كشفت أكثر من 35 دراسة أن الاستماع يمثل شكل الاتصال الأكثر تأثيراً في الكفاءة الإدارية وفي التمييز بين المرؤوسين الفعالين وغير الفعالين. ومع ذلك، يشير العديد من هذه الدراسات إلى أن كلاً من المرؤوسين والمدراء يفتقرون إلى مهارات الاستماع بشكل فادح.
وأثبتت تجربة قادها خبيران بإدارة الأعمال أن المدراء الذين يستمعون جيداً يُنظر إليهم على أنهم قادة، ويولّدون المزيد من الثقة، ويعملون على تنمية المزيد من الرضا الوظيفي، ويرفعون من مستوى إبداع فريقهم.
وتحدد خبيرة الإدارة الأميركية جيرالدين هاينز عدة عقبات تمنع المدراء من الإصغاء لموظفيهم ثلاث عقبات من بينها تعتبر حاسمة في هذا الباب، وتتمثل في حاجز السلطة وغياب الرغبة بالاستماع والتحيز الشخصي، وأود أن أوردها مستخلصاً إياها من كتاب هاينز "الاتصال الاداري، استراتيجيات وتطبيقات" والذي تشرفت بترجمته ضمن جهود إثراء المكتبة العربية في علوم الإدارة.
غياب الرغبة
يعتبر الكاتب ماني ستيل (Manny Steil)، الخبير في الاستماع الإداري، أن الاستماع لا يتم إلاّ باجتماع القدرة والرغبة معاً، بل يرى أن الاستماع يرادفهما. ويعبّر عن هذا الترادف بما يسميه قانون الاستماع (LAW)، والذي ترمز حروفه الثلاثة إلى معادلة "الاستماع Listening يساوي القدرة Ability زائد الرغبة Willingness".
ويشكل فقدان الرغبة بالاستماع عائقاً أمام عملية الاستماع، حيث إن الكثير من الناس يجدون أن المحافظة على دافع مستمر للاستماع يعتبر تحدياً قوياً، وقد يستغرق المدراء، الذين يفترض بهم أن ينصتوا، في أحلام اليقظة أو وضع خططهم الخاصة أو حتى التركيز على مشاكلهم العاطفية.
فقد لا يرغب المدير في الاستماع بحيث أن الرغبة في عدم الاستماع كانت متواجدة قبل بدء النقاش، وهذا هو السبب في أنه قد يحل محل جميع الحواجز الأخرى، سواء قرر الشخص بوعي أو بدون وعي عدم الاستماع، فلن يكون لمهارات الاستماع أي فائدة.
حاجز السلطة
على الرغم من النوايا الحسنة وإدراك الفوائد، فإن نجاح المدراء في الاستماع في العمل يتأثر بعوامل كثيرة، وبعضها يتجاوز وعيهم.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون الاستماع الإداري محدوداً جداً بسبب أن المدراء يتمتعون بسلطة أكبر من موظفيهم. وقد أشارت البحوث الحديثة إلى أنه كلما كان المستمع أكثر سلطة، زادت احتمالات رفضه للنصائح أو الأفكار التي يستمع إليها.
ومن ثم، ربما يكون المدراء منصتين من داخل غرفة محصنة خرسانية، وربما هم لا يدركون ذلك.
التحيز الشخصي
قد يكون للتحيز الشخصي للمدير تأثير كبير على نتائج عملية الاستماع. فالمدير الذي لا يدرك تحيزه الشخصي قد يصبح انتقائياً؛ يستمع فقط لما يريد سماعه، وقد يتطرق الشخص فقط للمفاهيم المسبقة أو يقوم بمجادلة المتحدث حول نقاط الاختلاف.
فعلى سبيل المثال، المدير الذي يعتقد أن الشباب غير موثوق بهم، قد يتجاهل المعلومات التي تدل على أن شاباً ما يمكن الوثوق به والاعتماد عليه. وللسيطرة على هذا العائق النفسي، يجب على المدير إدراك هذا الأمر والاعتراف به، ويجب عليه خلق علاقة قوية بين المتحدث والمتكلم.
يمكن أن تؤدي الكلمات والعبارات التعاطفية إلى الانحياز الشخصي لأحد المستمعين. فعلى سبيل المثال: "إن هذا المحاسب تقليدي وغير ظريف"، "إنها حقاً ليست وظيفتي"، "لقد حاولنا ذلك من قبل ولكن لم ننجح"، أو "جميع المهندسين يفكرون بنفس الطريقة" وغيرها من العبارات التعاطفية الأخرى.
فالخطر في هذه العبارات هي أنها توحي للحضور وغير الحضور مفهوماً آخر غير المقصود بالرسالة الموجهة، ويجب أن يكون المستمع على بينة من ردود الفعل العاطفية المحتملة وعدم السماح لهم بصرف الانتباه عن هذه الرسالة.
كيف تتغلب على عقبات الاستماع الثلاث؟
أولاً، حاول أن تحضّر نفسك بشكل قبلي للاستماع وتستثمر كل فرصة ممكنة للإصغاء لموظفيك بأكبر قدر من التجرّد والاهتمام.
ويساعد اختيار أفضل وقت ومكان لإجراء المحادثة على تقليل الضوضاء الداخلية والخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوقت يؤثر على الحواجز النفسية من مثل التحيز والعاطفة.
هل من الاحترام والتقدير أن نقول لأحد الأشخاص "لا يمكنني الاستماع إليك في الوقت الراهن؟" في دراسة استقصائية شملت أكثر من مائتي مدير، أشار المشاركون فيها أنهم لن يشعروا بالإهانة فيما لو طُلب منهم بكل أدب وتقدير الانتظار قبل مناقشة أمرٍ ما، خشية عدم اكتمال المعلومات.
وبطبيعة الحال، إذا كان تغيير الوقت غير ممكن، فمن المهم أن يدرك أطراف الاتصال العوائق الموجودة، ويبذلون جهداً خاصاً للتركيز على عملية الإنصات.
ثانياً، حدد أهدافك من الاستماع. فبدون وضع الهدف في الاعتبار، قد يقوم المدير باستخدام الاستماع العَرضي، بينما الواجب هو الإنصات والإصغاء بصدق.
فبحكم أن عملية الاستماع تعتبر عملاً شاقاً، فإننا نتوقع بذل جهد أكبر عندما يكون الهدف معروفاً ويمكن للمستمعين أن يروا نتيجة إيجابية لهذا الجهد، وهذا هو السبب في أن الهدف الذي سيناقش لاحقاً مهم جداً.
ثالثاً، كن واعياً بهوية الشخص الذي يجب أن يكون محور التركيز. عندما نقحم أنفسنا في قصة المتحدث، يتغير تركيز المحادثة، بغض النظر عن أسلوب الاستماع الذي نمارسه. نحن غالباً ما نفترض أن التدخل في قصصنا الشخصية يمثّل خطوة تعاطفية ووسيلة لبناء العلاقة، لكن ذلك النهج يحول دون سماع رسالة الطرف الآخر بأكملها.
لكن عندما يدرك المستمع تأثير مداخلته ويُبدي فضوله بشأن فهم رسالة المتحدث، فيمكنه حينها مشاركة قصته دون أن يتجاهل رسالة المتحدث من خلال إعادة توجيه مسار الحديث إليه مرة أخرى.
ثمار الاستماع الجيد: المصداقية والتناغم
تظهر دراسات عديدة أن الاستماع الجيد يرفع مصداقية الأشخاص ويزيد، في البيئات الإدارية، من احترام وتقدير الموظفين للمدراء.
فالمدراء الذين يستمعون استماعاً فعالاً أو إيجابياً لمن حولهم يستفيدون بشكل أكبر من غيرهم، ويمكن أن تؤدي هذه السمة إلى علاقات عمل متناغمة؛ لأن الموظفين يثقون عموماً ويدعمون المدراء الذين "يستمعون إليهم" بإنصات بدلاً من "الاستماع إليهم على مضض".
كما يساعد الإنصات الجيد المدير على الإلمام الجيد بالأمور، ويجنبه الوقوع بالمواقف المحرجة.