بحث: إكثار المدير من المزاح يأتي بنتائج عكسية

9 دقائق
حس الدعابة
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ لوسي لامبريكس/ غيتي إميدجيز

تخيّل أنك تحضر اجتماعاً للفريق، وفجأة يلقي مديرك مزحة. يضحك الجميع ويستمر الاجتماع، مع شعور مديرك غالباً بالرضا عن نفسه؛ فكثيراً ما يُقال للقادة إن المزاح وسيلة جيدة لتلطيف الأجواء وتخفيف حدة التوتر ورفع المعنويات. وقد شدد الباحثون والمهنيون الممارسون على فوائده في واقع الأمر؛ إذ يُنظر إلى القادة الذين يتمتعون بحس الدعابة على أنهم أقدر على تحفيز الآخرين بنسبة 27%، كما أن المسؤولين التنفيذيين المتميزين يستخدمون المزاح أكثر من نظرائهم العاديين بمعدل الضعف، ويسهم حس الدعابة لدى القادة عموماً في تخفيف حدة التوتر وتقليل الشعور بالملل من خلال تعزيز التفاعل والرفاهة.

يبدو أن هذه النتائج ترسم صورة واضحة مفادها أن المزاح استراتيجية مفيدة بوسع القائد استخدامها لتحسين أجواء العمل، شريطة ألا تحمل طابعاً لاذعاً أو عدائياً. لكن ماذا لو لم يكن الضحك خلال اجتماع فريقك حقيقياً بل كان مصطنعاً؟ وماذا لو كان الموظفون يتظاهرون بالضحك فحسب؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد أثبت أحدث أبحاثنا المنشورة في مجلة أكاديمية الإدارة (Academy of Management Journal) أن المشكلة لا تنحصر في خلو نكات المدير من الفكاهة المضحكة أحياناً، فالأخطر من ذلك أنها قد تفرض ضغوطاً حقيقية على الموظفين، ولا سيما الذين يؤمنون بالتراتبية الهرمية ويتقبّلون فكرة وجود فوارق في توزيع السلطة.

دعونا نلقي نظرة على التجربتين اللتين أجريناهما:

على أرض الواقع

انطوت دراستنا الأولى على تجربة ميدانية شملت 88 ثنائياً من المدراء والموظفين في جنوب الصين، درسنا خلالها أثر مزاح القادة من خلال مطالبة بعض المدراء بالإكثار من استخدام المزاح في تفاعلاتهم. كان المدراء المشاركون طلاباً بدوام جزئي في دورة لتطوير المهارات القيادية استمرت فصلاً دراسياً كاملاً، وانضموا للتجربة طيلة أسبوعين من الدورة مخصَّصَين لتحسين مهارات القادة في التفاعل مع مرؤوسيهم.

قسّمنا المدراء عشوائياً إلى مجموعتين: مجموعة ضبط طُلب منها تحسين التفاعل العام بين القائد ومرؤوسيه، ومجموعة المزاح التي طُلب منها استخدام المزاح في تفاعلاتها مع الموظفين. ولضمان التزام المدراء في مجموعة المزاح بالتعليمات، أجرينا مقابلات مع بعضهم بعد انتهاء التجربة. وقد أكدت هذه المقابلات أن المدراء تعاملوا مع تعليماتنا بجدية، إذ وصفوا لنا كيف خططوا لسرد قصص طريفة خلال الاجتماعات أو كيف بحثوا عن النكات مسبقاً.

في نهاية الأسبوع، قدّم الموظفون تقارير عن تجاربهم، شاملةً مدى ممارستهم للتفاعل المصطنع، أي التظاهر بردود فعل عاطفية أو المبالغة بها، مثل الضحك أو الابتسام، وكيف انعكس ذلك على شعورهم بالإعياء العاطفي ورضاهم الوظيفي، كما طلبنا منهم إخبارنا عن مواقفهم تجاه التراتبية الهرمية والسلطة.

وكانت النتائج معبّرة عن نمط واضح: بعد أسبوع من إقدام المدراء على زيادة جرعة المزاح، أفاد الموظفون بارتفاع معدلات التفاعل المصطنع، ما أدى بدوره إلى ازدياد شعورهم بالإعياء العاطفي وانخفاض مستوى رضاهم الوظيفي. كانت حدّة هذه الآثار أقوى بين الموظفين الذين يؤمنون بالتراتبية الهرمية في المؤسسات ويتقبلون فكرة وجود فروق كبيرة في السلطة بين المدراء والعاملين.

في المختبر

أجرينا دراستنا الثانية في مختبر سلوكي بمشاركة 212 فرداً من إحدى كليات الأعمال بالولايات المتحدة. ظن المشاركون أنهم يشاركون في سلسلة من مجموعات التركيز المخصَّصة لإجراء مناقشات حول متجر الكتب في حرم الجامعة، لكن ما لم يعرفوه هو أن الجلسات كانت بقيادة ممثل يتقمص دور مدير متجر الكتب (وظفناه للتحكم في كلٍّ من استخدام المزاح وتصورات المشاركين بشأن مكانة القائد في هيكل التراتبية الهرمية ومدى التفاوت في السلطة بينهم وبينه).

وللتحكُّم في استخدام المزاح، كان القائد إما يستخدم النكات طوال الجلسة (مستوى مزاح مرتفع) وإما يتجنبها تماماً (مستوى مزاح منخفض). خلال جلسات المزاح المكثَّف، ألقى 4 نكات قائمة على التلاعب بالألفاظ وكانت ذات طابع إيجابي وتعزز الألفة. وللتحقق من صحة الخطوات، تأكدنا أن المشاركين في جلسة المزاح المكثَّف قد لاحظوا أن القائد استخدم المزاح بمعدل أكبر وجودة أعلى مقارنة بالمشاركين في جلسة المزاح المنخفض. كان لكل مجموعة مزاح جلستان أظهر القائد في كلٍّ منهما مكانته وسلطته بأسلوب مختلف.

جاءت النتائج مماثلة لما توصلنا إليه في الدراسة الميدانية؛ إذ أدى الإكثار من الدعابات إلى دفع المشاركين إلى اصطناع ردود فعل إيجابية، ما أدى لاحقاً إلى ازدياد شعورهم بالإعياء العاطفي وانخفاض مستوى رضاهم الوظيفي. كانت التأثيرات أوضح لدى المشاركين في جلسة المزاح المكثف عندما كان القائد يتصرف بأسلوب رسمي وسلطوي، مرتدياً بدلة رسمية ويقدّم نفسه بصفته "السيد (اسم العائلة)"، مقارنةً بالجلسة التي سادها المستوى نفسه من المزاح لكن بدا فيها القائد ودوداً وغير متكلِّف، مرتدياً قميصاً رياضياً ويستخدم اسمه الأول عند التعريف بنفسه. في الحالة الأولى، أدت سلطة القائد إلى شعور المشاركين بضرورة التظاهر بالضحك. ومثلما قال أحد المشاركين: "ألقى المشرف الكثير من النكات القائمة على التلاعب بالألفاظ، فتظاهرتُ بالضحك من باب المجاملة".

على النقيض من ذلك، في الجلسة التي كان فيها فارق السلطة ضئيلاً، قال أحد المشاركين: "وجدتُ نكات المشرف القائمة على التلاعب بالألفاظ طريفة وعفوية، لم تكن مؤذية، بل مجرد مزاح خفيف. استمتعتُ عموماً بالنقاش في المجموعة، ولم أشعر بأنني أتصنّع الضحك أكثر من اللازم!" يكشف الاختلاف في ردود الفعل أثر مزاح القائد في الضغط على الموظفين لإخفاء مشاعرهم الحقيقية، خاصة عندما تؤدي سلطته إلى تعزيز الشعور بوجوب إبداء الاحترام.

خلاصة القول

أثبتت نتائج الدراستين أن المبالغة في استخدام القائد للمزاح قد تؤدي إلى أعباء عاطفية كبيرة على الموظفين الذين يحترمون التراتبية الهرمية ويتقبلون فكرة وجود فوارق في توزيع السلطة، حتى لو كانت النكات طريفة؛ فعندما يواصل المدير إطلاق النكات الواحدة تلو الأخرى، أو يستخدم التلاعب بالألفاظ مرات عدة في اجتماع واحد، قد يشعر هؤلاء الموظفون بضرورة الانخراط في التفاعل المصطنع. يشعرون بأنهم مضطرون إلى "مجاراة مديرهم" بإظهار الاستمتاع كي لا تتأثر علاقتهم بقائدهم الذي يتحكم في فرص وصولهم إلى الموارد والفرص المستقبلية. قد تؤدي هذه الاستجابات المصطنعة إلى استنزاف طاقة الموظفين، ما يؤدي بدوره إلى شعورهم بالإعياء العاطفي وانخفاض مستوى رضاهم الوظيفي.

تدحض نتائجنا الفرضية القائلة بأن مزاح القائد مفيد دائماً؛ فعند الإفراط في استخدامه، ولا سيما مع الموظفين الذين يؤمنون بتفاوت مستويات السلطة، قد يأتي بنتائج عكسية. قد يشعر الموظفون بأنهم مضطرون للتظاهر بالاستمتاع بالمزاح حتى إن لم تكن تعجبهم، ما يؤدي إلى شعورهم بالإعياء العاطفي وانخفاض مستوى رضاهم الوظيفي. واللافت للنظر أن هذه الآثار لا ترتبط بجودة النكات نفسها، ما يعني أن القائد ربما عليه تقليل استخدام المزاح. وتوصي نتائجنا بدلاً من ذلك بضرورة حرص القادة على انتقاء لحظات محددة لإلقاء دعابات ذات أثر أعمق؛ فالاعتدال هو سر النجاح في هذا المضمار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي