يحدث اليوم على مستوى العالم ما يمكن تسميته صراع الأجيال وصراع الخبرة، فالمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والعائلية مازالت حذرة من نقل الإدارة والقرار إلى جيل الشباب. وبحسب دراسة نشرتها هارفارد بزنس ريفيو شملت 143 شركة كبرى على مستوى العالم، وهي شركات تشغل حوالي ثلاثة ملايين عامل، فإن أكثر من 70% من الشركات مازالت مترددة في إحالة خبرائها للتقاعد، وأنها عملت على تمديد فترة أعمال الجيل الأقدم، بسبب "عدم الثقة" بأن جيل الشباب أو ما يطلق عليه جيل الألفية قادر على القيادة وتولي دفة السفينة.
وما يجعل هذا الصراع جديراً بالاهتمام، ليس فقط أنه ظاهرة عالمية، بل لأنه أيضاً سابقة لم يحصل لها مثيل في كل حالات الانتقال البشري من نموذج عمل إلى آخر. ففي القرن العشرين، كان ثلاثة أجيال فقط يعملون جنباً إلى جنب في مقرات العمل بسبب سياسات التقاعد المبكر، بينما يتعايش اليوم في القرن الواحد والعشرين أربعة أجيال وربما خمسة جنباً إلى جنب مع امتداد فترة التقاعد على مستوى العالم بسبب الحذر الذي ذكرناه آنفاً. وفي استطلاع أجريناه في هارفارد بزنس ريفيو العربية شمل 1,128 شخصاً ذكروا أن شركاتهم يعمل بها أجيال بدءاً من مواليد الخمسينات وحتى أواخر التسعينيات. لقد سرّعت التكنولوجيا من عملية التحول في نماذج الأعمال، فبعد أن كانت طرق العمل ونماذجه تتغير كل 15 عاماً باتت الآن تتغير كل خمس سنوات بحسب مجموعة "بوسطن كونسلتينغ جروب".
وبسبب التكنولوجيا والتغيير المتسارع في نماذج الأعمال باتت قيادة الدفة في بعض المشاريع وبعض المؤسسات تتطلب الجيل الشاب الذي يتقنها، وهو ما أدى عملياً لإلغاء ما كان يسمى "التراتبية الإدارية" وأولوية "الأقدمية" في الترقية. وأصبح الخبير المخضرم "المهاجر الرقمي" بحاجة للشاب "المواطن الرقمي" إلى جانبه. وهنا ظهرت المعضلة، هل خبرة هذا الشاب الرقمية وروح الريادة التي تعلمها من سرعة التكنولوجيا وزعزعتها كافيتان لوضعه في منصة القرار الشامل للمؤسسة أم لا؟
أعتقد أن المؤسسات بمختلف أشكالها حكومية وخاصة باتت بحاجة لاستحداث ما نسميه "خطوط إنتاج القادة" من جيل الشباب، عبر برامج وأكاديميات رديفة لكل مؤسسة تضمن نقل الخبرة ومزجها بين الأجيال، بحيث يخضع الشاب لمرحلة المرور عبر حاضنة التأهيل لاستيعاب الرسالة العامة للمؤسسة وثقافتها والعلاقة مع المستفيدين منها أو عملائها قبل أن يستلم مكنة اتخاذ القرار.
في هذا السياق، تأتي مبادرة "برنامج خبراء الإمارات" لتمثل رؤية تهدف إلى صناعة الخبرات المؤهَلة للقيادة واحتضانها عبر اختيار مواهب شابة تشرف عليها نخبة من الموجهين في هذا البلد الذي يقدم نموذجاً ريادياً في تأهيل وزراء وقيادات شابة في مختلف الاختصاصات.