في كثير من المستشفيات والمراكز الصحية في عالمنا العربي، يطلب الرئيس التنفيذي من مدير القسم أن يكون "الحَكم" بين الإدارة وفريق التشغيل التنفيذي، وأن يحل الخلافات المعقدة بين الأقسام، دون أن يملك الأدوات أو الدعم الكافي. لكن ماذا يحدث حين لا يتمكن المدير من حل النزاع؟ أو حين يتخذ المدير موقف المتفرج؟
دراسة من جامعة كارولنسكا في السويد تابعت 24 مديراً في 3 مناطق صحية، ووجدت نتيجة صادمة: كثير من المدراء يزيدون المشكلة بدلاً من حلها.
السبب؟ أنهم لا يرون أنفسهم مسؤولين عن إدارة التوترات بين الإداريين (مثل الموارد البشرية) والعاملين في الصف الأول (كالأطباء والممرضين). بل غالباً ما يرسلون موظفين بلا صلاحيات لمحاولة "تهدئة" الأمور.
بل إن مدراء الأقسام – وهم من يفترض أنهم الأقرب للموظفين – كثيراً ما ينحازون لفريقهم ضد باقي المؤسسة، رغم أن لهم سلطة كافية للتدخل البنّاء، لكنهم لا يستخدمونها.
وهنا يظهر الدرس الذي يمكن تعميمه عربياً: لا يمكن أن تطلب من المدير أن يكون "جسر تواصل" بين الأطراف، ثم تتركه بلا أدوات، ولا شرعية، ولا تدريب على الوساطة.
إذا كنا نواجه حالات مشابهة في مستشفياتنا أو إداراتها الحكومية أو حتى شركاتنا، فالحل لا يكمن في إطلاق شعارات مثل "نحتاج للتعاون" و"نريد المزيد من الحوار"، بل في:
- تدريب المدراء على مهارات الوساطة والتواصل الفعال.
- منحهم صلاحيات واضحة، لا تجعلهم "مجرد واجهة".
- بناء ثقافة مؤسسية تعترف بأن حل النزاعات مسؤولية إدارية عليا، لا عبء يرمى على فرد واحد.
في عالمنا العربي، حيث العلاقات بين الأقسام كثيراً ما تكون متوترة بسبب غموض الأدوار، فإن إعادة تصميم دور المدير كـ"مهني عام" يربط بين العوالم المختلفة، بات ضرورة لا ترفاً.
المجاملة لا تحل الخلافات. ولا التجاهل. بل القيادة الحقيقية.