لعلك تنظر إلى مادة معروضة في المتجر، وإذ بك تدرك أنّ موظف المبيعات يدقق النظر بك. أو ربما تكون أنت موظف المبيعات، وتفكّر إن كان تدخلك في شأن الزبون سيساعد على إقناعه بالشراء.
وبغض النظر عن موقفك، فإنّ العلاقة بين الزبائن والموظفين في المتجر قد يكون لها أثر مباشر على قرار الزبون في الشراء. وقد يفترض مديرو المتاجر أنّ المزيد من التواصل مع الزبون سيكون أفضل، فتجدهم يطلبون من الموظفين أن يتواصلوا بصرياً مع الزبائن، ويرحبوا بهم بحرارة في المتجر وأن يقدموا لهم المساعدة الفورية. ولكن العديد من الدراسات التي أجريتها أنا وزملاء لي خلال الأعوام الماضية وجدت أنّ تواصل موظفي المبيعات مع الزبائن في الوقت الخاطئ قد يكون مسؤولاً عن تراجع المبيعات في المتجر. كما ترى النتائج الأولية التي لدينا أنّ تفسير هذا الأمر عائد إلى قضيّة احترام الخصوصية.
إذ يرغب الزبون في مستوى معين من الخصوصية في المتجر، كما يريد أن يكون التحكم بهذه الخصوصية بيده هو. بعبارة أخرى، يفضل الناس أن يُتركوا وحدهم بأريحية، مع امتلاك القدرة في الوقت ذاته على الحصول على المساعدة عند حاجتهم إليها. وعليه، فإنّ الزبون الذي يشعر أنّ الموظف يراقبه وهو لا يحتاج مساعدته، سيغيّر الخط الذي هو فيه ويهرب إلى مكان آخر ليستعيد السيطرة على الموقف، وربما يدفعه هذا إلى عدم الشراء. ووفق إحدى التجارب الميدانية مع الزبائن في متجر استهلاكي ضخم وجدنا أنّه في حالة تواصل الموظف بصرياً مع الزبون، فإنّ فرصة شرائه للمنتج الذي يبحث عنه تنخفض بنسبة 37 في المئة. وفي تجربة ميدانية ثانية أيضاً وجدنا أنه في حال اختراق المساحة الشخصية للزبون، فإنّ فرصة الشراء تنخفض بنسبة 25 في المئة إذا شعر أنّ الموظف قريب منه بشكل مبالغ فيه.
كما يكون التحكم بالخصوصية أكثر أهمية حين يكون المنتج المقصود للشراء يقول الكثير عن مشتريه. فبعض المنتجات كطلاء الأظافر مثلاً أو صبغة الشعر تكشف بعض الجوانب في شخصية المشتري بخلاف منتجات أخرى محايدة كغسول الوجه أو القطن. وهذه المنتجات "الكاشفة" إضافة إلى كونها تتطلب المزيد من الوقت في البحث والتفكير، فإنّها تفصح عن بعض المعلومات عن الشخص واختياراته. وقد أجريت تجربة ميدانية على مشترين في متاجر كبيرة ووجدت أنّ الزبائن غالباً ما يتراجعون عن شراء منتج كطلاء الأظافر (منتج كاشف) حين يخترق الموظف أو الموظفة مساحتهم الشخصية، وذلك يحدث بنسبة أعلى مقارنة بما يحدث عند البحث عن منتجات أخرى غير كاشفة مثل مستحضر إزالة المكياج. وتفسر أبحاث أخرى اعتمدت على استبيانات أجريت على 221 متسوقاً هذه الظاهرة. فالاقتراب من المتسوق مثلاً أثناء نظره إلى منتجات غير كاشفة قد يساعد في الواقع على إتمام الشراء بسرعة، لأن المنتج لا يكشف الكثير عن ذوق المشتري وشخصيته. لكن إن كان المنتج يقول الكثير عن المشتري فإنه في هذه الحالة يفضل بعض الخصوصية أثناء البحث عن المنتج المطلوب. والخلاصة: هي أنّ اختراق خصوصية المشتري قد يدفعه إلى النفور من الشراء إن كان المنتج الذي يبحث عنه كاشفاً.
هنالك أيضاً عامل يتعلق بالإحراج. فثمة منتجات تقع في هذا التصنيف، مثل منتجات تخطيط الأسرة، والمنتجات الخاصة بالعناية بالمرأة، ومنتجات الصحة الجنسية، وغيرها من المنتجات. ووفق بعض الأبحاث التي تشتمل على استبيانات وُزعت على 150 زبوناً لتصنيف ما يقارب 450 منتجاً، فإنّ العديد من المنتجات كانت سبب إحراج لجنس معين دون الآخر: بالنسبة للمرأة: كانت منتجات إزالة شعر الوجه، وبالنسبة للرجال فقد كانت أوراق التواليت (وهذا أمر عجيب). وقد أُجريت 7 تجارب منفصلة على 425 متسوقاً ظهر فيها أنّ الإحراج يكون أكبر إن كان تغليف المنتج يصدر صوتاً مميزاً عن غيره. وأظهرت دراسة رصديّة أنّ المنتجات التي تسبب الإحراج والتي كانت تغلّف بشكل أقلّ لفتاً للنظر قد كانت تحقق مبيعات أكبر بمقدار الضعف مقارنة بالمنتجات التي تثير الجلبة في تغليفها. وعند شراء مثل هذه المنتجات "المحرجة" خصوصاً يشعر المشتري بضرورة تحكمه بمساحة من الخصوصية.
كيف يمكن توفير بيئة تساعد على منح هذا الشعور لدى الزبائن؟
قد يكون من الصعب وغير العملي أن يطلب مدير المتجر من موظفيه الابتعاد عن الزبائن تماماً. وذلك يعود أولاً لصعوبة تحديد مقدار التواصل الذي قد يحتاجه الزبون في أيّ لحظة، ولذا سيكون تركه وحيداً تماماً أمر مستحيل التحقيق من جهة، كما أنّه ليس بالضرورة ما يرغب به الزبون أيضاً. ثم إنّ فكرة الخصوصية أثناء التسوق لا تعني خلق بيئة لا يتفاعل بها الموظفون مع الزبائن بتاتاً، ولكن الأمر يتعلق بمنح الزبون فرصة السيطرة على هذه الخصوصية.
ولحسن الحظ، فإنّ هنالك بعض الحلول البسيطة إلى حد كبير، ومعظمها قد خضع للاختبار وتبين نجاحها في العديد من التجارب وعبر الاستبيانات التي شارك بها العديد من المتسوقين. بوسع المتاجر زيادة تحكم الزبون بالخصوصية عبر توزيع سلال وعربات التسوق في أماكن مختلفة من المتجر (كي يكون بوسع الزبون "إخفاء" ما يشتريه في تلك السلة)، وإضافة أزرار لطلب المساعدة في كل صف، أو وضع المنتجات التي ترتفع خطورة سرقتها في آلة بيع إلكتروني، بدل وضعها في صناديق محكمة الإغلاق (كي لا يضطر الزبون لطلبها). أما المنتجات "المحرجة" فيجب وضعها في الممر بين الرفوف وليس في الواجهة، لأنّ ذلك يزيد من الخصوصية أثناء التبضع. أما آلية الدفع الذاتي قد تكون طريقة أخرى لزيادة سيطرة الزبون على خصوصيته، ويجدر بالمتاجر التي توفر تقنيات الخدمة الذاتية في الشراء أن تتأكّد من أنّ هذه الخطوط مفتوحة، وتعمل بشكل فعال، وأن تخفض صوت الآلة إن كانت تقرأ اسم المنتج عند تمريره على صندوق الدفع الآلي.
إنّ تكييف تجربة الزبون لمراعاة جانب الخصوصية في تجربة التسوق قد تزيد من الرغبة في الشراء من جهة كما سترفع رضا الزبائن من جهة أخرى. ولهذا الأمر اليوم أهمية أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما عند معرفة أنّ المشتريات عبر الإنترنت كانت أكبر من المشتريات في المتاجر (باستثناء متاجر البقالة)، وذلك وفق الاستبيان السنويّ الذي تجريه مؤسّسة يو بي إس (UBS) على 5,000 متجر عبر الإنترنت. ولعل أحد الأسباب التي تدفع المشتري لتفضيل التسوق عبر الإنترنت هو ما يتوفر لديه من بيئة تزيد من مقدار سيطرته وخصوصيته. وكما تهتم المتاجر بجذب الزبائن وتشجيعهم للعودة إليها فإنّ عليها كذلك أن تركّز على توفير تجربة ملائمة أكثر داخل المتجر والعناية بجانب الخصوصية لدى الزبائن.