لماذا تنصح الشركات بالاستفادة من خبرات المؤسسات غير الربحية عندما تتدهور الأعمال؟

7 دقائق
الاستفادة من خبرات المؤسسات غير الربحية

ملخص: يمكن لعالم الأعمال أن يتعلم الكثير من المؤسسات غير الربحية، لاسيما في الأوقات التي يُنتظر منه أن يكون أكثر شمولاً وأكثر مراعاة للتأثير الاجتماعي وأن يقدم الكثير بأقل الموارد. هناك 3 استراتيجيات مترابطة ووثيقة الصلة بالشركات التي تسعى إلى إضافة قيمة مجتمعية في عصر "كوفيد-19": 1) السعي إلى تحقيق أهداف وسيطة، و2) تقبُّل التوترات التي تبدو متناقضة، و3) تقديم الكثير بأقل الموارد. يُعد مستشفى "كريستيان ميديكال كوليدج" (سي إم سي) (Christian Medical College) في ضاحية فيلور بالهند مثالاً جيداً على كيفية وضع تلك الأفكار موضع التنفيذ. ليحقق المستشفى هدفه طويل الأجل المتمثل في تحقيق نتائج أفضل في مجال الرعاية الصحية، سعى إلى تنفيذ برنامج لتوفير فرص عمل بحيث يلبي الحاجة الملحة للأشخاص، وهي الحصول على دخل أكثر استقراراً، ويبني الثقة بالمستشفى. وفي حين أن هدفه المتمثل في تقديم رعاية عالية الجودة للمرضى ذوي الدخل المنخفض يبدو متناقضاً، إلا أن سمعته الجيدة سمحت له أن يأخذ من المرضى الأكثر ثراء ما يكفي من النفقات ليدعم مالياً المرضى المحتاجين. كما أن القدرة على التمييز بين النفقات التي تضيف قيمة بحكمة والتي لا تقوم بذلك أتاح للمستشفى إبقاء التكاليف منخفضة نسبياً. الاستراتيجيات القائمة على مبدأ الالتفاف (النهج غير المباشر لتحقيق الأهداف) وتقبُّل التناقض في نهج "القيادة التي تستغل جميع الحلول المتاحة" والاقتصاد في النفقات، ليست جديدة في حد ذاتها ولكن تطبيقها بطريقة تجعل كل منها تعزز الأخرى يخلق إمكانات جديدة.

 

في عصر "كوفيد-19" يتعين على الشركات أن تضطلع بدور أساسي في التعامل مع الصعاب التي تسببت بها الجائحة. ولكن للقيام بذلك، يجب عليها أيضاً إدراك كيف تغير المشهد من حولها؛ فقد أصبح الشمول أكثر أهمية من أي وقت مضى، وهناك ضغوط على القادة لتقييم النتائج الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى أن الموارد اللازمة لتحقيق كل هذا أصبحت أكثر ندرة من المعتاد. كما أن الأساليب الحالية قد لا تكون كافية لمواجهة هذه التحديات.

لذلك قد يكون من الجيد أن يتطلع عالم الأعمال إلى خبرات المؤسسات غير الربحية لاستلهام أفكار جديدة ومبتكرة. وكما قال أسطورة الإدارة بيتر دراكر، يمكن للمؤسسات غير الربحية أن تكون مصدر إلهام قوي وغير تقليدي للشركات. ويصدق هذا بصفة خاصة في أعقاب "كوفيد-19"، إذ يواجه أصحاب المصلحة والعملاء الرئيسيون أزمات اقتصادية، وهو وضع تتعامل معه الكثير من المؤسسات غير الربحية باستمرار.

تذكرت ذلك في الأيام الأولى من الجائحة عندما منعتني القيود المفروضة على السفر من العودة إلى الصين وظللت عالقاً في مسقط رأسي ضاحية فيلور بالهند، التي كانت للمصادفة أيضاً المقر الرئيسي لمستشفى "كريستيان ميديكال كوليدج" (Christian Medical College) (اختصاراً "سي إم سي") الذي ساعدت خدماته الطبية الرائدة على مدار عدة عقود على تحسين صحة المواطنين المحليين بشكل كبير. إذ قدّم المستشفى رعاية عالية الجودة للمجتمعات التي تعاني من صعوبات شديدة في تحمُّل التكاليف، وقد كانت جهوده ناجحة للغاية لدرجة أن بيل غيتس، الذي قامت مؤسسته بدعم المستشفى، خص منطقة فيلور بالذكر بوصفها نموذجاً يُحتذى به في تحقيق نتائج مذهلة في مجال الصحة العامة.

أسست الدكتورة آيدا سكودر المستشفى عام 1900 لخدمة النساء والأطفال المحتاجين في المجتمعات المحلية بكل إنسانية وتعاطف، ثم توسع ليصبح مستشفى كبيراً متعدد التخصصات يضم كلية طب رفيعة المستوى، كما أنه أنجب وألهم وأثّر في مجموعة من المؤسسات غير الربحية في فيلور التي تقدم خدماتها في مجالات متنوعة كمرض الجذام والإرشاد النفسي والتعليم المجتمعي. وخلال مسيرة المستشفى أصبح رائداً في مجال الصحة المجتمعية.

ما يجعل الأعمال التي يقوم بها مستشفى "سي إم سي" وثيقة الصلة بقادة الشركات هو الكيفية التي حقق بها النجاح في ظل قيود التعامل مع 1) عملية معقدة لتحقيق الشمول في مجتمع يتصف بمستويات عالية من عدم المساواة بين الجنسين والطبقية والتفاوت الاقتصادي، و2) التوتر بين الحفاظ على تقديم خدمات عالية الجودة والقدرة على تحمُّل التكاليف، و3) القيود الشديدة على الموارد بوصفه مؤسسة غير ربحية.

بعد إجراء مقابلات مع العديد من القادة وأعضاء هيئة التدريس والزملاء الحاليين والمتقاعدين في "سي إم سي"، وتحديداً في قسم الصحة والتنمية المجتمعية، حددتُ 3 استراتيجيات مترابطة تهم الشركات التي تسعى إلى إضافة قيمة مجتمعية في عصر "كوفيد-19"، وهي:

1) السعي إلى تحقيق أهداف وسيطة.

2) تقبُّل التوترات التي تبدو متناقضة.

3) تقديم الكثير بأقل الموارد.

إذ إن سر نجاح مستشفى "سي إم سي" في مجال الصحة المجتمعية يكمن في الترابط بين هذه الاستراتيجيات وليس في العمل على واحدة منها بمعزل عن غيرها.

السعي إلى تحقيق أهداف وسيطة لتنفيذ جدول الأعمال النهائي

يتمثل أحد الدروس الرئيسية المستفادة من تجربة مستشفى "سي إم سي" في أنه ربما من الضروري السعي إلى تحقيق هدف وسيط لتحقيق هدفك النهائي، وهو ما أطلق عليه عالم الاقتصاد البريطاني جون كاي "مبدأ الالتفاف" (ما يعني النهج غير المباشر لتحقيق الأهداف).

في إطار حديثنا عن "سي إم سي"، فإن مبدأ الالتفاف يعني أنه لتشجيع القرويين على المشاركة في الأنشطة الصحية، يجب تلبية الحاجة الملموسة للمجتمعات القروية إلى الوظائف والرواتب أولاً. وهذا يتطلب التعاون مع أصحاب المصلحة بذكاء. كان على الدكتور أبراهام جوزيف الذي قاد تطوير قسم الصحة والتنمية المجتمعية لثلاثة عقود، إقناع المستشفى الأم وكلية الطب بأن وضع برنامج لتوفير فرص عمل سيخدم أهداف المستشفى، وسيحظى بتأييد أصحاب المصلحة الخارجيين كشيوخ القرية والحكومة المحلية الذين من دونهم ستفشل هذه الأنشطة والمبادرات. ومع تأييد أصحاب المصلحة، قدّم قسم الصحة والتنمية المجتمعية برامج لتنمية المهارات (في مجالات البناء واللحام والنسج، على سبيل المثال) وتحسين الفرص الاقتصادية. وبالتالي فإن هذا النهج غير المباشر كان منطقياً للغاية؛ إذ يمكن أن تكون برامج التحصين ورعاية الأمهات أكثر فاعلية إذا لُبّيت الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات.

بتطبيق ذلك في عالم الأعمال، يمكن للشركات تقديم الدعم الذي يهدف إلى تطوير القدرات للموردين الصغار ومتوسطي الحجم بوصفه هدفاً وسيطاً يلبي الاحتياجات الملموسة للآخرين، ما سيساعدهم بدوره على العمل بكفاءة.

تقبُّل المطالب المتناقضة

عند السعي إلى تقديم حلول شاملة، يتعين على المؤسسات التعامل حتماً مع التوتر القائم بين الاعتبارات الاقتصادية أو الفنية التي لا ينبغي لها التنازل عنها وحقيقة أن قدرة الفئات المستهدفة على تحمُّل التكاليف محدودة. قد يبدو أنه لا توجد طريقة للوفاء بكليهما، إلا أن إيجاد حل وسط بينهما، بمعنى تقبُّل التناقض في نهج "القيادة التي تستغل جميع الحلول المتاحة" مقارنة بعقلية "المفاضلة بينهما"، يمكن أن يساعد المؤسسات على مواجهة هذا التحدي.

بالنسبة إلى مستشفى "سي إم سي"، كان التوتر قائماً بين الحاجة إلى أن يتسم بالفاعلية من خلال معايير شديدة الصرامة وأن يكون بتكلفة معقولة للفقراء في الوقت ذاته. ولكن كويمباتور كريشناراو براهالاد (سي كيه) الأستاذ بجامعة ميشيغان، الذي درس مستشفى "سي إم سي" في أوائل السبعينيات، أشار إلى أن هذه الضرورة المزدوجة المتمثلة في "التفاني من أجل التميز والالتزام بتقديم الخدمات" قدمت حلاً بالفعل: إذ إن الجودة العالية للرعاية سمحت لمستشفى "سي إم سي" أن يُأخذ من المرضى الأكثر ثراء ما يكفي من النفقات ليدعم مالياً المرضى الذين لا يستطيعون تحمُّل نفقات العلاج. وقد اقتبس براهالاد ما قاله أحد كبار الأطباء في دراسة الحالة التي أجراها، إذ قال: "السبب الرئيسي للإبقاء على الأقسام غير المجانية ... هو جني الأموال التي يمكننا بها تقديم علاج مجاني عالي الجودة من الناحية الفنية والإنسانية والأخلاقية للمرضى الفقراء".

بالنسبة إلى الشركات في عالم ما بعد "كوفيد-19"، قد ينطوي تقبُّل هذه التوترات على أن تصبح أقل هوساً بهزيمة المنافسين وأكثر انشغالاً بتعزيز قيم العلامة التجارية، ما يشجع على تقديم خدمات أعلى جودة وأكثر شمولاً لتلبية احتياجات المجتمع الأوسع نطاقاً. ويمكن أن يتخذ ذلك أشكالاً مثل: التعاون بين المنافسين لتسريع وتيرة اكتشاف علاجات في مجال الرعاية الصحية، أو تقديم خدمات تجارية وأدوات ميسورة التكلفة لكي تتمكن الشركات الصغيرة من مواصلة العمل، كما هو الحال في مبادرة استمرارية تصريف الأعمال التابعة لـ "رابطة صناعة المعلومات الأسترالية" (AIIA). واستدامة مزيج التميز والقدرة على تحمُّل التكاليف تتطلب تأييد أصحاب المصلحة، كأعضاء هيئة التدريس والموظفين، للالتزام بقيم أساسية معينة كالتوفير أو الاقتصاد في النفقات، وهو ما سنناقشه في الجزء التالي.

تحديد الضروريات وتركيز الموارد عليها

لا شك أن أحد التحديات الكبيرة المرتبطة بتقديم حلول شاملة يتمثل في العمل في بيئة محدودة الموارد، ما يقتضي البراعة في الاستفادة من الإمكانات المتاحة بأقصى قدر ممكن. ولذلك للتميز والتفوق في هذه البيئة، من الضروري التمييز بين ما يضيف قيمة بحكمة وما لا يفعل ذلك.

ساعدت القدرة على فعل الكثير بأقل الموارد قسم الصحة والتنمية المجتمعية بمستشفى "سي إم سي" على تقديم خدمات عالية الجودة في المجتمعات التي تعاني من قيود شديدة تتعلق بالقدرة على تحمُّل التكاليف. في الواقع، يتخلل مبدأ التقشف المالي المؤسسة بأكملها. وكما يوضح الدكتور سونيل تشاندي، المدير السابق بمستشفى "سي إم سي": "زخرفة المظهر الخارجي وأي إضافات عالية التكلفة ومنخفضة القيمة تُدرَس بعناية شديدة، ويولى اهتمام كبير لضمان أن تكون البيئة مريحة دون زيادة في النفقات". هذا التركيز على الاقتصاد في النفقات يؤدي إلى بذل جهود حثيثة للاستفادة من الموارد الخارجية، وبالنسبة إلى قسم الصحة والتنمية المجتمعية شمل ذلك المؤسسات غير الحكومية مثل مؤسسة "كريستيان أيد" (Christian Aid) في المملكة المتحدة التي دعمت أنشطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ما أدى إلى تخفيف الأعباء المالية. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاقتصاد في النفقات محفزاً للإبداع، ما يؤدي إلى ابتكار طرق جديدة للتغلب على القيود المفروضة على الموارد. وقد كان التعرف على النساء الريفيات شبه الأميات وتدريبهن للعمل في مجال الصحة المجتمعية بدوام جزئي، وهو يشبه ما يُعرف بـ "الأطباء الحفاة" في الصين، من أوائل ابتكارات قسم الصحة والتنمية المجتمعية. وبالتالي فإن استراتيجية السعي إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب النتائج المتعلقة بالصحة كانت مجدية وقابلة للتطبيق نظراً إلى سياسة المحافظة على الميزانية المقترنة بالإبداع والابتكار. يقول ريشيكيشا كريشنان من "المعهد الهندي للإدارة" (IIM) فرع بنغالور: "تقدم المستشفيات مثل "سي إم سي" في فيلور، مدفوعة بحماسها المبشّر، رعاية صحية مذهلة بتكلفة منخفضة من خلال مزيج من التقشف وتقييم مدى الجدوى".

لن يفكر جميع المدراء في المؤسسات الساعية إلى الربح بالطريقة نفسها التي يفكر بها العاملون في المؤسسات غير الربحية المستعدون للعمل برواتب متواضعة، ولكن يمكنهم استكشاف كيفية تقديم خطوط متوازية من البدائل منخفضة التكلفة أو تبسيط عروضهم الأساسية لتعزيز القدرة على تحمُّل التكاليف لدى شرائح السوق التي تضررت بشكل خاص بسبب التداعيات الاقتصادية لمرض "كوفيد-19". فاختيار زخرفة أقل دون التضحية بقدر كبير من الفاعلية الأساسية لعرض ما، وهو ما قد ينطوي على بعض الإبداع كتحويل أقنعة الغوص إلى أجهزة تنفس صناعي في إيطاليا، يمكن أن يضمن ألا يتم استبعاد المشترين الذين يعانون من ضائقة مالية من السوق، كما أنه يساعد على احتفاظ الشركات بالعملاء.

استراتيجيات تقبُّل الالتفاف والتناقض والاقتصاد في النفقات ليست جديدة في حد ذاتها ولكن عند تطبيقها بطريقة تجعل كل منها تعزز الأخرى، كما فعل قسم الصحة والتنمية المجتمعية بمستشفى "سي إم سي"، حينها يمكن تقديم خدمات شاملة لمن يواجهون معوقات اقتصادية. ويتمثل القاسم المشترك في بناء علاقات مترابطة والاستفادة منها، وفي التعاون مع أصحاب المصلحة على وجه الخصوص. وفي حالة قسم الصحة والتنمية المجتمعية، أصبحت النساء اللاتي شاركن في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية بمثابة "جسر" له صوت يتمتع بالمصداقية، ما ساعد على زيادة الإقبال على برامج الصحة في المجتمع الريفي، كما أنه عزز عمل العاملين بدوم جزئي في مجال الصحة المجتمعية، ما أدى في نهاية المطاف إلى تحقيق نتائج لفتت انتباه بيل غيتس.

لذا يمكن للمؤسسات الربحية أن تستمد الإلهام من خبرات المؤسسات غير الربحية مثل مستشفى "سي إم سي" حول كيفية التحلي بالتعاطف أثناء إعادة بناء الاقتصاد العالمي، ونتيجة لذلك قد تخرج من هذه الأزمة أكثر قوة وتركيزاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي