لماذا يعتبر توحيد العلامات التجارية خطأ استراتيجياً؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عينت شركة أسترالية أقدّم لها الاستشارات رئيسة تنفيذية جديدة، وكانت المرشحة الداخلية التي سماها سلفها الذي شغل المنصب لمدة 15 عاماً.

وفي ورشة العمل الأولى لها، أخذ فريقها التنفيذي يضغط عليها لتقوم ببعض “الترتيب” في الشركة، وقال لها أن هوية الشركة ضاعت بسبب استحواذها على العديد من العلامات التجارية الأخرى التي تعمل كشركات مستقلة، منوهاً إلى إحدى أبرز العلامات التجارية التي تملكها الشركة، وهي شركة تأمين تستهدف عوائل المزارعين،  إذ اشتكى عدة مشاركين في ورشة العمل قائلين: “لا يدرك كثير من زبائنها أنها تابعة لنا”.

فوقعت الرئيسة التنفيذية الجديدة في حيرة من أمرها بشأن الرضوخ لهذا الضغط، وسألتني بصفتي غريب عن الشركة وعلى اطلاع بأمورها، عما إذا كنت أتفق مع فريقها.

ولكني لم أوافقه الرأي. إذ شهدت معضلتها هذه من قبل، ووجدت في معظم الحالات أن التخلي عن علامة تجارية محبوبة لصالح تأسيس هوية للشركة قد يعود بنتيجة عكسية، وبصورة مذهلة أحياناً.

إليك مثالاً على ذلك.

على مدى عقدين من الزمن، قدمت شركة خدمات شهيرة جداً في أستراليا استشارات إدارية وخدمات تدريب تحت علامتين تجاريتين مختلفتين، حيث أنشأ المؤسسون منذ البداية هاتين العلامتين كلاً على حدة ولكل واحدة منهما موقعها الإلكتروني الخاص بها، لأنهم شعروا أن صورة إدارة شركة الاستشارات تختلف تماماً عن إدارة الشركة التي تقدم خدمة التدريب. كانت الشركتان تعملان بإدارة المدراء ذاتهم ولهما العملاء ذاتهم، إلا أن كلاً منهما واجهت منافسين مختلفين عن الأخرى، حيث واجهت شركة الاستشارات منافسة شركات مثل “ماكنزي” و”باين” و”بوسطن كونسلتينغ جروب” (Boston Consulting Group)، بينما واجهت شركة خدمات التدريبات مجموعة مختلفة من الشركات المنافسة.

وعندما حان موعد تحديث موقعي الشركتين الإلكترونيين، نُصحت الإدارة بتجديد العلامتين التجاريتين ودمجهما في علامة تجارية واحدة. بذلك ستصبح إدارة علامة تجارية واحدة وموقع إلكتروني واحد أبسط ومناسبة أكثر من إدارة علامتين تجاريتين وموقعين إلكترونيين منفصلين. وهذا ما كان، واختارت الإدارة العلامة التجارية لشركة الاستشارات لتكون علامة للشركة الموحدة.

ولكن، كان الأمر كارثياً. إذ شعر العملاء أن شركة التدريب لم تعد موجودة بعد أن عملت لمدة تزيد عن العقدين، وأن مؤسسة واحدة استحوذت على شركة التدريب الابتكارية التي تتمتع بقاعدة زبائن واسعة جداً. فتراجعت أعمالها بصورة كبيرة، وكان على الإدارة التراجع بسرعة وإعادة إنشاء العلامتين التجاريتين الأصليتين وموقعين إلكترونيين منفصلين جديدين. المغزى من هذه القصة التحذيرية هو أنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر الملائم والواضح بالنسبة للشركة ملائماً وواضحاً للزبائن.

ولكن خطأ هذه الشركة يتكرر مرة بعد مرة. لدي صديقة كانت شريكاً في شركة وساطة متخصصة في شراء وبيع البرامج المحاسبية، وكانت تطلب دائماً من عملائها من الشركات التمهل قبل تغيير اسم شركة اشتروها للتو. وتقول إن إنهاء العلامة التجارية للشركة التي اشتريتها للتو سيبعد زبائنها ويضر بإيراداتها.

ولكنها كانت تشتكي دوماً من عدم إصغائهم لها، وغالباً ما يتجاهلون نصيحتها، فتنهار كلتا العلامتين التجاريتين بعد الشراء مباشرة. وكما توقعت تماماً، كان الزبائن يفرون من الشركة التي تغيرت علامتها التجارية خشية من عدم تلبية الشركة الجديدة الأكبر لاحتياجاتهم.

لماذا يرتكب كثير من فرق الإدارة هذا الخطأ؟ يكمن الجواب برأيي في الظاهرة النفسية التي تدعى الإسقاط، إذ يتعرض المدراء لأزمة هوية عندما يواجهون مجموعة كبيرة من العلامات التجارية، وعلى الأرجح يكون رد الفعل هذا قوياً خصوصاً في الشركات التي تنمو بسرعة كبيرة من خلال عمليات الاستحواذ. حتى أنهم يسقطون هذا الارتباك على الزبائن: “إذا لم أتمكن من فهم هذه العلامات التجارية بأكملها، كيف لي أن أتوقع من الزبائن فهمها؟”.

ولكنهم ينسون أنه ليس بالضرورة أن يتعامل زبون العلامة التجارية مع المجموعة بأكملها، فهو زبون لواحدة منها فقط، ولن يصب بالارتباك إلا إذا حاول المدراء استبدال العلامة التجارية التي اعتاد شراء خدماتها. بعبارة أخرى، ما نراه عادة هو أن المدراء يربكون الزبون بسعيهم لمعالجة ارتباكهم هم.

والمثير للاهتمام هو أن خبراء الترويج للعلامات التجارية عادة ما يشعرون براحة أكبر في إدارة كل علامة على حدة. فالمدراء في شركة “بروكتر آند غامبل” على سبيل المثال يتمتعون بحس عال بهوية الشركة حتى عندما يديرون مجموعة ضخمة من الشركات ذات العلامات التجارية المنفردة، وكل شريحة منها لديها عدة علامات تجارية. إذ توجد في شريحة حفاضات الأطفال علامتان تجاريتان، وفي شريحة العناية بالأقمشة 10 علامات تجارية. وفي شريحة العناية بالمنزل 10 علامات تجارية. وهكذا دواليك. وكل علامة تجارية تختلف عن الأخرى، وصممت جميعها بتركيز على اكتساب حصص سوقية أكبر، وربح سوقي أكبر أيضاً. من المؤكد أن الأمر يبدو فوضوياً، ولكنه ناجح.

وهذه ليست مجرد ظاهرة تتعلق بتجارة التجزئة، فأنا أعمل مع شركة أسترالية لتصنيع البيتون مسبق الخلط، وتملك الشركة علامة تجارية رئيسية قوية، ويمكن تمييز شاحناتها الملونة أينما كانت. كما أنها تتبع سياسة عدم تغيير العلامات التجارية للشركات التي تستحوذ عليها، وتسوغ ذلك بأن الزبائن قد لا يرغبون بشراء منتجات العلامة التجارية الرئيسية لعدد من الأسباب الموروثة التي لا يمكن للشركة التحكم بها. ولذلك، وبدلاً من أن تفرض على زبائنها مشكلة هوية يمكن أن تؤدي إلى ابتعادهم عنها، تسمح لهم باختيار “المنافسة” بهدوء، في الوقت الذي تقوم فيه بجني صافي أرباحها كالمعتاد.

ما المغزى الذي يجب أن يأخذه المدراء هنا؟ لا تخلط بين إحساسك بهوية الشركة وإحساس زبائنك بهويات علاماتك التجارية،  لأنك بذلك ستنشر ارتباكك أنت، ليس إلا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .