الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لن يحميها جدار

5 دقائق
حدود الولايات المتحدة مع المكسيك

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن حدود الولايات المتحدة مع المكسيك تحديداً. وعد الرئيس ترامب في حملته الانتخابية بـ "بناء جدار عظيم على حدودنا الجنوبية". وبعد تنصيبه رئيساً، قالت إدارته إنها كانت تأخذ بعين الاعتبار فرض ضرائب على الواردات من المكسيك لتغطية تكاليف بناء الجدار التي تقدر بنحو 21.6 مليار دولار. (تقديرات وزارة الأمن الداخلي هي تقريباً ضعف التكلفة التي أعلن عنها ترامب وهي 8 – 12 مليار دولار، وقال آخرون إن التكلفة أعلى من ذلك بكثير). وبسرعة لاحظ كثير من خبراء الاقتصاد كيف رفعت هذه الضريبة أسعار البضائع المكسيكية في الولايات المتحدة، وكيف أنها لا تفي بوعد ترامب في حملته القائل "سأجعل المكسيك تدفع". عملياً، سيدفع الأميركيون مرتين، دفعة مقدمة لبناء الجدار، ومرة ثانية في شكل أسعار مرتفعة ثمناً للبضائع المكسيكية.

من غير الواقعي أن تشيِّد حاجزاً مادياً وتحمِّل تكلفته لشريك تجاري كبير دون أن يضعُف اقتصادك وتعرِّض للخطر 1.1 مليون وظيفة أميركية تعتمد على هذه التجارة. لكن بإمكاننا استخدام القوى الاقتصادية بدلاً من مواجهتها. ما تحتاجه الولايات المتحدة هو سياسات اقتصادية ذكية تزعزع القوى الموجودة في السوق التي تدفع حالياً إلى الهجرة غير النظامية.

سيعود بناء الجدار بالضرر على المصالح الاقتصادية الأميركية

تجاهلْ تكلفة بناء الجدار، وانسَ الطريقة التي سيؤدي بها فرض ضرائب على البضائع القادمة عبر المعبر إلى رفع الأسعار. ضع كل ذلك جانباً. حتى لو ظهر جدار من العدم، دون إنفاق دولار واحد، فسيكلف ذلك الأميركيين مالاً.

وإليك توضيح ذلك: يؤدي الأشخاص الذين يعبرون الحدود دون وثائق رسمية ويعملون في المزارع دوراً كبيراً في إنتاج الغذاء الأميركي. ويسمح برنامج التأشيرة H-2A للمنتجين الزراعيين باستقدام عمال إلى الولايات المتحدة لأداء أعمال موسمية (مثل قطف الفراولة). وعلى أية حال، لا توجد قناة قانونية مشابهة لتعهيد العمل الذي لا يرغب الكثير من الأميركيين في القيام به على مدار العام (كحلب الأبقار). وهذا يساعد في إيضاح السبب وراء أن أكثر من نصف اليد العاملة الزراعية في الولايات المتحدة موجودون في البلاد دون وثائق قانونية.

إذا ظهر جدار بطريقة سحرية ما على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، فلن يتمكن المزارعون الذين يعتمدون حالياً على المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى تلك الأيدي العاملة المتاحة. وسيتعرض هؤلاء المنتجون لتكاليف عمالة عالية، ومن المحتمل أن تحدث زعزعة في إنتاجهم. وهذا يعني ارتفاعاً في أسعار الحليب واللحوم وأغذية أخرى. وينطبق الأمر ذاته على البناء وغيره من الصناعات التي تعمل بها أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين.

الجدار يمكنه بالفعل أن يجعل حدود الولايات المتحدة مع المكسيك أقل أمناً

سيكون جدار ترامب مكلفاً للأميركيين، ولكنه على الأقل سيكون آمناً، أليس كذلك؟ للأسف، تشير اقتصادات مراقبة الحدود إلى أن الجدار يمكنه بالفعل أن يجعل الحدود أقل أمناً. حيث يدفع المهاجرون عادة آلاف الدولارات إلى المهربين لإرشادهم عبر الحدود بطريقة غير قانونية. ويعمل العديد من هؤلاء المهربين بشكل مستقل وبميزانية محدودة للبقاء في السوق، والفضل في ذلك يعود حرفياً لقلة العوائق على دخول الولايات المتحدة.

يهدف ترامب إلى زيادة هذه العوائق. لكن كما يعلم كل طلاب الاقتصاد أو ماجستير إدارة الأعمال، يمكن أن تكون العوائق الكبيرة جيدة للأعمال التجارية. وهذا صحيح، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات ذات الموارد الضخمة، وهي في هذه الحالة العصابات المكسيكية، التي تعتبر قادرة على الاستثمار بشكل كافٍ للتغلب على هذه العوائق. من ثم يمكن أن يخلق الجدار الحدودي فرصة للعصابات لاحتكار تجارة الهجرة غير النظامية، فتملأ جيوبها بينما تحكم سيطرتها على المناطق الحدودية.

حلول اقتصادية أخرى يمكن دراستها:

يعتبر تقليل الحاجة إلى المهاجرين غير النظاميين طريقة أفضل لتأمين الحدود. كيف تفعل ذلك؟ اسمح للعمالة الأجنبية المطلوبة في الولايات المتحدة بالدخول بطريقة قانونية. فعندما يكون العمل متاحاً بطريقة قانونية، سينخفض السعر الذي يدفعه الأشخاص للعبور بطريقة غير قانونية. وسيرى المهربون أنه لم يعد هناك حاجة إلى خدماتهم. عندئذ يمكن لحرس حدود الولايات المتحدة التركيز على وقف الأنشطة الإجرامية الأكثر خطورة.

وسيضمن إدخال إصلاحات فعالة على نظام الهجرة إمكانية دخول العمالة المطلوبة إلى البلاد بطريقة قانونية لتلبية الطلب الموجود على هؤلاء العمال. ولكن لا يكفي ببساطة أن يتم فتح قناة هجرة قانونية جديدة، إذ يجب أن يختار أصحاب العمل والمهاجرون استخدامها.

من المريح جداً في الوقت الحالي توظيف العمال غير النظاميين، حيث يتوفر عدد جيد من هؤلاء العمال يبحثون باستمرار عن وظائف. ولهذا لا يجد أصحاب العمل دافعاً قوياً لاستخدام إجراءات قانونية. وهنا، يمكن أن تظل البلاد عالقة في هذا الموقف، حيث توجد عملية هجرة قانونية، ومع ذلك يستمر دخول المهاجرين إليها خارج هذه العملية، لأن أصحاب العمل مستمرون في توظيفهم. ويوظف أصحاب العمل المهاجرين غير النظاميين لأنهم موجودون بأعداد كبيرة تكفي لتلبية احتياجاتهم.

تُعرف مثل هذه المواقف بـ "معضلة الدجاجة والبيضة" في نظرية الألعاب. ولحسن الحظ توفر هذه النظرية طريقة لتخطي مثل هذه الصعوبات الاستراتيجية، من خلال تحفيز كلا الطرفين على القيام بالخطوة الأولى في اختيار الهجرة القانونية بدلاً من الهجرة غير النظامية.

لإجبار أصحاب العمل على القيام بالخطوة الأولى، وفرْ لهم حافزاً اقتصادياً:

افترض أن الكونغرس وافق على حزمة إصلاحات لقوانين الهجرة لا تخلق فقط قناة قانونية جديدة للعمالة الأجنبية المطلوب دخولها البلاد، لكنها تشمل أيضاً متابعة قوية وعقوبات على أصحاب العمل الذين يواصلون توظيف المهاجرين غير القانونيين. وطالما أن عملية الهجرة القانونية ملائمة بما يكفي، فسيكون لدى أصحاب العمل الأميركيين حافز للبحث أولاً عن عمالة مهاجرة من خلال القناة القانونية الجديدة، لتجنب خطر التعرض للعقوبة على إثر توظيف عمال غير قانونيين. ولأن أصحاب العمل يبحثون باستمرار عن مهاجرين قانونيين، فسيكون لدى العمال الأجانب حافز للبحث عن عمل قانوني بدلاً من دخول البلاد بطريقة غير شرعية.

فرض ضريبة على التحويلات المالية من شأنه أن يشجع على الهجرة القانونية:

أرسل الأفراد أكثر من 130 مليار دولار من الولايات المتحدة إلى دول أخرى في عام 2015. وتم تحويل أغلب هذه الأموال عبر حوالات إلكترونية، على الرغم من الرسوم الكبيرة التي تأخذها ويسترن يونيون الرائدة في تقديم هذه الخدمة (تبلغ الرسوم عادة 5% - 10% على الحوالة). وفي هذه الآونة، يدفع المهاجرون القانونيون وغير النظاميين نفس الرسوم.

لكن ماذا إذا كان على المهاجرين غير النظاميين (من أي دولة أخرى) الموجودين في الولايات المتحدة دفع رسوم إضافية على حوالاتهم؟ مع توقع عدم قدرتهم على إرسال قدر كبير من المال إلى بلادهم، سيكون لدى المهاجرين المستقبليين حافز أقل لدخول الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية. وبمعرفة أن عدداً قليلاً من المهاجرين يدخلون الدولة بطريقة غير قانونية، سيكون لدى أصحاب العمل حافز أكبر للقيام بالترتيبات اللازمة لاستقدام مهاجرين قانونيين لهذه الوظائف التي يرفض الأميركيون العمل فيها، بما في ذلك المساعدة في التكاليف المرتبطة بتوفير الوثائق اللازمة.

والأمر المقلق فيما يتعلق بفكرة فرض الضرائب على حوالات المهاجرين غير النظاميين هو أن أولئك الموجودين حالياً في الولايات المتحدة سيتضررون في ظل هذه الظروف. حيث لن يكون باستطاعتهم إرسال نفس القدر من المبالغ المالية الذي اعتادوا على إرساله إلى بلادهم.

ولحسن الحظ، توجد طرق للتقليل من حدة هذا الضرر. والطريقة الأولى هي السماح للمهاجرين الذين لا يملكون أوراقاً رسمية الموجودين حالياً في الولايات المتحدة بدخول عملية الهجرة القانونية دون أن يكون عليهم العودة إلى بلادهم أولاً. وعلى المدى البعيد سيكونون أحسن حالاً، حيث ستتوفر لهم أعمال أكثر قانونية. ولن يكون عليهم المضي في رحلة خطيرة باجتياز الحدود بحثاً عن عمل.

سيكون من الصعب فرض رسوم إضافية على خدمة الحوالات المالية للمهاجرين غير النظاميين. وسيحاول العاملون الذين لا يملكون أوراقاً رسمية في الولايات المتحدة تفادي هذه الرسوم الجديدة من خلال إيجاد شخص ذي وضع قانوني ليرسل أموالهم بدلاً منهم. (وقد يلجؤون أيضاً إلى خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول مثل "إم بيسا" (M-Pesa) وعملات بديلة مثل البيتكوين التي تعتبر متابعتها أكثر صعوبة من الحوالات الإلكترونية). وستكون ثمة حاجة لبذل جهود في المتابعة وإنفاذ القانون لردع التهرب من دفع الرسوم الإضافية. ومع ذلك، فمن المرجح أن تكون هذه الجهود أقل سهولة وأقل تكلفة من بناء جدار بمليارات الدولارات.

تستطيع الحكومة تأمين حدود الولايات المتحدة مع المكسيك دون الإضرار بالأعمال التجارية الأميركية أو المستهلكين، من خلال تطبيق المبادئ الاقتصادية بحكمة، ودون حاجة إلى جدار ترامب. وبفعل ذلك، فإنها ستساعد أيضاً في تحسين حياة الأشخاص الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي