هل أنت متأكدة من أنك لا ترتكبين خطأ؟

لقد أخبرت للتو أحد أعز أصدقائي عن نيتي ترك وظيفتي في وول ستريت التي تدر عليّ دخلاً كبيراً.

“نعم أنا واثقة من قراري”. ولكن لدي بعض الشك حول إذا ما كنت أتخذ القرار الصحيح!

قبل سنوات، انتقلت (المؤلفة) إلى مدينة نيويورك حاملة شهادة في الموسيقى وكان زوجي يستعد للحصول على درجة الدكتوراة. عملت في وظيفتي الأولى سكرتيرة في شركة وساطة، وكانت هذه أفضل وظيفة يمكنني الحصول عليها في ذلك الوقت. عملت 70 إلى 80 ساعة أسبوعياً، كنت أتبع خلالها دورات الأعمال ليلاً ساعية بإصرار للانتقال إلى المسار المهني الذي كنت أطمح إليه، وأخيراً حصلت على فترة راحة وأثمرت جهودي وانتقلت إلى مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. عندما قررت مغادرة وول ستريت، كنت أشغل منصب كبيرة محللي قسم الإعلام والاتصالات لأميركا اللاتينية في شركة ميريل لينش، وكنت أُعد أفضل محللة في مجال عملي.

لم يكن قراري مغادرة وول ستريت يعني التخلي عن الدخل الكبير المرتبط بمنصبي فحسب، بل عن مستوى معين من المكانة الرفيعة والنفوذ أيضاً. لقد عملت لأكثر من عقد من الزمن في بناء علاقات مع قادة الأعمال في أميركا اللاتينية، بعضهم كان مدرجاً في قائمة المليارديرات التي تُصدرها فوربس. كان قادة الأعمال المؤثرون هؤلاء يقرؤون أبحاثي ويعقدون اجتماعات معي ويستشهدون بأعمالي، بل أيضاً يشعرون بالقلق أحياناً عندما أخفّض تصنيف أسهم شركاتهم.

على الرغم من المخاطر المهنية والمالية الكبيرة (أنا المعيلة الرئيسية لعائلتي) التي ينطوي عليها الأمر، شعرت أن الوقت قد حان لترك وظيفتي الآمنة لأصبح رائدة أعمال. لقد حان الوقت لإحداث زعزعة في حياتي. نعرّف الزعزعة على أنها عملية يؤدي فيها منتج أو خدمة ضمن المستوى الاقتصادي الأدنى إلى إحداث ثورة في القطاع بأكمله في النهاية. لكني أدركت أن قواعد الزعزعة تنطبق على الأفراد أيضاً، أو كما تقول رائدة الفكر جينيفر سيرتل: “يبدأ الابتكار من داخل الذات”.

بعد مرور 6 سنوات على إجراء تغيير كبير في منتصف حياتي المهنية، إليك بعض الدروس المستفادة من رحلتي في الزعزعة الشخصية:

إذا شعرت بالخوف والعزلة، فهذا يعني ربما أنك تسير في الاتجاه الصحيح

أصبح مصطلح “الابتكار المزعزع” تعبيراً طناناً وشائعاً في القطاع. يرغب جميعنا في إنشاء شركة مزعزعة أو الاستثمار في مشاريع مبتكرة، ولكن الابتكارات التي تستهدف الحد الأدنى من السوق أو الأسواق غير الموجودة (حتى الآن) قد لا تبدو جذابة في البداية في الواقع. وينطبق الشيء نفسه عندما تفكر في زعزعة نفسك في منتصف حياتك المهنية. هناك مخاطر تنطوي عليها الزعزعة الذاتية، مثل فقدان المكانة والنفوذ، فضلاً عن عدم الاستقرار المالي. وهذا يقودنا إلى معضلة المبتكر: بغض النظر عما إذا اخترت الابتكار أم لا، فإنك تخاطر بتراجع مسارك المهني.

كانت بدايتي في وظيفة مساعدة مبيعات في وول ستريت بلا شك متواضعة مع احتمالات ضئيلة جداً للنمو؛ لم يكن هذا الدور، الذي ينطوي على أداء مهام إدارية، جانباً يستحق التفاخر به في الواقع. أتذكر محادثة أجريتها مع شخصين تخرجا في جامعات رابطة اللبلاب المرموقة بعد أن أصبحت مُحللة. عندما سألاني عن خلفيتي المهنية، شعرت بالحرج من إخبارهم عن بدايتي المهنية المتواضعة في القطاع. لم يكن انتقالي إلى مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية أمراً واقعاً لمجرد اعتماد استراتيجية مزعزعة، لكنه بالتأكيد زاد فرص نجاحي. من الجدير بالذكر أيضاً أن الخوف من زعزعة نفسي في بدايات حياتي المهنية لم يكن شيئاً يُذكر مقارنة برحلة التغيير المثيرة والمحفوفة بالمخاطر الكثيرة التي شرعت بها في منتصف حياتي المهنية.

كن مطمئناً، التنبؤ بما ينتظرك يكاد يكون مستحيلاً

تستهدف الابتكارات المزعزعة غالباً أسواقاً لم تُحدد بعد، لذلك لا يمكننا معرفة الفرص المتاحة كلها في البداية. يقول الأستاذ الجامعي كلايتون كريستنسن: “ما يمكننا معرفته هو أن أسواق الابتكارات المزعزعة لا يمكن التنبؤ بها، ونتيجة لذلك، من المرجح أن تكون الاستراتيجيات الأولية لدخول مثل هذه الأسواق خاطئة”. وقد غرّد المستثمر الملاك الشهير ديف مكلور في السياق نفسه قائلاً: “أعزائي أصحاب رؤوس الأموال المغامرة/الملائكة؛ إذا طلبتم أرقام الإيرادات المتوقعة للشركات الناشئة التي لا تزال في بداياتها، فأنتم تضيعون وقتكم. توقفوا عن ذلك”.

أساليب التخطيط التقليدية ليست فعالة أيضاً عندما يتعلق الأمر بالزعزعة على المستوى الشخصي، لأن الزعزعة تتطلب تخطيطاً موجهاً بالاكتشاف. على سبيل المثال، عندما غادرت وول ستريت في عام 2005، كنت أعمل على تأليف كتاب للأطفال وأروّج لبرنامج تلفزيوني واقعي عن كرة القدم في أميركا اللاتينية، ولكن لم ينجح أي من هذه المساعي. بعد ذلك، أنشأت مدونتي “تجرأ على الحلم” (Dare to Dream)، وكتبت ما لا يقل عن 12 مسودة لخطط العمل الأولية، وأطلقت مع زوجي مجلة كانت ناجحة جداً في البداية، لكنها فشلت في نهاية المطاف. في الوقت نفسه، وفي أثناء تطوعي في قسم الشؤون العامة في كنيستي، أتيحت لي الفرصة للتعرف إلى الأستاذ الجامعي كلايتون كريستنسن. لقد مهّد هذا اللقاء لي الطريق في النهاية لأصبح شريكة مؤسِّسة في شركة روز بارك أدفايزرز (Rose Park Advisors) وأطلق صندوق الابتكار المزعزع (Disruptive Innovation Fund)، ذراع رأس المال الاستثماري للشركة.

يمكن أن يكون مسار الزعزعة الشخصية مقلقاً ولا يمكن التنبؤ به، لكنك لست وحدك في هذه الرحلة. يلاحظ الأستاذ في جامعة كولومبيا، أمر بيدي، أنه بالنسبة لـ 90% من الشركات الجديدة الناجحة، فإن الاستراتيجية الأولية التي اعتمدها المؤسسون لم تسهم في النجاح النهائي للشركة. مع الاحترام لما قاله ديف مكلور، فإني أقول: “أعزائي، إذا كنتم تبحثون عن توقعات حول الشكل الذي ستبدو عليه زعزعة أنفسكم، فأنتم تضيعون وقتكم. توقفوا عن ذلك”.

تخلص من مقاييس الأداء التي طالما اعتمدت عليها

يقول كريستنسن إن الابتكار المزعزع يتطلب مقاييس أداء مختلفة عن تلك المستخدمة في شبكات القيمة الحالية. يصل معظم الأشخاص إلى مرحلة في حياتهم حيث يعيدون تقييم مسارهم ويفكرون في إجراء تغيير كبير. عادة ما نطلق على هذه المرحلة من إعادة التقييم أزمة منتصف العمر، لكن ألا يمكننا اعتبارها مرحلة لإعادة النظر في مؤشرات الأداء المهمة حقاً؟ ربما كانت مقاييس النجاح المهمة في وقت سابق من حياتك المهنية المال أو الشهرة، لكنك ترغب الآن في مزيد من الاستقلالية أو المرونة أو السلطة أو القدرة على إحداث تأثير إيجابي في العالم، وهذه القيم الجديدة تتطلب مقاييس نجاح مختلفة. على سبيل المثال، لو بقيت أقيس نجاحي بعد مغادرة وول ستريت عام 2005 بناءً على الدخل فقط، لاعتبرت نفسي فاشلة. ولكن إذا قست النجاح بناءً على التقدم الذي أحرزته خلال السنوات التالية، في التعلم والتطوير الشخصي وتقديم الإسهامات البنّاءة، يمكنني الحكم على أدائي بأنه ناجح. لا يمكن قياس معايير النجاح البديلة هذه بسهولة، ولكن خبيرة وسائل التواصل الاجتماعي ليز ‬شتراوس تقول إن قيمة الفرد لا يحددها الآخرون، فأنت وحدك من يقرر ذلك.

ستتحسن فرص نجاحك عندما تتبع مساراً مزعزعاً

ما اكتشفه كريستنسن في تحليله لقطاع محركات الأقراص (الذي نُوقش في كتاب “معضلة المبتكر” (The Innovator’s Dilemma)، وهو أساس استراتيجيتنا الاستثمارية) هو أن الشركات التي تسعى إلى النمو عبر اقتحام أسواق جديدة تزيد فرص نجاحها بمقدار 6 مرات مقارنة بالشركات التي تسعى إلى تحقيق النمو عن طريق دخول الأسواق القائمة، كما أن فرصة تحقيق الإيرادات في الأسواق الجديدة أكبر 20 مرة. قد تبدو هذه النتيجة غير بديهية، لكن المغامرة في المجالات التي قد يتجاهلها الآخرون أو يعتبرون فرص النجاح فيها محدودة تعزز في الواقع فرص النجاح.

الادعاء أن مساري المزعزع كان مباشراً وسهلاً دون عوائق نحو النجاح بعيد كل البعد عن الحقيقة. لكنه كان قراراً صحيحاً، وفي الواقع، لم أستطع أن أرى نفسي أسلك أي طريق آخر. قد تكون مستعداً لاتخاذ قرار بزعزعة نفسك أيضاً، مدفوعاً ربما بعوامل خارجية مثل تقليص حجم الشركة أو التقدم التكنولوجي الذي يجعل مهاراتك قديمة. بالنسبة لمعظمكم، أعتقد أن قرار إجراء تغيير جذري قد يكون مدفوعاً بأسباب أكثر عمقاً تتجاوز الظروف الخارجية. ربما أنتم مثلي، تسعون إلى تحقيق المزيد في حياتكم. في حين تنحرف عن مسار يمكن التنبؤ به بسهولة نحو مسار أكثر غموضاً، ستكون هناك أوقات تواجه فيها الشعور بالوحدة والخوف، وقد تواجه صعوبات مالية. مع ذلك، عندما تواجه معضلة المبتكر على المستوى الشخصي، ستجد أن فرص نجاحك وحجمه قد تحسنت إلى حد كبير.

ينصبّ قدر كبير من تركيزنا على تطوير المنتجات والخدمات المزعزعة وشراء الشركات المزعزعة أو الاستثمار فيها، ويجب علينا فعل ذلك، لأن هذه الجوانب لها دور حيوي في دفع النمو الاقتصادي. لكن كثيراً ما يُغفل دور الفرد بصفته محفزاً أساسياً للنمو. إذا أردت حقاً الإسهام في تقدم العالم، فعليك أن تبدأ الابتكار من داخلك وإحداث تغيير جذري في طريقة تفكيرك وعملك.