يمكننا تشبيه بدء وظيفة جديدة بفجر عام جديد؛ فرصة لبداية جديدة ومتابعة فرص النمو المهني التي لم تحظَ بها في وظيفتك السابقة. ربما انتهت وظيفتك الأولى على نحو سيئ بسبب قرارك السعي وراء فرصة بدت مغرية للغاية، أو ربما كان مديرك غير مهتم بتطورك أو قوض جهودك في السعي لتحسين مسارك المهني. الآن، وبعد أن اختارتك الشركة الجديدة للعمل لديها، يغمرك الأمل (وربما بعض القلق) بشأن ما يخبئه المستقبل، أنت على وشك كتابة فصل جديد في حياتك.

ولكن، ومن خلال خبرتي في تدريب التنفيذيين، لاحظت مراراً وتكراراً أنه حتى لو كنت حريصاً على البداية الجديدة، فمن المحتمل جداً أن تحمل معك بعض العادات أو السلوكيات السيئة من وظيفتك السابقة. نتعلم في وظيفتنا الأولى من خلال الملاحظة والعمل، إذ نبدأ عادةً بخبرة قليلة أو معدومة. على سبيل المثال، إذا لاحظت أن مديرك يماطل أو يبدأ الاجتماعات مراراً في وقت متأخر، فربما تعتقد أنه لا بأس من فعل الشيء نفسه من حين لآخر. ودون أن تدرك ذلك، تكرر هذا النمط مرة بعد مرة إلى أن يصبح عادة سيئة متأصلة فيك.

لتحقيق بداية جديدة كلياً، يتعين عليك الالتزام بإجراء بعض التغييرات. قد يكون تغيير بعض العادات تحدياً يستمر طوال حياتك، مثل التسويف أو الإفراط في العمل، وقد تكون لديك سلوكيات مكتسبة من زملائك السابقين، مثل النميمة أو إساءة استخدام الامتيازات الممنوحة لك كالمرونة، وإظهارها في وضعك الجديد ليس ملائماً.

بغض النظر عن العادات التي تريد تغييرها، يمكنك من خلال الوعي الذاتي والحصول على الدعم واليقظة تهيئة نفسك للنجاح.

قيِّم عاداتك السيئة

تتمثل الخطوة الأولى في تحديد العادات السيئة التي عرقلت تقدمك في الماضي، سواء كانت سلوكيات أو طرق تفكير. اجمع المعلومات ذات الصلة من خلال مراجعة مراسلات البريد الإلكتروني والرسائل وتقييمات الأداء من وظيفتك السابقة، وفكّر في المشاريع التي نفذتها وقيّم نجاحك في كل منها والعقبات التي واجهتها وأسبابها. اجمع التعليقات التي تلقيتها، سواء من وظيفتك السابقة أو من أساتذتك أو زملاء الدراسة أو الأصدقاء. دوّن أيضاً أي سلوكيات سلبية تمارسها بانتظام (وتكون على دراية بها). في أثناء تجميع الملاحظات، حاول الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • ما ملاحظات الأداء التي تلقيتها؟ ما جوانب سلوكك أو أساليب عملك التي يمكن أن تسهم في تقدّمك، وأيها قد يعوق نموك؟ (هل تقضي وقتاً أكثر من اللازم لإتقان عملك؟ هل تحتاج إلى أن تكون استباقياً أكثر؟ هل تميل إلى المماطلة؟)
  • ما مآخذ الآخرين عليك؟ ما المجالات التي نُصحت مراراً بتعزيزها أو تحسينها. (هل تتجنب التحدث صراحة؟ هل تتأخر في كثير من الأحيان عن الاجتماعات؟ أو هل تواجه صعوبة في إدارة مشاريع متعددة في نفس الوقت؟)
  • كيف تتوقع أن تعوق تقدمك بنفسك؟ ما السلوكيات أو العادات التي ستفيدك أكثر في دورك الجديد؟ (على سبيل المثال، هل تميل إلى تحمل عبء عمل زائد؟ هل تواصلك مع الآخرين أقل مما يجب؟ هل تنشغل كثيراً بالتفاصيل الصغيرة؟) 

حدِّد ما تريد تغييره.

بعد تحديد بعض السلوكيات أو الأنماط التي كانت تعوق تقدمك، فكر في وظيفتك الجديدة. ما العادات التي ستسهم في نجاحك؟ ما السلوكيات التي قد تترك لدى الآخرين انطباعاً سلبياً عنك خلال الأيام والأسابيع الأولى؟ حدد بعض السلوكيات الرئيسية التي تريد تحسينها على الفور، أعطِ الأولوية للسلوكيات المرتبطة بالموثوقية وبناء العلاقات، مثل الحفاظ على مهنيتك والانفتاح على الملاحظات أو احترام الالتزامات، لأن هذه السلوكيات هي اللبنة الأساسية لبناء الثقة.

بعد ذلك، تأكد من أن التغييرات التي تريد إجراءها محددة ومرتبطة بسلوكيات يمكن ملاحظتها (مثل البحث عن فرص للمشاركة في المشاريع الإنمائية) بدلاً من التركيز على العموميات (مثل أن تكون استباقياً أكثر). يجب عليك التعبير عن أهدافك بطريقة إيجابية (افعل) بدلاً من صياغتها بطريقة سلبية (لا تفعل)، ستعزز النبرة الإيجابية السلوك المطلوب وستحفزك وتساعدك في تصور هويتك الجديدة.

فيما يلي بعض الأمثلة الأخرى:

  • إذا اعتدت تأخير تسليم العمل، فلتكن صيغة هدفك مثلاً: “سأسلم مشاريعي قبل يوم واحد من الموعد النهائي”.
  • إذا كنت تفضِّل العمل بمفردك غالباً ولكنك ترغب في التعاون أكثر: “سأحدد لقاءات متكررة مع مديري وزملائي”.
  • إذا كنت تتبنى غالباً عقلية نقدية: “سأستمع إلى وجهات النظر الأخرى وأقدّرها، وأطرح سؤالاً واحداً على الأقل قبل إبداء رأيي”.
  • إذا كنت تميل إلى السلبية أو السخرية: “سأنمّي منظوراً متوازناً من خلال تقدير الجوانب الإيجابية وممارسة الامتنان يومياً”.
  • إذا كنت تميل إلى التحدث مطولاً في أثناء الاجتماعات: “سأستعد للاجتماعات، وأفكر قبل أن أتحدث، وأختصر قدر الإمكان”.

حمّل نفسك المسؤولية.

من المهم ألا تبقى طموحاتك مجرد أفكار في رأسك. يمكنك إنشاء بعض الأنظمة لتتبع تقدمك لتحميل نفسك مسؤولية تحقيقها. تظهر الأبحاث أن توثيق أهدافك والتتبع المادي لتقدمك نحو تحقيقها يعزز احتمالية نجاحك فيه. يمكنك تحقيق ذلك ببساطة من خلال استخدام مخطط أو تطبيقٍ لتتبع العادات على سبيل المثال. يمكنك مثلاً مراقبة سلوكياتك اليومية، مثل الالتزام بالمواعيد، بسهولة كل يوم، بالنسبة للأهداف الأخرى، مثل التي تتعلق بتغيير عقليتك أو السلوكيات الأقل قابلية للقياس، يمكنك تخصيص بعض الوقت كل أسبوع للتفكير وتقييم نفسك فيها؛ على سبيل المثال، وعلى مقياس من 1 إلى 5، ما مدى توازن وجهة نظري التي عبّرت عنها فيما يتعلق ببعض القضايا هذا الأسبوع؟

قد يكون من المفيد في مواقف معينة إخبار مديرك أو زملائك بنواياك، إذ يمكنهم تذكيرك بأهدافك ومساءلتك وحتى تزويدك بتعليقات حول أدائك. على سبيل المثال، بعد الاجتماع، التمس رأي زميلك حول جودة سلوكك الجديد الذي تحاول ممارسته. يجب أن تسأل نفسك إذا ما كنت قد تحدثت كثيراً أو خرجت عن الموضوع، أو إذا كنت حريصاً على إعطاء الآخرين مجالاً للتحدث. ويمكنك أيضاً طلب دعم الزملاء الذين يظهرون السمات أو العادات التي تريد تغييرها في نفسك؛ أظهرت الأبحاث أن قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يمارسون عادة ترغب في اكتسابها (ممارسة الرياضة، الالتزام بالمواعيد، التعبير عن رأيك صراحة) يساعدك في دعم تكوين هذه العادة لديك.

كن مستعداً لمقاومة التغيير.

إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيدعمك محيطك الجديد ونواياك الواضحة والعمل الجاد للبدء من جديد. ومع ذلك، فإن تغيير سلوكك غالباً ما يتطلب وقتاً وينطوي على العديد من التحديات. فحتى لو أحرزت تقدماً، يمكن أن تعود العادات السابقة إلى الظهور مجدداً تحت الضغط، إذ ينخفض نشاط قشرة الجبهة الأمامية التي تتحكم في قوة الإرادة والوظيفة التنفيذية في الدماغ، ما يسمح لمناطق الدماغ المسؤولة عن السلامة والراحة بتولي زمام الأمور، ما يجعلك أكثر عرضة للعودة إلى أنماط سلوكك القديمة.

إذا كنت تواجه مثل هذه الظروف بصورة متكررة، يجدر بك التفكير فيما إذا كان السلوك الذي تعتبره “عادة سيئة” يخدم التزاماً خفياً بحماية الذات. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في التخلص من عادتك في الإدارة التفصيلية، فقد تحتاج إلى مواجهة خوفك من التخلي عن السيطرة. وبالمثل، إذا كنت تطلب الكمال وتفرِّط في العمل وتنجز أكثر مما هو متوقع منك، فمن المحتمل أنك نلت مكافأة على هذا السلوك في مرحلة مبكرة من حياتك أو مسارك المهني، ولأنك تعتقد أن هذا السلوك ساعدك في النجاح فقد يخشى جزء منك فقدان كل شيء إذا تخليت عن هذه السلوكيات. يخلق هذا الاعتقاد القائم على الخوف عقبات أمام التغيير.

إذا اكتشفت أن اعتقادك القائم على الخوف يكمن وراء عادة تريد تغييرها بوعي، فقد تحتاج إلى تحدي هذا المعتقد أو فحصه قبل أن تتمكن من إحداث تغيير دائم على سلوكك. على سبيل المثال، إذا كانت عادة الإفراط في العمل تستند إلى الاعتقاد بأنك ستفشل إذا لم تنجز أكثر من طاقتك، يمكنك تجربة وضع حدود لنفسك. خصص عدد ساعات معقول للعمل في الأسبوع (بعيداً عن ساعات الليل وأيام عطلة نهاية الأسبوع)؛ وخذ استراحة غداء كل يوم؛ وحدد مواعيد نهائية وتوقعات يمكن تحقيقها. بعد ذلك، انظر فيما إذا كان اعتقادك الأولي القائم على الخوف بشأن الحاجة إلى الإفراط في العمل صحيحاً. ما التعليقات التي تلقيتها؟ إذا كانت التعليقات إيجابية عموماً، فربما حان الوقت للتخلي عن اعتقادك بأن وتيرة العمل المستمر ليست جيدة بما يكفي. في النهاية، لا يمكن أن يحدث التغيير الحقيقي والدائم إلا عند تغيير المعتقدات والافتراضات الأساسية.

تمثل الوظيفة الجديدة فرصة ممتازة لترك الماضي وراءنا والاستفادة من مواطن قوتنا والبناء عليها ورسم مسار مهني جديد. لا أحد كامل، ولكن إذا بذلت جهداً مستمراً وركزت على التقدم والتعلم، يمكن أن تساعدك وظيفتك الجديدة على بدء بعض العادات الجديدة وتسريع نموك المهني.