النموذج الذي اتبعته شركة “دوبز” لاستعادة الحياة الطبيعية لقطاع السفر خلال جائحة فيروس كورونا

5 دقائق
خطة الطوارئ في شركة دوبز
shutterstock.com/diy13

على أثر التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد، ما كان لدول العالم كافة إلا أن أغلقت جميع المعابر وعزلت نفسها خوفاً من عدم السيطرة على انتشار الفيروس، وقد أثر هذا سلباً على معظم القطاعات، وبالأخص قطاع الملاحة الجوية والسفر والسياحة. وبحسب "المنظمة الدولية للطيران المدني" (International Civil Aviation Organization)، فقد انخفضت نسبة تنقل المسافرين بنسبة 62%، وهو ما لم تشهده حركة الملاحة من قبل، كما وثق "اتحاد النقل الجوي الدولي" (IATA) خسائر الملاحة الجوية بنحو 84.3 مليار دولار أميركي خلال جائحة كورونا. وهو ما دفع العديد من الشركات إلى اتخاذ خطوات للتعامل مع هذا الموقف، وفي هذا المقال سوف نتعرف على خطة الطوارئ في شركة "دوبز" (dubz) وكيفية التعامل مع آثار الجائحة.

التفاعل مع أزمة كورونا

ترسم الشركات عادة خطط طوارئ ضمن برنامج التخطيط السنوي، لكن لم تتوقع أي شركة حدوث هذه الجائحة. لقد تأثر قطاع الملاحة الجوية خلال القرن الأخير بعدة عوامل خطيرة مثل: حادثة برجي التجارة العالميين في سبتمبر/أيلول عام 2001، وأزمة فيروس "سارس" عام 2003، والأزمة المالية العالمية أو (أزمة الائتمان العالمية) عام 2008، وجائحة إنفلونزا "الخنازير" عام 2009، وانتشار فيروس "إيبولا" عام 2014، وعندما حدثت تلك الأزمات الاقتصادية، دعمت حكومات الدولة المتضررة قطاع الملاحة الجوية من أجل تخفيف وطأة الأزمات المذكورة. لكن تاريخ الملاحة الجوية لم يشهد أزمة بحجم أزمة فيروس "كورونا" المستجد، أو كما سُمّيت "الصدمة الاقتصادية الكبرى" التّي عطلت مسار كافة القطاعات، فالشركات التي واجهت المشاكل الاقتصادية خلال الأزمة عملت على إيجاد طرق تمكنها من الاستمرار بعد الأزمة.

إن الكثير من الشركات في قطاع النقل الجوي رأت الأزمة كزئبق تحول سريع، وبدأت دراسة كيفية مواجهتها عبر التقنيات الذكية والبيانات الرقمية.

كانت سنة 2020 غير عاديّة، خصوصاً في إمارة دبي، فالتحضيرات لمناسبات مهمة مثل افتتاح "معرض المستقبل" واستضافة "إكسبو 2020" وغيرها الكثير من الفعاليات جعل شركات الطيران تتوقع نمو وزيادة الطلب على خدماتها من معظم دول العالم، لا سيما أن إمارة دبي احتلت مراتب متقدمة كأكثر الأماكن استقطاباً للزوار في عام 2020.

لكن ما ذكرنا من برامج وتحضيرات لم يتم إنجازه بالكامل، فانتشار فيروس "كورونا" المستجد عطل كافة الخطط والبرامج، حيث توقفت حركة الملاحة لأشهر عديدة خلال السنة، وتأجلت الكثير من المناسبات العالمية، وهذا الأمر أثر سلباً على عالم الأعمال والشركات، ورأينا نتيجة لذلك كيف سرحت العديد من الشركات العاملين من أجل تخفيض التكاليف والصمود بوجه الجائحة.

خطة الطوارئ في شركة "دوبز"

لقد أسس شركة "دوبز" في دبي 3 رواد أعمال بهدف خدمة المسافرين من خلال تقنيات إنجاز إجراءات السفر كاملة من المنزل أو الفندق، بالإضافة الى نقل الأمتعة والخدمات اللوجستية. فازت "دوبز" التي تأسست عام 2016، ببرنامج "انطلاق"، الحاضنة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي ترتكز على صناعة السفر والتكنولوجيا، وبعدها اشترت شركة "دناتا"، وهي واحدة من أكبر مزودي الخدمات الجوية في العالم، حصة الأغلبية في شركة "دوبز" ما أتاح للمسافرين من دبي فرصة الاستمتاع بسهولة إنجاز إجراءات سفرهم وتسلم بطاقات صعود الطائرة من مقر إقامتهم في المنزل أو الفندق، بما في ذلك طبع وتثبيت ملصقات الأمتعة وإصدار بطاقات صعود الطائرة، بحيث يتجه المسافرون عند وصولهم إلى المطار إلى كاونترات الهجرة مباشرة دون الحاجة إلى الانتظار ضمن طوابير إجراءات السفر.

وبعد النجاح الذي حققته "دوبز" عام 2019، افتتحت الشركة محطة ثابتة لها في "دبي مول" لكي توفر للمسافرين مزيداً من الخيارات للاستفادة من خدماتها المبتكرة، وشهدت محطة "دوبز" في "دبي مول" نجاحاً كبيراً قبل أن تتعثر عملياتها في 19 مارس/ آذار عام 2020 بسبب الإغلاق التام في البلاد.

في تلك الآونة، كانت "دوبز" تضم إلى جانب مؤسسيها الثلاثة بين 20 إلى 30 موظفاً يتم التعاقد معهم بما يتناسب مع الطلب، وعندما بدأت الأزمة ما كان لـ "دوبز" إلا أن وضعت خطة طوارئ استراتيجية من أجل الاستمرار في العمل، فصمود شركة حديثة العهد في قطاع السفر أمر صعب جداً في سوق يواجه مشاكل خارجة عن السيطرة والمألوف.

ارتكزت خطة الطوارئ الاستراتيجية للاستجابة المبكرة للأزمة على ثلاثة محاور أساسية، أُطلق عليها اسم: نموذج "الحماية – التقوية – الرؤية Guard – Potentiate – Shape" أو اختصاراً (GPS).

1- الحماية/النجاة من الفشل (Guarding against failure):

عمدت شركة "دوبز" كرد فعل أولي على إيجاد أسرع حل أو طريقة تتماشى مع التوقف التام لحركة الملاحة. وبحسب أحد مؤسسيها، فقد عمدت الشركة إلى تبني استراتيجيات تقليص التكاليف لأقصى حدود، وتشمل توقيف جميع العمليات، وتخفيف كلفة السيارات بالتفاوض مع الشركات المؤجرة لها، وتقليص الرواتب تدريجياً لتفادي صرف الموظفين. وهكذا تمكنت الشركة خلال وقت قياسي من تخفيض التكاليف بنسبة 50%. كما تم التركيز على المحافظة على السيولة النقدية من خلال إيقاف كلفة التسويق بشكل تام وإبقاء المصاريف التكنولوجية محصورة فقط على الأمور المُلزمة لحماية الشركة. إضافة إلى ذلك، عملت الشركة على إيجاد البدائل للاستمرار بالعمل، ولهذا شاركت ببعض عمليات توصيل الطلبات خلال فترة الإقفال العام وعقدت اتفاقيات مع شركات التجارة الإلكترونية التي شهدت زيادة في الطلب على منتجاتها، ما زاد الطلب على خدمات التوصيل.

2- التقوية/العمل على إيجاد طرق التغيير الإبداعي (Potentiating innovative change):

استفادت شركة "دوبز" من فترة الإغلاق التام في إعادة تقييم العمليات وتنظيم تحول نموذج أعمالها. عندما بدأت الأزمة بالتفاقم سعى مؤسسو الشركة إلى إيجاد طرق مبتكرة للاستمرار، ومنها تطوير شعار الخدمة من "سفر مريح وخالٍ من الحقائب" إلى "سفر آمن ومن دون اتصال مع الآخرين" (Contactless, Queueless, Safe Travel).

قبل بداية جائحة فيروس "كورونا" كانت الأسعار بحسب عدد الحقائب، لكن تم تعديل نموذج الإيرادات لتصبح الأسعار بحسب رزمة الخدمات المطلوبة، وتتضمن رزم الخدمات ما يلي:

1- خدمة إنجاز إجراءات السفر من المنزل وإصدار بطاقات صعود إلى الطائرة.

2- خدمة تعقيم جميع الحقائب بمواد مطهرة لإزالة أي جراثيم وتوفير حماية من التلوث.

3- خدمة استقبال العملاء لدى وصولهم إلى المطار عبر الشراكة مع خدمة "مرحباً" للاستقبال والترحيب بالمطار.

4- خدمة تحليل (PCR) للعملاء من منازلهم.

وأدركت إدارة الشركة فرصة الاستفادة من الخبرات والتواصل مع الشركات الأخرى، مثل شركات الطيران والمطارات وسلطات السياحة والسفر لعرض إمكانات عمليات المطار اللامركزية وتسريع تنفيذ الحلول خارج المطار، ولذلك تم تطوير الموقع الإلكتروني للشركة ليتضمن عرض خدمات استشارية للشركات والمطارات حول العالم.

3- الرؤية/تشكيل مستقبل السفر الجوي (Shaping the future of air-travel):

قررت "دوبز" الشروع في رحلة واسعة النطاق للتأثير في مستقبل السفر الجوي بدلاً من مجرد تحمل عواقب التغيير بعد جائحة "فيروس" كورونا، ولهذا قررت الشركة إعادة رسم طرق النقل الجوي تحضيراً لعالم ما بعد "كوفيد-19"، حيث بدأ مؤسسو الشركة تسويق فكرة "مطار المستقبل"، وهو المطار اللامركزي الذكي الذي يؤمن رحلات آمنة وموثوق بها ومريحة من خلال سرعة الخدمة وتقليص نسبة احتكاك المسافرين بالناس إلى الحد الأدنى، وقد أصدرت الشركة تقارير تتضمن رؤيتها لكيفية بناء "مطار المستقبل"، الذي يعتمد على لامركزية المطار وتقديم خدمات إنجاز إجراءات السفر من خارج المطار، وتوزيعها على أماكن عدة قريبة من مكان إقامة المسافرين، واعتماد أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي وتقنيات المقاييس الحيوية للمسافرين، ما سيرجع بالفائدة على جميع الأطراف المشاركة في عملية السفر.

إن قطاع النقل الجوي والسفر في شكله الحالي غير مرن، وهناك حاجة ماسة إلى نماذج جديدة مثل خطة الطوارئ في شركة "دوبز" لمعالجة التحديات الكبرى. وعليه، وضعَ مؤسسو "دوبز" نموذج "الحماية – التقوية – الرؤية" الذي يمكن أن يساعد صنّاع القرار في وضع الاستراتيجيات وتعلم كيفية تجاوز الأزمات المستقبلية بأقل قدر من الضرر. ويمكن تعميم الاقتراحات المقدمة خارج قطاع السفر الجوي، فلعل شركات في قطاعات أخرى تستفيد من وضع خطط استراتيجية للنجاة من الفشل، والعمل على إيجاد طرق التغيير الإبداعي، وتشكيل المستقبل وفق رؤية شركة "دوبز".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي