يعتمد التسويق الجيد اليوم على وجود بيانات مفصلة ودقيقة للعملاء، تحرص الشركات على جمعها من دون مفاجأة من أجل حماية خصوصية العملاء. على سبيل المثال، تتابع شركة أمازون باستمرار سلوكيات أعضائها الرئيسيين البالغ عددهم 100 مليون شخص، وهي مثال على بيانات "الطرف الأول" أي الطرف الذي جمع هذه البيانات بنفسه عن مستخدميه. وقد وجدت العديد من الشركات أنّ مشاركة معلومات العملاء الخاصة بهم مع الشركات الأخرى يخلق مؤازرة لكلا الطرفين، خاصة مع زيادة توافر بيانات "إنترنت الأشياء" (أجهزة استشعار GPS وعدادات المرافق الذكية وأجهزة اللياقة البدنية...). هذه كلها أمثلة لبيانات "الطرف الثاني" أي الذي لم يجمع البيانات بنفسه وإنما لجأ لوسيط. وأخيراً، تقوم العديد من الشركات بتزويد بيانات الطرف الأول ببيانات "الطرف الثالث" من شركات مثل أكسيوم (Acxiom)، والتي تجمع ما يصل إلى 1,500 نقطة بيانات تخص 700 مليون مستهلك في جميع أنحاء العالم.
إنّ إمكانية إجراء تسويق فعّال معتمد على البيانات بقواعد البيانات المعززة هذه هي إمكانية هائلة. في الوقت نفسه، كانت المخاوف بشأن خصوصية العملاء أعلى من أي وقت مضى بسبب العديد من عمليات الاختراق للخصوصية التي جرت على نطاق واسع مثل فضيحة كامبريدج أناليتيكا وفيسبوك الأخيرة. وتتراوح ردود فعل المستهلكين على عمليات الاختراق هذه من زيادة الإحجام عن مشاركة بياناتهم إلى تآكل الثقة في العلامة التجارية. على سبيل المثال، عندما تم اختراق حسابات ياهو البالغ عددها ثلاثة مليارات، قامت شركة فيرايزون بتخفيض سعر شرائها للشركة بمبلغ 350 مليون دولار.
أظهرت الدراسات أنّ المستهلكين يرغبون في مشاركة معلوماتهم مع علامة تجارية يثقون بأنها ستحمي هذه المعلومات. ويجري حالياً سن قوانين أكثر شمولية لضمان خضوع الشركات للمساءلة، ولضمان حق المستهلك في حذف أو نقل أو الحصول على نسخة من بياناته. على سبيل المثال، دخلت تشريعات حماية البيانات العامة حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي في 25 مايو/أيار، وتتم متابعتها عن كثب في الولايات المتحدة.
كيفية حماية خصوصية العملاء
أما السؤال المهم: فهو هل يمكن أن تجني الشركات الفوائد الموعودة للتسويق المستند إلى البيانات مع الحفاظ على خصوصية بيانات العملاء في الوقت نفسه؟
المناهج الحالية لحماية البيانات
يُعتبر أكثر أساليب حماية البيانات شيوعاً واتباعاً في الأنشطة التجارية حالياً هو التحكم في الوصول إلى البيانات بعد جمعها. هذا النهج القائم على مراقبة الدخول غير كاف على الإطلاق لأسباب عدة. أولاً، بمجرد مشاركة الشركة للبيانات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فإنّ قدرتها على التحكم في الوصول لها سرعان ما تتدهور. علاوة على ذلك، فإنّ ممارسات مثل الاسم المستعار (التي ستتطلبها تشريعات حماية البيانات العامة) الذي تم تعريفه على أنه "عملية معالجة البيانات الشخصية بطريقة لا يمكن معها نسبتها إلى موضوع معين للبيانات من دون استخدام معلومات إضافية" هي ليست كافية، كما سنشرح في هذه المقالة.
فكّر في المثال الموضح أدناه، حيث يدخل بائعا تجزئة في شراكة لمشاركة بيانات "طرف ثان". على الرغم من أنّ بيانات بائع التجزئة الثاني كانت تحت اسم مستعار، وهو ما تم بإزالة جميع المعلومات الشخصية التي تُعرّفه، إلا أنها ليست مجهولة الهوية، لأن الجمع بين الفئة العمرية والنطاق الزمني والنوع الاجتماعي والرمز البريدي يخلق سجلاً فريداً للسكان يمكن ربطه بالمعلومات الإضافية من بائع التجزئة الأول. قد يكون البائعان متوافقان مع القانون، إلا أنّ هناك خطر كبير على الخصوصية بالنسبة للمستهلكين.
البيانات المجمعة كحماية
بموجب القانون، فإنّ الوكالات العامة مثل مكتب الإحصاء الأميركي ووزارة الزراعة التي تجمع بيانات حساسة (مثل عمليات الشراء المعتادة التي يقوم بها المستفيدون من برنامج المساعدات الغذائية التكميلية) مطالبة بمشاركة البيانات بشكل عام. تتبع هذه الوكالات نهجاً لتحويل البيانات الأصلية إلى بيانات محمية يتم نشرها بعد ذلك. في هذا النهج، يتم قلب المتغيرات الحساسة التي تحتاج إلى حماية في البيانات الأصلية بشكل منهجي، وذلك باستخدام طرق مثل المذكورة أدناه (للتوضيح: نستخدم مثال حماية المبيعات الأسبوعية لمتاجر البيع بالتجزئة في بيانات نقاط البيع):
إضافة الضوضاء العشوائية:
على سبيل المثال، يتم تجميع الملاحظات في مجموعات عشرية على أساس المبيعات، وتُعطى المبيعات رقماً عشوائياً في كل عشرية.
التقريب:
على سبيل المثال، يتم تقريب المبيعات إلى أقرب رقم مئوي.
أعلى الترميز:
على سبيل المثال، يتم تعيين جميع المبيعات فوق قيمة حد ما مثل 100 لتساوي 100.
المبادلة:
على سبيل المثال، يتم تقسيم الملاحظات إلى مجموعات ويتم تبادل بيانات مبيعاتها.
التجميع:
على سبيل المثال، يتم جمع المبيعات الأسبوعية ويتم تحديد متوسط الأسعار والعروض الترويجية بين المتاجر داخل أحد الأسواق.
خلق البيانات المجمّعة:
على سبيل المثال، يتم محاكاة المبيعات من توزيع الاحتمالات. تستخدم هذه الوكالات حالة الإرباك لإدارة المقايضة بين الحفاظ على المعلومات المفيدة في البيانات الأصلية، مع تقليل فرصة وجود متطفل ينتهك الخصوصية في الوقت نفسه. كما يتم الاحتفاظ بالبيانات الأصلية في بيئات آمنة ما لم يكن الحذف مطلوباً. ونعتقد أنّ الشركات يجب أن تنظر في اقتطاع بعض البنود من قواعد اللعبة التي تمارسها هذه الوكالات من أجل تعزيز ممارسات حماية البيانات الخاصة بها.
لقد أظهرنا في مقالتين منشورتين (هنا وهنا) كيف يمكن استخدام نموذج إحصائي لتحويل بيانات التسويق الأصلية إلى بيانات مجمعة لحماية المستهلكين. إذ تتمثل الفكرة الرئيسية لهذا النهج في أنّ الأهداف التسويقية التي يتم جمع البيانات من أجلها يتم أخذها في الاعتبار في عملية التجميع، وبذلك يتم التعامل مع فقدان المعلومات بعناية وفقاً للمكاسب الحاصلة من الحماية.
على سبيل المثال، انظر إلى نوع من البيانات المستخدمة على نطاق واسع وهو بيانات نقاط البيع بالتجزئة التي تجمعها شركات البحوث التسويقية مثل أيه سي نيلسن وسيمفوني آي آر آي (ACNielsen and SymphonyIRI) من متاجر البيع بالتجزئة. هذه البيانات يتم تجميعها بعد ذلك من متاجر البيع بالتجزئة داخل السوق من أجل منع تحديد أو تعريف المتاجر، ويتم شراؤها من قبل جميع شركات السلع الاستهلاكية المعبئة الكبرى تقريباً مثل بروكتر آند غامبل ويونيليفر. يستخدم مدراء العلامات التجارية البيانات لمراقبة أداء علاماتهم التجارية، وأيضاً لحساب مقاييس التسويق مثل مرونة السعر وعوامل تحسين العروض الترويجية. ومع ذلك، فإنّ التجميع يمكن أن يُشوّه وبشدة المقاييس المستخدمة لاتخاذ قرارات مهمة تشويهاً بالغاً مثل قرار المبلغ المطلوب إنفاقه على العروض الترويجية التجارية. أما النهج البديل لحماية هويات المتاجر فيتمثل في تحويل البيانات الأصلية إلى بيانات اصطناعية باستخدام نموذج إحصائي. لقد أثبت بحثنا أنّ هذا النهج يقدم مقاييس أكثر دقة عن مقاييس البيانات المجمعة، وهو في نفس الوقت يحمي هويات المتاجر بشكل جيد للغاية.
إنّ المزايا الموعودة للتسويق المستند إلى البيانات معرضة لخطر كبير ما لم تكن الشركات قادرة على القيام بعمل أفضل لحماية البيانات التي لا يُرغب في الإفصاح عنها. أما النهج الحالي للتحكم في الوصول إلى البيانات أو إزالة المعلومات الشخصية القابلة للتعريف فلا يتحكم في خطر الكشف عنها بشكل كاف. أما الطرق الأخرى مثل التجميع فهي تؤدي إلى تدهور شديد في المعلومات. لقد حان الوقت لأن تأخذ الشركات في الاعتبار مسألة استخدام الأساليب الإحصائية لتحويل البيانات الأصلية إلى بيانات مجمعة حتى تظل ذات قيمة بالنسبة للتسويق المستند إلى البيانات، وتكون في ذات الوقت ضامنة لموضوع حماية خصوصية العملاء بشكل كاف.
اقرأ أيضاً: