يعبّر مصطلح "حصان طروادة" عن قصة أسطورية استخدم فيها قدماء الإغريق مناورة جريئة لدخول مدينة طروادة، إذ وبعد حصار طويل صمد فيه الطرواديون (يُقال أنه دام أكثر 10 سنوات)، اهتدى الإغريق لحيلة مبتكرة حيث صنعوا حصاناً خشبياً ضخماً وأخفوا داخله مجموعة من المحاربين، بينما تظاهر باقي الجيش بالإبحار بعيداً، وأُدخل الحصان للمدينة على أنه هدية النصر، غير أنّ الجنود المختبئين تسللوا منه ليلاً وفتحوا البوابات لبقية الجيش، الذي كان قد أبحر عائداً تحت جنح الليل، ما مكنهم من مباغتة سكان المدينة والفوز بالحرب أخيراً. بصفة عامة، يستخدم تعبير "حصان طروادة" للدلالة على تقديم طُعم مقنّع في هيئة هدية للعدوّ المحصّن بهدف اختراقه، أما في عالم الأعمال الربحية، فتستخدم هذه الاستراتيجية في العديد من المجالات، على غرار الأمن السيبراني والتسويق والتعاون القائم بين الشركات. فيما يلي بعض الأمثلة على مجالات تطبيقها:
1. في مجال التسويق
من الأمثلة الشائعة في هذا المجال إتاحة عينة مجانية من منتج ما، مقابل الحصول على فوائد أخر لقاء ذلك، مثل إتاحة جزء من كتاب في صيغته الإلكترونية، مقابل الموافقة على تلقي الرسائل الإلكترونية التي تربط المسجلين بالكاتب والشركة الناشرة، أما المثال الآخر فهو التركيز على مصادر الإيرادات التي تبدو ثانوية للخدمة الرئيسية، مثل دور السينما التي تحقق الجزء الأكبر من أرباحها من مبيعات المشروبات والوجبات ومداخيل مواقف السيارات.
في بعض الأحيان تُستخدم مصطلحات مثل "الإعلان الطعم" (Bait Advertising) أو "العرض الزائف" (Bait-and-Switch) كمرادف لتكتيك "حصان طروادة"، وهي في الأساس طرق تسويقية قائمة على التحايل تلجأ إليها بعض متاجر التجزئة بحيث تعرض إعلاناً مغرياً للغاية على منتج مرغوب وبسعر لا يقاوم، بهدف جرّ الزبون إلى المتجر لشرائه، ليتفاجأ بعدها بعدم توفر المنتج المستهدف، ويضطر حينها إما لشراء منتج بديل بسعر أعلى (التبديل)، أو منتجات أخرى لم يكن يخطط لشرائها.
لم يقتصر استخدام هذا الأسلوب على متاجر التجزئة، بل انتشر لدى شركات الطيران والسياحة والفنادق والخدمات المنزلية والعقارية وحتى لدى وسطاء بيع السيارات، فضلاً عن المتاجر الإلكترونية؛ والحيلة هي نفسها حيث يُستخدم إعلانٌ طُعم بقصد شد انتباه الزبون وجذبه ومن ثم عرض المنتج أو الخدمة الحقيقية المراد بيعها. على الرغم من أن هذا الأسلوب غير أخلاقي، إلا أن بعض الدول فقط تعتبره جريمة احتيال وتعاقب عليه بغرامات مالية وأحياناً بالسجن.
2. في مجال البلوك تشين
حسب أحد أنواع البلوك تشين الواردة في مقال "5 أنواع البلوك تشين وأيها يجب الحذر منها"، يمكن للشركات الرقمية الكبيرة أن تطور تطبيقاً قائماً على البلوك تشين وتدعو الآخرين من موردين وشركاء لاستخدامه، ويكون هذا الحل جذاباً في نظر الآخرين لأنه مدعوم بسمعة الشركة الكبيرة وعلامتها التجارية وقدراتها التكنولوجية، كما تكمن قيمته في توفير حلول لبعض المشاكل المعروفة والمكلّفة والمنتشرة في قطاع ما، ولكنها قد تلزم المشاركين بتقديم بيانات شركاتهم ونقل شيء من السلطة أو النفوذ على نحو يؤدي إلى دمج السوق لصالح المالك الأساسي للبلوك تشين.
أحد الأمثلة المحتملة في هذا المجال تطبيق "بلوك تشين وول مارت" لتعقب الأغذية، إذ أكدت هذه الشركة العملاقة أن الأمان الغذائي هو سبب إطلاقها لهذه السلسلة، وهو أمر منطقي، ففي البيئة التي لا تستخدم البلوك تشين، قد يستغرق تحديد المزرعة أو المعمل المسؤول عن تصنيع المادة الغذائية الملوثة عدة أسابيع، ويمكن أن يصاب الكثير من المستهلكين بالمرض في هذه الفترة، بينما تسمح السجلات الكاملة التي يسهل الوصول إليها لدى متاجر مثل وول مارت بالعثور السريع على مصدر التلوث وإيقافه من منبعه. وتملك شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة "علي بابا" حلاً مماثلاً طرحته بهدف تحسين عملية تتبع المنتجات الزراعية وتعقبها ومنع بيع المزيف منها، كالحليب والعسل وغيرها؛ ولكن المخاطرة التي يواجهها المشاركون في هذا النموذج من البلوك تشين هي أنهم يصبحون معتمدين على تكنولوجيا المالك ومقيدين بشروط العقد. ومع مرور الزمن، يتمكن نموذج حصان طروادة من زيادة تحكمه بالسوق، إذ يكدس البيانات المتعلقة بالتوريد والأمور اللوجيستية.
3. في مجال التعاون القائم بين الشركات
استراتيجية حصان طروادة شائعة في التحالفات الاستراتيجية، ويُقصد بها الوضعية التي يُستخدم فيها اتفاق التعاون لإضعاف الشريك تحت غطاء أهداف الشراكة والتعاون المعلنة، إذ يسعى كل طرف للتعلم من الآخر بكل الطرق الممكنة، وتجنيد أحسن كفاءات الشريك لاستخدامها ضده لاحقاً، وهي استراتيجية تبرز بوضوح بين المتنافسين الدوليين، ولعل التحالفات المبرمة في قطاع صناعة السيارات بين اليابانيين والأميركيين خلال ثمانينيات القرن الماضي خير مثال عليها، إذ استخدمتها الشركات اليابانية، على غرار تويوتا، ليس فقط لبيع منتجاتها في السوق الأميركي عبر شبكات توزيع حلفائها (مثل فورد وجنرال موتورز)، وإنما لاكتساب معرفة قيّمة حول هذا السوق بما فيها تفضيلات المستهلكين، لتستخدمها لاحقاً لإنشاء مصانعها الخاصة في أميركا، وتصبح منافساً شرساً للمصنّعين الأميركيين حلفاء البارحة.
يوجد وجه آخر لهذه الاستراتيجية في مجال التعاون بالذات، أين يعمل أحد الشركاء، تحت غطاء التعاون، على الحد من القدرات الإبداعية للحليف، عن طريق جعله معتمداً كلياً على المدخلات التي يزوده بها، ما يعيق وظيفة البحث والتطوير لديه على المدى البعيد، أو يلجأ أحد الحلفاء إلى التعاون مع إحدى الشركات الصغيرة لمنعها من التعاون مع منافس قوي، كما هو حاصل في مجال صناعة الدواء والتحالفات مع الشركات الناشئة الناشطة في مجال البيولوجيا الحيوية.
نختم باستراتيجية حصان طروادة "الكلاسيكية" المستخدمة من طرف الشركات متعددة الجنسيات التي تُبيّت نية مختلفة تحت غطاء التعاون دائماً، وهي شراء الحليف (الشركة الشريكة) مع نهاية فترة التعاون، لأنّ الشراكة تمكّن من اختراق الشركة المستهدفة وتقييم أفضل لها، لكن لا يمكن اعتبار كل شراكة تنتهي باستحواذ أنها من هذا النوع، لأنه يمكن تفعيل بند حق الشراء الذي عادة ما يُمنح للمشتري خلال مفاوضات الاتفاق. من أمثلة هذه الحالة التحالف الذي ضم الشركة الألمانية "هنكل" (Henkel) و"المؤسسة الوطنية لمواد التنظيف" بالجزائر بين عاميْ 2000 و2004، وانتهى باستحواذ الشركة الألمانية على الشركة الجزائرية بعد نحو 4 سنوات من "التعاون"، وهي حالة نموذجية لاستراتيجية حصان طروادة تُستخدم فيها التحالفات للتعرّف على الشركة المستهدفة قبل الاستحواذ عليها.