كيف يمكنك إدارة خدمة العملاء تحديداً؟ من البديهي أن تقوم الشركات بتقديم خدمة عملاء جيدة. لكن ما مدى أهمية هذا الأمر فعلاً؟
حتى الآن، لم يتم قياس ذلك بدقة عبر شركات مختلفة. يمكن تفهم تردد الشركات في مشاركة بيانات إدارة علاقات العملاء والمبيعات، وهو أمر يجعل معظم البحوث في هذا المجال مستندة على استطلاعات الآراء. لكن رغبة المزيد من الأميركيين بالحصول على دعم من خدمة العملاء عبر الإنترنت تجعل وسائل التواصل الاجتماعي أفضل منصة لتحليل التفاعلات بين مندوبي الخدمة والعملاء.
باستخدام بيانات من تويتر (حيث يعمل أحدنا)، قمنا بتصميم تجربة لدراسة تفاعلات خدمة العملاء في صناعتين تولدان عدداً كبيراً من شكاوى خدمة العملاء: شركات الطيران وشركات الاتصالات اللاسلكية. وجدنا أنّ خدمة العملاء الفورية والشخصية تعود بفائدة كبيرة حقاً، فالعملاء يتذكرون ما يمرون به من تجارب سيئة أو جيدة مع خدمة العملاء، وهم مستعدون لمكافأة الشركات التي تعاملهم جيداً.
حددنا أكثر من 400,000 تغريدة متعلقة بخدمة العملاء أُرسلت إلى شركات الطيران الخمس الكبرى (أميركان إيرلاينز، دلتا، جيت بلو، ساوث ويست أيرلاينز، يونايتد)، وأكبر أربع شركات للاتصالات اللاسلكية (أيه تي آند تي، سبرينت، تي موبايل، فيرايزون) في الولايات المتحدة اعتباراً من مارس/آذار لعام 2015 إلى أبريل/نيسان لعام 2016. كانت أنواع التغريدات في عينتنا شاملة، تتضمن الشكاوى والأسئلة والتعليقات. وبما أنّ جميع التغريدات كانت علنية، كان بوسعنا مراجعة المحادثة الكاملة بين العميل ممثل خدمة العملاء (باستثناء الرسائل المباشرة) ووسم التفاعل بخصائص، كنوع مشاعر العملاء ونبرة كلامهم (مثلاً، هل هذا التفاعل مدح أم ذم؟ هل العميل سعيد أم غاضب؟).
ثم اتصلنا بهؤلاء العملاء على موقع تویتر بعد ستة أشهر من تغريداتهم عن الشركات، ودعوناهم إلى المشاركة في استطلاع آراء موجز. ومن دون تقديم سبب لاستطلاع الآراء، طلبنا منهم المشاركة في بحث شائع لدراسة السوق، يسمى تحليل الارتباط لمعرفة ما إذا كانت تجارب خدمة العملاء قد أثرت على تقييمهم للعلامات المميزة لتلك الشركات.
على سبيل المثال، بالنسبة للعملاء الذين نشروا تغريدات عن شركات الطيران، طلب منهم التحليل أن يتخيلوا شراء تذكرة لرحلة دون توقف لمدة ساعتين. كان عليهم الاختيار بين "عروض" متنوعة تتفاوت من نواحي متعددة، مثل: شركة الطيران ونوع المقعد ومعدل الالتزام بالوقت والسعر، على غرار طريقة استعراض العملاء للأسعار في مواقع مثل كاياك أو إكسبيديا. كما قمنا بنفس الاختبار على عملاء شركات الاتصالات اللاسلكية.
تمكنا من خلال هذا التدريب أن نحدد القيمة، بالدولار، التي ينسبها العملاء إلى شركات الطيران المفضلة لديهم. في تويتر، أتم 1,877 مستخدماً الاختبارات المشتركة - 673 منهم تلقوا ردوداً من الشركات، في حين أنّ 375 لم يتلقوا رداً، و829 لم يكن لديهم تفاعل مع خدمة العملاء واستخدمناهم بمثابة مجموعة مراقبة لتحديد الحد الأدنى الذي كانوا مستعدين لدفعه.
قمنا بعدها باختبار فرضيتنا: هل يعطي العملاء الذين كانت لهم تجربة تفاعل إيجابي مع مندوب خدمة العملاء تقييماً أعلى للعلامة المميزة؟ أو في لغة الإدارة، عندما تقدم العلامة المميزة خدمة أفضل للعملاء، فهل سيقوم العملاء بمكافأة تلك العلامة المميزة بولاء أكبر أو دفع سعر مرتفع؟
خدمة العملاء الجيدة مهمة على جميع المنصات
كان من الواضح جداً أنّ هناك احتمالاً أكبر أن يدفع العملاء أكثر للعلامة المميزة، أو يختاروها مرات أكثر من بين مجموعة علامات مميزة تقدم أسعاراً معقولة إن كان هناك تفاعل بينهم وبين ممثل خدمة العملاء لتلك العلامة المميزة على تويتر، وذلك بالمقارنة بمجموعة المراقبة لدينا الذين أبدوا مثل هذا الميل. وسطياً، وعلى امتداد جميع التغريدات، وبغض النظر عما إذا كان العميل يستخدم نغمة سلبية أو محايدة أو إيجابية، وجدنا أنّ العملاء الذين تلقوا أي نوع من الاستجابة على تغريداتهم كانوا على استعداد لدفع 9 دولار أكثر للحصول على تذكرة سفر مع تلك الشركة في المستقبل. هذه الدولارات التسع الإضافية يمكن اعتبارها قيمة إضافية للعلامة المميزة كسبتها شركة الطيران في عقل العميل. بعبارة أخرى، على افتراض ثبات العوامل، فإنّ العميل على استعداد لشراء تذكرة من شركة الطيران حتى لو كانت تُكلّفه 9 دولار أكثر من منافسيها.
وجدنا نتائج مماثلة لدى مشغلي الاتصالات اللاسلكية. كان العملاء الذين تلقوا أي نوع من الاستجابة على تغريداتهم على استعداد لدفع 8 دولار أكثر، وسطياً، مقابل باقة خدمة اتصالات لاسلكية شهرية من ذلك المشغل في المستقبل، مقارنة مع مجموعة المراقبة. وعلى عكس تذاكر الطيران، فإنّ باقات الاتصالات اللاسلكية شهرية ومتكررة، لذلك فإنّ قسطاً أعلى بـ8 دولار في الشهر يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإيرادات.
كما أجرينا استطلاعاً لآراء العملاء حول احتمالات التوصية بالعلامة المميزة للآخرين بحيث نستطيع أن نستنتج مقياس الترويج الصافي (NPS)، وهو مقياس شائع لولاء العملاء. وجدنا أنّ تلقي استجابة يحسّن مقياس الترويج الصافي بنسبة 37 نقطة لشركات الطيران و59 نقطة لشركات الاتصالات اللاسلكية، وهو يتفق مع النتائج التي توصلنا إليها من تحليل الارتباط. (هذه عثرة كبيرة بالنظر إلى أن نتائج مقياس الترويج الصافي تتراوح من -100 إلى +100). بالإضافة إلى ذلك، استمرت هذه الآثار لمدة لا تقل عن ستة أشهر بعد التفاعل، ما يشير إلى مدى ديمومة الأثر الإيجابي للخدمة الجيدة.
حاول الرد على العملاء، حتى لو كانوا مستائين
قد تبدو العلاقة بين خدمة العملاء الجيدة والولاء للعلامة المميزة بديهية. إلا أن المفاجئ في الأمر أنّ السعي لإشراك عميل غاضب أو عدواني قد يكون له أيضاً تأثير إيجابي على العلامات المميزة.
يُعد التعامل مع العملاء الغاضبين مهمة يومية لأي مندوب خدمة عملاء. وفي حين تجتهد معظم الشركات لحل مشاكل العملاء، هناك بعض المشاكل التي لا يمكن حلها (كإلغاء رحلة تتسبب بتفويتك حفل زفاف شقيقتك، أو انقطاع مكالمة أثناء مفاوضات تجارية هامة). لكن في كثير من الحالات، ليس هناك إلا القليل مما يمكن للشركات فعله لمعالجة شعور أحد العملاء بالمظلومية،
ولكن أحياناً يكون كل ما يبحث عنه العملاء هو قليل من التعاطف. عندما استخدم العملاء نبرة سلبية أو حتى غاضبة في تغريداتهم الأولية إلى فريق خدمة العملاء، رأينا أنّ المنهج الأفضل يكون بالرد على التعليقات السلبية بدل تجاهلها.
في دراستنا، زاد تلقي العميل لرد (أي رد على الإطلاق) من رغبته بالدفع لاحقاً، حتى في الحالات التي كان العملاء فيها متضررين. وفي حين أدى حل مشكلة بنجاح إلى خلق المزيد من قيمة للعلامة المميزة (حوالي 6 دولار لعينة شركات الطيران)، فإنّ الرد حتى من دون تقديم حل عاد بقيمة تعادل حوالي 2 دولار على شكل قيمة مضافة للعلامة المميزة لشركة الطيران.
ووجدنا أنّ هذه التأثيرات كانت أكبر حتى لدى شركات الاتصالات اللاسلكية. فبالنسبة للعملاء الذين لم يتلقوا أي رد، لم نجد أي تغيير ذي دلالة إحصائية في استعدادهم للدفع. ولكن العملاء الذين تلقوا أي شكل من أشكال الردود على تغريدة سلبية كانوا، وسطياً، على استعداد لدفع 7 دولار شهرياً أكثر لشراء باقة خدمات لاسلكية من تلك الشركة مقارنة بالعملاء الذين لم يحصلوا على أي رد. وبالنسبة للحالات التي حُلّت فيها المشكلة، فقد كان هؤلاء على استعداد لدفع 8 دولار أخرى، وحتى عندما كان ممثل خدمة العملاء غير قادر على حل المشكلة، كان العملاء مستعدين لدفع 6 دولار أكثر.
الدرس للمدراء هنا هو أنّ عليهم الرد على كل تعليق مرتبط بالخدمة يصدر من العميل على الإنترنت، حتى ولو كان من مثل "لن أسافر مع شركة الطيران هذه مرة أخرى!"، فمجرد الإقرار بمشكلة العميل يمكنه نزع فتيل الإحباط الأولي وإعادة العميل على سكة الولاء. وبدل أن ينظر العميل إلى الشركة على أنها العدو، ستؤدي الاستجابة المتعاطفة لتعديل الوضع بحيث يشعر العميل الآن أنّ الشركة في جانبه.
ومع ذلك، لا تتجاهل أسعد عملائك. فقد وجدنا أنّ أعلى الزيادات في الاستعداد للدفع تأتي في الواقع عندما تستجيب الشركات للعملاء الذين نشروا تغريدة إيجابية عن الشركة. فقد أدى الحصول على رد على تعليق إيجابي إلى توليد 28 دولار أكثر لتذكرة الطيران مستقبلاً و12 دولار أكثر شهرياً لباقات الاتصالات اللاسلكية. إنّ العملاء الذين يقولون أشياء جيدة عن عملك هم المدافعون عنك والموالون لعلامتك المميزة. يمكنك إظهار تقديرك لهم من خلال الاعتراف بهم وشكرهم على ولائهم.
الخدمة الجيدة تحدث سريعاً
كما هو مهم الرد على كل مشاكل العملاء، فإنّ المهم أكثر أن يكون الرد سريعاً. لاحظنا أنّ العلامة المميزة يمكن أن تحصل على قيمة أكبر بكثير بتقديم رد الفوري. عندما ردت شركة طيران على تغريدة عميل في خمس دقائق أو أقل، كان هذا العميل على استعداد لدفع 20 دولار أكثر للحصول على تذكرة من تلك الشركة في الأشهر المقبلة. وبالمثل، كان عملاء شركات الاتصالات اللاسلكية على استعداد لدفع مبلغ ضخم يصل إلى 17 دولار في الشهر لباقة الهاتف عندما تلقوا رداً في غضون خمس دقائق.
إلى جانب ذلك، يتوجب على ممثلي خدمة العملاء التحرك سريعاً للاستفادة من هذه الفرص. بالنسبة لشركات الطيران، وجدنا أنه بعد انقضاء 20 دقيقة، كان العملاء على استعداد لدفع 3 دولارات أخرى فقط، أي بانخفاض قدره 85 في المئة في القيمة مقارنة بالزبائن الذين حصلوا على رد خلال خمس دقائق أو أقل. بعد مضي ساعة، كان العملاء على استعداد لدفع 2 دولار فقط. ووجدنا أنّ متوسط الوقت الذي استغرقته شركات الطيران للرد على التغريدات في عينتنا كان حوالي 20 دقيقة، وهذا يعني أنّ ما لا يقل عن نصف شركات الطيران كانت تترك مبالغ كبيرة على الطاولة.
وفي حين أننا لم نتمكن إلا من قياس وقت الاستجابة على التفاعلات في تويتر، إلا أننا نعتقد أنّ الاستجابات السريعة يمكن أن تولد نية حسنة في جميع قنوات خدمة العملاء. في دراستنا، كان زمن استجابة من خمس دقائق أو أقل يعني أنّ شركة الطيران صُنّفت من ضمن الـ20 في المئة الأسرع من حيث أوقات الاستجابة في بياناتنا. ونحن نتوقع أن نرى آثاراً مماثلة، بغض النظر عن الوسيلة، طالما أنّ الشركة تستجيب بأسرع مما يتوقعه العملاء. (يتوقع العميل العادي من الشركات مساعدتهم في غضون 5 دقائق بالنسبة للهاتف، وفي غضون ساعة واحدة لوسائل التواصل الاجتماعي، وخلال ما بين الساعة إلى 24 ساعة للبريد الإلكتروني).
واستمرت هذه الأنماط حتى لو لم يتم حل شكوى العميل، وهذا يعني أنّ حتى إقراراً مقتضباً بقضية العميل وطمأنته بأنّ مندوب خدمة العملاء ينظر في مشكلته، يعود بنتائج إيجابية على العميل. ويتفق هذا مع بحوث علم النفس التي تقول بأننا نكره عدم اليقين الناشئ عن تقديم طلب إلى شخص ولا نحصل على رد.
العملاء بشر، لذا اجعل تعاملك شخصياً معهم
تتعلق الرؤى الأخرى لأبحاثنا بقيمة إجراء تواصل شخصي مع العملاء الذين يطلبون دعماً. إذ يمكن لتخصيص الرسالة بكتابة بعض الأحرف الإضافية إحداث فرق كبير. فقد أظهرت دراستنا أنّ العملاء الذين تلقوا رداً غير مزيّل بتوقيع لم يُظهروا أي زيادة ملحوظة في الرغبة في الدفع بالمقارنة مع غيرهم. لكن عندما وقّع ممثل خدمة العملاء باسمه أو بالأحرف الأولى لاسمه في رده الأول على العمل، لاحظنا أنّ استعداد العميل للدفع زاد بمقدار 14 دولار في رحلته المستقبلية مع شركة الطيران تلك مقارنة بالعملاء الذين تلقوا رداً غير موقع. وبالمثل، في صناعة الاتصالات اللاسلكية، كان العملاء على استعداد لدفع 3 دولارات أكثر لباقة شهرية إن وقّع ممثل خدمة العملاء باسمه مقارنة بأولئك الذين تلقوا رداً غير موقّع.
عندما يوقع الوكلاء بأسماءهم في تغريداتهم أو مشاركاتهم، فإنّ هذا يُضفي طابعاً إنسانياً عليها ويُشعر العملاء أنّ الشركة، أو على الأقل شخصاً داخل الشركة، يقف في صفهم. كما أنّ هذا التوقيع يريح العملاء أكثر في متابعة قضيتهم لاحقاً لمعرفتهم اسم الموظف الذي ساعدهم.
تتزايد صعوبة توفير خدمة العملاء مع تحول المستهلكين إلى مجموعة واسعة من القنوات للحصول على الدعم وتوقعهم للردود بشكل أسرع، حيث تقيّد الضغوط لتحقيق الإيرادات ما تستطيع الشركات تقديمه بتكلفة لا تكون كبيرة. وتبيّن أبحاثنا أنّ خدمة العملاء التي تظهر تعاطفاً تقدم الكثير من القيمة، كما أنّ هناك ممارسات بسيطة تحول العملاء المتضررين إلى أوفياء مخلصين.
أولاً، حاول مفاجأة العملاء باستجابة سريعة، بحيث يشعرون أنّ هناك من يهتم بهم. حتى إقرار بسيط لشراء الوقت بينما تشخص مشكلة العميل يمكن أن يحقق عائدات مستقبلية. ثانياً، لا تخجل من الاستجابة للعملاء التعساء، حتى لو لم تتمكن من حل المشكلة على الفور. وأخيراً، حتى الإيماءات الصغيرة كتوقيع الوكلاء بأسمائهم أو بالأحرف الأولى من أسمائهم يخلق قيمة فورية لأعمالك.