هل هناك محادثة مهمة ولكنها صعبة كنت تؤجلها منذ فترة؟ ما الحل لمشكلة تأجيل المحادثات الصعبة؟ ربما أنت غير قادر على استجماع أفكارك لطرح بعض الآراء السلبية على أحد زملائك بخصوص أدائه. أو ربما أنك متردد في الاعتراف بخطأ قد ارتكبته. في كلتا الحالتين، مخاوفك تتنامى مع مرور الوقت، بما أنك تتخيل سيناريوهات أسوأ وأسوأ لكيفية حصول هذه المحادثة. فحمل قضية ما غير محلولة يشبه تجشّم عبء حمل الديون المالية. فأنت مضطّر في نهاية المطاف إلى سداد مبلغ القرض الأصلي (من خلال خوض المحادثة الصعبة)، ولكن كلما انتظرت لفترة أطول، كانت الفوائد التي ستدفعها على شكل قلق وخوف أكبر.
إذا لم تكن فكرة الاضطرار إلى دفع فوائد القلق كافية بحد ذاتها، فإليك أسباب أخرى تدفعك إلى خوض هذه المحادثة الصعبة عاجلاً وليس آجلاً. أولاً، كلما أجلت هذه المحادثة إلى فترة أبعد، أصبحت الحقائق المتعلقة بها أكثر غموضاً. ففي غياب الأمثلة الموضوعية، من المرجح أن المحادثة سوف تجنح إلى الجانب العاطفي وإلى خانة إطلاق الأحكام الشخصية. وهذا الأمر سيجعل المحادثة مضنية أكثر بالمقارنة مع محادثة تستند إلى حقائق واضحة.
علاوة على ما سبق، كلما طال أمد الابتعاد عن الأحداث المعنية، بدت المحادثة أكثر غرابة. كما أن الرأي المقدم بعد وقوع الواقعة بفترة طويلة سيقود إلى رد فعل من قبيل: "لماذا لم تخبرني بالأمر في وقت أبكر؟" وعلى المنوال ذاته، إذا ماطلت في الاعتراف بذنبك، فإن فشلك في تبييض صفحتك سيسمح للأمور بأن تجنح عن مسارها مسافة أبعد، وأن تعمّق الحفرة التي تحاول أنت الخروج منها. كما أن التأخير سيجعلك تبدو وكأنك تحاول التستر على شيء ما. وفي جميع الأحوال، فإن الانتظار لتمرير رسالة صعبة إلى شخص آخر يمكن أن يسهم في تراجع الثقة في العلاقة، في حين أن إبلاغ الرسالة الصعبة قبل أن تتدحرج ككرة الثلج يمكن أن يعزّز الثقة.
إدارة المحادثات الصعبة
ولكن هناك تحذير ضروري ولا بد منه: على الرغم من وجود العديد من الأسباب الوجيهة لخوض النقاشات الصعبة والانتهاء منها في أسرع وقت ممكن، يبقى عدد من الأوضاع التي قد يكون من الأفضل فيها التريث. فإذا كان موضوع الحديث عاطفياً وانفعالياً، فمن الأفضل أن تأخذ بعض الوقت لتهدئ أعصابك وتفكّر فيما تريد قوله. ولكن إذا كنت في وضع لا يسمح لك بالتأجيل، فانتظر حتى تهدأ الأمور قليلاً، ومن ثم اطرح القضية مع تقديم تفسير لسبب اختيارك لهذا التوقيت. على سبيل المثال، إذا كنت تسابق الزمن لإنجاز مهمة معينة في وقت محدد، قد لا يكون الوقت مناسباً لتقول لزميل لك بأنه يزعج الجميع بأسلوبه المباشر زيادة عن اللزوم. فهذا الرأي يمكنه الانتظار إلى ما بعد إنجاز المهمّة العاجلة، لتحاشي التسبب بصدمة قد تعطل الجميع عن العمل. لكن التأجيل يجب أن يكون متعمداً ومؤقتاً. وفي غالبية الحالات، يجب خوض النقاشات الصعبة في أسرع وقت ممكن.
قبل أن تخوض الحديث المعني، حاول أن تمارس شيئاً من التأمل الذاتي لتحاول معرفة الأسباب التي تدفعك إلى التأجيل. في غالب الأحيان، أنت تؤجل إبلاغ الرسالة الصعبة لأنك تخشى إحراج الشخص الآخر أو إيذاء مشاعره. وإليك المثال التالي الذي أرغب في استعماله لكي أوضح لماذا تعتبر هذه المقاربة خاطئة: إذا رأيت شخصاً لديه قطعة سبانخ عالقة بين أسنانه وامتنعت عن إخباره بذلك لأنك لا تريد إحراجه، فإنك بهذا التصرّف تعرضه للمزيد من الإحراج في أثناء ممارسته لعمله. والشيء اللطيف الذي يجب على أي إنسان في هذه الحالة فعله هو تنبيه هذا الشخص بطريقة عرضية إلى الطعام العالق بين أسنانه. والأمر ذاته يصحّ على زميلك في الفريق إذا كان يقدّم عروضاً مفرطة في الطول، أو إذا كان دائم المقاطعة للآخرين، أو ينسب الفضل في أفكار الآخرين إلى نفسه. ومن ثم، فإن عدم الحديث في الأمر يفسح له المجال للاستمرار في الإضرار بسمعته، وربما الإضرار بسمعة الفريق حتى.
عندما تحتاج إلى قول شيء قد لا يكون مريحاً للشخص المتلقي، ركّز طاقتك وجهدك على تمرير الرسالة بألطف أسلوب ممكن. فإذا ما أبديت نوايا إيجابية، ومرّرت الرسالة بشيء من الحساسية، وأفسحت المجال أمام الشخص الآخر ليعبّر عن وجهة نظره، فستكتشف أن الحديث سيكون أقل مدعاة للشعور بعدم الارتياح مما كنت تعتقد. وتذكّر بأن احتفاظك لنفسك برأيك الذي يمكن أن يساعد زميلك في العمل على تحسين وضعه هو أمر غير لطيف بل هو دلالة على الإهمال.
هناك سبب آخر قد يفسر تحاشيك للحديث، ألا وهو أنك خائف من استثارة رد فعل دفاعي غير لطيف لدى الشخص الآخر. وهذا أمر مفهوم. بوسعك التخفيف من المخاطر من خلال أخذ الوقت الكافي للتخطيط لما تريد قوله. حاول أن تدوّن على الورقة ما هي بالضبط الطريقة التي قد تلجأ إليها لطرح الموضوع، بعد ذلك ناقش أفكارك تلك مع شخص تثق به. وعندما تتأمل رسالتك تلك، حاول البحث عن طرق تساعدك في إضفاء أكبر قدر من الموضوعية على هذه الرسالة، بحيث يقلّ احتمال استثارة رد فعل دفاعي لدى الشخص الآخر. حاول استبعاد الكلمات المفعمة بالأحكام، مع الالتزام بالحقائق والوقائع. فعوضاً عن أن تقول: "لقد تعاملت معي بقدر كبير من عدم الاحترام في ذلك الاجتماع" يمكنك القول: "لقد قاطعتني ثلاث مرات وأنا أتكلم". فكلما كانت إمكانية التحقق من موقفك أكبر، زادت ثقتك في أن الحديث سيظل حديثاً مهني الطابع.
بعد أن تصبح رسالتك واضحة في ذهنك، قد يكون من الجدير تنبيه الشخص سلفاً بما تخطط للحديث عنه معه. فبحسب تجربتي الشخصية، لا يحب الناس الدخول في نقاشات صعبة فجأة. ابعث رسالة مقتضبة قبل ساعتين من الموعد المزمع لمناقشة الموضوع. بوسعك أن تقول شيئاً بسيطاً من قبيل: "أريد أن أتحدث معك بخصوص العرض الذي قدّمته يوم الثلاثاء". امنح الشخص وقتاً كافياً لكي يستجمع أفكاره، ولكن لا تترك له وقتاً أطول من اللزوم بحيث يدفعه ذلك إلى تخيّل وقوع سيناريوهات كارثية. إن إخراج عامل الصدمة من المعادلة سيقلل احتمال الدخول في نقاش حامي الوطيس.
أهمية اختيار المكان المناسب لبدء النقاش الصعب
من المهم أيضاً أن تعزز ثقتك من خلال اختيار مكان مناسب لخوض النقاش الصعب. ربما قد تكون الخصوصية هي الأمر الأساسي لك، ولكن قد تكون هناك اعتبارات أخرى أيضاً. فإذا ما كنت تخشى من استجابة الشخص الآخر التي قد تكون غاضبة، فحاول اختيار غرفة اجتماعات ذات نوافذ زجاجية أو واجهات شفافة، بحيث تكونان أنتما الاثنان ظاهرين للآخرين. إذا كنت تخشى انفعال أحدكما أو كليكما، اختر مكاناً قريباً من الحمام، بحيث يكون بوسعك الانسحاب لاستجماع أفكارك قبل العودة إلى مكتبك. والأمر ذاته ينطبق على توقيت إبلاغ الرسالة: متى هو الوقت الأكثر منطقية لخوض الحديث؟
عندما تصل إلى لحظة الحقيقة، حاول التعبير بأكبر قدر من الصدق عن شعورك بعدم الارتياح، لأن لغة جسدك ستبوح بكل شيء في جميع الأحوال. بوسعك القول: "كان يجب أن أخبرك بهذا الأمر من قبل، لكنني لم أتمكن من إيجاد طريقة لأخبرك به دون إزعاجك". وبوسعك التعبير عن الأمر بطريقة مختلفة: "أنا أقدّرك كثيراً كزميل وصديق، لذلك كنت بحاجة إلى بعض الوقت لأخبرك برأيي بهذه الطريقة".
من الممكن أن تسبب المحادثة الصعبة رد فعل يتّسم بالانفعال. ولا بأس في ذلك. ولكن إذا حصل هذا الأمر، حافظ على هدوء أعصابك وحاول أن تستقرئ ما يجب فعله بناء على قراءتك للشخص الآخر أمامك. إذا بدأ زميلك بالبكاء، فقدّم له المساعدة وأسأله إذا كان بوسعك مواصلة الحديث. إذا غضب الشخص، فحافظ على رباطة جأشك. فطالما أنك لا تبالغ في رد فعلك، فإن معظم الناس سيفضّلون المضي قدماً واستكمال الحديث غير المريح إلى النهاية لكي يضعوه وراء ظهورهم. وأنا عموماً لا أنصح بتركيز الانتباه على المشاعر الانفعالية مباشرة. عوضاً عن ذلك، تحدّث عن أهمية القضية: "أنا أعلم مدى اهتمامك الكبير بنظرة الفريق إليك، لذلك رغبت بإخبارك بهذا الأمر". فإذا ما سمحت للمشاعر الانفعالية بأن تجعل الحديث يخرج عن مساره، فإنك ستكون مضطراً إلى خوض الحديث من جديد لاحقاً، أو التعايش مع حالة من الصمت الغريب وأنت تحاول التظاهر بأن الحديث لم يحصل على الإطلاق. وهذا الأمر لا يفعل شيئاً سوى إطالة أمد حالة الألم التي كنت تحاول وضع حد لها.
أخيراً، أسوأ شيء يمكنك فعله بعد إيصال رسالة غير مريحة هو إنهاء الحديث قبل أوانه. فإذا ما غادرت الغرفة والأجواء ما تزال مشحونة بالكامل، فإن الخوف سيمتد إلى اللقاء الثاني بينكما. لذلك دع الحديث يطول إلى فترة من الزمن، حتى تعود إلى رشدك.
لا شك بأن الحياة تمتلئ بالنقاشات الصعبة، وخاصة عندما تكون قد استثمرت الكثير في تكوين فريق عظيم. لذلك، فإن تأجيل نقاش صعب لن يفعل شيئاً سوى تأزيم المسألة. علينا حلّ مشكلة تأجيل المحادثات الصعبة، حاول أن تحدّد في ذهنك ما تحتاج إلى قوله، وحدد بالضبط متى وأين تريد خوض النقاش، ومن ثم حافظ على هدوئك واستمر في الحديث إلى النهاية. وبعد الانتهاء من هذا الحديث سينتابك شعور مريح.