يوجد دعم واسع للعمل بشأن تغير المناخ، على مستوى الشركات الأميركية المختلفة، كما عبر كبار رجال الأعمال والمدراء التنفيذيون عن تأييدهم القوي للرئيس أوباما بشأن اتفاق باريس، أيضاً ألزمت العديد من الشركات نفسها بالعمل على منهجية الاستدامة، والعديد من هذه الشركات تعزز التزامها بهذه المنهجية فعلياً من خلال سلاسل الإمداد الخاصة بها. وهو أمر جيد، ومهم. فكيف يمكن تعزيز التعاون بين حركة المناخ وجماعات الضغط المؤسسية؟
لكن هذا يجعلنا في الكونغرس الأميركي نشعر بالقليل من الارتياح بهذا الشأن، حيث يعتبر حضور جماعات الضغط في الكونغرس هائلاً، ولكن بحسب خبرتي، فإنه لم يتم تخصيص أي من هذه الجهود للضغط من أجل مشروع قانون جيد صادر من الحزبين بشأن تغير المناخ.
كتب دانتي الجملة التالية: "ودعوا الأمل تماماً يا من تدخلون هنا"، ولكن في الكونغرس يوجد بعض الأمل، فالعديد من الأعضاء الجمهوريين راغبون للغاية في بعض الدعم السياسي، لمواجهة الصعود الهائل في قطاع صناعة الوقود الأحفوري.
التعامل الجاد مع مسائل تغير المناخ
على الرغم من التصريحات الصادرة عن الإدارات التنفيذية لشركات النفط حول ضرورة التعامل الجاد مع مسائل تغير المناخ ودعم آليات فرض رسوم على انبعاثات الكربون، فإن الضغوط التي يمارسونها في الكونغرس تعارض تماماً أي إجراءات مماثلة. بصفة خاصة، يعتبر معهد البترول الأميركي، وهو بمثابة الاتحاد التجاري لصناعة النفط، عدواً عنيداً. بالنظر إلى تعارض المصالح الهائل في هذا القطاع، يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأنهم يمارسون لعبة مزدوجة: وهو محاولة الحصول على بعض المصداقية من خلال هذه التعليقات التي تطرح للعامة، وفي نفس الوقت استخدام كل ما لديهم من جهود الضغط التي تعمل في الخفاء لدحر أيّ تهديد باتخاذ إجراء من الحزبين فيما يخص فرض رسوم على انبعاثات الكربون التي يدعون أنهم يدعمونها.
بصفتي أحد داعمي مشروع قانون رسوم انبعاثات الكربون في مجلس الشيوخ الأميركي، فأنا أعرف تلك التفاصيل عن كثب، وأرى أنشطتهم المدمرة في كل مكان حولي - كما لا توجد معارضة من شركاتهم لهذه الممارسات.
سأستخدم هنا مثالين من الشركات الجيدة فعلياً: "كوكاكولا" و"بيبسيكو". أعتقد أنهم يهتمون فعلاً بمسائل تغير المناخ، فلا يوجد لديهم تعارض مصالح كما في حالة شركات الوقود الأحفوري، حيث وقعت كلتا الشركتين خطاباً عاماً في باريس، تدعوان فيه إلى اتخاذ إجراءات فعالة بشأن المناخ. وقعت شركة "بيبسي" تعهدين تجاريين رئيسيين بشأن تغير المناخ، وهما إعلان (Ceres BICEP) للمناخ في الولايات المتحدة، وبيان "تريليون طن" (Trillion Tonne) الصادر من "كوربوريت ليدرز غروب" (Corporate Leaders Group) التابعة لأمير ويلز في المملكة المتحدة.
يشير موقع شركة "كوكاكولا" إلى أنها ستعمل على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25% من خلال "إجراء تقليص شامل لانبعاثات الكربون عبر عمليات التصنيع لديها، وأيضاً آليات التعبئة والتغليف وأسطول الشحن ومعدات التبريد ومصادر المكونات أيضاً". وتقول شركة "كوكاكولا": "نشجع المضي قدماً على صعيد الاستجابة لمسائل تغير المناخ". كما يذكر إندرا نوي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "بيبسيكو" : "تعد مكافحة تغير المناخ أمراً مهماً للغاية لمستقبل شركتنا، ولصالح العملاء والمستهلكين ومن أجل العالم الذي نعيش فيه بشكل عام. أعتقد أننا جميعاً بحاجة إلى التحرك الآن".
المسؤولية الاجتماعية للشركات تجاه التغير المناخي
وهم يتحركون بالفعل ويتخذون الفحص النافي للجهالة بهذا الصدد. حيث إن جهودهم تجعل شركتي "كوكاكولا" و"بيبسي" رائدتين فيما يتعلق بمسؤولية الشركات تجاه التغير المناخيّ. لكنهم يمارسون ضغوطهم على الكونغرس من خلال إحدى الجمعيات التجارية، وهي "جمعية المشروبات الأميركية" (American Beverage Association)، ومن خلال مجموعة الضغط التجارية متمثلة في الغرفة التجارية الأميركية. تتحكم "جمعية المشروبات الأميركية" في مجلس إدارة الغرفة التجارية الأميركية، وتساهم فيها بالكثير من المبالغ المالية أيضاً.
إلا أن "جمعية المشروبات الأميركية" -بقدر ما أعلم- لم تمارس أبداً أي ضغوط في شؤون تغير المناخ. وعندما اعتقدت الجمعية أن الكونغرس قد يفرض ضريبة على المشروبات الغازية لتمويل الرعاية الصحية، مارست ضغوطاً هائلة بما يقارب 30 مليون دولار في هذه المسألة. إنهم يعلمون جيداً كيف يمارسون الضغوط السياسية، فقط عندما يرغبون في ذلك، ولكن بالنسبة لمسائل التغير المناخي، فإني لم أرَ تلك الضغوط مطلقاً.
الجميع في الكونغرس يعلمون أن الغرفة التجارية الأميركية تعارض تماماً توجهات الكونغرس في اتخاذ أي قرار جاد بشأن تغير المناخ. تمتلك الغرفة التجارية الأميركية نفوذاً قوياً للغاية، وهي تكرس كل قوتها في الكونغرس لوقف أي تشريع جاد بشأن مسائل المناخ، حيث نرى ممارساتهم العدائية في كل الأمور المتعلقة بهذا الشأن.
والنتيجة هي أن شركتي "كوكاكولا" و"بيبسي" تتخذان مواقف قوية بشأن التغير المناخي في خطاباتهم العامة وإجراءاتهم الخاصة أيضاً، لكن جماعات الضغط الخاصة بهم في الكونغرس الأميركي لا تدعم هذه المواقف مطلقاً.
لا نرى أي من أنشطة الضغط السياسي المؤسسي تمارس بشأن التغير المناخيّ، شركة "مارس" على سبيل المثال، وهي الشركة الصناعة لمنتج (M&M) الشهير، تعتبر محايدة بالكامل بخصوص انبعاثات الكربون، فعلى الرغم من أن أداءها بشأن التغير المناخيّ مذهل، إلا أنها لا تمارس ضغوطاً في الكونغرس. وأيضاً "وول مارت"، أكبر متاجر التجزئة في الولايات المتحدة، تنفق عشرات الملايين من الدولارات لتصبح أنشطتها مستدامة، إلا أنها لا تمارس ضغوطاً في الكونغرس. تعتبر شركات "آبل" و"جوجل" و"فيسبوك" من الشركات المتطورة والمستقبلية، وهي رائدة أيضاً في مجال الاستدامة، إلا أنها لا تمارس ضغوطاً في الكونغرس.
دور الجماعات السياسية في قضية تغير المناخ
والسبب الذي أراه هو نفسه دائماً، عادة ما يخشى الناس أن تتم معاقبتهم أو الإضرار بهم، لذلك تعتبر صناعة الوقود الأحفوري بمثابة شأن أساسي وراسخ في الكونغرس الأميركي. والنتيجة هي أن الشركات الجيدة تركت المجال في أيدي أسوأ الجهات الفاعلة في مجال التغير المناخي في الولايات المتحدة: وهي شركات الوقود الأحفوري ومجموعاتهم الضاغطة، إنهم لا يمارسون الضغوط فقط، بل الأهم من ذلك، تفخر الجماعة السياسية (Americans for Prosperity) بشكل معلن أنهم سينفقون 750 مليون دولار في الانتخابات (حجم الإنفاق قد بلغ بالفعل 400 مليون دولار وما زال في تزايد) وأن أي جهد لمعالجة تغير المناخ سيضع المرشحين في "خطر سياسي" وأنهم سوف يكونون في وضع ضعيف لهذا السبب. وهي ذريعة قوية كقالب طوب موجه.
وردي على ذلك يحمل وجهين مختلفين، وهما:
تغير المناخ ليس كأي قضية أخرى، إنها مسألة شديدة الأهمية حيث اجتمع زعماء العالم في باريس من أجل العمل على معالجتها، كما أنها تعتبر أمراً يحتل أولوية كبيرة بوجوده على معظم المواقع الإلكترونية للشركات، إنها قضية كبيرة لدرجة أن قائد القوات البحرية السابق في المحيط الهادئ، العميد البحري صامويل لوكلير، أشار إلى أن التغير المناخي كان أكبر تهديد للأمن القومي نواجهه في عمليات المحيط الهادئ. وأقتبس هنا من كلماته، حيث قد يكون التغير المناخي "على الأغلب هو أكثر الأمور المرجح حدوثها، التي من شأنها أن تعرقل الأجواء الأمنية، وربما قد يتجاوز أثرها العديد من السيناريوهات الأخرى التي نتحدث عنها جميعاً". بالتالي، يُعتبر الأمر مهماً بما يكفي بالنسبة للشركات للتعامل مع هذه المسألة على أنها أكثر من مجرد قضية أخرى مطروحة في الكونغرس.
ثانياً، لا يمكن للقوى المختلفة أن تؤذيك إذا نظمت أنشطتك. قد يقع الظبي الشريد في براثن الضباع، لكن القطيع المتكاتف قادر حتماً على أن يحمي نفسه. لا يمكن لصناعة الوقود الأحفوري أن تتمكن من الإضرار بأعمال شركات "كوكاكولا"، و"بيبسي"، و"وول مارت"، و"آبل"، و"جوجل"، و"مارس"، وجميع الشركات الأخرى التي يزيد عددها عن 100 شركة احتشدت علناً لدعم إبرام اتفاقية مؤثرة في باريس بهذا الصدد، على هذه المؤسسات أن تتكاتف سوياً.
وفيما يتعلق بالكونغرس، فإن التهديد الشديد من قبل جماعات الضغط لصناعة الوقود الأحفوري سيظل ثابتاً، وإذا أفسحت الجهات الجيدة المجال أمامهم، فإن النتيجة يمكن التنبؤ بها: سيتجمد أعضاء الكونغرس في مكانهم دون حراك فعال، وغالباً ما يكون ذلك ضد القرارات الجيدة التي يمكنهم اتخاذها. لكن لا ينبغي أن تسير الأمور على هذا النحو، أنا في الكونغرس، وأكتب هنا لأؤكد: نحتاجكم هنا يا رفاق لتتخذوا موقفاً فعالاً بهذا الصدد من أجل تعزيز التعاون بين حركة المناخ وجماعات الضغط المؤسسية.