيل "التركيز على السياسات التي تستغل المواهب غير المستغلة في تلك الفئات، بإتاحة مساحة أكبر لها للابتكار"، وأن "تحسين الفرص المتاحة للأطفال الأقل حظاً ربما كان ذا قيمة عظيمة، لا لتقليص أوجه التفاوت فقط، وإنما للتشجيع على المزيد من الابتكار والنمو".

ربما كان للسياسة الضريبية، في هذا السياق تحديداً، الأثر الأكبر في الابتكار. إن إتاحة فرص أكثر إنصافاً يقتضي، من بين أشياء أخرى، سياسات عامة: مدارس أفضل وضماناً صحياً ميسوراً بقدر أكبر، ووظائف ذات أجور أعلى من الحد الأدنى للمعيشة، وشبكة أمان اجتماعي سخية. على سبيل المثال، كشفت الأبحاث عن أن برامج الرعاية الاجتماعية تزيد عدد الأشخاص الذين يؤسسون شركات جديدة، وذلك بتوفيرها شبكة الأمان المالي الضرورية للإقدام على المخاطر. ويقترح البحث السالف مناقشته أن شيئاً مثيلاً يمكن أن ينطبق على الجيل التالي من المخترعين.

فأميركا تمول هذه البرامج بواسطة الإيرادات الضريبية. ولو كان الأثر النهائي لمشروع قانون الضريبة على مستقبل أميركا يعتمد على كيفية تأثيره على الابتكار، فإن هذا بدوره لن يعول فقط على الحوافز الضريبية التي يقدمها المشروع للمخترعين، وإنما أيضاً على البرامج الاجتماعية التي تقرر الولايات المتحدة ألا تمولها نتيجة لذلك.

وحتى لو استبعدنا البرامج الاجتماعية، يقترح البحث بقوة أن أطفال الأسر الأكثر ثراءً من المرجح أن يصبحوا مخترعين. ومع ذلك، فأفضل تقديرات مشروع قانون الضريبة توحي بأنه في غضون عقد من الزمان سيشهد خُمس الأميركان الأكثر فقراً تراجعاً في صافي دخولهم. سيجعل مشروع القانون هذا أميركا أقل مساواة مما هي عليه الآن، ونتيجة لذلك سيفشل عدد أكبر من المخترعين المرتقبين في تحقيق إمكاناتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي