الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

4 خطوات من علم السلوك لتُصبح قائداً يُقتدى به

6 دقيقة
أثر ناقل المعلومة
shutterstock.com/izzuanroslan

يؤدي القادة دوراً محورياً خلال الأزمات، وقد خضعت فترات الأزمات لأبحاث ودراسات مكثّفة، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على وضوح الرسالة ومصداقيتها، وهو ما شهدناه بأنفسنا خلال المرحلة الأخيرة من جائحة كوفيد-19 عندما بادر الكثير من رؤساء الحكومات والمؤسسات ليكونوا أول من يتلقى اللقاح في محاولة لتشجيع الناس على تلقيه وتبديد الإشاعات حول آثاره السلبية المحتملة، وهو ما نسميه في علم السلوك "أثر ناقل المعلومة" (The Effect of Messenger) الذي يشيع استخدامه في السياسات العامة لتوجيه الأفراد نحو اتباع تصرفات تعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعاتهم، مثل تشجيع الناس على الادخار واتباع سلوكيات مستدامة بيئياً والالتزام بقوانين المرور، كما يُستخدم في سياق الصحة العامة لتقديم نموذج يُحتذى به في اتباع نمط حياة صحي وتشجيع السلوكيات الهادفة للحفاظ على الصحة، مثل الإقبال على تلقي اللقاحات. باختصار: يتأثر الإنسان إلى حدٍّ بعيد بمَن ينقل إليه المعلومة.

وقد استُخدمت تقنيات مستندة إلى علم السلوك تتضمن "أثر ناقل المعلومة" لزيادة فرص قبول التدابير الصعبة التي طرحها قادة المؤسسات، وهي التدابير التي أصبحت شائعة بعد الأثر الاقتصادي غير المسبوق لجائحة كوفيد-19 على المؤسسات والموظفين بمختلف دول العالم. في ذلك الحين، راحت شركات كثيرة تحاول جاهدة احتواء التداعيات الاقتصادية للجائحة، ما دعاها إلى اتخاذ تدابير تقشفية مشدَّدة، من أكثرها شيوعاً خفض رواتب الموظفين ومخصصاتهم (مؤقتاً).

أُجريت تجربة حديثة نُشرت في مجلة العلوم السلوكية (Behavioral Sciences Journal) تطرقت إلى الجوانب السلوكية التي تؤثر في استعداد الموظفين المغتربين لقبول خفض الرواتب (مؤقتاً). يدور فحوى التجربة حول رسالة صادرة عن رئيس تنفيذي يعلن فيها لموظفيه أن المؤسسة تواجه صعوبات اقتصادية وستضطر إلى خفض الرواتب بنسبة 20% لمدة لا تقل عن 6 أشهر إلى أن تظهر مؤشرات واضحة على تعافي القطاع الذي يعملون فيه.

أُضيفت 5 تقنيات تهدف إلى تغيير السلوك (BCTs) على نحو إيجابي إلى رسالة الرئيس التنفيذي. أثبتت هذه التقنيات فعاليتها في أبحاث سابقة وخضعت للاختبار في بيئة تجريبية لقياس أثرها في قبول الموظفين للرسالة. تضمنت التقنية الأولى (المعلومات/الشرح) جملة تشرح بالتفصيل دواعي خفض الرواتب، بينما أشارت التقنية الثانية (القدوة) تحديداً إلى أن الإدارة العليا ستتحمل خفض رواتب أفرادها بنسبة أكبر (30% مقارنة بنسبة الخفض البالغة 20% المطلوب من الموظفين تحمُّلها)، في حين انطوت التقنية الثالثة (العواقب السلبية) على جملة تشير إلى أن فقدان الوظائف سيكون أمراً لا مفر منه في حال رفض الإجراءات التقشفية، أما التقنية الرابعة (التعاطف) فتضمنت تعبير الرئيس التنفيذي عن أسفه لاتخاذ هذا القرار، وأخيراً قدّمت التقنية الخامسة (الدعم الاجتماعي) تفاصيل التواصل المباشر مع قسم الموارد البشرية (رقم هاتف) وعرضت توفير التواصل مع مختص مالي إذا لزم الأمر.

كان الهدف الرئيسي من الدراسة محاولة تكوين فكرة أوضح عن أثر التواصل القائم على السلوكيات، أي المستند إلى أسس علم السلوك، ضمن رسالة الرئيس التنفيذي وقدرته على زيادة استعداد الموظفين المغتربين لقبول قرار خفض الرواتب.

وقد أثبتت النتيجة الرئيسية أهمية القيادة وأثرها الكبير في قبول القرارات الصعبة؛ إذ كان المشاركون في التجربة أكثر استعداداً لقبول خفض الرواتب حينما علموا أن مسؤولي الإدارة العليا تحملوا خفض رواتبهم بنسبة أكبر مما طُلب منهم، ولكن ثمة جوانب دقيقة تستحق التوقف عندها، خاصة في ضوء التفاوت في أثر تقنيات تغيير السلوك المختلفة؛ فعلى الرغم من أن أثرها كان إيجابياً عموماً، لم تكن الرسائل السلوكية كلها ذات دلالة إحصائية مؤثرة؛ إذ كان أثر تقنية "القدوة" الاستثناء الوحيد بحيث تأكدت أهميتها إحصائياً عند مستوى 5%، في حين لم تصل التقنيات الأخرى إلى المستوى نفسه من الدلالة الإحصائية؛ فلم تُظهِر جملة "المعلومات/الشرح" على وجه التحديد أثراً ملحوظاً في استعداد المشاركين لقبول قرار خفض الرواتب، لكن الجُمَل الثلاث الأخرى ("العواقب السلبية" و"التعاطف" و"الدعم الاجتماعي") كانت جميعها ذات أثر إيجابي عموماً، على الرغم من أنها لم تؤدِّ إلى زيادة ملحوظة في استعداد المشاركين لقبول قرار خفض الرواتب. وإليك التفسيرات المحتملة لهذه النتائج والتفاوت في أثر تقنيات تغيير السلوك المختلفة:

أولاً، كانت تقنيات تغيير السلوك التي خضعت للاختبار في هذه التجربة تستند إلى أدلة من حالات مشابهة، وتحديداً تقنية تغيير السلوك المستخدَمة لمواجهة مشكلات تحتاج إلى استجابة فورية، مع توقع تحقيق فوائد إيجابية على المدى البعيد. ومع ذلك، كانت الحالة الحالية لقبول قرار خفض الرواتب فريدة إلى حدٍّ ما، حيث تضمّنت مطالبة الموظفين بالتخلي عن جزء من الراتب مقابل الاحتفاظ بوظائفهم. تفسر هذه الظاهرة السبب الذي جعل تقنية "القدوة" حالة استثنائية وذات دلالة إحصائية مؤثرة، بينما لم تكن التقنيات الأخرى كذلك، على الرغم من أنها كانت جميعها ذات أثر إيجابي عموماً. ولا يزال المبدآن الذهبيان التوأمان في علم السلوك صالحين للتطبيق أكثر من أي وقت مضى، وهما أهمية 1) السياق 2) التجريب للتمييز بين الأساليب أو الاستراتيجيات الفعالة وغير الفعالة.

ثانياً، وربما أهم نتائج هذه الدراسة: تأكيدها أن سلوكيات الإدارة العليا تُحدث فارقاً فيما يتعلق باستعداد الموظفين المغتربين لقبول قرار خفض الرواتب؛ فقد كشفت الدراسة بوضوح أن الموظفين أكدوا عند سؤالهم مباشرة ضرورة إظهار القيادة استعدادها لتحمُّل نصيبها في تَبِعات القرار وخفض رواتب أفرادها بنسبة مماثلة لتلك التي يتحملها الموظفون أنفسهم أو بنسبة أكبر منها.

وتؤكد نتائج الدراسات السابقة فكرة أن العلاقة الوطيدة بين قيادة الشركة والموظف تُعزِّز قدرته على تحمُّل قرارات قد يعتبرها انتهاكاً لحقوقه، مثل خفض الراتب. في الواقع، تسهم العلاقة الوطيدة والثقة المتبادلة بين إدارة الشركة والموظف في قبول إجراءات قد يعتبرها انتهاكاً غير مقبول لتوقعاته أو "العقد النفسي" بينه وبين الشركة. وهذا يعني أن الموظف قد يكون أكثر استعداداً لقبول التغييرات السلبية، مثل خفض الراتب، إذا لمس من خلال تجاربه السابقة مع إدارة الشركة أنها تمنحه التقدير المناسب. وتأكيداً لهذه الفكرة، فقد أثبتت دراسة أجراها أوزبورن وآخرون أن أعضاء هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا الذين شعروا بأنهم يلقون معاملة لائقة كانوا أقل اعتراضاً على خفض الرواتب مقارنة بمَن شعروا بأن الإدارة لا تعاملهم على النحو اللائق.

يؤدي الإنصاف دوراً مهماً أيضاً في هذا السياق؛ إذ يُبدي الموظف الاستعداد لقبول قرار خفض الرواتب إذا كانت الشركة تمر بأزمة مالية، ما يعكس مفهوم "الاستحقاق المزدوج" (Dual Entitlement) الذي طرحه كانيمان وآخرون الذي يشير إلى التوازن بين توقعات الموظف وإدارة الشركة بشأن المعاملة المنصفة. بعبارة أخرى، يُبدي الموظف استعداداً أكبر لقبول قرار خفض الراتب في الحالات التي تواجه فيها الشركة نفسها ضغوطاً مالية، وإذا رأى أن الضغوط المالية التي تواجهها المؤسسة حقيقية، كما أن الشعور بالإنصاف في توزيع الأعباء (مثل خفض رواتب الإدارة العليا بنسب أكبر) يُعزز استعداد الموظف لقبول التغيير.

أحد الإسهامات الرائدة لهذه الدراسة أنها قدمت نهجاً جديداً في علوم السلوكيات إلى مجال إدارة الموارد البشرية، بهدف تكوين فهم أعمق لهذه القضية تحديداً والعوامل العديدة التي تؤثر في عملية صناعة الموظف للقرار. ويمثل التركيز على مجموعة مستهدفة معينة في هذا السياق، وهي مجموعة الموظفين المغتربين بدولة غير غربية، وتحديداً إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، حدثاً استثنائياً إلى حدٍّ بعيد؛ فغالباً ما تُجرى الأبحاث المتعلقة بموضوعات إدارة الموارد البشرية في بيئات غربية تركز على موظفين من مواطني الدولة نفسها.

خلاصة القول: ثمة أهمية كبيرة لأسلوب القيادة، خصوصاً خلال الأزمات، وتتلخص أسباب أهميته فيما يلي:

أولاً: حين يقدم القائد نموذجاً يُحتذى به ويؤدي دوراً أساسياً في تشكيل الطابع الثقافي بالمؤسسة من خلال تجسيد القيَم في أفعاله وتصرفاته، فإنه يعزز الالتزام الجماعي ويشجع الموظفين على التوافق مع قيم المؤسسة، ما يساعد على بناء ثقافة قادرة على التصدي للمواقف والتحديات الصعبة. فعندما يرى الموظف قادته يقدمون التضحيات بأنفسهم، سيصبح أكثر استعداداً لقبول فكرة تقديم تضحيات مماثلة.

ثانياً: يمثل القادة رموزاً مهمة داخل المؤسسة، وتؤثر تصرفاتهم بقوة على الموظفين. وحين يتحمّل القادة علناً الأعباء نفسها التي يطلبون من فرقهم تحمُّلها، فإنهم يعززون مصداقيتهم ويظهرون الالتزام والاتساق. يشكّل هذا التوافق الرمزي عنصراً أساسياً لتوطيد أُسس الثقة ورفع المعنويات، خاصة خلال الأزمات، إضافة إلى تعزيز مصداقية القائد.

ثالثاً: حين يقدم القائد نموذجاً يُحتذى به ويتحمّل نصيبه في التضحيات التي يطلب من فريقه تحمُّلها، سيعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة والوحدة بين أفراد الفريق. إذ يُرسي التوزيع العادل للأعباء أسس الثقة المتبادلة والقدرة على التحمُّل على المدى البعيد، ما يجعل التغيير يبدو جهداً جماعياً بدلاً من أن يكون عبئاً مفروضاً على البعض فقط.

ما الذي يستطيع القائد فعله، إذاً، عندما يضطر إلى إبلاغ موظفي مؤسسته أو أعضاء فريقه بأن عليهم تقديم "تضحيات" صعبة (ودعونا نستشهد هنا بمثال عملي لإقرار سياسة جديدة تقتضي إلزام الموظفين بالعودة إلى المقرات المكتبية التي يعتبرها معظم الموظفين نوعاً من التنازل عن حق مُكتسَب)؟

  • أولاً: حدّد التضحيات المشتركة التي تُبدي استعدادك للالتزام بتقديمها أو قدّم تضحيات أكبر بصفتك قائداً أو عضواً في فريق القيادة (على سبيل المثال: إذا طلبت من الموظفين العودة إلى المقرات المكتبية يومين في الأسبوع، فعلى القادة الحضور إليها 3 أيام أو أكثر).
  • ثانياً: فكّر في القادة الذين يجب أن يتأثروا بالتضحية المطروحة ومقدار التضحيات المطلوبة من كلّ واحد منهم (على سبيل المثال: ربما يتعين على كبار المسؤولين التنفيذيين الالتزام بالحضور إلى المقرات المكتبية 4 أيام في الأسبوع، بينما يلتزم مدراء الإدارة الوسطى بالحضور 3 أيام في الأسبوع).
  • ثالثاً: فكّر في القائد المناسب لتوصيل الرسالة بمصداقية إلى عموم الموظفين وتحقيق التأثير المنشود (على سبيل المثال: قد لا يكون الرئيس التنفيذي المعروف بحضوره اليومي إلى المقر المكتبي هو الشخص المناسب لإبلاغ الموظفين بسياسة العودة إلى المقرات المكتبية، بل يُفضَّل أن تختار قائداً آخر معروفاً بدعمه للعمل من المنزل حتى الآن).
  • رابعاً، وأخيراً: جهّز القادة على مختلف مستويات المؤسسة لتوصيل الرسالة بأسلوب فعّال وذي مصداقية (على سبيل المثال: تأكد من التزامهم بالتغيير واقتناعهم به، وألا يوصلوا الرسالة إلى فرقهم بأسلوب ينمّ عن استخفافهم بالتغيير أو اعتراضهم عليه).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي