حماية الأفكار الإبداعية: كيف تمنع تسربها إلى الخبراء الخارجيين؟

9 دقائق
تسريب المعلومات

تتطلب المشاريع المبتكرة جهداً جماعياً، لكن الاستعانة بالخبراء الخارجيين قد تكون خطوة محفوفة بالمخاطر، فكيف يمكنك الاستفادة من مهاراتهم دون الكشف عن أفكارك المميزة؟ يتمثل أسوأ السيناريوهات المحتملة في إنشاء شراكة مع شركة استشارية أو وكالة لمساعدتك على إطلاق ابتكار مثير ومميز، ثم تكتشف لاحقاً ظهور فكرة مشابهة في مشاريع هذه الشركة لصالح عملاء آخرين. القلق من تسريب المعلومات السرية أمر شائع، لكنه يتفاقم؛ إذ كشفت دراسة أجرتها المفوضية الأوروبية أن 20% من الشركات واجهت محاولات لسرقة معلومات سرية، في حين يعتقد نحو 40% من الشركات أن هذا الخطر في تصاعد مستمر. وقد أظهر استطلاعنا الذي شمل 230 شركة إنشاءات أن 79% منها تخشى احتمالية استحواذ شركائها على معلوماتها الحصرية وإعادة استخدامها دون الحصول على موافقتها. لا تقتصر هذه المخاوف على قطاع الإنشاءات فقط؛ إذ كشف استطلاع آخر شمل 5 قطاعات مختلفة، وهي الإعلانات والاستشارات والهندسة وإدارة الفعاليات وصناعة الأفلام، أن نحو 75% من المشاركين عبّروا عن قلقهم بدرجات متفاوتة تجاه مخاطر تسريب المعلومات.

إذاً، كيف يمكن تحقيق التعاون وتعزيز الابتكار مع الحفاظ على سرية المعلومات وعدم التعرض للمخاطر؟

يُطلق الأكاديميون على خسارة المعلومات والمعارف القيّمة والمهمة دون قصد لصالح الشركاء مصطلح "تسريب المعلومات". درسنا هذه المشكلة باستخدام عشرات المقابلات واستطلاعات الرأي الواسعة النطاق والبيانات المقدمة من القطاعات المختلفة. توصل بحثنا إلى أن الاستعانة بخبراء خارجيين تسهم في تعزيز الابتكار بالفعل؛ إذ يتطلب تنفيذ مشروع غير مسبوق، مثل بناء دار الأوبرا في مدينة سيدني، قدرات تفوق ما يمكن أن توفره أي شركة بمفردها، وفي الوقت نفسه، يُظهر بحثنا أن الاستعانة بالخبراء الخارجيين تحمل جانباً سلبياً يتمثل في مخاطر تسريب المعلومات، فكيف يمكن أن يتعامل قادة الأعمال مع مشكلة تسريب المعلومات بفعالية أكبر؟

يقترح بحثنا عملية تتضمن الخطوات الآتية:

تقييم نوع الابتكار ومدى احتمالية تسريب المعلومات

يزداد خطر تسريب المعلومات إذا كان الابتكار يتعلق بعملية جديدة، مثل ابتكار أسلوب عمل جديد، وذلك مقارنة بالمنتجات المادية، فالابتكارات المتعلقة بالمنتجات المادية أقل عرضة للتسريب، لأن المنتجات الجديدة تتمتع بميزات فريدة يمكن تحديدها، ما يسهّل حمايتها من خلال وسائل الحماية القانونية الرسمية، مثل براءات الاختراع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن مقارنة الابتكارات المتعلقة بالمنتجات بمنتجات أخرى في السوق، ما يسمح باكتشاف تسريب المعلومات والعمل على منعه. في المقابل، فإن الابتكارات المتعلقة بالعمليات ذات طابع غير ملموس ويمكن إعادة استخدامها وتطبيقها في مشاريع أخرى بمجرد تسريبها دون منح الجهة التي ابتكرتها أي تعويض أو اعتراف بحقوقها.

وصف أحد الأشخاص الذين قابلناهم هذا السيناريو بدقة ووضوح؛ إذ قال: "بمجرد تطبيق الابتكارات المتعلقة بالعمليات، فإنها تصبح مكشوفة للجميع ولا يمكن إخفاؤها". بالإضافة إلى ذلك، أشار بحثنا إلى أن الحلول القانونية، مثل العقود أو حقوق الملكية أو براءات الاختراع لا توفر سوى حماية ضعيفة ضد تسريب المعلومات المتعلقة بالعمليات. يقول أحد الأشخاص الذين شاركوا في المقابلات إن براءات الاختراع لا تقدم فوائد ملحوظة بدرجة كبيرة في حماية الابتكارات المتعلقة بالعمليات. وتشير الدلائل بالفعل إلى أن استراتيجيات حماية هذه الابتكارات تكون غير فعالة غالباً في منع تسريب المعلومات.

مراعاة إشكالية التنسيق العميق

على الرغم من أن جهود التنسيق العميق بين المشاركين في المشروع تسهم في تعزيز الابتكار، فإنها تؤدي إلى تفاقم مشكلة تسريب المعلومات. تتطلب مشاريع الابتكار توافق أعضاء فريق المشروع جميعهم وتنفيذ المهام بطريقة منسّقة. يستخدم بعض المشاريع منسّقين متخصصين لأغراض التنسيق، مثل المتعد العام في مشروع بناء أو مصمم هياكل الطائرات في مجال تصميم الطائرات. ونظراً لأن هؤلاء المنسّقين يشاركون غالباً في تنفيذ مهام المشروع بأنفسهم ويتمتعون بإمكانية الوصول الكامل إلى العمليات الابتكارية، فيمكنهم إعادة تطبيقها في مشاريع أخرى. على سبيل المثال، يمكن أن يحدث ذلك إذا كان المتعهد المسؤول عن الأمن السيبراني يعمل على تنسيق مهام تكنولوجيا المعلومات ويشارك فعلياً في تنفيذها.

يشير بحثنا إلى أن الابتكار في العمليات ينطوي على إشكالية، فابتكار عملية جديدة أو طريقة عمل يتطلب تنسيق الجهود بين أطراف مختلفة، ولكن هذه الجهود تعرّض المعلومات لخطر التسريب. إذا كانت المخاطر كبيرة ولم تتمكن الشركة المبتكرة من الاستفادة من جهودها بالكامل، فإن القرار المتوقع هو تجنب التنسيق من الأساس، وهو قرار يمكن أن يقوّض عملية الابتكار بأكملها. يشير أحد الأشخاص الذين قابلناهم في إطار دراستنا، وهو مدير شركة بناء، إلى ضرورة احتفاظ المبتكرين بالمعرفة القيّمة والمعلومات المهمة وعدم مشاركتها مع الأطراف الخارجية. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يساعد على منع تسريب المعلومات المهمة، فإنه يؤدي إلى ضعف التنسيق في المشروع ويؤثر سلباً في الابتكار.

تطبيق نظام مراقبة فعال

يقترح بحثنا استراتيجية تحقق التوازن بين ضرورة التنسيق في المشروع وحماية المعلومات من التسريب، وهي استراتيجية تعتمد على التفاصيل العملية والدقيقة للمشروع نفسه. في البداية، يجب عليك تحديد الأطراف التي تشكّل مصدر خطر فيما يتعلق باحتمالية تسريب المعلومات، وذلك بحكم دورها في المشروع، ففي قطاعات مثل الإنشاءات أو تصميم الطائرات، تعمل هذه الأطراف بوصفها جهات تنسيقية متخصصة جرى تعيينها تحديداً لتسهيل عمليات التنسيق في المشروع. بعد ذلك، صمِّم نظام مراقبة قادراً على اكتشاف حالات تسريب المعلومات. وهذا يتطلب من المتعهد مراقبة المنسّق، من خلال نظام يتضمن إجراء مراجعات منتظمة لأنشطة المنسّق، ما يسهم في فتح قناة اتصال فعّالة. وقد يتضمن هذا النظام مراقبة مواعيد المنسّق وجداوله الزمنية، بالإضافة إلى ممارساته وأساليب عمله والمعايير التي يلتزم بها وجودة عمله ومدى تحقيق الأهداف المحددة والتقدم في مراحل المشروع.

تبدو هذه الخطوة غير منطقية لأن مسؤولية المراقبة تقع عادة على عاتق المنسّق، كما أنها قد تكون باهظة التكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي مراقبة الشريك إلى توتر العلاقة، ويُظهر البحث أن هذا الأمر يحدث غالباً عندما تتعلق المراقبة بالعمليات التي ينفذها الشريك، بدلاً من مراقبة الأمور المالية أو غيرها من المعلومات الأخرى التي يمكن التحقق منها بسهولة أو بموضوعية أكبر. على الرغم من ذلك، فإن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن نظام المراقبة المصمم بعناية يمكن أن يثني المُنسّق عن محاولة تسريب المعلومات وأن تغيير هذه الدينامية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لمنع الاستيلاء غير المشروع على المعرفة الحصرية وإساءة استخدامها. في النهاية، يسمح تصميم المشروع المناسب، الذي يحقق التوازن بين ضرورة التنسيق وحماية المعلومات من التسريب، للشركة بالتعاون الوثيق مع المنسّق بطريقة تعزز الابتكار في العمليات.

على الرغم من أن خطر تسريب المعلومات يشكّل مصدر قلق كبير عند التعاون مع خبراء خارجيين، فإنه من الممكن التصدي له والتغلب عليه، فمن خلال تقييم نوع الابتكار واحتمالية تسريبه ومراعاة إشكالية التنسيق العميق وتطبيق نظام مراقبة قوي وفعال، يمكن للشركات التعامل مع هذا الخطر بفعالية. يسهم هذا النهج المتوازن في حماية المعرفة الحصرية التي تمتلكها الشركات، بالإضافة إلى تعزيز بيئة يمكن أن يزدهر فيها الابتكار دون التعرّض لخطر تسريب المعلومات المهمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي