هل يحتاج زبائنك إلى نسخة “ذكية” عن منتجك؟

6 دقائق

أصيب قطاع التكنولوجيا بما يشبه "حمى الذهب" في الأعوام القليلة الماضية، إذ أخذ يركز على إنترنت الأشياء التي كثيراً ما يشار إليها على أنها "الثورة الصناعية التالية"، وأخذت الشركات تتدافع لوصل أي شيء وكل شيء في المنزل بأحد برامج الهاتف الذكي وتطبيقاته. وأعتقد أن هذا التدافع تقوده أرقام وتوقعات كبيرة، ويمكن أن يغوي الشركات للدخول إلى مجالات مجهولة دون وجود أي ضمان لتحقيق عائد آمن ومربح. وأنا أعرف ذلك لأني مررت به بنفسي.

تعمل الشركة التي أقودها "بيغ آس سولوشنز" (Big Ass Solutions) في صنع المراوح والمصابيح وأجهزة التحكم وبيعها للاستخدام التجاري والمنزلي. وتعمل منتجاتنا مع تطبيقات الهواتف الذكية أو دونها، وعلى الرغم من أننا وجدنا زبائن يرغبون بمنتجات تتصل بإنترنت الأشياء إلا أن عدد زبائننا الذين يثمنون التقنية الجديدة أقل بكثير مما اعتقدنا بناء على توقعات الصناعة.

هناك بعض الدروس التي يمكن أن يستفيد منها غيرنا من المصنعين، وخصوصاً الذين لم يربطوا منتجاتهم بإنترنت الأشياء بعد وقد ينتابهم الخوف من التخلف عن الركب. نصيحتي لهم: ربما كنتم أفضل حالاً حيث أنتم الآن.

قد تكون "مليارات الأجهزة" مخطئة

مع الانتشار الكبير لتطبيقات الهواتف الذكية، حاول كثير من المحللين تقدير ما قد يعنيه تزايد الأجهزة المتصلة بإنترنت الأشياء نسبة للسوق. فلننظر إلى بعض هذه الأرقام:

  • في عام 2010، حددت شركة إريكسون سقف موجة إنترنت الأشياء التي ارتفعت في الأعوام اللاحقة عندما توقعت وجود 50 مليار جهاز متصل بالإنترنت بحلول عام 2020.
  • في عام 2012، ظهر توقع في جلسة إحاطة للمستثمرين في شركة آي بي إم بوجود ترليون جهاز متصل بالإنترنت (بحلول عام 2015).
  • في عام 2014، توقعت شركة الأبحاث غارتنر، وهي من أنشأ مخطط "دورة موجة إنترنت الأشياء"، أنه بحلول عام 2020، سيضم "منزل الأسرة النموذجي" ما يصل إلى 500 قطعة ذكية.

هذا عدد كبير جداً من الأشياء.

ولكن حدث تغيير في العام الماضي، وتغير مسار توقعات إنترنت الأشياء. خذ مثلاً المحللين في شركة إريكسون، إذ انخفضت توقعاتهم الأولية بمقدار 20 مليار جهاز. وقالت شركة غارتنر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2016: "تبقى إنترنت الأشياء على قمة التوقعات المتضخمة للعام الثالث على التوالي مع رفع التجار لهذه الموجة إلى مستويات أعلى. ولكن تعاني معظم الشركات من صعوبة في العثور على حالات استخدام تتعدى إثبات صحة المفهوم".

عندما ينتابك الشك، اتبع نهجاً معيارياً

عندما بدأت موجة إنترنت الأشياء بالظهور، انصببنا على توقعات المحللين كحال معظم الشركات الأخرى. شككنا بالأرقام ولكننا أدركنا أن هناك أمراً ما يحدث، وكنا نرغب بالمشاركة فيه. فأجرينا استفتاء لبعض أصحاب المنازل الذين تم اختيارهم عشوائياً حول درجة جذب ميزات الاتصال بالإنترنت لهم، ووجدنا اهتماماً كبيراً بوسائل الراحة المتصلة بالكمبيوتر. ولكن في خضم حماستنا آنذاك، لم ننتبه إلى أن نسبة المستهلكين الذين جذبهم أحد التطبيقات أقلّ بكثير. وبعد سلسلة من الاجتماعات مع الشركات القوية في وادي السيليكون، مثل جوجل وآبل وأمازون، قررنا تطوير تقنية إنترنت الأشياء الخاصة بشركتنا ووظفنا الأشخاص القادرين على مساعدتنا في تحقيق ذلك.

وفي تلك الأثناء، نجحنا في تصميم تقنية الحساسات التي جعلت مراوح السقف المنزلية التي نصنعها تستجيب لتغيرات البيئة الداخلية في المنزل، بما فيها تغيرات الحرارة والرطوبة بالإضافة إلى حركة القاطنين. وعندما جمعنا الأجهزة مع البرنامج الجديد عرفنا أننا صنعنا شيئاً مهماً، وهو أول مروحة ذكية في العالم يمكن للمستخدم برمجتها وفق تفضيلاته الشخصية وربطها بالمصابيح التي نصنعها كذلك. كنا نعتقد أنّ هذه الحزمة برمتها تشكل قفزة هائلة فيما يتعلق بالكفاءة والرفاهية والراحة.

بدأنا ببيع خيار هذه المروحة الذكية وكان هناك عدة آلاف من المستخدمين الأوائل المتحمسين لها. ولكن نظراً لإهمالنا تصنيعها باتباع نهج معياري، وهذا خطأ أدركناه لاحقاً، اضطررنا لبناء قطعتين من كل شيء، فصنعنا مراوح مع ميزة الاتصال بالإنترنت ومراوح دونها. وبعد حساب عدد الزبائن الذين اشتروا المراوح المحسنة، الذين بلغت نسبتهم 40%، وإجراء بعض الاستبانات التي أظهرت نسبة رضا مرتفعة عن التقنية لدى الزبائن، قررنا التوقف عن تصنيع المراوح مع اعتبار ميزة "الذكاء" فيها خياراً إضافياً، واستعضنا عن ذلك بجعله أمراً موحداً. وبذلك، سنخفض عدد وحدات الاحتفاظ بالمخزون، وسيكتشف الناس مدى روعة التقنية وسينتقل الجميع إلى استخدامها وسيساهمون في نشرها بالتحدث عنها. هذا ما كنا نعتقده على الأقلّ، مأخوذين بالموجة أكثر مما ينبغي.

ماذا فعل الزبائن بالمنتجات الذكية في الواقع؟

خلال أقل من عامين بعد اتخاذ قرار جعل ميزة الاتصال بالإنترنت أمراً قياسياً في أجهزتنا، أقول بكل ثقة أن إمكانية صنع أجهزة يمكن وصلها بتقنية إنترنت الأشياء لا تعني بالضرورة أن الناس سيرغبون بها. ووفقاً لاستجابة زبائننا، فإن الجمهور ببساطة لا يطالب بالاتصال بتقنية إنترنت الأشياء بعد. وكثير من زبائننا لا يستخدمون التقنية التي نوفرها لهم.

لا تحتاج منتجاتنا المنزلية إلى تطبيق على الهاتف الذكي لتؤدي وظائفها، بل هي مجهزة بعدة خيارات تحكم وتطبيق الهاتف الذكي أحدها. يمكن للزبائن اختيار وصلها بالإنترنت أو عدمه، واختيار استخدام أليكسا أو نيست أو غيرها من أنظمة المساعدة الذكية أو عدمه. وعلى الرغم من وجود جميع هذه الخيارات، ينشئ نصف زبائننا فقط حسابات على تطبيقنا الخاص على الأجهزة الذكية التي تعمل على نظام التشغيل "iOS". كما أنّ التقييمات التي نحصل عليها من زبائننا تقول إن الجودة والجمالية لا زالتا تتمتعان بأهمية أكبر من الميزات الذكية.

في شهر مارس/آذار من العام 2017، قالت شركة غارتنر أن 10% فقط من المنازل اليوم تضم حلولاً منزلية متصلة بتقنية إنترنت الأشياء، وأتجرأ على القول إن نسبة أقل من المنازل تستخدم هذه "الحلول" بالفعل. وبالنظر إلى ما سبق، ربما كنا مذنبين بتبني عقلية ستيف جوبز في التفكير، معتقدين أن الناس لن يعرفوا ما يريدون إلا إذا عرضناه عليهم.

كما أننا كنا مفتونين أكثر مما يجب بتقنيتنا، وافترضنا أنها ستتمكن على الفور من جذب الأغلبية المتقدمة التي تعرفها نظرية روجرز التقليدية لانتشار الابتكار بأنها الفئة التي تشتري المنتجات بكميات كبيرة بعد المستخدمين الأوائل. ولأن معظم الموظفين الذين كانوا يقودون أعمال إنترنت الأشياء في شركتنا يقعون ضمن فئة المستخدمين الأوائل، لم نتمكن من فهم أن برمجة منتجاتنا أو منتجات أي شركة أخرى بهدف الاستمتاع بمجموعة الوظائف كاملة تتطلب مستوى من الصبر والالتزام لا يملكه معظم الناس. (إذا كنت تشك في ذلك، سل نفسك عن عدد المرات التي أجلت فيها تحديث النظام على جهاز الكمبيوتر).

اطرح هذه الأسئلة على نفسك أولاً

يحتاج تطوير منتجات متصلة بتقنية إنترنت الأشياء إلى التزام كبير. ومن الضروري أن تبدأ به مع الانتباه الشديد لطريقة تأثيره على نموذج عمل شركتك وعملية التصنيع فيها. إليك خمسة أسئلة أحث شركات المنتجات الاستهلاكية على طرحها على نفسها مسبقاً:

هل يشكل هذا المنتج القابل للاتصال بتقنية إنترنت الأشياء حلاً لمشكلة حقيقية؟ يبنى نموذج العمل التقليدي على التعرف على حاجة معينة وتلبيتها، أو تحديد مشكلة ومعالجتها، وهذا نموذج ناجح. وحتى الآن، كانت معظم المنتجات المتصلة بتقنية إنترنت الأشياء تشكل حلولاً تبحث عن مشاكل لتعالجها.

هل يرغب زبائننا بهذا حقاً؟ كم عددهم؟ لا تفترض أن الجميع يطالبون بمنتجات متصلة بإنترنت الأشياء لمجرد أنها تقنية تثير ضجة كبيرة. تحدث إلى زبائنك واستمع إلى ما يقولونه. وكما يجب على النجار أخذ القياسات مرتين قبل البدء بقطع الخشب، يجب على المصنعين استفتاء آراء زبائنهم مرتين على الأقل قبل الالتزام بالتقنية الجديدة.

هل وازنت الأمور الاقتصادية ذات الصلة على نحو كامل؟ تنشئ البرمجيات على وضعها الحالي العديد من الفرص، ولكنها تنشئ تكاليف جديدة متنوعة أيضاً. احرص على الاستعداد جيداً للتعامل معها جميعها.

هل يجب عليّ إبقاء العمل داخلياً، أم يجب أن أستعين بالتوريد الخارجي؟ بدأنا بالتوريد الخارجي للعمل ولكن وجب علينا الانتباه إلى أدق التفاصيل. ولكن إبقاء العمل داخلياً هو التزام كبير جداً. وازن عواقب كل منهما بحذر بصورة مسبقة.

هل يمكنني ضمان حصول الزبون على تجربة جيدة؟ إذا كانت شركتك تأخذ الخدمة على محمل الجد، فيجب أن تكون مستعداً للتعامل مع زبائنك بطريقة جديدة كلياً. إذ سيكونوا جميعاً مزودين بتجهيزات مختلفة ومستويات مختلفة من الخبرات التقنية وسيكون لديهم الكثير من الأسئلة التي لا يمكن لأحد الإجابة عنها سوى الموظفين الذين يفهمون التقنية وواجهة مستخدميها، وهم يتحدثون بلغة مختلفة تماماً عن لغة الآخرين في شركتك.

إن التصنيع التقليدي مربح جداً، ولكن يحتاج تطوير منتجات جديدة إلى قدر هائل من الوقت والمال، ويستحيل تسريع العملية دون التضحية بالجودة. أما البرمجيات فهي سريعة للغاية، ومحاولة تحقيق دمج فعال، لجدول تصنيع الأجهزة بطيء الحركة مع تطوير البرمجيات ذي السرعة الخاطفة، تبدو كربط السلحفاة والأرنب البري معاً في سباق سداسي الأرجل، ويحتاج اجتيازهما خط النهاية إلى صبر وتعاون كبيرين.

توقع نائب الرئيس في شركة غارتنر، ألفونسو فيلوسا، أن التيار السائد في استخدام الأجهزة المتصلة بإنترنت الأشياء سيستمر على مدى 5 أو 10 أعوام مقبلة، وبذلك، يستمر خط النهاية بالتحرك. بالإضافة إلى أن اتباع التيار السائد قد يأخذ شكلاً مختلفاً للغاية عندما يحدث في نهاية المطاف. قالت شركة باركس أسوشيتس (Parks Associates) منذ وقت ليس ببعيد: "كشف بحث جديد عن اهتمام شديد بأجهزة التحكم الصوتية المنزلية. ووفقاً لبيانات السوق الجديدة فإن 55% من أصحاب المنازل التي تضم اشتراكاً بخدمة الإنترنت ذات النطاق العريض يقولون إنهم يرغبون باستخدام التحكم الصوتي للتحكم بالأجهزة الذكية في منازلهم". أتقول 55%؟ الوقت وحده كفيل بكشف مدى صحة ذلك.

أنا لا أشك في أن التحكم الصوتي هو موجة المستقبل الجديدة، وأنه سيحل محل التطبيقات في نهاية المطاف، وتتخذ شركتنا حالياً خطوات في هذا الاتجاه. ولكن هذه المرة، سنطبق الدروس التي تعلمناها وسننتقل إلى التقنية الجديدة بسرعة أقل بعض الشيء. وبحسب التعبير المفضل لدى قاطني ولايتنا الأم كنتاكي، نحن لا نجري، بل نهرول. وحتى إذا لم نكن السباقين، فهذا لا يعني أننا لن نحتل الصدارة على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي