يجب أن يمثل التمايز دافعاً رئيساً لأي استراتيجية حول موضوع جهود الشركات الابتكارية تحديداً، ويجب أن تلتمس الشركات دائماً طرقاً لإيجاد الأفضلية. ولكن غالباً ما يجد الرؤساء التنفيذيون أنفسهم عالقين في ما أدعوه ثبات الابتكار. إذ يقعون في تشابه مزمن، وهي حالة جمود ناتجة عن إحساسهم بأنهم يجب أن يركزوا على التكلفة والثمن الزهيد، ليبقوا تنافسيين.
ويُعدّ تراجع استثمارات الشركة في مجال البحث والتطوير، الذي يمثل البنية التحتية الخفية التي تدعم الابتكار الحقيقي، المؤشر الرئيس على مدى انتشار هذا الثبات. فقد تناقص الاستثمار في بحوث العلوم الأساسية مما يزيد عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في السبعينيات وصولاً إلى 0.78% حالياً. وكلما قلّت العلوم، قلّ عدد الأفكار الخاصة بالمشاريع الجديدة.
اقرأ أيضاً: 3 طرق لبناء ثقافة الابتكار التآزري
إدارة جهود الشركات الابتكارية
وإذا كان قصر النظر هذا سيتغير، يجب أن يكون الرؤساء التنفيذيون قادرين على إدراك الوقت الذي توشك فيه مرحلة الجمود هذه على مباغتتهم. لقد حددت في أعمالي الاستشارية والبحثية أربعة دلائل من شأنها أن تُنذر الرؤساء التنفيذيين بأنهم عالقون في ثبات الابتكار. إن هذه الدلائل الأربعة ناتجة عن النوايا الحسنة، ولكنها تفضي إلى التدمير الذاتي في النهاية وهي:
الهوس ببرامج الترشيد منخفضة التكلفة
بدلاً من إيلاء الاهتمام إلى البسط (العائدات المتزايدة)، يركز الرؤساء التنفيذيون على المقام (تقليل التكاليف). إن المبررات التي أسمعها حول هذا الاختلال بسيطة جداً، إذ يقول الرؤساء التنفيذيون أنهم يريدون زيادة "الحاصل"، وتُمثل الإغارة على جانب التكاليف أسهل الطرق وأسرعها لتحقيق ذلك. وأنا أصف هذا العارض بأنه شبيه بالوهن المؤسسي. والأمر المستغرب هو أن هذا العارض واسع الانتشار بحيث تبرز حالياً الشركات التي تقاوم السباق نحو الحضيض بين الزحام. تُوظّف شركة دير آند كو (Deere & Co)، التي تأسّست منذ ما يقرب من قرنين من الزمن والرائدة باستمرار في المجال الذي تعمل فيه، أشخاصاً متفانين بالكامل لوضع "تصور" للمستقبل. وتعد أداة "لين" (المنهجية الرشيقة لتقليل الفاقد) أداةً إدارية فاعلة، ولكن تحديد إلى الرقم "الدقيق" لأداء العمل الحالي بفاعلية يعرض المستقبل للخطر نتيجة الافتقار إلى أشخاص "إضافيين" يفكرون فيه. فالفاعلية ليست مماثلة للابتكار.
الهوس بالإصغاء إلى الزبون
يريد جميع الزبائن تقريباً أن تكون منتجاتهم غير مكلفة قدر الإمكان. لذا تحاول الشركات الاستجابة لهذا المطلب من خلال توفير القيمة التي تعتقد أن الزبائن يريدونها. ولكن الرؤساء التنفيذيين العظماء يدركون أن مسؤولية تحديد العظمة تعود إلى الشركة لا إلى الزبون. إذ كان ستيف جوبز مولعاً بالسؤال التالي: "هل سآخذ رأي الزبائن حقاً فيما إذا كانوا يرغبون بالحصول على جهاز آي باد؟".
اقرأ أيضاً: الاستعانة بالجمهور كشركاء في الابتكار
الهوس بالتدرج
يمكن لفوائد المكاسب الهامشية التراكمية أن تكون هائلة. إذ يمكن أن تكون "استراتيجية بسيطة" فاعلة على المدى القصير. ولكن الرؤساء التنفيذيون يتحدثون في أغلب الأحيان عن محافظهم المالية الحالية عندما يُسألون عن المستقبل. ما هي النسبة المئوية التي سترتفع أو تنخفض وفقاً لها؟ وغالباً ما يُغيّب الابتكار الجذري عن جداول أعمالهم عندما يبرز تصميم سائد جديد من شأنه أن يؤدي إلى تغيير هام في ثروات الشركة.
الهوس بعمليات الاستحواذ
يستجلب الرؤساء التنفيذيون المواهب عندما يفشلون في الابتكار. إذ يدلّ إنفاق شركة آبل ثلاثة مليارات دولار أميركي على عملية الاستحواذ على شركة بيتس (Beats)، أو دفع فيسبوك 19 مليار دولار أميركي تقريباً مقابل الاستحواذ على تطبيق واتساب، في نظري على أنّ هذه الشركات وجدت نفسها عالقة في ثبات الابتكار. كما لاحظتُ أنه كلما كانت الشركة أكثر قدرة على الابتكار، قلّ عدد عمليات الاستحواذ التي تقوم بها. فهي تطور المواهب داخلها، وتركز على بضعة أشياء رائعة. استثمر جوبز 150 مليون دولار أميركي في تطوير جهاز آيفون؛ كما استثمر تيم كوك سبعة أضعاف ذلك المبلغ تقريباً في شركة ديدي شوكسينغ (Didi Chuxing). تلك حكاية شركة آبل أثناء مرحلة النمو المدفوع بالابتكار، وحكايتها أثناء توقف الابتكار.
كيف تتغلب الشركات على ثبات الابتكار؟
تكتشف الشركات أن الزبائن لا يريدون التسوق وفقاً للسعر دائماً، وقد يساعد استغلال الرابط العاطفي على الهروب من السباق نحو الحضيض. أصدرت ناتورا (Natura)، وهي شركة مستحضرات تجميل برازيلية، مجموعة منتجات خاصة بالأم والطفل ساهمت في إضعاف المركز الرائد الذي تحتله شركة جونسون آند جونسون في سوق الأطفال من خلال الربط بين منتجات ناتورا وأسلوب شانتالا (Shantala)، ويعد هذا الأمر الطريقة الرائجة في البرازيل لتعزيز الروابط بين الأم والطفل الرضيع بواسطة التدليك. أتاحت هذه الحملة لشركة ناتورا أن تتنافس مع شركة جونسون آند جونسون على شيء آخر غير السعر.
سيساهم كل من ترسيخ العلوم الداعمة للأعمال، والتركيز على استكشاف قطاعات في السوق ذات قيمة أعلى من خلال منتجات جديدة وفي قطاعات صناعية جديدة، والسعي إلى التوسع على الصعيد العالمي في الحفاظ على جهود الشركات الابتكارية ونمو إجمالي المبيعات. على سبيل المثال، طورت تعاونيات منتجات الألبان الصغيرة تاتوا (Tatua) وويست لاند (Westland) في نيوزيلندا منتجات إضافية متخصصة مثل الدهون المعقدة وحليب الماعز الأول من نوعه في العالم الذي يتمتع بفترة صلاحية طويلة. وبدلاً من محاولة صنع الفولاذ الأرخص سعراً في العالم، تُصنّع شركة باسكس (Basques) (في مدينة باسك في إسبانيا) الفولاذ المخصص للمركبات الفضائية. وإذا تمكنت الشركات التي تتاجر في سلع كالحليب والفولاذ من الارتقاء في سلسلة القيمة، يجب أن تمتلك أي شركة المخيّلة لاكتشاف أسواق عالمية ومرتفعة القيمة لخبراتها، وتبقى مزدهرة حتى في عالم يمتلك ميزة تنافسية سريعة الزوال ظاهرياً وحالة جمود استراتيجي.
اقرأ أيضاً: