كيف يتحول السلوك غير الأخلاقي إلى عادة

3 دقيقة
خطورة السلوكيات غير الأخلاقية
shutterstock.com/kovalto1

ملاحظة من المحرر: تستند هذه المقالة إلى بحث أكاديمي تم التراجع عنه وسحبه بتاريخ 4 أغسطس/ آب 2023.

عندما اعتقل السكرتير الشخصي لأحد زبائننا بجرم الاختلاس قبل سنوات من الكشف عن جرائمه، علّق هذا الزبون الشهير الذي لم يكن سوى بيرني مادوف (Bernie Madoff)، على اعتقال سكرتيره قائلاً: "تعلمون كيف تسير الأمور، تبدأ مع أخذ القليل، ربما بضع مئات أو بضعة آلاف، ثم تشعر بالارتياح إزاء ذلك، وقبل أن تدرك أي شيء، تكتشف بأن الأمر قد تحول إلى كرة ثلج تبدأ بالانتفاخ ويكبر حجمها". فماذا عن خطورة السلوكيات غير الأخلاقية في العمل؟

اقرأ أيضاً: 5 إشارات تدل على أن مؤسستك تتجه نحو فضيحة أخلاقية

ولكن ما نعرفه الآن هو أن مخطط مادوف بدأ عندما أخذ يصدر تقارير خاطئة بغية التغطية على خسائره المالية الصغيرة نسبياً، وعلى مدار 15 عاماً، كان هذا السلوك الاحتيالي ينمو بوتيرة مستمرة، ليصل حجم ما اختلسه في نهاية المطاف إلى أكثر من 65 مليار دولار. واتخذت العديد من الفضائح التجارية الكبرى في السنوات الأخيرة مساراً مشابهاً: فقد تآكل السلوك الأخلاقي للأشخاص المتورطين في تلك الفضائح مع مرور الزمن.

بالتأكيد قلة منا فقط ستنحدر إلى مستوى الجريمة التي اقترفها مادوف، لكننا جميعاً معرّضون لسلوك الطريق المنحدر ذاته. وعلى الأرجح يبدأ الأمر ببعض الحماقات الصغيرة كأن نأخذ بعض القرطاسية المكتبية إلى المنزل، أو نبالغ في تقارير المسافات التي قطعناها بالسيارة لنحصل على تعويض مالي أكبر، أو قد نطالب المؤسسة بسداد فاتورة غداء شخصية في المطعم زاعمين بأنه كان غداء عمل.

خطورة السلوكيات غير الأخلاقية

تدعم الأبحاث التي أجريناها هذا النوع من البراهين التي يوردها الناس على شكل قصص مروية. فقد اكتشف اثنان منا نحن الثلاثة، أن الناس الذين تواجههم فرص متنامية للتصرف بطريقة لا أخلاقية هم أكثر ميلاً إلى إعطاء تبرير منطقي لهذا السلوك مقارنة مع الأشخاص الذين يتعرضون إلى تغيّر مفاجئ.

وهذا بدقة ما توصلنا إليه: ففي إحدى الدراسات، لجأ 50% من المشاركين في تجربة، والذين أعطوا سلسلة من المهام لحل مشكلات معينة، إلى الغش لكسب ربع دولار لكل مهمة في الجولة الأولى، بينما غش 60% لكسب دولارين ونصف الدولار عن كل مشكلة في الجولة النهائية، أما بالنسبة للمشاركين الذين كانوا في المجموعة الثانية والتي تعرضت إلى تغير مفاجئ والذين لم يتمكنوا من الغش خلال الجولتين الأوليتين كانوا أقل استعداداً لممارسة غش كبير لكسب دولارين ونصف الدولار لكل مشكلة في الجولة النهائية (لجأ 30% منهم فقط إلى الغش).

اقرأ أيضاً: كيف نحقق التوازن بين القرار الاستراتيجي بتحقيق الأرباح ومعايير الأخلاق؟

هذا يشير إلى أن الموظفين قد ينظرون إلى المبالغة القليلة في تقارير المسافات التي قطعوها في سياراتهم لزيادة تعويضاتهم على أنها مجرد "تقريب أرقام". لكن تقديم تبرير منطقي لبعض الارتكابات الثانوية يؤثر في النهاية على كيفية إدراكهم للسلوك الأسوأ الذي يتفاقم بشكل مطرد وقد يقودهم إلى ارتكاب جنايات أكبر، (مثل تحميل مصاريف سفرهم الشخصية لرب عملهم، على سبيل المثال)، وهو أمر لم يكونوا ليفعلوه بداية. وما يفاقم الأمر أكثر هو أن الناس أكثر ميلاً إلى التغاضي عن السلوك غير الأخلاقي للآخرين عندما يتدهور تدريجياً مع مرور الوقت.

إن الافتراض القائل بأن السلوك غير الأخلاقي في مكان العمل هو نتاج عدد من التفاحات المعطوبات، أي حفنة من الأشخاص السيئين فقط، قد أعمى العديد من المؤسسات عن رؤية حقيقية أننا جميعاً عرضة للتأثر سلباً بالظروف المحيطة بنا، حتى عندما نكون من بين أولئك الذين يهتمون كثيراً بموضوع النزاهة والاستقامة. ومع ذلك، ينبغي أن تكون المقاربات الرامية إلى تحاشي المشاكل الزلقة جذرية. وفي كتابهما المعنون: "التنبيه: تحسين القرارات المتعلقة بالصحة والثروة والسعادة" (Nudge: improving health, wealth and happiness decisions)، يوضح ريتشارد ثالر، وكاس سانستين، كيف أن نكزة صغيرة وغير مؤلمة بمرفق اليد في الاتجاه الصحيح قد تقود الناس إلى الأكل بطريقة أفضل، وتوفير المزيد من المال ليدخروه لشيخوختهم، والحفاظ على الطاقة.

اقرأ أيضاً: الثمن الذي ندفعه بسبب الممارسات غير الأخلاقية

وبالمثل، تشير أبحاثنا حول خطورة السلوكيات غير الأخلاقية إلى أن "التنبيه" أو "الترغيب" الأخلاقي يمكن أن تساعد الناس على تحاشي أنماط سوء السلوك التي قد تضعهم في أعلى منحدر منزلق. على سبيل المثال، في دراسة أجريت مع شركة تأمين أميركية كبيرة، اكتشفت فرانشيسكا وزملاؤها أن الزبائن الذين وقّعوا على عبارة "أعد بأن المعلومات التي أقدمها صحيحة" قبل رفع تقريرهم السنوي حول المسافات التي قطعوها بسياراتهم –أي عندما كانت العبارة موضوعة في أعلى الصفحة– كانوا أكثر صدقاً في تقاريرهم مقارنة مع الأشخاص الذين قدموا تقاريرهم أولاً ومن ثم وقعوا في أسفل الصفحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي