ملخص: على الرغم من ادعاء الشركات المتكرر أن: "الأفراد هم أعظم أصولنا"، فلا يزال العديد من المسؤولين التنفيذيين يتوقعون من موظفيهم فصل حياتهم الشخصية عن العمل تماماً. ومع ذلك، فإن هذا يتناقض مع النتائج التي توصلت إليها مؤسسة غالوب والتي تفيد بأن وجود صديق مقرب في العمل يرتبط على نحو وثيق بنتائج الأعمال، مثل تحسينات الربحية والسلامة والرقابة على المخزون واستبقاء الموظفين. وتظهر النتائج الأخيرة التي خلصت إليها غالوب أيضاً أن وجود صديق مقرب في مكان العمل منذ بداية الجائحة كان له عظيم الأثر على النتائج المهمة، مثل احتمالية أن يوصي العمال بمكان عملهم ونيتهم في ترك العمل ورضاهم الوظيفي عموماً. ومع ازدياد العمل عن بُعد والعمل الهجين في أثناء الجائحة، أصبح الأصدقاء المقربون في العمل بمثابة شريان حياة للموظفين يوفر لهم التواصل الاجتماعي الضروري والعمل التعاوني والدعم المتبادل خلال الأوقات الصعبة. يقدم المؤلف 4 طرائق يمكن للمدراء من خلالها إنشاء مكان عملٍ يشجع على تكوين صداقات في العمل ويحافظ عليها ويحقق نتائج قابلة للقياس.
وفقاً لبيانات مؤسسة غالوب، يعاني ملايين الأشخاص من الوحدة على مستوى العالم: ليس لدى أكثر من 300 مليون شخص صديق واحد، وأكثر من 20% من الأشخاص ليس لديهم أصدقاء أو عائلة يعتمدون عليها عندما يحتاجون إليها.
يقضي الشخص العادي أكثر من 81 ألف ساعة -أي أكثر من تسع سنوات- في العمل. وفقاً لمركز المسح حول حياة الأميركيين -وهو مشروع تابع لمعهد أميركان إنتربرايز- من المرجح أن يكوّن الأميركيون صداقات في مكان العمل أكثر من أي مكان آخر، مثل المدرسة أو الحي الذي يقيمون فيه أو أماكن العبادة أو حتى عبر أصدقائهم الحاليين.
أي يقضي معظم الأميركيين حياتهم في العمل، وذلك هو المكان الذي يُرجح أن يكّونوا فيه صداقاتهم. ومع ذلك، وحسب استقصاء مؤسسة غالوب للرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية لأكبر الشركات في العالم، فإن الرفاهة الاجتماعية هي أقل جانب تستثمر فيه الشركات لتحسين حياة الموظفين وتعزيز سعادتهم. لقد وجدت مؤسسة غالوب أن 3 فقط من كل 10 موظفين في الواقع، على مستوى العالم، يعتقدون بقوة أن لديهم صديق مقرب في العمل.
ما أهمية ذلك للشركات؟
على الرغم من ادعاء الشركات أن "الأفراد هم أعظم أصولنا"، يطلب العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين قابلتهم من الموظفين فصل حياتهم الشخصية بعيداً عن العمل تماماً. ومع ذلك، فإن هذا يتناقض مع النتائج التي توصلت إليها مؤسسة غالوب والتي تفيد بأن وجود صديق مقرب في العمل يرتبط على نحو وثيق بنتائج الأعمال، مثل تحسينات الربحية والسلامة والرقابة على المخزون واستبقاء الموظفين.
يؤكد الباحثون في جامعتي بنسلفانيا ومينيسوتا أن الصداقات الوثيقة تزيد من إنتاجية مكان العمل، وليس ذلك فحسب، بل اكتشفوا أيضاً أن السبب وراء ذلك يعود إلى أن الأصدقاء أكثر التزاماً ويتواصلون بشكل أفضل ويشجع بعضهم الآخر. ووفقاً لدراسة عالمية أجراها برنامج الاستقصاء الاجتماعي الدولي (ISSP)، "للعلاقات الشخصية في العمل تأثير إيجابي كبير ومهم على الرضا الوظيفي بالنسبة للموظف العادي، حيث تُظهر البيانات أن العلاقات كانت العامل الأهم، من بين 12 عاملاً آخر لجودة مكان العمل، من حيث القدرة على تفسير التباين في الرضا الوظيفي".
وبغض النظر عن أهمية صداقة العمل في زيادة الإنتاجية والربحية والرضا الوظيفي والاستبقاء، تظهر أحدث النتائج التي توصلت إليها غالوب أن وجود صديق مقرب في مكان العمل منذ بداية الجائحة كان له عظيم الأثر على النتائج المهمة، مثل احتمالية أن يوصي العمال بمكان عملهم ونيتهم في ترك العمل ورضاهم الوظيفي عموماً. ومع ازدياد العمل عن بعد والعمل الهجين في أثناء الجائحة، أصبح أفضل الأصدقاء في العمل بمثابة شريان حياة للموظفين يوفر التواصل الاجتماعي المهم والعمل التعاوني والدعم المتبادل خلال الأوقات الصعبة.
للأسف، لم تؤد الجائحة إلى تفاقم الشعور بالوحدة فحسب، بل أثرت أيضاً على الصداقات في مكان العمل، حيث وجدت غالوب أن عدد الموظفين الذين يعملون في بيئة عمل هجينة ممن أفادوا بأن لديهم صديق مقرب في العمل قد انخفض بمقدار خمس نقاط منذ عام 2019.
بناء صداقات دائمة في مكان العمل
سواء كانت طبيعة مكان العمل تتطلب الحضور شخصياً أو عن بعد أو هجينة، فإن الثقافة التي تركز على صداقات العمل وتشجعها تعود بالفائدة على الموظفين وتعزز صافي الأرباح. إذاً كيف يمكن للمدراء إنشاء مكان عمل يشجع صداقة العمل ويحافظ عليها ويحقق نتائج قابلة للقياس، وفي الوقت نفسه، يحارب وباء الوحدة العالمي؟ إليك بعض الإجراءات التي يمكنك اتخاذها على الفور:
إنشاء نظام رفيق العمل
يحتاج كل موظف إلى رفيق أو صديق أو زميل، لا سيما إذا كان جديداً في الشركة. يمكن أن يؤدي التعاضد بين الموظفين الجدد والموظفين المخضرمين إلى تسريع عملية إعداد الموظفين الجدد والإنتاجية. يساعد رفيق مكان العمل الموظفين الجدد في التعرف إلى مكان العمل الجديد والتآلف معه، على سبيل المثال، من خلال إرشادهم إلى مكان وجود عناصر العمل وتعريفهم بالقواعد غير المعلنة، وبالإضافة إلى ذلك، مساعدتهم في التواصل مع الموظفين الآخرين في الشركة. وغالباً ما تقود بعض هذه الاتصالات الأولية إلى تكوين علاقات طويلة الأمد.
مفتاح نظام رفيق العمل الفعال هو تكرار التفاعلات. على سبيل المثال، قال 97% من موظفي مايكروسوفت الجدد، ممن أفادوا بأنهم التقوا برفيقهم في العمل أكثر من 8 مرات خلال الأشهر الثلاثة الأولى، إن رفاق العمل ساعدوهم على أن يصبحوا منتجين بسرعة. بينما انخفضت هذه النسبة إلى 56% فقط بين الموظفين الجدد الذين أفادوا بأنهم التقوا برفيق العمل مرة واحدة في الأشهر الثلاثة الأولى.
زيادة وقت المقابلات المباشرة
قبل الجائحة، كان العمل مكاناً يستطيع فيه زملاء العمل احتساء القهوة وتناول الغداء معاً ولقاء بعضهم لبعض في الممرات لإجراء محادثاتٍ عفوية. مع حلول الجائحة، كان أحد أكبر التغييرات التي أثرت على الموظفين الذين اُضطروا للعمل عن بعد بدوام كامل في عام 2020 انخفاض الوقت الذي كانوا يقضونه في التواصل الاجتماعي مع زملائهم في العمل بشكلٍ كبير.
في الواقع، يتطلب بناء الصداقات التحدث إلى الناس ورؤيتهم والتواجد معهم، وأفضل طريقة للتواصل هي رؤية بعضنا لبعض، حتى لو تم ذلك عن طريق اللقاء بواسطة تطبيق زووم أو فيس تايم. لكن شركاء العمل يحتاجون في الحد الأدنى إلى التحدث بعضهم مع بعض أكثر وتقليل التواصل عبر رسائل البريد الإلكتروني، لأن الفائدة من التواصل عبر البريد الإلكتروني لا ترقى مطلقاً إلى التحدث بشكل مباشر، بالإضافة إلى ذلك، من الصعب في الواقع استيعاب ما يقصده شخص ما تماماً عبر رسائل البريد الإلكتروني.
يجب على قادة الشركات أن يكونوا مثالاً يحتذى به وأن يقوموا هم أنفسهم بالتواصل أكثر بشكلٍ شخصي مع الموظفين والتقليل من استخدام رسائل البريد الإلكتروني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقادة تشجيع التفاعلات الشخصية من خلال إعادة النظر في التوقعات ووضع معايير ثقافية جديدة وحتى تحديث هياكل مكان العمل. على سبيل المثال، تشجيع التدريب المتعدد التخصصات أو السماح للموظفين بالتناوب على المهام الوظيفية حتى يتمكنوا من العمل مع موظفين من أقسام أخرى من الشركة، حيث يخلق التواصل مع أشخاص جدد فرصة لتكوين صداقات جديدة. خطط لإقامة المناسبات الاجتماعية أو الاجتماعات أو وجبات الغداء الميدانية. قرّب مساحات عمل الموظفين بعضها من بعض. ففي مكان العمل فقط لديك فرصة لقضاء الكثير من الوقت مع أشخاص من مختلف مناحي الحياة منظمين حول هدف مشترك، وهو المكان الوحيد الذي تعتمد فيه على جهود الآخرين للنجاح.
الاجتماع باستمرار
بالطبع، عندما تتشاطر مجموعة من الموظفين هدفاً مشتركاً وتحقق إنجازات كبيرة، فإنهم يشكلون اتصالاً، وتخلق المتعة في أثناء التعاون في العمل المعجزات. تستشهد مجلة الإيكونوميست بفريق البيتلز كمثال على فريق عالي الأداء: يحب البيتلز ما يفعلونه لكسب لقمة العيش. عندما لا يعزفون الموسيقى، فإنهم يتحدثون عنها أو يفكرون فيها، يؤدون أغانيهم مراراً وتكراراً، ويجتمعون باستمرار.
إذا كنت يوماً ما في اجتماع تعاوني عفوي مع الآخرين، فلا بد أنك تعرف تلك الرغبة بالمشاركة. يريد موظفوك أيضاً الشعور بها، يريدون الشعور بالرضا والفخر بالمشاركة في إنجاز شيء رائع والاستمتاع بذلك. يثق الأصدقاء بعضهم ببعض، ويتقبلون الأخطاء ويتسامحون فيما بينهم. وفقاً لنتائج بحث مؤسسة غالوب، عندما يعمل الأصدقاء معاً، فإنهم أكثر عرضة لإشراك العملاء والشركاء الداخليين وإنجاز المزيد من المهام في وقت أقل، وتوفير مكان عمل أكثر أماناً يحفّز على الابتكار ومشاركة الأفكار والمرح في أثناء العمل.
تجنّب أسلوب الإجبار
بسبب الجائحة، ربما مضت الأيام التي كنا نسعد فيها بساعات المرح الحرة غير الإلزامية و"بمكاتب التسلية" المليئة بالألعاب المختلفة والملونة، والتي كانت مصممة لتشجيع الموظفين على البقاء إلى وقت متأخر من أجل أنشطة بناء الفريق الممتعة. وفقاً لمؤسس شركة بلايفيشنت (Playficient) الاستشارية ومقرها فانكوفر، بول لوبوشينسكي، فإن ثقافة الساعات السعيدة لا تتعلق حقاً بالمتعة، بل تتعلق بتشجيع الموظفين للبقاء معاً لفترة أطول.
يمكنك إملاء السياسات أو التدريب أو الجداول الزمنية، ولكن لا يمكنك فرض تكوين الصداقات على الموظفين، ويجب على المدراء والقادة في هذه الصدد تجنب إثارة كره الموظفين لفكرة تجمعات الشركة بحد ذاتها.
إذا استمرت شركتك في تثبيط الصداقات في مكان العمل على الرغم من فائدتها المثبتة لنتائج الأعمال، فقط تذكّر هذا المبدأ المنطقي البسيط: تجاهل الصداقة يعني تجاهل الطبيعة البشرية، ودائماً ما تنتصر الطبيعة البشرية في مواجهة سياسات الشركة. تشير الدلائل إلى أن الناس سيسعون لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية، بغض النظر عما يُفرض عليهم، ومن الأفضل للشركات تسخير قوة هذا النوع من رأس المال الاجتماعي بدلاً من محاربته.
وكما أوضحت في كتابي الجديد "النقطة العمياء: الصعود العالمي للتعاسة وكيف أغفله القادة" (Blind Spot: The Global Rise of Unhappiness and How Leaders Missed It)، الوحدة شائعة جداً. في الولايات المتحدة، يقضي اثنان من كل 10 موظفين معظم يومهم في الشعور بالوحدة. بالنسبة لموظفيك الذين ليس لديهم أصدقاء يمكنهم الاعتماد عليهم، يمكن أن يكون العمل بائساً، وهذا البؤس يمكن أن يجعل حياتهم أسوأ من عدم الحصول على وظيفة على الإطلاق. لكن الشركات التي تعطي الأولوية للرفاهة الاجتماعية لموظفيها وتوفر لهم فرصاً لتكوين صداقات في العمل يمكن أن تساعد على التخفيف من وباء الوحدة الذي يصيب الكثير من البشر.