لقد قادنا وباء فيروس كورونا إلى عالم جديد، فلا أحد يجرؤ على مغادرة منزله اليوم، وأصبحنا مجبرين على التعامل مع حياتنا المهنية والأسرية في مكان واحد، وتوقفت عجلة الاقتصاد مع تعطّل العديد من القطاعات وتخبّط البعض منها في حالة من عدم اليقين، وحلّ التواصل الرقمي محلّ التفاعلات المباشرة. فما هي إجابة سؤال: كيف أدير شركتي خلال أزمة كورونا الحالية؟
وفي حين اقتصر التواصل الشخصي على تلبية الاحتياجات الأساسية، اكتست أدوارنا بصفتنا محاورين وأخصائيي تسويق وإعلان وبائعين هدفاً ومعنى إضافيين. ففي ظل هذه الأزمة، نحن الوحيدون القادرون على فتح خطوط التواصل وتوعية مجتمعاتنا. وفي ظل هذه الأزمة، لم تعد مسؤولياتنا مقتصرة على بيع المنتجات والتسويق لها، بل أصبحنا المحرك الذي يدعم عمل شركاتنا وزملائنا في العمل وأسرهم. وفي ظل هذه الأزمة، نستغل معرفتنا العميقة وعلاقاتنا بالأسواق والزبائن بهدف تطوير المنتجات والخدمات التي يحتاجون إليها. وهذا هو الوقت المناسب لتطوير أسلوبنا في القيادة.
أزمة "كوفيد 19" - كارثة طبيعية
إن أزمة "كوفيد 19" لا تشبه أي أزمة شهدناها القرن الماضي. إنها ليست مجرد حدث آخر مماثل للأزمة الاقتصادية التي أُطلق عليها "الاثنين الأسود"، وليست مماثلة لأزمة "فقاعة الدوت كوم" أو حتى أزمة "الرهون العقارية" عام 2008، بل هذا الوباء العالمي هو كارثة طبيعية قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في القرن، وهو وباء أصاب العالم بأسره في مختلف قطاعاته وفي وقت واحد. وقد وجدنا أن إجراء دراسة متعمقة حول قدرة بعض الشركات على اجتياز الكوارث الطبيعية الواسعة النطاق في الماضي قد يقدم لنا بعض الدلائل على مسارات العمل الفاعلة في ظل الأزمات.
على سبيل المثال، بعد إعصار "كاترينا"، العاصفة الاستوائية التي دمّرت جنوب الولايات المتحدة في عام 2005، قام "بنك هانكوك" (Hancock Bank)، وهو بنك مجتمعي مقره مدينة غولف بورت في ولاية ميسيسيبي بعمل غير عادي. إذ بدلاً من أن ينظّف موظفو البنك مكاتبهم أو منازلهم من الحطام والفيضانات، جمعوا كل الأموال التي استطاعوا العثور عليها في البنك ووزعوها على السكان باستخدام سجلات السحب الورقية المؤقتة. وبلغ مجموع ما وزعه البنك أكثر من 42 مليون دولار، إلا أنه استرد لاحقاً أكثر من 99.5% من النقد الذي أقرضه. وبما أن البنك مثّل رمزاً للإيثار في أحلك الأوقات، نمت الودائع بمقدار 1.5 مليار دولار في العام التالي.
تستند الاستراتيجية التي اتبعها "بنك هانكوك" على افتراضين اثنين، أولاً، رغبة الناس الجامحة في متابعة حياتهم الطبيعية قدر الإمكان، وهو ما يعني أنهم ما زالوا يرغبون في الشراء، وأن الطلب لا يزال موجوداً، حتى وإن اختلفت أولوياتهم واحتياجاتهم وتدهورت قوّتهم الشرائية مؤقتاً. ثانياً، كان من الطبيعي أن يستعيد هؤلاء الزبائن نشاطهم مرة أخرى، وأن تعود الحياة إلى طبيعتها تدريجياً، سواء من الناحية العاطفية أو المالية، وهو ما جعل الشركات التي حافظت على التواصل مع زبائنها طوال الأزمة هي الرابحة.
كيف أدير شركتي خلال أزمة كورونا
افهم ما يحتاج الزبائن إليه وقت الأزمات
بصفتنا ممثلين لمؤسساتنا، يمكننا أن نكون أكثر فاعلية من خلال فهم ما يحتاج إليه زبائننا اليوم وتلبية هذه الاحتياجات العاجلة. وفي ظل هذه الظروف بالذات، من الضروري أن نفهم ما يحتاج إليه الزبائن على المستوى الشخصي أولاً، ومن ثم التركيز على ما يحتاجون إليه على المستوى المهني.
وتتيح لنا تلبية احتياجات زبائننا خلال فترة الركود هذه بناء الثقة مع أصحاب المصلحة الحاليين، كما أنها تتيح لنا الحصول على حصة سوقية قيّمة من المنافسين غير القادرين على تلبية احتياجات زبائنهم. وكما يقول هانز سيدو، الخبير السويدي في التواصل: يُعتبر تدهور الأسواق فرصة رائعة لاكتساب حصة سوقية والحفاظ عليها عندما تنتعش هذه الأسواق مرة أخرى".
إن قدرتنا على خدمة زبائننا خلال الأزمات تتطلّب منا تطوير مهارات "الاستماع الاستباقي" بهدف فهم أفكار الزبائن ومشاعرهم، وهو ما يعني صقل أسئلتنا باستمرار وبصورة منتظمة. ويمكننا القيام بذلك من خلال تطوير محادثات تتضمن أسئلة حول الحقائق والمشكلات والعواطف والتداعيات. ومن الضروري الامتناع عن محاولة حل مشكلة ما من خلال بيع الزبائن منتجات نظن أنها مفيدة لهم بحسب اعتقادنا الشخصي، إذ من المرجح أن يُنظر إلى استراتيجية التوصّل السريع إلى الحلول على أنها استراتيجية غير فاعلة وغير مراعية في ظل الأوقات العصيبة.
ونقدم أدناه نموذجاً لتطوير نهج استراتيجي جديد للتواصل والمشاركة وإدارة المبيعات في ظل الأزمات. يُقلل هذا النهج من أسلوب التوجيه الذاتي الذي قد نتّبعه ويزيد من مصداقيتنا في أعين زبائننا. ويمكن تطبيق هذه العملية في تطوير استراتيجية لمسار مبيعات قائم على مبدأ التجارة بين الشركات أو بين الشركات والمستهلكين، وكذلك في تطوير حملة تواصل استراتيجية 360 درجة جديدة أو تجديد العلامة التجارية.
الخطوة 1:
استمع وتعلّم من جديد: ابدأ بالتعاطف وحب الاستطلاع
ابدأ دائماً من خلال تكوين علاقة مع زبائنك وإبداء اهتمامك بأحوالهم واحتياجاتهم بصدق وجدية. ومن الضروري أثناء الأزمات الاستماع إلى وجهة نظر زبونك وفهمها. وتتمثّل إحدى طرق ممارسة ذلك في وضع مجموعة قياسية من الأسئلة الأولية التي تناسب شركتك. دوّن ملاحظاتك عند طرح هذه الأسئلة، واسمح لزبائنك التعبير عن أنفسهم بوضوح، وتجنّب مقاطعتهم. وذكّر نفسك باستمرار أنك تعمل في وقت يشهد أزمة وأنك قد تسمع أخباراً مروعة، لذلك، من الضروري أن تكون أكثر مراعاة لمشاعر الزبائن من خلال إبداء التعاطف والصبر.
ومن الأمثلة على هذه الأسئلة: كيف حالك؟ كيف تتعامل مع الوضع الحالي؟ كيف حال زملائك؟ وما الذي يبذله مجتمعك للتعامل مع الأزمة؟
وتأكد خلال هذه العملية بأكملها من أن تصبّ تركيزك على زبائنك وأن تتحقق من وضعهم واحتياجاتهم ومشاعرهم بحرص. ويمكنك تحقيق ذلك من خلال التزام الصمت مدة ثانيتين إلى 5 ثوان بعد أن يتوقف زبونك عن التحدث، ذلك أنه قد يحتاج إلى التفكير قليلاً قبل متابعة الحديث، واستخدم كلمات إيجابية، مثل "نعم، هل هذا صحيح؟ فهمت، حسناً"، بالإضافة إلى استخدام لغة الجسد لتوضح لهم قدرتك على استيعاب ما يقولونه، "كتبادل الإيماءات أو الابتسام أو إبداء القلق". وتذكّر أن الحل يكمن في إبداء التعاطف.
ملحوظة: كلما تحدث الزبون وأدرك أنك تستمع إليه، زادت رغبته في التواصل معك. لذلك، من الضروري أن يخوض زبونك تجربة الشعور بالتقدير من خلال إصغائك إليه، وهذه وحدها خدمة قيمة.
الخطوة 2:
البحث عن سبل للتعاون المشترك: دع الزبون يتولى زمام الحديث
ابحث خلال هذه العملية عن سبل لتقدير آراء العميل ومشاعره حتى يدرك أنك تصغي إليه وتفهم ما يقوله لك. ركز على مهارة الاستماع النشط وأكد أقواله من خلال تكرار ما تسمعه منه، سواء بتكرار كلماته نفسها أو إعادة صياغة حديثه. ومع استمرار المحادثات في ظل هذه الأزمة، بيّن لعملائك أنك موجود لمساعدتهم في حل مشكلاتهم، وامنحهم زمام المبادرة في المحادثة. وتأكد من تدوين ملاحظات حول مشاعرهم وحدد النقاط الرئيسة التي يطرحونها خلال الحديث.
الخطوة 3:
إعادة تحديد تفضيلات الزبائن: التشارك في تكوين علاقة جديدة
ركّز على إعادة تحديد تفضيلات زبونك واحتياجاته خلال القيود الحالية المفروضة على الحركة والتواصل الاجتماعي قبل أن تبدأ في الحديث عن شركتك. ودوّن بعض الملاحظات حتى تتمكن من مواءمة سلوكيات الشركة مع تفضيلات الزبائن المحددة.
سل الزبون عن رأيه بالمساعدة التي يتوقّعها منك. وقم بصياغة السؤال بطريقة تدلّ على أنك تلتمس مشورته.
ومن الأمثلة على هذه الأسئلة: بالنظر إلى هذا الواقع الجديد القائم على التواصل عن بُعد، كيف يمكنني أن أقدّم لك أفضل مساعدة؟ ما الذي يمكنني فعله من أجلك؟ كيف تودّ مني تقديم المساعدة؟ ما هي الطريقة التي تفضّلها للتواصل معك؟ كيف يمكنني مساعدتك بطريقة جديدة؟ أود الحصول على مشورتك بشأن أفضل سبل المساعدة التي يمكنني تقديمها لك.
الخطوة 4:
تأطير العلاقة: وجّه المحادثة نحو منتجك
يمكنك البدء في مواءمة احتياجات الزبون مع المساعدة التي تقدّمها بمجرد أن تدرك جيداً الحالة العاطفية للزبون واحتياجاته، وبمجرد أن تشعر أن الوقت قد حان للانتقال إلى الخطوة التالية.
قد يكون من المفيد تذكير الزبائن بالقيود القائمة، على سبيل المثال، "لا يمكنك زيارة المكتب كما في الماضي"، أو أن "طريقة عمل الشركة قد تغيّرت نتيجة الأزمة". ومن المهم أيضاً إيجاد طرق جديدة محتملة لخدمة الزبون والتواصل معه والتحقق من كيفية حصوله على المنتج أو الخدمة وكيفية التواصل معه في المستقبل.
الخطوة 5:
إعداد عرض ترويجي: بيّن أهمية منتجك
تُسفر مساعدة الناس في ظل الأزمات عن مزايا كبيرة، فالحديث مع الزبون سيتيح لك تصميم طريقة مثلى لمساعدته بناء على ما تسمعه منه وبناء على معرفتك بعروض شركتك. ومن المهم أن تضع في الاعتبار أيضاً جانب التعاون المشترك، وأن تجعل أسلوبك في تقديم المساعدة يبدو وكأنه تطور بشكل طبيعي خلال محادثتك مع الزبون.
الخطوة 6:
الاستعداد لإجراء التحوّل: قدّم عرضاً جديداً حسب الحاجة
ستكون الشركات الجادة بشأن خدمة العملاء في أوقات الأزمات مستعدة تماماً لتغيير نماذج أعمالها المعتادة. لذلك، لا بدّ أن تكون الشركات في مختلف القطاعات على استعداد تام لإجراء تحول بمقدار 180 درجة، مثلما تحولت بعض المطاعم الفاخرة إلى تقديم الوجبات السريعة خلال أزمة فيروس كورونا. وقد ينطوي تحويل أعمالك على إجراء تغييرات صغيرة أو كبيرة، وذلك اعتماداً على عملك التجاري. وما لاحظناه هو أن النية الحسنة التي تنبثق عن هذه التضحيات قد تساعدك في بناء علاقات أوثق وطويلة الأمد مع عملائك.
لقد وجدنا أن هذه الخطوات قد تكون نقطة انطلاق جيدة لنا ولعملائنا من أجل الإجابة عن سؤال: كيف أدير شركتي خلال أزمة كورونا الحالية. ونحن ندعوك إلى الاستفادة من خبرتك في القطاع وخبرة شركتك لمواءمة هذا النموذج مع ما تقدّمه شركتك وتجربته في أثناء عملك على ترسيخ علاقاتك مع العملاء الحاليين وتكوين علاقات جديدة الأشهر المقبلة.
اقرأ أيضاً: