كيف يمكن لمتاجر الأغذية الكبرى المساهمة في حل أزمة الهدر الغذائي؟

7 دقائق
طرق حل أزمة الهدر الغذائي

إذا وجدت نفسك مضطراً لتفريغ درج الخضروات في ثلاجتك وتنظيفه كل بضعة أسابيع، تخيل ما يحدث في محلات البقالة، حيث أنه وفقاً لهيئة المهندسين الميكانيكيين في الولايات المتحدة، تتراوح نسبة الأغذية المهدرة سنوياً من ثلث إلى نصف الأغذية التي يتم إنتاجها على مستوى العالم. فكيف يمكن حل أزمة الهدر الغذائي حول العالم؟

حسب ما نشرته صحيفة الغارديان، فإن حجم الهدر يصل إلى 45% من الفاكهة والخضروات و35% من الأسماك والأطعمة البحرية و30% من الحبوب و20% من اللحوم ومنتجات الألبان تقريباً كل عام من قبل الموردين وتجار التجزئة والمستهلكين.

وتتزايد نسبة الهدر الغذائي مع ارتفاع عدد سكان العالم. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى توقع زيادة عدد سكان العالم من 7.6 مليار إلى 9.8 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يزيد من تفاقم مشكلة الأمن الغذائي. ولإنتاج الأغذية، نحتاج إلى مياه للري وبذور وأيدي عاملة ومعدات وطاقة وأسمدة. وإذا سمحنا بإهدار الطعام وتركنا كل ذلك يذهب سدى، فذلك يعد عبثاً بالموارد الطبيعية وسيجر علينا مشاكل ارتفاع التكاليف وتضخم أسعار المواد الغذائية ويُضعف سلسلة توريد الأغذية.

وتحتل متاجر الأغذية الكبيرة مثل كروجر (Kroger) وسينسبري (Sainsbury’s) وتيسكو (Tesco) وكارفور (Carrefour) ووول مارت مركزاً فريداً يتيح لها التصدي لهذه المشكلة العالمية، إذ أن لديها القدرة للتأثير على كافة مراحل سلسلة التوريد لصلتها المباشرة بالمزارعين والمصنعين والمستهلكين. ونظراً لأهمية متاجر السوبرماركت التقليدية والاعتماد عليها بشكل كبير (على سبيل المثال، تمثل أكبر سبعة متاجر تجزئة في المملكة المتحدة 87% من متاجر بيع المواد الغذائية)، فتتمتع متاجر التجزئة بقوة سوقية كبيرة تمكّنها من تغيير الوضع.

ومع ذلك، فإنّ اعتماد هذه المتاجر على استراتيجية بيع كميات كبيرة مع هامش ربح أقل يجعلها معرضة للعديد من التهديدات مثل المنافسة وارتفاع أسعار الجملة وتغيّر طلبات المستهلكين، كما هو الحال مع متاجر التخفيضات الكبرى مثل آلدي وليدل وأمازون التي تزيد من الضغط على المتاجر الكبيرة لزيادة تقليص هوامش ربحها الضئيلة.

ونقترح هنا استراتيجية ذات أربعة محاور لمساعدة تجار التجزئة على الحد من إهدار الغذاء في مختلف مراحلة بدءاً من زراعة المحاصيل الغذائية وصناعة الأغذية وفي المتاجر وأثناء الاستهلاك. ويمكن كذلك أن تساعد هذه الاستراتيجية تجار التجزئة على إدارة التحديات التنافسية والاستراتيجية من خلال تعزيز الشراكات مع موردي الأغذية والتعامل مع احتياجات العملاء ومتطلباتهم بطرق جديدة.

طرق حل أزمة الهدر الغذائي

1- تطوير نظم الجرد وفقاً لأحدث التقنيات

ساهمت الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال التشغيل الآلي وبرامج الحاسوب على تسهيل إدارة عمليات الجرد لعدد أكبر من أكواد التخزين وأنواع المنتجات. وتستخدم الآن بعض الشركات مثل هوول فودز (Whole Foods) وتارغت (Target) في الولايات المتحدة برامج تستخدم تصميم المتجر وترتب النتائج حسب تنسيق الرفوف فيه، ما يتيح إمكانية نقل المنتجات مباشرة من مخازن التوزيع إلى أماكن البيع بالتجزئة. في السابق، كان التجار يتعاملون مع جهات وسيطة لنقل البضائع من المخازن إلى المتاجر، أما الآن فيمكن الاستفادة من الوسائل التقنية الحديثة لتخفيض الفائض في المخزون وتقليل عمليات نقل البضائع وترتيبها وخفض أعداد المنتجات سريعة التلف التي تذهب غالباً إلى النفايات. سيؤدي ذلك بالطبع إلى تحقيق وفورات وأرباح كبيرة، إلا أنه لا يزال من الصعب توسيع نطاق هذه البرامج في الوقت الحالي. ولكن يجري حالياً إطلاق بعض النماذج الأولية والبرامج التجريبية التي سوف تفتح الباب لقيام استثمارات ضخمة في مجال تكنولوجيا أنظمة الجرد.

2- إقامة شراكات مع المزارعين

يبدأ هدر الغذاء من المزارع، إذ تقدر نسبة المحاصيل التي تُترك في الحقول دون حصاد ضمن الولايات المتحدة بـ7% كل عام. ويعزى ذلك إلى حد ما إلى زراعة محاصيل أكثر من الحاجة كإجراء احترازي ضد الأحوال الجوية والأمراض التي تؤثر عليها وعدم استقرار الطلب على تجارة الجملة والتجزئة. أما إذا اتجه المزيد من تجار التجزئة إلى العمل مباشرة مع المزارعين أو تشجيع وسطائهم على التعاون بشكل أكبر من المزارعين، فيمكن تخفيض نسبة الهدر في المحاصيل الزراعية بشكل كبير.

ويمكن لتجار المواد الغذائية العمل بطريقة منهجية ومشاركة توقعاتهم لبعض أصناف السلع الغذائية المحددة لمساعدة المزارعين في وضع خطط الإنتاج الخاصة بهم وتجنب زراعة كميات أكبر من اللازم. كما يمكن لتجار التجزئة كذلك مشاركة المعلومات والتقنيات التي تساعد على تعزيز الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الزراعية. على سبيل المثال، استطاع متجر سينسبري في المملكة المتحدة تمديد موسم لحم الضأن لمدة خمسة أسابيع من خلال التعاون المباشر مع 822 جهة مختصة بتربية الأغنام خلال موسم الطقس السيء في فصل الربيع عام 2015، ما ساعد على تأخير نضج الأغنام. وأثناء انتظار وصول الأغنام إلى الوزن المطلوب، ساعد متجر سينسبري على توفير كميات أكبر من لحم الضأن المحلي للمستهلكين وتجنب الخسائر المحتملة في إنتاج المزارع. وكذلك، اتبع متجر سينسبري منهجية "تكلفة الإنتاج" لمساعدة المزارعين الذين يعانون من تقلب الأسعار، حيث تعكس هذه الاستراتيجية بشكل مباشر التكاليف الفعلية في المزارع وتضيف عليها نسبة ربح معينة وتكافئ المزارعين عند اتباع أفضل المعايير في رعاية الحيوانات والحفاظ على البيئة. وساعدت هذه الاستراتيجية التي اتبعها المتجر بدلاً من منهجية التسعير التقليدية على ازدهار عمل مزارع الألبان وضمان توفر منتجات الألبان للسنوات القادمة.

ويعني هذا المنهج التعاوني في العمل مع الموردين التعامل مع المزارعين باعتبارهم شركاء، والاستثمار في الاستدامة طويلة المدى لسلسة التوريد بدلاً من تحقيق أكبر قدر من عائدات المنتج على المدى القصير. ويتعاون متجر ماركس أند سبينسر (Marks and Spencer) بشكل وثيق مع المزارعين لتجنب رمي فائض المنتجات الزراعية في النفايات وإرساله إلى الجمعيات الخيرية وبنوك الطعام بمساعدة المؤسسات الشريكة مثل كومباني شوب (Company Shop) وفير شير (FareShare).

ويمكن كذلك لشركات صناعة الأغذية الكبرى أن تدخل في شراكات ضمن مشاريع التكنولوجيا الزراعية التي تهدف إلى مساعدة المزارعين على تقليل الإهدار وزيادة الإنتاج بالإضافة إلى تحسين الوصول إلى الأسواق وتوزيع المنتجات. وتتيح بعض التطبيقات مثل "فارمنغ داتا" (Farming Data) لصغار المزارعين الاطلاع على معلومات حول مستجدات السوق ليتسنى لهم بيع محاصيلهم في الأسواق بطريقة أكثر فعالية. كما أنّ تسويق هذه الأدوات بشكل أكبر يتيح لمتاجر التجزئة الكبيرة الاستفادة منها في استمرار توفير المنتجات الغذائية عالية الجودة بأسعار مناسبة في جميع أنحاء العالم.

3- تغيير أو إيقاف ممارسات المتاجر التقليدية التي تساعد على زيادة إهدار الغذاء

تؤدي بعض العادات التقليدية التي يتم اتباعها في المتاجر إلى زيادة إهدار الغذاء عن غير قصد. بدأت متاجر السوبرماركت مع مرور الوقت بتطبيق معايير جمالية معينة في أقسام الفواكه والخضروات تجعلهم يرفضون أي منتجات لا يبدو شكلها مثالياً حتى ولو بصورة طفيفة (كأن تكون أقصر أو أطول من اللازم أو غير مستوية الشكل أو لونها داكن أو فاتح أكثر من اللازم وما إلى ذلك). وللحد من هذا الهدر، بدأت سلاسل متاجر البقالة مثل "أسدا" (Asda) التابع "لوول مارت" و"موريسونز" (Morrisons) تجربة بيع الخضروات (المعتلّة) بأسعار مخفضة.

وكذلك، نظراً لسرعة تلف الأغذية الطازجة، غالباً ما يكون لدى المتاجر بعض المنتجات الزائدة. وبدل التخلص من المنتجات الغذائية التي لا يمكن بيعها ولكنها لا تزال صالحة للأكل، بدأت متاجر "كروغر" و"ماركس أند سبنسر" و"سينسبيريز" في إقامة أنظمة لتوزيع فائض الطعام الصالح للأكل على المؤسسات الخيرية على مستوى الدولة.

كما تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في هذه القضية كذلك، فعلى سبيل المثال، تعمل المنصات الاجتماعية مثل موقع "نيبورلي" (Neighbourly) كمراكز رقمية للجمع بين المتبرعين بالطعام والمحتاجين إليه. وتساعد بعض البرامج مثل "لين باث" (LeanPath) المطابخ المؤسسية مثل "جوجل فود" (Google Food) على التعرف على أسباب إهدار الطعام (مثلاً، ممارسات في المطبخ) ومنع حدوثها. ويتعاون متجر "سينسبيريز" مع شركة "إنتومكس" (Entomics)، وهي شركة ناشئة تقوم بتحويل بقايا الطعام إلى أسمدة، للتخلص من فائض الأطعمة المتبقية لديه.

ومن الممارسات الأخرى التي تساهم في حل مشكلة إهدار الطعام هي طريقة استخدام ملصقات التعريف بالمنتجات. فمثلاً، غالباً ما يفهم المستهلك كلمة "يفضل استخدامها قبل" على أنها توضح تاريخ صلاحية المنتج وبالتالي يتخلص من المنتجات قبل انتهاء صلاحيتها بالفعل. وفي العديد من البلدان، يكون استخدام هذه الملصقات غير منظم وغير موحد، إذ يحدد المصنعون هذه التواريخ بأنفسهم لضمان استهلاكها وهي لاتزال طازجة تماماً. وتعمل الرابطات التجارية الكبرى للمنتجات الغذائية على تحفيز مصنّعي المنتجات الغذائية وحثهم على إعادة تنظيم استخدام ملصقات المنتجات، ويجري حالياً تنفيذ هذه المبادرات إلا أنها تظل مبادرات تطوعية وغير موحدة.

وتلعب متاجر الأغذية الكبيرة دوراً محورياً في حل أزمة الهدر الغذائي وهذه المسألة تحديداً باعتبارهم أصحاب المنتجات الغذائية ومساحات عرض المنتجات، إذ يمكنهم الضغط على مصنّعي المواد الغذائية لإلغاء عبارة "يفضل قبل" أو استبدالها بـ"من الأفضل استخدامه قبل". ويمكن كذلك وضع عبارة "تاريخ البيع" على المنتجات سريعة التلف للغاية كمؤشر على صلاحية المنتج. وبدأت بعض متاجر التجزئة مثل "جمعية إيست أوف إنجلاند التعاونية" (East of England Co-op) بدراسة إمكانية بيع المنتجات الغذائية بعد مرور التواريخ التي يفضل استخدامها قبلها. ويمكن للمتاجر كذلك تجربة استخدام تقنيات تغليف أفضل تساعد في الحفاظ على المنتجات لفترات أطول.

ودحضت تحليلات البيانات الفكرة القائلة بضرورة تكديس مساحات العرض حتى يُقبل المستهلك على شراء المنتجات. إذ اكتشف متجر "ستوب آند شوب" (Stop & Shop)، بعد إلقاء نظرة متفحصة على أقسام المنتجات سريعة التلف لديه، أنّ تكديس المنتجات يؤدي إلى زيادة نسبة التلف بشكل كبير وكذلك ارتفاع تكاليف العمالة. وساهم استخدام طرق عرض جديدة مع تقليل مخزون المنتجات على تعزيز رضا العملاء لبقاء المنتجات طازجة لفترة أطول. وساعدت هذه الطريقة متجر "ستوب آند شوب" على تحقيق وفورات تقدر بنحو 100 مليون دولار في العام. ويستخدم متجر "تريدر جوز" (Trader Joe’s) استراتيجية مماثلة، حيث يقوم بعرض منتجاته في صفوف صغيرة ليوحي بكثرتها.

4- التعاون مع المستهلكين

ازداد حجم الإهدار الغذائي من قبل المستهلكين نتيجة لارتفاع صافي الدخل. إذ يعاني الشباب من مشكلة التصرف في بقايا الطعام، ويتعامل 3% من الناس فقط مع سلوك رمي الطعام باعتباره وصمة اجتماعية. ويمكن محاولة تغيير العادات ولكنها فكرة طويلة المدى، بينما يمكن أن تلعب متاجر الأغذية دوراً هاماً في تثقيف المستهلكين بأهمية الحد من إهدار الطعام في المنازل.

وأظهرت دراسة قام بها متجر "سينبيريز" أن المستهلكين يرون محلات السوبرماركت مصدراً ملهماً ومرشداً لهم فيما يتعلق بالحد من إهدار الغذاء. ويمكن الاستفادة من بعض المجلات المجانية المختصة بالطعام التي تستخدمها محلات السوبرماركت مثل متجر "كو أوبريتف" في المملكة المتحدة لنشر أخبار متعلقة بالغذاء في نشر نصائح لتقليل هدر الطعام ووصفات لإعادة استخدام بقايا الطعام. ويمكن لمحلات السوبرماركت التعاون مع الطهاة ورعاية برامجهم لتوضيح طريقة الاستفادة من بقايا المكونات الغذائية والأطعمة. كما حازت فكرة حفلات العشاء التي تشتمل على أطعمة مصنوعة من بقايا ومخلفات الطعام على إعجاب الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تعتبر طريقة جيدة لتثقيف العملاء وتشجيعهم على المشاركة في الحفاظ على الطعام خاصة الشباب.

كما يمكن أن تساهم متاجر الأغذية في تنظيم حملات لمكافحة إهدار الطعام، مثل مبادرة متجر كروغر الأخيرة "عالم خالٍ من الجوع، خالٍ من الهدر" التي تستعين بمصادر خارجية للتعاون مع المستهلكين وجمع المعلومات اللازمة لمكافحة إهدار الطعام والقضاء على الجوع.

وستحقق متاجر الأغذية الكثير من المكاسب عند اعتماد استراتيجيات خاصة من أجل حل أزمة الهدر الغذائي عبر مختلف مراحل سلسلة التوريد، ولكن لا يمكنها القيام بذلك بمفردها. فلابد لها من التعاون مع المزارعين ومصنّعي الأغذية والمؤسسات غير الربحية ومشاريع التقنيات الزراعية والمشاريع الاجتماعية لمساعدتها في تحقيق أهدافها الخاصة بمكافحة إهدار الغذاء. وكجزء من مسؤولية متاجر الأغذية واهتمامها بمصلحة مجتمعاتها، يمكنها مشاركة أهدافها الخاصة بالحد من إهدار الغذاء وبناء علاقة قوية مع الموردين والعملاء.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي