ملخص: هل تشعر بالارتباك حيال تجاذب أطراف الحديث مع أشخاص جدد؟ هل تكره شعور الدخول إلى قاعة مؤتمرات كبيرة ورؤية عدد هائل من الغرباء؟ سواء كنت تحضر فعاليات على أرض الواقع أو افتراضية، لا ينبغي أن يكون التعارف مخيفاً أو صعباً.
- ابحث عن المجموعات الصغيرة؛ فقد وجد الباحثون أن الأشخاص غالباً ما يتفاعلون في مجموعات مكونة من شخصين. إذا كنت تحضر فعالية وجهاً لوجه، انظر حولك؛ إذا كان هناك عدد فردي من الأشخاص، فهناك شخص غير مشترك في المحادثة فعلياً، ومن المحتمل أنهم يبحثون عن شريك للحديث مع هذا الشخص.
- لا ينطوي التعارف بالضرورة على مقابلة أشخاص جدد؛ إذ يمكنك التواصل مع مَن أصبحت علاقاتك بهم خاملة (مثل زملاء الدراسة أو الزملاء الذين عملت معهم في وظائف سابقة) بهدف إعادة العلاقات معهم.
- حوّل الأمر إلى لعبة؛ فتحويل شيء ما من مخيف إلى ممتع هو طريقة فعالة لتغيير السلوكيات. على سبيل المثال، إذا كنت انطوائياً، فتظاهر أنك شخصية منفتحة في لعبة فيديو وسجل نقاطاً نظير التحدث إلى أشخاص جدد!
- لا تضغط على نفسك بالتحضير لما ستقوله، وبدلاً من ذلك فكّر في الأنشطة المختلفة التي تمارسها (مثل البستنة والقراءة وتعلم تكنولوجيات جديدة) والتي قد تثير اهتمام نوع الأشخاص الذين ستلتقي بهم.
لم يسبق لأحد قول: "أحب التعارف وتجاذب أطراف الحديث مع غرباء. أنا نفسي أتجنب الفعاليات والمؤتمرات المتعلقة بالعمل كأنها وباء. (في الواقع، المرة الوحيدة التي ستراني فيها في فعالية ما هي إذا كنت من المتحدثين فيها).
أكره شعور الدخول إلى قاعة مؤتمرات كبيرة ورؤية عدد هائل من الغرباء. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الجميع يقضون وقتاً رائعاً في التواصل مع الأصدقاء الذين فقدوا الاتصال بهم لفترة طويلة، أشعر أنني منبوذة اجتماعياً. ودائماً ما أكون في حيرة بشأن كيفية اختراق الحشود وإيجاد ولو حتى شخص واحد قد يرغب في التحدث معي. وإذا تمكنت من إيجاد هذا الشخص، أجد صعوبة في معرفة ما سأقوله. فكيف يمكنني إبقاء الحوار مستمراً؟
أجريت مقابلات مع العديد من الخبراء لمدونتي الصوتية "طريقتي في العمل" (How I Work)، وقد اقترحوا بعض الطرق المثيرة للاهتمام (والعملية) التي يمكنك من خلالها معرفة الطريقة المناسبة لك للتعارف وبناء العلاقات. لذا، إذا كنت مثلي ومثل كثيرين آخرين، تشعر بالارتباك حيال التعارف، فإليك بعض النصائح حول كيفية التحسن في القيام به.
ابحث عن المجموعات الصغيرة
الأستاذة في السلوك التنظيمي بكلية ييل لإدارة الأعمال ومؤلفة كتاب "الكيمياء الاجتماعية" (Social Chemistry)، ماريسا كينغ، تكره التعارف ولكن من المفارقات أنها كرست أكثر من 15 عاماً لإجراء بحوث حول الشبكات الاجتماعية. تكره كينغ، مثلي، الوجود وسط عدد هائل من الغرباء. لكن لحسن الحظ، يمكن أن تساعدنا بعض بحوثها في هذا الأمر.
قالت لي كينغ: "ما نعلمه من البحوث هو أن الأشخاص يميلون في الواقع إلى التجمع معاً في مجموعات صغيرة. إذاً فالسؤال هو 'الآن بعد أن علمت أن الأشخاص يتجمعون معاً في مجموعات صغيرة وأن الأمور تبدو تحت السيطرة بقدر أكبر، فما الذي يجب أن أفعله بعد ذلك؟'. ما وجده الباحثون هو أن الأشخاص غالباً ما يتفاعلون في مجموعات مكونة من شخصين. وفي الواقع هذه هي النواة الأساسية للتفاعلات بين الأشخاص".
طوّرت كينغ أسلوباً من خلال بحوثها: عندما تنظر إلى المجموعات الصغيرة من الأشخاص الموجودين أمامها في أي فعالية لبناء العلاقات، فإنها تحاول إيجاد مجموعة مكونة من عدد فردي من الأشخاص. تقول كينغ: "لا يهم حقاً ما إذا كانوا 3 أو 5 أو 7 أشخاص، أو غير ذلك. إذا كان هناك عدد فردي من الأشخاص، فهناك شخص غير مشترك في المحادثة فعلياً، ومن المحتمل أنهم يبحثون عن شريك للحديث مع هذا الشخص. إنها استراتيجية بسيطة للغاية وقد أصبحت بالغة الأهمية لي لأنها تساعدني في التغلب على قدر كبير من الرهاب الاجتماعي الذي أشعر به في هذه الأنواع من المواقف؛ فهي توجهني".
التعارف لا ينطوي بالضرورة على مقابلة أشخاص جدد.
الآن بعد أن أصبح التعارف يتم عن بُعد في الغالب بسبب جائحة كوفيد، تقول كينغ إن لشبكات علاقاتنا الحالية قوة غير عادية. ويمكن القول إن أكثر الأشياء تأثيراً التي يمكن لمعظم الأشخاص القيام بها لتحسين شبكاتهم هي إنعاش العلاقات "الخاملة"؛ وهي علاقات مع أشخاص ربما لم ترهم منذ عامين أو 3 أعوام.
تناول بحث أُجري بقيادة دانيال ليفين من كلية راتغرز للأعمال الفوائد الناجمة عن إنعاش العلاقات الخاملة. طلب الباحثون من الأشخاص إعداد قائمة من 10 أشخاص تربطهم بهم علاقة في الوقت الحالي و10 أشخاص لم يتواصلوا معهم منذ عامين أو 3 أعوام. ثم طُلب من المشاركين التواصل مع هؤلاء الأشخاص للحصول على مشورة أو طلب مساعدتهم في مشروع ما. وقد وجد ليفين وزملاؤه أن إنعاش العلاقات الخاملة كان مؤثراً للغاية؛ إذ إنها زودت الأشخاص بأفكار إبداعية، والأكثر إثارة للدهشة هو أن الثقة بين الأشخاص في تلك العلاقات ظلت قائمة.
طبقت كينغ هذا البحث لبناء عادة تمارسها الآن كل يوم جمعة. إذ تقول: "أكتب أسماء شخصين أو 3 أشخاص ممن تربطني بهم علاقات خاملة. وأتواصل معهم فقط لإلقاء التحية وإخبارهم إنني أفكر فيهم. في بعض الأحيان، يكون لدي سؤال أو شيء آمل أن أحصل عليه مثل ملاحظات أو استفسار. ولكن في الغالب أتواصل معهم لإنعاش تلك العلاقة فحسب. ولا يُشعرني ذلك بسعادة كبيرة فقط، بل يكون مفيداً للغاية أيضاً".
كانت كينغ مترددة في بدء ممارسة هذه العادة، إذ تقول: "كنت أقول لنفسي: 'ألن يكون هذا محرجاً؟'"، وتبين أنه ليس كذلك.
أضافت كينغ: "كلما فعلتَ ذلك، أدركت أنه رائع حقاً. وما كان مفيداً لي أيضاً هو أن أضع نفسي مكان الشخص الآخر. على سبيل المثال، هل سيسعدني تلقي رسالة البريد الإلكتروني هذه؟ ودائماً ما تكون الإجابة هي 'نعم'".
حوّل الأمر إلى لعبة
كانت المرة الثانية التي أحضر فيها مؤتمرات "تيد" في عام 2019. إذا لم تكن قد ذهبت من قبل إلى مؤتمرات "تيد"، فتخيل أنك وسط مجموعة من 2,000 شخص من الأشخاص الأكثر تفوقاً في العالم، ولم تقابل أياً منهم قط. أليس هذا مخيفاً بما يكفي؟
كان نائب رئيس قسم إدارة المنتجات في جوجل، جيري ديشلر، أحد الأشخاص الذين تواصلت معهم ثم أجريت مقابلة معه. نظراً إلى أنه انطوائي، فقد كان يبحث عن استراتيجيات لجعل اللقاء بألفي شخص غريب أقل رهبة.
انتهى الأمر بديشلر بمقابلة شخص في المؤتمر ألهمه بفكرة رائعة. قال ديشلر: "كان هذا الشخص انطوائياً، ولكن لا يبدو عليه ذلك على الإطلاق. فسألته: 'كيف تفعل ذلك؟'، وأجاب: 'في الحقيقة، أتعامل مع الأمر على أنه لعبة فيديو'. فهو يتظاهر أنه شخصية منفتحة في لعبة فيديو ويسجل نقاطاً نظير التحدث إلى أشخاص جدد".
يُعد تحويل شيء ما من مخيف إلى ممتع طريقة فعالة لتغيير السلوكيات. فشعور البشر أنهم يحرزون تقدماً يحفزهم، وتسجيل نقاط نظير مقابلة أشخاص غرباء هو طريقة واضحة لإحراز هذا التقدم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تسجيل النقاط يصرف انتباهنا عن الخوف، وفي أسوأ الأحوال الإصابة بحالة من الجمود، الذي يمكن أن يترافق مع فكرة الاضطرار إلى تقديم أنفسنا لأشخاص لم نتحدث معهم من قبل، وفي سياق مؤتمرات "تيد" هم الأشخاص الذين حققوا إنجازات كبيرة للغاية تجعل البعض يشعرون بالرهبة.
لا تضغط على نفسك بالتحضير لما ستقوله
قد يبدو لك أن كيفن روز يتمتع بدرجة عالية من الثقة بالنفس؛ فقد كان مستثمراً ملاكاً في فيسبوك وتويتر وسكوير (Square)، وأسس موقع الأخبار الاجتماعية ديغ (Digg)، ويستضيف أحد أفضل المدونات الصوتية في أميركا "ذا كيفن روز شو" (The Kevin Rose Show). ومع ذلك، يصف روز نفسه بأنه شخص لا يشعر بالارتياح في اللقاءات الاجتماعية. كما أنه يكره الحديث عن أشياء غير مهمة، وقد توصل إلى بعض الاستراتيجيات حول كيفية تجنب ذلك.
قال لي روز: "أحاول أن أبحث عن الاهتمامات المشتركة. أقوم بمجموعة من الأنشطة الغريبة، لذا عندما يقول الأشخاص: 'ما الذي كنت تفعله مؤخراً؟' أو 'ما الجديد في حياتك؟'، يمكنني الرد بالحديث عن شيء مثل محاولتي زراعة نوع معين من عيش الغراب. وعادة ما يرد أحدهم بقول 'مدهش! أخبرني المزيد'، أو يخبرونني بأي من اهتماماتهم الغريبة. إذ من الممتع الحديث عن هذه الأمور بدلاً من قول أشياء مثل 'الطقس سيئ اليوم'".
قبل أي فعالية يأخذ روز بعض الوقت للتفكير بعناية في الأنشطة المختلفة التي يمارسها والتي قد تثير اهتمام نوع الأشخاص الذين سيلتقي بهم.
يفكر روز أيضاً في أنواع الأشخاص الذين يريد مقابلتهم، وهم عادة الأشخاص الذين يحبون التعلم باستمرار ويستكشفون أشياء جديدة دوماً، مثله. كما أنه يفكر بتأنٍ في الأسئلة التي يمكن أن يكتشف من خلالها هذا النوع من الأشخاص، مثل "ما الذي تقوم به هذه الأيام؟" و"ما الذي تجرّب فعله هذه الأيام واكتشفت أنه جديد ومثير؟".
أخيراً، وجد روز أنه عادة ما يوصي الأشخاص بقراءة أحد الكتب، ما يمكن أن يكون طريقة رائعة أخرى لتجنب الحديث عن أشياء غير مهمة. يقول روز: "أحب دائماً أن أقول للأشخاص إنني أبحث عن كتاب جديد لقراءته. لذلك أسألهم: 'ما هو الكتاب الذي قرأته في الأشهر الستة الماضية وكنت متحمساً له للغاية أو يمكنك مشاركته معي؟'. وعادة ما يكون الأشخاص متحمسين للغاية لشيء ما". هذه أيضاً طريقة رائعة لبدء محادثة على موقع لينكد إن، على سبيل المثال، وعندما يرد الأشخاص على أحد منشوراتك، يمكنك استغلال ذلك لمواصلة الحوار عبر الرسائل أو حتى من خلال مقابلة وجهاً لوجه.
سواء كنت تحضر فعاليات على أرض الواقع أو افتراضية، لا ينبغي أن يكون التعارف مخيفاً أو صعباً. يمكن أن يساعدك إجراء بعض التغييرات الصغيرة في التغلب على مخاوفك والانخراط مع الحشود في أسرع وقت.