أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع نيل غوس، الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال عام 2019، ومؤسس "روبن هود آرمي" (Robin Hood Army)، وسوزانا غالاني أستاذة في كلية هارفارد للأعمال.
يمكنكم الاستماع إلى هذه المدونة الصوتية (بودكاست) والاشتراك فيها عبر "آبل بودكاستس" (Apple Podcasts) | "جوجل بودكاستس" (Google Podcasts) | "آر إس إس" (RSS)
في عام 2014 أسس نيل غوس مؤسسة "روبن هود آرمي" (Robin Hood Army) القائمة بشكل كامل على العمل التطوعي، ومهمتها أن تكون وسيطاً في إعادة توزيع المواد الغذائية لإبراز الجانب الإيجابي في الإنسانية. وبحلول نهاية عام 2018، كانت المؤسسة تقدم خدماتها في 12 دولة، وتقدم أكثر من 500 ألف وجبة شهرياً، وساعدت أكثر من 750 طفلاً على الالتحاق بالمدارس الحكومية. كل ذلك دون جمع روبية واحدة وفقاً لـ "القاعدة الذهبية" للمؤسسة بأن تكون مؤسسة ذات تمويل صفري. تناقش سوزانا غالاني ونيل غوس من كلية هارفارد للأعمال التحديات والفرص المرتبطة بالنمو السريع والتوسع الدولي لشركة ناشئة تعمل بدون أصول مالية، بما في ذلك كيفية اجتذاب العاملين والاحتفاظ بهم وتحفيزهم.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
النص:
بريان كيني: ما الشيء المشترك بين دوغلاس فيربانكس وإيرول فلين وشون كونري وكيفن كوستنر؟ إلى جانب مسيراتهم المهنية المبهرة في هوليوود، لقد لعبوا جميعاً دور الشخصية نفسها في أفلام سينمائية كبيرة: شخصية "روبن هود"، رامي السهام الشجاع الذي يسرق من الغني ليعطي الفقير، فهو بطل خارق أصيل. تُعد قصة روبن هود واللصوص في عصابته المرحة من القصص الخالدة. ويعود تاريخ القصائد والأغاني التي تحكي عن مغامراته الجريئة إلى القرن الثالث عشر، وقد تم اقتباس القصة وعُرضت على الشاشة الفضية 38 مرة منذ عام 1908. تتباين آراء المؤرخين بشأن مدى دقة الفلكلور فقط، ولكنهم يتفقون على أنه كان هناك رجل يعيش في نيويورك عام 1226 وصادرت السلطات ممتلكاته ليعيش بعدها حياة الشخص الخارج عن القانون. وكان "روبن هود" هو اسمه المستعار. سواء كانت قصة حقيقية أم لا، لا تزال أسطورة روبن هود، الذي يقاتل من أجل الإنسانية في عالم ظالم، تسلط الضوء على أفضل ما فينا.
بريان كيني: سنتناقش اليوم مع الأستاذة سوزانا غالاني حول دراسة الحالة التي أجرتها بعنوان "روبن هود آرمي". معكم بريان كيني، وأنتم تستمعون إلى برنامج "كولد كول" (Cold Call) الذي سُجل على الهواء مباشرة في استوديو "كلارمان هول" في كلية هارفارد للأعمال. تركز أبحاث سوزانا غالاني على القضايا المتعلقة بتصميم الحوافز المالية وغير المالية وفعاليتها. ومعنا في الاستوديو أيضاً نيل غوس، البطل في دراسة الحالة التي نناقشها اليوم، وهو مؤسس مؤسسة "روبن هود آرمي". وهو أيضاً تخرّج في كلية هارفارد للأعمال عام 2018. هل هذا صحيح؟
نيل غوس: في الواقع تخرجت عام 2019.
بريان كيني: 2019، رائع! إذن فأنت حديث التخرج.
نيل غوس: تقريباً.
بريان كيني: نيل هنا مع أحد أساتذته السابقين، سوزانا. مرحباً بكما!
سوزانا غالاني: شكراً لك.
نيل غوس: شكراً لاستضافتنا.
بريان كيني: إنها متعة حقيقية أن يكون لدينا بطل الدراسة في الغرفة معنا. نحب أن نفعل ذلك بين الحين والآخر لأن بالإضافة إلى معرفة ما ألهم أستاذة غالاني لتجري دراسة الحالة هذه، نرغب أيضاً في معرفة ما شعور معايشة هذه التجربة فعلياً. لذلك أعتقد أن مناقشاتنا اليوم ستكون ثرية جداً. فلنبدأ. سوزانا، فلتخبرينا كيف بدأت دراسة الحالة؟ ومن هو بطلها؟ الحاضر معنا هنا. وما الذي يدور في ذهنه؟
سوزانا غالاني: بدأت الدراسة في نهاية عام 2018، ونيل غوس، المؤسس وبطل هذه الدراسة، لديه الكثير الذي يفخر به، لأن في غضون 4 أعوام فقط، المؤسسة التي أسسها بمجموعة قليلة من الأصدقاء الذين خرجوا في إحدى الليالي لمساعدة الآخرين، امتد نشاطها إلى أكثر من 100 مدينة في 4 قارات وقدمت ملايين الوجبات إلى الأشخاص الأقل ثراءً وساعدت على إلحاق ما يزيد عن 700 طفل بمدارس حكومية. فقد قدّم الكثير ليسعد ويفخر به. ولكن مرة أخرى، هناك ما يتسم به أسلوبه في القيادة، ألا هو أنه لا يرضى ولا يكتفي بما قدّم. فهو دائم التفكير في المستقبل، وتتمثل المشكلة الشائكة التي يواجهها في أن المؤسسة تنمو بسرعة كبيرة للغاية. فقد أصبحت المؤسسة متشعبة وموزّعة على النطاق العالمي لدرجة أن أدواتهم الحالية في الإدارة، في وقت إجراء الدراسة، قد لا تكون كافية في المستقبل، على وجه التحديد. وقد استفادت المؤسسة حتى الآن من المتطوعين الذين يتطوعون بساعات قليلة من يومهم كل أسبوع، حيث يقدمون خدمات حسب قدراتهم المختلفة ويفعلون كل ما يلزم لتحقيق رسالة المؤسسة. لكن الآن أصبح هناك الكثير منهم في عدة أماكن مختلفة في العالم. لذا، فإن الفكرة هي هل سنحتاج إلى بعض الموارد البشرية المتفرغة للمساعدة في مهام التنسيق ومواصلة نمو المؤسسة؟ وكي يكون لديك موظفين بدوام كامل، إن جاز التعبير، ستتمثل المشكلة فيما إذا كان ينبغي لك تعويضهم مالياً أم لا ينبغي. حيث إن إيجاد الأشخاص الذين يمكنهم منح وقتهم المخصص للعمل بالكامل أسبوعياً لمؤسسة ما دون تعويضهم عن ذلك قد يمثل مشكلة وتحدياً. وهذه هي بالضبط المشكلة التي يواجهها نيل لأن تعويضهم سوف يخرق أحد القواعد الأساسية الثلاثة للمؤسسة، وبصفة خاصة قاعدتهم الذهبية وهي: دون تمويل. فهذه المؤسسة تعمل دون أي موارد مالية على الإطلاق.
بريان كيني: هذا مذهل جداً. ويتعلق مباشرة ببحثك. لقد ذكرت ذلك بسرعة أثناء تقديمك، لكن أخبريني المزيد عن سبب اختيارك دراسة الحالة هذه وكيف تتصل بما تفكرين فيه بوصفك باحثة؟
سوزانا غالاني: حسناً، علاوة على انبهاري بقصة النجاح هذه، والتي أعتقد أنها
بريان كيني: قصة غاية في الروعة.
سوزانا غالاني: نعم بالفعل إنها قصة غاية في الروعة. شعرت أنها مثال صريح للغاية على كيف يمكننا تحفيز الموظفين واجتذابهم واستبقائهم. مرة أخرى، باستخدام المصطلح بمعناه الواسع للغاية، دون الحاجة إلى تعويضهم مالياً. هذا لا يعني أن كل مؤسسة في العالم يجب ألا تأخذ في الاعتبار تعويض الموظفين أو الدفع لهم. فأنا لا أعني ذلك. ما أعنيه هو أن هذا يتيح لنا فرصة لتسليط الضوء على آليات يمكن بها تحفيز الموظفين وحثهم على بذل قصارى جهدهم في العمل. بالنسبة إليّ، كانت هذه تجربة مثيرة لأنه لا توجد أموال وبالتالي لا مجال لأي تساؤلات حول ما إذا كان ما يحفز العاملين في "روبن هود آرمي" تشوشه التعويضات أو تحد منه. لدينا العديد من الأمثلة التي تم توثيقها وإجراء بحوث عليها حيثما يمكن للتعويضات المالية حقاً أن تعرقل أنشطة محددة. لذلك أرى أن هذا المثال واضح وصريح للغاية لتقديم هذه الآليات الأخرى التي غالباً ما تعتبرها المؤسسات إما أمور مفروغ منها أو لا تستفيد منها بالقدر الكافي.
بريان كيني: نيل، اسمح لي أن أنتقل للحديث معك قليلاً. في الحقيقة يساورني الفضول حول بعض الأشياء. أحدها أنني أحب أن أسمع بكلماتك ما هي "روبن هود آرمي" وما هي مهمتها؟ كما أود أن أعرف ما الذي ألهمك بفكرة تأسيسها؟
نيل غوس: الفكرة البسيطة التي تقوم عليها "روبن هود آرمي" هي أن المتطوعين يجمعون في وقت فراغهم فائض طعام المطاعم ومختلف التجمعات، ويعطونه للأشخاص المحتاجين. وكل متطوع يفعل هذا في وقت فراغه. لدينا أطباء ومحامين ورواد أعمال ومعلمين ومتقاعدين. والقاعدة الذهبية للمؤسسة، كما ذكرنا، هي أن يتم ذلك بدون أي أموال. أعتقد أن الطعام هو الطريقة الأولى التي يمكننا أن نتفاعل بها مع الناس، ولكن المؤسسة لا تُعد منصة توزيع، إن جاز التعبير. الفكرة هي أنك عندما تعطيهم الوجبة ستتعرف عليهم وتفهم مشكلاتهم وهو ما سيتيح لك أن تكتشف بعد ذلك كيف يمكنك تقديم حل عملي لهم. فهذه هي الطريقة التي نفكر بها، حيث نرى أن تقديم الطعام هو الخطوة الأولى فحسب.
بريان كيني: حسناً.
نيل غوس: فيما يتعلق بكيفية حدوث ذلك، لقد كان الأمر عشوائياً للغاية. كنت أعمل في شركة متخصصة في تكنولوجيا الأغذية وكان دوري ببساطة هو إقامة أسواق عالمية للشركة. كنت أمضي من 9 إلى 12 شهراً في كل سوق، لإطلاق الفريق والمنتجات. كان هذا في عام 2014، وكنت وقتها أعيش في لشبونة في البرتغال، وكنا نعقد العديد من شراكات التسويق وصادفنا مؤسسة تدعى "ريفود" (ReFood). ووجدت أن ما يفعلونه رائع للغاية. فقد كانوا يفعلون ما نفعله نحن الآن، وهو جمع الطعام الزائد من المطاعم ومنحه لمن يحتاجون إليه. بصراحة حتى ذلك الحين، لم أكن قد قمت بأي عمل خيري في حياتي. ولم يكن فات أوان البدء. أدهشني مدى بساطة النموذج، لذلك عندما عدت إلى موطني، تواصلت مع بعض أصدقائي المقربين وقررنا بدء مشروع مشابه.
بريان كيني: حسناً وما هو موطنك؟
نيل غوس: الهند.
بريان كيني: حسناً.
نيل غوس: في تلك المرحلة، كانت دلهي هي نقطة الانطلاق، كي أستمر في العودة إليها كل ثلاثة أشهر.
بريان كيني: ما الذي كنت تأمل في تحقيقه عندما بدأت في القيام بذلك لأول مرة؟ هل كان لديك هذا النوع من التطلعات الكبرى، أم كنت تفكر في المشروع على أنه مجرد نوع من النشاط المحلي؟
نيل غوس: بصراحة، لم نفكر في الأمر كثيراً. أتذكر أنني بمجرد أن رأيت النموذج، قضيت بعض الوقت بصحبة المؤسس والفريق فقط لفهم كيف يتم الأمر. وهذا منطقي في مجتمع يعاني آلاف الأشخاص فيه من الجوع. لذا فكرنا، لماذا لا نأخذ الفكرة وننفذها؟ ولم أفكر بشكل متعمق أبداً في ماذا ستكون الخطة الخمسية أو الثلاثية أو خطة العام الواحد، أو أياً يكن. من البداية كان الأمر يتعلق فقط بكيفية التنفيذ، ولا يزال الأمر يتعلق بكيفية التنفيذ حتى الآن.
بريان كيني: ما مدى ضخامة مشكلة الجوع في الهند؟
نيل غوس: أعتقد أنها ليست في الهند فقط، بل في جميع أنحاء العالم. وهي ضخمة للغاية. فهناك 800 مليون شخص يعانون من الجوع، أي ما يعادل على الأرجح واحد من بين كل تسعة أشخاص في العالم، وربما يكون ربع عدد الجوعى في العالم يعيشون في الهند وحدها. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه عندما تحلل الأرقام، ستجد أن 3 آلاف طفل تحت سن الخمس سنوات يموتون يومياً داخل البلاد. والمؤسف هو أن 40% من المواد الغذائية التي ننتجها تُهدر ويتم التخلص منها. أي أن المشكلتين الأساسيتين اللذين يعاني منهما المجتمع، إحداهما تحل الأخرى. لذلك نحاول دراسة الأمر بشكل أعمق وإحداث تغيير.
بريان كيني: قدمنا حلقات سابقة من برنامج "كولد كول" حول القضايا المتعلقة بالطعام والجوع في الولايات المتحدة. فنطاق هذه المشكلة كبير هنا أيضاً، وربما تكون كمية النفايات أكبر من النسبة الذي ذكرتها للتو. لذلك فهي بالتأكيد ليست مشكلة الهند وحدها. إنها مشكلة عالمية. هل اتضحت الأمور أمامك في وقت ما وقلت لنفسك: "قد يصبح هذا عملاً ضخماً، وقد نتمكن على فعل شيء مهم وضخم هنا"؟
نيل غوس: مررنا بهذا مع توصيل أول وجبة. كان هذا في جنوب دلهي، وفي الريف لا توجد حتى ضواحٍ أو مناطق حضرية، وقد انطلقنا لتقديم الطعام وكان لدينا طعام يكفي لـ 150 شخصاً أو 150 وجبة. وبصراحة في تلك المرحلة، لم نكن متأكدين مما إذا كنا سنجد 150 شخصاً محتاجاً. لكن عندما خرجنا للبحث عنهم، أدركنا أنهم كانوا بالآلاف. وقد اتضح لكل منا أن تقديم الطعام لبضع مئات من الأشخاص مرة واحدة في الأسبوع يرضي ضميرنا، لكنه لن يُحدث أي اختلاف في المشكلة التي نواجهها. وحينها بدأنا في التفكير في الأمر ليس من ناحية مجرد بناء مؤسسة خيرية أو حباً في مساعدة الغير، ولكن بشكل أكبر من ناحية أننا نرغب في إحداث تأثير، فكان علينا أن نفكر في هذا الأمر وكأننا سنؤسس شركة ناشئة. وعلينا أن نتساءل: ماذا ستكون المعايير؟ وما هي الاستراتيجية؟ وما هي أهدافنا؟ كيف يمكننا تفويض المسؤوليات؟ لذلك أعتقد أننا في وقت مبكر جداً أدركنا أنه إذا كان علينا إحداث تغيير بسيط، فيجب علينا أن نحسب خطواتنا ونضع استراتيجيتنا جيداً ونفكر في الأمر وكأننا نؤسس مؤسسة عادية.
بريان كيني: هل كنت تعمل بوظيفة يومية في الوقت نفسه الذي كنت تؤسس فيه هذه المؤسسة؟
نيل غوس: أجل، دائماً ما نعتبر العمل في المؤسسة عملاً جانبياً. كنت أعمل في شركة "زوماتو" (Zomato)، الشركة المتخصصة في تكنولوجيا الأغذية. ثم التحقت بكلية الدراسات العليا بعد ذلك. لذلك لطالما كانت "روبن هود آرمي" مشروعاً جانبياً.
بريان كيني: ينتابني الفضول بشأن بداياتك وما وصلت له اليوم، هل يمكن أن توضح لي كيف سارت مراحل نمو المؤسسة؟
نيل غوس: بالطبع. أعتقد أن أول طعام أوصلناه كان في أغسطس/آب عام 2014. كنا خمسة أفراد وخدمنا 150 شخصاً في دلهي. وحالياً، أصبحنا نخدم 140 مدينة.
بريان كيني: رائع.
نيل غوس: لدينا 40 ألف متطوع نشط.
بريان كيني: هذا مذهل.
نيل غوس: وخدمنا 23.2 مليون شخص حتى الآن.
بريان كيني: إنه عدد ضخم للغاية! سوزانا، أريد العودة إليك لأن جوهر الدراسة يدور حول كيفية إدارة هذا النوع من النمو السريع. كيف يمكن الاستمرار في مساعدة المتطوعين على أن يظلوا متحمسين في ظل عدم وجود تعويضات؟ وهل هذا النوع من النمو طبيعي؟ أعتقد من المفترض أن يكون هذا هو السؤال الأول. فنحن نتحدث عن نمو هائل في فترة زمنية قصيرة للغاية.
سوزانا غالاني: بالنسبة للمؤسسات التطوعية، لا أعتقد أن هذا أمر طبيعي. أنا لا أقول أنه لا توجد مؤسسات أخرى على هذا القدر من النشاط ولكن بالتأكيد هذا ليس النمط المعتاد في نمو المؤسسات القائمة على وقت فراغ المتطوعين. فنحن دائماً ما نخجل من أن نطلب من المتطوعين أن يقدموا المزيد. قد تكون هناك بعض المشكلات عند التعامل مع الأشخاص المتطوعين بوقتهم كما لو أننا نفرض ذلك عليهم. لكن أحد الأشياء التي لاحظتها في هذه المؤسسة تحديداً هو أن هناك إحساساً رائعاً بالعمل لخدمة هدف محدد فيما بين المتطوعين. فالمتطوعون متشوقون لفعل المزيد ويحاولون دائماً معرفة كيف يمكنهم تقديم المزيد، وهو ما قد يمثل مشكلة أيضاً في بعض الأحيان لأن هناك الكثير منهم. من خلال محادثاتي مع نيل عندما كنت أعمل على الدراسة، أخبرني بالعديد من الأمثلة حيثما اضطر إلى اتخاذ قرارات بشأن... ما إذا كان يجب عليهم دعم فكرة ما تبدو جيدة وتحمل نوايا حسنة وتقدم خيراً للعالم ولكنها قد تتحول إلى مصدر تشتيت وتحول الطاقات والموارد والوقت بعيداً عن الرسالة الأساسية للمؤسسة. لذا إجابة على سؤالك حول كيف تنمو المؤسسة، أو كيف يمكن إدارة مؤسسة كهذه، أقول إنه أمر صعب. هناك شيء واحد تحتاج إلى أن تتحلى به وهو شعور قوي بالهدف والغاية. أعتقد أن هذا هو المحرك الرئيسي لهذا النوع من المؤسسات. ضع في اعتبارك أن هؤلاء الأشخاص اختاروا بأنفسهم التطوع في هذا المكان.
بريان كيني: صحيح.
سوزانا غالاني: وهم لا يفعلون ذلك للحصول على الطعام لأنفسهم. بل لتوصيله إلى الآخرين الذين يحتاجون إليه، ولذلك ليس هناك حيرة فيما يتعلق بمعرفة الدوافع. كما أنهم لا يفعلون ذلك مقابل المال. بل ليفعلوا أمراً جيداً ويقدموا معروفاً. لذلك يجب أن تتأكد من أن يظلوا متحمسين ومحفزين بشدة. أعتقد أن المشكلة تكمن في ضرورة توخي الحذر من أن تطفئ الحماس لديهم أو أن تجعلهم يفقدون إيمانهم في المؤسسة. لذلك تحتاج دائماً إلى تعزيز هذا الإحساس بالهدف فهذا هو سبب انضمامهم للتطوع في المقام الأول. الشيء الآخر الذي عليك القيام به، وأعتقد أن هذا الشيء يبقي نيل مستيقظاً ليلاً لأنه أخبرني بمجموعة من الأمثلة حوله، هو كيفية تحقيق التوازن بين هذا العدد من المتطوعين والقيم الأساسية للمؤسسة؟ أي كيف يمكن الحفاظ على القيم الأساسية القوية بحيث تكون واضحة ومحددة للغاية وفي الوقت نفسه إتاحة قدر من الحرية للأشخاص ليفكروا ويخرجوا بأفكار جديدة. فهناك "أكاديمية روبن هود" (Robin Hood Academy) التي تُعد مثالاً على كيفية تطبيق ذلك. حيث بدأت الأكاديمية في تعليم الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة، رغم أنهم كانوا في سن الالتحاق بالمدرسة. وقد أرست جذورها وأصبحت أكاديمية كبيرة ومتوافقة للغاية مع الرسالة العاملة لمؤسسة "روبن هود آرمي". ولكن هناك الكثير من الأفكار الأخرى مثل هذه الفكرة التي لم يتم اعتبارها مهمة بالنسبة إلى رسالة المؤسسة، وربما تم إرجاء العمل عليها، على الأقل في الوقت الحالي. لذلك، أعتقد أنه يجب تحقيق التوازن. فهذا هو التحدي الحقيقي. فإذا كنت تحقق التوازن على نحو جيد بين روح المبادرة لدى المتطوعين المحليين على أرض الواقع والسماح لهم بالقيام بشيء ما، ولكن في الوقت نفسه تحافظ على القيم الأساسية القوية للمؤسسة والشعور بالهدف والغاية، سيكون هذا هو أهم جزء في تحقيق رسالة المؤسسة.
نيل غوس: استكمالاً لنقطة الشعور بالغاية والهدف، أعتقد أن الناس يفكرون في المؤسسة وكأنها عائلتهم وليس مجرد مؤسسة. وهذا ينبع بعمق من حقيقة أن لا أحد يجني أي أموال. بالنسبة إليهم، إنها ليست مؤسسة عالمية غير ربحية يقودها شخص مقيم خارج بوسطن أو كامبريدج. بل إنها بمثابة عائلتهم وهذه هي طريقتهم الخاصة في رد الجميل.
بريان كيني: هناك شيء ما نقي حول هذا الأمر.
نيل غوس: نعم، بالضبط. أعتقد أن هذا هو أحد أكثر العوامل أهمية في نمو المؤسسة. فالقاعدة هنا هي عدم أخذ المال، بل محاولة معرفة كيفية إحداث تغيير في حياة الناس. ومن خلال ذلك يصبح الناس مبدعين ومبتكرين للغاية، ويقدمون بعض المبادرات الرائعة، وهذه هي بالضبط الفكرة التي تقوم عليها "روبن هود آرمي".
بريان كيني: حسناً، أود أن أسألك كيف تهيكل "روبن هود آرمي"؟ هل هناك مناصب مثلاً، إن جاز التعبير؟
نيل غوس: نحن نعمل بوصفنا فريقاً واحداً وهو ما يعني أن كل شخص بمثابة روبن هود. نحاول أن نجعلها لا مركزية قدر الإمكان، لكن لدينا فِرق لتمكين تلك اللامركزية. هناك الأشخاص الذين أعمل معهم بشكل مباشر، والطريقة التي قد أقوم بها بالهيكلة هي من خلال تخصيص فريق للنمو والتوسع، وفريق لوسائل التواصل الاجتماعي والشراكات، وهناك فريق للوسائل التكنولوجية والبيانات. الأمر يشبه كثيراً الشركات الناشئة في وادي السيليكون. بالنسبة إلى فريق النمو والتوسع، هم أفراد محنكون مهمتهم المساعدة في تأسيس فروع جديدة. يقضون معظم وقتهم الآن في إجراء اتصالات عبر برنامج زووم أو سكايب، حيث يتحدثون باستمرار إلى أشخاص من مختلف أنحاء العالم ويخبرونهم برؤية المؤسسة ويقيّمون ما إذا كانوا مناسبين لتأسيس فرع من فروع المؤسسة، ثم يساعدونهم على تأسيسه. أما فريق وسائل التواصل الاجتماعي والشراكات، فهو يتأكد باستمرار من أن هناك متطوعين جدد ينضمون إلينا. في هذه المرحلة نمتلك من 8 آلاف إلى 10 آلاف متطوع يسجلون معنا شهرياً، ولكن هذا بفضل فريق وسائل التواصل الاجتماعي الذي يُعرّف الجميع على قصتنا ويلهمهم لينضموا إلينا. وأحدث فريق هو فريق الوسائل التكنولوجية والبيانات. عندما زاد عدد الأشخاص الذين نتعامل معهم، أدركنا أننا لا نستطيع الاستمرار في العمل دون استخدام جوجل دوكس. ولدينا فريق مختص في البيانات يراقب المقاييس باستمرار. نحن ننظر إلى أشياء مثل استبقاء الأفراد وعدم خسارتهم، ومجموعة من الأشياء الأخرى مثل تحديد نقاط انعطاف، وهو ما يمكن أن يساعدنا في الواقع في خدمة الكثير من الناس.
بريان كيني: كنت سأسأل عن الأنظمة. لديك 40 ألف عضو. أعني أن هذا بصراحة عدد أكبر مما تملكه معظم الشركات. وتواجه الشركات صعوبات في هذا الصدد، حتى فيما يتعلق ببناء مجتمعات لموظفيها باستخدام أحدث الأدوات والتقنيات. إذن كيف تواجهون التحدي المتمثل في بناء الإحساس بالانتماء لمجتمع ما، وتذكير الناس بأنهم جميعاً جزء من الكيان نفسه والرسالة نفسها؟
نيل غوس: سؤال وجيه! أعتقد أننا نستخدم الأدوات المجانية المتوفرة على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسالتنا...
بريان كيني: أدوات مجانية، هذا...
نيل غوس: نعم بالتأكيد. بإمكاني أن أريك هاتفك الآن، ستجد أنني منضم إلى تقريباً 150 مجموعة مختلفة على الواتساب.
بريان كيني: رائع.
نيل غوس: هناك مجموعة مركزية على الواتساب نسميها "المرجل" (Boiler) وتضم رؤساء الفروع في كل مدينة من مختلف أنحاء العالم. لذلك إذا حدث أي شيء، في أوغندا على سبيل المثال، يذكرونه في المجموعة وبالتالي سيكون رؤساء الفروع في الـ 140 مدينة الأخرى على علم به. فنحن نطبق ما يشبه مبدأ التلعيب، حيث أن لدينا ما يشبه مجالس القيادة التي نتناقش فيها في أمور من قبيل عدد الوجبات التي تقدمها كل مدينة وعدد الأطفال الذين تم إلحاقهم بالمدرسة. ونجعل هذه المجالس القيادية علنية بحيث لا يقتصر الأمر على المناقشة في المجموعة الرئيسة، ولكن أيضاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وموقعنا الإلكتروني. وهو ما يحمس الأشخاص على تقديم المزيد عندما يرون كم يتزايد عدد المتطوعين لدينا حول العالم. وهو شيء أفكر فيه كثيراً لأن رغم استخدام الواتساب والفيسبوك وجوجل دوكس، لا نزال في حاجة إلى التفكير بجدية في كيفية التعامل مع هذا العدد المتزايد حقاً. فالمقصود هنا هو أن يتحول الأمر من كونه شغفاً فقط إلى كونه شغفاً ومسؤولية. لذا يجب أن نكون مدركين تماماً لحقيقة أن ربما ما أوصلنا إلى هذه المرحلة قد لا يوصلنا بالضرورة إلى المرحلة التالية.
بريان كيني: سوزانا، تناقش الدراسة عناصر سلسلة التوريد لأن من الواضح أن المؤسسة تعتمد على رغبة المطاعم ومقدمي الأغذية الآخرين في فعل الخير. ولكن ينتابني الفضول بشأن ما يحفزهم ويدفعهم لفعل ذلك. من واقع خبرتك، هل واجهت هذه المشكلة المتعلقة بسلاسل التوريد التي تتطلب توفير حوافز مالية أو غير مالية؟
سوزانا غالاني: هذا بالتأكيد جانب مثير للاهتمام في هذه المؤسسة. فبدون الموردين، لن يتمكنوا من العمل. وأرى أنه بالنسبة إلى الموردين، ونعني بذلك المطاعم أو الموردين الآخرين، ليس هناك الكثير من الجوانب السلبية. الطريقة التي تعمل بها "روبن هود آرمي" مع شركائها، تجعل الأمور سهلة للغاية بالنسبة إليهم لأن المتطوعين هم مَن يذهبون ويجمعون الطعام من المطاعم. ويطلبون من المحطات الإذاعية المحلية تخصيص وقت لهم. أي أن المؤسسة هي مَن تجلب عملاء لهم وليس العكس. ومقابل ذلك، فإنها توفر ميزة كبيرة لأولئك الذين لديهم الحافز ليكونوا جزءاً من هذه المبادرة، وهو ما يساهم في تحقيق رسالة "روبن هود آرمي". كما أن المتطوعين من السهل ملاحظتهم حيث إنهم جميعاً يرتدون قمصان خضراء تحمل شعار المؤسسة، فقد أصبح الأمر متعلق بالشعارات، أي إذا كان المطعم يضع الملصق الخاص بالمؤسسة على بابه، سيبدأ الناس في ملاحظة وجوده وسيزداد الإقبال عليه. فهي بمثابة إعلانات مجانية لخدمة قضية إنسانية. وبذلك فإن النفع متحقق للطرفين، أليس كذلك؟ فأنت تحقق مكاسب لعملك التجاري وتفعل الخير للبشرية في الوقت نفسه. لذلك أعتقد أن ربط الغايتين ببعضهما هو أمر جيد حقاً. فلا توجد مفاضلات ولا تنازلات. إنه القيام بشيء إيجابي فحسب.
بريان كيني: صحيح.
سوزانا غالاني: إنه القيام بشيء إيجابي فحسب.
بريان كيني: من خلال بحثك ودراسة الحالة التي أجريتها، هل تعتقدين أن الأمر سينجح إذا اتسع نطاق المؤسسة أكبر من ذلك؛ حيث يبدو أنها قد تحتاج إلى المزيد من المركزية وربما المزيد من أساليب الضغط؟ هل ينتقص هذا من النشاط على الصعيد المحلي ومن قدرة الناس على الشعور بالمرونة والريادة في مختلف المدن؟
سوزانا غالاني: أعتقد أنها إذا أصبحت مركزية للغاية، فسيمثل هذا مشكلة. حيث أن المتطوعين والأفكار التي لديهم هو جوهر "روبن هود آرمي". وهذه الحقيقة أوضحها نيل لي جيداً عندما سألته عن كيفية تأسيس المؤسسة. فهم يريدون أن يستجيب الناس للمشكلات المحلية. ولا توجد طريقة جاهزة للقيام بالأشياء. لذلك فإنهم بالتأكيد يقدمون المساعدة. وإذا كنت ترغب في تأسيس فرع من فروع "روبن هود آرمي"، ستحصل على دعم عالمي. لكنه دعم، وليس تفويضاً أو تكليفاً. الفكرة هي أن كل مجتمع يعلم احتياجات أناسه، والمتطوعون في كل فرع يعيشون في مجتمعاتهم وبذلك سيلبون احتياجات مجتمعهم المحلي بتقديم خدمات تناسبه على أفضل نحو.
بريان كيني: صحيح.
سوزانا غالاني: لذلك أعتقد أن النشاط على الصعيد المحلي مهم للغاية. أما إضفاء الطابع المركزي أكثر من اللازم فهو في المقام الأول ليس ممكناً. فهناك فروع كثيرة للغاية موزعة حول العالم مما يجعل من الصعب حل كل مشكلة على المستوى المركزي. الجانب الوحيد الذي أعتقد أنه سيكون مهماً فيما يتعلق بإضفاء الطابع المركزي هو أن هذا سيساعد في الحفاظ على رسالة المؤسسة. فعندما يكون لديك الكثير من الأفكار والكثير من العاملين والكثير ممن يملكون نوايا طيبة ويرغبون في تطوير رسالة المؤسسة، حينها يكون هناك حاجة إلى وضع بعض الحدود حول تعريف الرسالة. فلا يمكنك أن تفعل كل شيء بنفسك. عليك التركيز على أشياء معينة فقط، وأعتقد أنه شيء من المهم الحفاظ عليه على المستوى الأساسي. أعلم أن نيل وزملائه يقضون الكثير من الوقت في ترسيخ هذه الرسالة المتمثلة في تحديد ما يجب أن يفعلونه وما لا يجب أن يفعلونه في "روبن هود آرمي".
بريان كيني: نيل، ما مدى تواجدك في المؤسسة بصفتك مؤسسها وقائدها؟ هل تتاح لك الفرصة للتحدث إلى أعضائها بصفة منتظمة؟ هل تعقدون اجتماعات مفتوحة أو شيء من هذا القبيل؟
نيل غوس: أعتقد أن مقدار تواجدي قد تغير على مر السنين. ما نحاول القيام به في هذه المرحلة هو أننا في بداية كل عام نخطط لمستقبل المؤسسة. لذلك فإننا ننسق مع فندق محلي في دلهي لإعطائنا قاعات مؤتمرات وما يلزم لعقد اجتماعنا في بداية العام.
بريان كيني: مرة أخرى، لا توجد معاملات مالية.
نيل غوس: نعم، لا معاملات مالية. ويقدمون لنا الغداء أيضاً في مثل هذه الاجتماعات. ولهذا يسافر العديد من رؤساء الفروع في مختلف المدن إلى دلهي لحضور هذه الاجتماعات على حسابهم الشخصي. في الواقع نفكر حالياً في التنسيق مع شركة طيران لأجل هذا الغرض. ثم نجتمع وهدفنا الأساسي هو التخطيط لمستقبل المؤسسة. نعقد اجتماعاً لمدة يومين حيثما نحدد ما تعلمناه وما هي الأخطاء التي ارتكبناها وما هي الأهداف التي نخطط لتحقيقها. لذلك أعتقد أنه من حيث التواجد والحضور، تُعد هذه إحدى نقاط التواصل مع جميع رؤساء الفروع في مختلف المدن. لقد أوضحت أنني عندما أكون في الهند، أزور مدناً مختلفة وأوصل بعض الوجبات مع المتطوعين لأن أفضل طريقة لمعرفة تأثير ما نفعله على أرض الواقع أو حتى لمعرفة ثقافة مدينة ما، هي الخروج لتوصيل الوجبات مع المتطوعين وليس عقد اجتماعات مغلقة. وفي الواقع توصلنا إلى أفضل أفكارنا من خلال فعل هذا. أحاول أنا وآروشي باترا، المؤسسة المشاركة لـ "روبن هود آرمي"، زيارة فروع المؤسسة في مختلف المدن قدر استطاعتنا ونعرف من واقع عملنا على أرض الواقع ماذا يتم بالتحديد. لكن فيما يتعلق بنقاط التواصل، فأنا فخور للغاية بأن وجودي في المؤسسة لا يضيف جديداً على سير العمل داخلها.
بريان كيني: رائع. أنه سيظل مستمراً.
نيل غوس: نعم بالتأكيد.
بريان كيني: ما هي بعض العقبات التي واجهتها على طول الطريق؟ فأنت تتعلم فيما تمضي قدماً، أليس كذلك؟
نيل غوس: العقبة التي أفكر بها دائماً هي الوقت، بالتأكيد. للعمل بوظيفة بدوام كامل أو حتى للدراسة في كلية دراسات عليا، نحتاج من 15 إلى 20 ساعة في الأسبوع. ونحن نعمل جميعاً وفق جداول زمنية مختلفة ومناطق زمنية مختلفة، لذلك التنسيق ليس دائماً بالأمر اليسير. جميعنا، وأنا أتحدث باسم الجميع، نود لو أن نتمكن من تخصيص 12 ساعة يومياً مع العمل طوال أيام الأسبوع لإنجاز أنشطة المؤسسة. وأحياناً نفكر في تكلفة الفرصة الضائعة ونتخيل كم التأثير الذي قد يحدثه ذلك. لذلك أعتقد أن الوقت ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجهنا. ولكن أعتقد أن هذا كل ما يمكننا تقديمه. فنحن محظوظون لأننا نحظى بدعم مجتمعي قوي مثلما أني هنا معكم بصحبة أستاذتي وبشكل عام داخل مجتمع هارفارد، أو حتى دعمي في مكان عملي والعديد من أماكن العمل كذلك. وهو ما يمنحنا المرونة لنفعل ما نحب، وعندما يُزال هذا الضغط الواقع عليك، تنطلق وتتحرر وتفعل ما يجب عليك فعله. لذلك أعتقد أن الوقت شيء نتمنى جميعاً لو أن لدينا المزيد منه، ولكن نظراً لسياسة التمويل الصفري التي نعتمدها، لا نجد حلاً لذلك.
بريان كيني: سوزانا، ينتابني الفضول بخصوص ذلك، هل تعتقدين أنه يمكن استدامة مؤسسة متواصلة النمو تلتزم باتباع نهج قائم على التمويل الصفري؟ في رأيي هذا أمر صعب.
سوزانا غالاني: نعم بالطبع، وكيف لا يكون صعباً؟
بريان كيني: ولكن يبدو أنه ناجح في الواقع.
سوزانا غالاني: بالضبط. كنت سأقول ذلك بالضبط. من الناحية النظرية، سيكون من الصعب للغاية القيام بذلك، لكن "روبن هود آرمي" دليل حي على أن ذلك ممكن. وأنا أفكر في ذاك المثال عندما ذهبوا إلى برنامج مشابه لبرنامج "من سيربح المليون" وقد ربحوا أموالاً بالفعل لكنهم تبرعوا بها لمؤسسة أخرى كي لا يكسروا القاعدة الذهبية. على أي حال إذا فكرت فيما يفعلونه ستجد أن الأمر بسيط للغاية ويمكنهم فعله دون دعم مالي، وقد أثبتوا عملياً أن هذا ممكن. إنه نموذج ناجح، وليس في الهند فحسب، بل في العديد من الدول حول العالم. والسؤال هنا هو كيف يمكنك الحفاظ على مصدر للتحفيز على القيام بذلك؟ ففي مرحلة ما سيرغب المتطوعون في تعويضٍ عن التبرع بوقتهم. وهذا تحدٍ ليس لدينا إجابة عليه في الوقت الحالي. ما علينا إلا أن نرى ما يخبئه المستقبل لهذه المؤسسة. ولكن حتى الآن، نظراً للقيم القوية للمؤسسة واختيار الأشخاص بمحض إرادتهم التطوع فيها، يبدو أن الأمر ناجح ويمنحهم الكثير من الطاقة والحماس.
بريان كيني: من خلال ما توصلتِ إليه في بحثك، هل يشعر الأشخاص بمزيد من الرضا عن الأشياء التي يفعلونها وليس لها علاقة بحصولهم على تعويضات؟
سوزانا غالاني: يعتمد ذلك على الأشياء نفسها. على سبيل المثال، في هذه الحالة بالذات، هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أن الدفع للأشخاص من أجل فعل الخير، قد يدفعهم فعلياً إلى الابتعاد عن هذا النشاط المحدد لأنهم لا يريدون فعل ذلك مقابل المال، بل يرغبون في فعله لأنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله. لذلك بالنسبة إلى بعض الأنشطة، يمكن للتعويضات أن تقوض التحفيز الذاتي على فعل أشياء محددة. ومؤسسة "روبن هود آرمي" مثال واضح للغاية حيثما يقضي الأشخاص وقتهم في فعل الخير، فقط لأنهم يرغبون في ذلك. في الواقع، عندما كانوا يناقشون فكرة ما إذا كان ينبغي لنا أن نبدأ في دفع رواتب للموظفين المتفرغين، رد المتطوعون بأن هذا يتعارض مع الغاية من إنشاء المؤسسة وثقافتها، لأننا لسنا هنا للحصول على مقابل مادي لما نقوم به، نحن هنا لمساعدة الآخرين وحسب. والآن، إذا طبقنا الأمر على مؤسسات أخرى، سيقودنا هذا إلى مشكلة أكثر تعقيداً وهو ما الذي ينبغي لنا أن ندفع للأشخاص مقابل فعله؟ وما الذي يمكننا أن نتوقع منهم فعله دون الحصول على مقابل؟ والشق الثالث في هذا الصدد هو ما الذي نعرّضه للخطر إذا دفعنا للأشخاص؟ ولهذا فإن تحقيق التوازن أمر صعب للغاية وينطوي على تحديات، ولا أعتقد أن لدينا إجابة قاطعة لهذه التساؤلات. لكنه بالتأكيد أمر يجب أن تضعه المؤسسات في عين الاعتبار. فالدفع للناس للقيام بأنشطة معينة يغير طبيعة هذه العلاقة التبادلية.
بريان كيني: صحيح.
سوزانا غالاني: ويجعلها متعلقة بالمعاملات. هناك بعض الأشياء التي لا بأس أن تتم من خلال المعاملات، بل يجب أحياناً أن تتم كذلك، لكن هناك أنشطة أخرى لا يصلح فيها ذلك.
بريان كيني: نيل، يساورني الفضول بشأن أمر ما. نظراً لتطور دورك داخل المؤسسة، وأخمن أن هذا التطور أبعدك عن الأشخاص الذين كنت تقدم لهم المساعدة في بادئ الأمر عندما تخرج بنفسك إلى الشارع وتبحث عن الأشخاص المحتاجين الذين يمكنك أن تقدم وجبات لهم. فهل غيّر ذلك الطريقة التي تشعر بها حيال ما تفعله؟ هل تشعر أن الأمر أصبح كوظيفة بالنسبة إليك الآن؟
نيل غوس: أعتقد أنني بحاجة إلى العودة إلى توصيل الوجبات للتركيز على سبب قيامنا بهذا بالعمل حقاً. لذا بغض النظر عن مدى شمول واستراتيجية الدور الذي أصبحت تؤديه، يجب أن تواصل التركيز على الأساسيات لأن هذا هو ما يحفزك أكثر من أي شيء. وبالنسبة للسؤال السابق الذي كانت تناقشه الأستاذة غالاني، أعتقد أن التحفيز ينبع من حقيقة أنه إذا كان العمل الذي تقوم به مدفوعاً برسالة تؤمن بها، فلست بحاجة إلى معرفة كيف يمكنك أن تحفز فريقك. فهذا أمر طبيعي. وفيما يتعلق بعدم قيامي بدوري السابق، فقد بات ذلك يحدث كثيراً وعلى نحو جيد على ما أعتقد. كنت أشعر بالضغط لأني أقوم بكل شيء بنفسي بدرجة كبيرة في بادئ الأمر وأقود المؤسسة من المقدمة. والآن اتضحت الصورة في ذهني حول ما ينطوي عليه دوري، فهو ينطوي على ثلاثة أشياء: 1- توخي الوضوح، أي التأكد من أن الجميع يعرفون ما يجب عليهم فعله ويوافقون عليه. 2- أن أجعل من الممكن الاستغناء عني، وبذلك عندما لا أكون موجوداً لن يتغير أو يتأثر أي شيء. 3- أعتقد أن الشيء الثالث هو في الواقع التفكير في المرحلة التالية من النمو. هذا المزيج الكامل الذي تجعل نفسك من خلاله قابلاً للاستبدال بوصفك قائداً هو جزء مهم للغاية. ليس فقط فيما يتعلق بدوري، ولكن أيضاً فيما يتعلق بدور جميع العاملين في "روبن هود آرمي" كي تكون مؤسسة ناجحة ومستدامة.
بريان كيني: سوزانا، يمكنني أن أستنتج من خلال الفترة القصيرة التي قضيتها مع نيل، أنه لن يجيب على هذا السؤال لأنه متواضع للغاية. فلتخبريني أنتِ ما الذي يجعله قائداً جيداً وما الذي يمكّنه من قيادة مؤسسة بهذا الحجم والنطاق، لا سيما وأنه تخرّج حديثاً في كلية هارفارد للأعمال؟
سوزانا غالاني: أجل، إنها السمات التي لاحظتها في أسلوب قيادته، ليس فقط بصفته قائد "روبن هود آرمي"، فقد كان أحد طلابي أيضاً.
بريان كيني: أعلم ذلك.
سوزانا غالاني: فقد رأيت كيف يتفاعل مع الآخرين، وأعتقد أن هناك بعض الأشياء التي تقف خلف ذلك. أتمنى لو أقضي وقتاً أطول في التحدث عن مهاراته القيادية، لكن فيما يتعلق بالسمات التي تميزه، أول ما يتبادر إلى ذهني هو أنه يفعل كل شيء لغرض محدد. ليس لمجرد قتل الوقت على الإطلاق. في الواقع لا أعتقد أنه سبق له إضاعة وقته.
نيل غوس: لا، هذا ليس صحيحاً.
سوزانا غالاني: حسناً، لم تتح لي الفرصة لمعرفة ذلك. ولكن عندما يتحدث عن "روبن هود آرمي"، فإن الأمر كله يتعلق بكيفية تحسينها. كما أن فكرة أنهم لم ينجزوا سوى 1%، وهو شعارهم بالمناسبة، تعكس أسلوب قيادته. وكأنهم يقولون ما فعلناه ليس بكاف ولم نحقق هدفنا بعد. نيل أيضاً لا يرضى بما قدم أبداً، ولكن في الوقت نفسه فخور جداً بالإنجازات التي حققها، مع علمه أنها مجرد خطوة للدخول إلى المرحلة التالية. هذه إحدى سماته، ومن السمات الأخرى التي لاحظتها هي أنه تواق جداً للتعلم. لقد رأيته يطبق مفهوماً تعلمه هنا، كما أنه يلتمس حقاً فرص التعلم الجديدة ليطبقها على "روبن هود آرمي". وهذا شيء عظيم تقدمه مؤسسة تعليمية، أن تجد الأشخاص يأتون هنا لتعلم المواد واكتساب المهارات، ثم يطبقون ما تعلموه حقاً. وأعتقد أن نيل يفعل ذلك بلا هوادة. ربما يقود المؤسسة من المقدمة لأنه يمتلك الفكرة والدافع، لكنه ينسب الفضل لمن يستحقه، ويمكّن الآخرين ليصبحوا أفضل منه إن كان بإمكانهم ذلك. إنه أول مَن يسعد إذا أدى شخص ما عمل ما على نحو أفضل منه. وأعتقد أن هذه سمة مميزة جداً للقائد.
بريان كيني: لقد...
نيل غوس: شكراً لك.
بريان كيني: ... احمرّ نيل خجلاً. إذن لقد ناقشت ذلك في محاضراتك، وأعتقد أنك قلتِ إن نيل كان أحد طلابك. لا أريدك بالطبع أن تفصحي عن أي معلومات سرية، ولكن يساورني الفضول حول رد فعل الطلاب عندما أخبرتِهم، إذن ماذا كان رد فعلهم وكيف استجابوا لذلك؟ وهل قال أحدهم أي شيء فاجئكِ حقاً؟
سوزانا غالاني: ندرّس هذا الموضوع عند تعليم الطلاب المهارات التنفيذية. وسيتم تدريسه في ماجستير إدارة الأعمال في فصل الربيع لطلاب السنة الثانية فيما يتعلق بالمشاريع الاجتماعية والابتكار. لذلك لم أحصل على رد فعل زملائه من طلاب ماجستير إدارة الأعمال بعد، ولكن لدي قصة صغيرة عن رد فعل الطلاب. بادئ ذي بدء، منذ أن علمنا بهذه المبادرة، لم يكن نيل الشخص الذي يتجول متباهياً بما يفعله.
بريان كيني: صحيح.
سوزانا غالاني: فقد كنا نتناول الغداء ضمن مجموعة صغيرة وتجولت في الغرفة وأنا أسأله: "إذن ما الذي تفعله في وقت فراغك؟ لماذا أنت هنا؟". حينها طرح علينا فكرة "روبن هود آرمي" وما كان يفعله من خلالها. وأتذكر أن الدموع كانت في أعين نصف أفراد المجموعة. كانت تلك هي المرة الأولى التي علمنا فيها عن المؤسسة. الشيء الآخر الذي حدث ويؤكد أن ما يفعله نيل له تأثير فعلاً كان في عيد الفصح، فكما تعلم أن طلابنا في عيد الفصح يجتمعون معاً لتناول الطعام في وليمة كبيرة، وآخر مرة فعلوا هذا فيها كانت هنا في الحرم الجامعي، وبعد أن انتهوا من تناول الطعام، جمعوا الطعام الزائد وتجولوا في مختلف أرجاء مدينة كامبريدج لتوزيع الطعام على مَن يحتاجون إليه.
بريان كيني: يا له من أمر رائع!
سوزانا غالاني: فهذه هي الممارسة العملية التي كنت أتحدث عنها. كما أن المسؤولين التنفيذيين الذين طرحت عليهم دراسة الحالة هذه، انقسمت ردود أفعالهم قليلاً. فعندما كنت أسألهم السؤال الحاسم في الدراسة: هل ينبغي لـ نيل أن يخرق القاعدة الذهبية للمؤسسة ويوظّف أشخاصاً بمقابل مالي؟ كانت إجاباتهم تجمع بين نموذجين. حيث قال بعضهم: "لا يجب عليه بالتأكيد أن يفعل ذلك، فهذا من شأنه أن يدمر روح المؤسسة تماماً. وإذا لم ينجح هذا، فهو بحاجة إلى إيجاد طريقة أخرى". وقال آخرون: "ربما حان الوقت لتسليم مقاليد الأمور لمؤسسة ما تملك الوسائل اللازمة للمضي قدماً بهذا المشروع". لذلك اعتقدت أنه كان من المثير للاهتمام للغاية كيف تباينت ردود الأفعال حول هذه المشكلة تحديداً.
نيل غوس: الأمر مثير للاهتمام فعلاً. أعتقد أن الكثير من أفكار "روبن هود آرمي" كان مصدرها أشخاص لا يتفقون مع ما نفعله. لا أعتقد أن هناك طريقة صحيحة أو طريقة خاطئة. ولا أعتقد أن جمع الأموال شيء خاطئ على الإطلاق. الأمر يتعلق فقط بما هي الطريقة الأكثر استراتيجية، وما الذي سيخدم المزيد من الناس. وأعتقد أنه بناءً على ذلك، ما زلنا بحاجة إلى الاستمرار في معرفة آراء الأشخاص الذين لا يؤمنون بنموذجنا أو لا يعرفون عنه شيئاً، فمن خلال هذا يمكننا التخطيط للسنوات الخمس القادمة، إن جاز التعبير.
بريان كيني: مثل العديد من الدراسات التي تجريها كلية هارفارد للأعمال، لا توجد إجابة صحيحة واحدة بعينها.
نيل غوس: نعم، بالضبط.
بريان كيني: هناك إجابات وحلول متعددة.
نيل غوس: والفكرة التي يتم تنفيذها بشكل صحيح، هي الإجابة الصحيحة.
بريان كيني: لقد انتهت حلقتنا. شكراً لكما على انضمامكما لي اليوم. لقد كانت المناقشة رائعة وكذلك المؤسسة. وآمل أن تستمر في الازدهار.
نيل غوس: شكراً لكم على استضافتي. وشكراً أستاذة سوزانا.
سوزانا غالاني: شكراً على استضافتكم لنا اليوم.
روبن باسياس: إذا كنت ترغب في أن تكون جزءاً من "روبن هود آرمي" أو ترغب في تطبيق نموذج منها في مدينتك، تواصل معهم عبر موقعهم الإلكتروني robinhoodarmy.com.
بريان كيني: شكراً لاستماعكم إلى برنامج "كولد كول"، وهو برنامج صوتي رسمي صادر عن كلية هارفارد للأعمال، وهو جزء من شبكة "إتش بي آر برزنتس" (HBR Presents). معكم بريان كيني.