تشغل قضية استدامة المياه وتحقيق الأمن المائي بال قادة العالم مؤخراً، ولا سيّما مع التغيّرات المناخية، وقد شرعت الدول في سلك مسارات مختلفة لضمان تحقيق الأمن المائي باعتبار المياه هي قلب التنمية المستدامة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي تعد اليوم نموذجاً عالمياً في تحقيق الاستدامة عبر قطاع تحلية المياه إذ تعد أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بإنتاجها 11.5 مليون متر مكعب يومياً من المياه المحلاة.
لم تقتصر جهود المملكة في قطاع تحلية المياه على مبادراتها الحكومية الوطنية، وإنما شجعت الشركات المحلية والعالمية للمشاركة في هذا القطاع عبر تخصيصها جائزة عالمية وهي جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه (GPID) والتي تنظمها المملكة على هامش مؤتمر سنوي عالمي بعنوان الدورة "الابتكار في صناعة التحلية"، والذي تقام دورته الثانية في الفترة من 30 سبتمبر/ أيلول إلى 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في جدة بفندق الريتز كارلتون.
وتركز الجائزة التي يبلغ مجموعها 10 ملايين دولار، على محاور ترتبط بالجوانب البيئية في هذه الصناعة، وفرص خفض استهلاك الطاقة، وخفض التكلفة الرأسمالية والتشغيلية واستخدام التكنولوجيا الجديدة، وفرص التحول في نماذج الأعمال، والدراسات التحليلية المستقبلية ذات العلاقة بالابتكار.
وشهدت الجائزة مشاركات عالمية مميزة هذا العام، إذ شارك فيها 105 متنافسين، يمثلون أكثر من 27 دولة، من مراكز الأبحاث، والجامعات، ورواد الأعمال، ومنسوبي الشركات العاملة في صناعة تحلية المياه عالمياً. والذين فاز منهم ستة متسابقين. إذ تُوج بجائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه (GPID) بالفئة الكبرى، سيد شاه من "أكوا للأغشية (Aqua Membranes) في الولايات المتحدة الأميركية، عن مشروع "تغيير أغشية التناضح العكسي من خلال الفواصل المصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد".
وفاز في المسارات الأخرى للجائزة كلٌّ من: أريان عدلات من شركة أكتيف للأغشية (Active Membranes) في الولايات المتحدة الأميركية عن مشروع "الجيل القادم من أغشية تحلية المياه"، ومحمد أنور من شنايدر إلكتريك (Schneider Electric) في فرنسا عن مشروع "محطة تحلية المياه الرقمية المزدوجة المدعومة بالمحاكاة الديناميكية للعمليات"، ونيك هاينمان من ديسوليناتور (Desolenator) في هولندا عن مشروع "تحويل صناعة التحلية بأول منظومة تحلية شمسية-حرارية تعمل على نطاق واسع"، وهاني سعيد من شركة ميجا فيسيل للمياه (Mega Vessels Water Inc) في الولايات المتحدة الأميركية عن مشروع "الوعاء الضخم"، وكوانتوم وي من هارموني للتحلية (Harmony Desalting) في الولايات المتحدة الأميركية عن مشروع "عملية التناضح العكسي الكمي".
قال وزير البيئة والمياه والزراعة، المهندس عبدالرحمن بن عبد المحسن الفضلي، إن هذه الجائزة تتكامل مع الاستراتيجية الشاملة للمياه التي تعمل على دمج التوجهات والسياسات والتشريعات والممارسات في قطاع المياه، مشيداً بإعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، بما يسهم في تعزيز التعاون بين الدول، وتحفيز الاستجابة الجماعية للتحديات المائية.
ويشير محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، المهندس عبد الله بن إبراهيم العبد الكريم، إلى أن المملكة تقدم دوراً داعماً يُسهم في تحفيز المشاريع المبتكرة من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية، مؤكداً على التزام المملكة بالعمل على استدامة موارد المياه، والتي تنتج 11.5 مليون متر مكعب يومياً كأكبر منتج للمياه في العالم، والوصول لموارد مياه نقية، بتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكلٍ شمولي، من خلال تبادل وتعزيز التجارب التقنية والابتكار والبحوث والتطوير، وتمكين إنشاء المشاريع النوعية ذات الأولوية وتيسير تمويلها؛ سعياً لضمان استدامة موارد المياه وتعزيزاً لفرص وصول الجميع إليها، مشيداً بالابتكارات الفائزة، باعتبارها إنجازاً يعود بالمنفعة على الإنسانية، وتمثل رؤية "التحلية" في أن تكون جزءاً من توجه المملكة الطموح الذي يعتمد على تطويع التقنية بأعلى المعايير العالمية لخدمتها.
تشجع جائزة والمبادرات المشابهة على الاستثمار في البحث والابتكار في مجال تحلية المياه ما يسهم بدوره في دعم استدامة المياه وتحقيق الأمن المائي الذي يشكل الآن قضية ملحة لجميع سكان العالم.