كنا نحث الرؤساء التنفيذيين على التحلي بالتواضع لعقود، حيث نقول إنه من الجيد أن تكون واثقاً من نفسك، أو شديد الإصرار، ولكن الغرور والارتياب سيطيح بك. فالقائد المثالي هو الذي يحترم زملاءه ويستمع إليهم ويتواصل بصدق وأمانة ويغير رأيه عندما تُعرض عليه أدلة جديدة ويتخذ قرارات تدعم المؤسسة وليس موقفه.
تكمن المشكلة في أن كل شيء آخر في الحياة المؤسسية يدفع الرؤساء التنفيذيين في الاتجاه المعاكس. ولكي يثبت المسؤولون التنفيذيون جدارتهم في المؤسسة، يتعين عليهم التركيز على أنفسهم باستمرار. وإذا حققوا النجاح، فإنهم يكتسبون قوة ومكانة، ما يؤدي إلى عزلهم عمن حولهم. وحينها يكاد يكون الشعور بالغرور أمراً لا مفر منه، وكذلك الارتياب (وهذه مفارقة إلى حد ما).
المخاوف الخمس لدى الرؤساء التنفيذيين
عندما أجرى المستشار روجر جونز مقابلات مع عشرات الرؤساء التنفيذيين وغيرهم من كبار المسؤولين التنفيذيين، ظل يرى المخاوف العميقة الخمسة نفسها. فقد كانوا قلقين من الظهور غير أكفاء أو ضعفاء أو حمقى أو غير قادرين على تحقيق إنجازات ونجاحات، كما أنهم كانوا يخشون التعرض لهجمات سياسية من زملائهم. ولكن لم تتضمن أي من هذه المخاوف التي تشغل بالهم الشركات أو المؤسسات التي يقودونها. فقد انشغل القادة بأنفسهم، وكانت مخاوفهم تحد من فاعليتهم.
صدمتني النتائج التي توصل إليها جونز بقوة بسبب تجربة صعبة مررت بها منذ أكثر من عقد من الزمان. كنت مديراً صاعداً في شركة "برولوجيس" (Prologis)، وهي شركة عقارات صناعية سريعة النمو (كأنها مستودعات للإيجار) في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (S&P 500). في عام 2004 أصبحتُ رئيس العمليات وكنت أعمل عن كثب مع الرئيس التنفيذي. ولكن بمرور الوقت اختلفنا بشأن وتيرة النمو واستقلت في أوائل عام 2008. وبعد ذلك أثرت الأزمة المالية على الشركة بشدة واستقال الرئيس التنفيذي، وفي نوفمبر/تشرين الثاني طلب مني مجلس الإدارة أن أعود وأشغل منصبه. وبعد فترة وجيزة من الاستقرار، شهد وضعنا المالي الضعيف بالفعل مزيداً من التدهور.
وصلت الأمور إلى ذروتها أثناء أحد الاجتماعات المسائية الطويلة مع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية وفريقه. بدا الإفلاس حتمياً ولكني لم أستطع تحمل فكرة التخلي عن الشركة التي ساعدت في بنائها. كان الجميع يتطلعون إليّ لاتخاذ قرار لكني استأذنت بالانصراف لأتجول وأصفي ذهني.
كنت أشعر بالدوار في الواقع. فجلست على كرسي في غرفة أخرى قبل أن أفقد الوعي. وسرعان ما استعدت وعيي وعدت إلى الاجتماع ولكن لم يكن لدي أي فكرة عما ينبغي لي قوله. كل ما استطعت قوله هو "لا أعرف ماذا أفعل" و"أحتاج إلى مساعدتكم".
كنت أعيش أسوأ كوابيسي؛ فقد شعرت أنني غير كفؤ وضعيف وأحمق. (هل يبدو هذا مألوفاً لك؟). ولكن بعد ذلك حدث شيء رائع. فبعد صمت مهيب، قال الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والزملاء الآخرون: "سنكون إلى جانبك" و"سنجد مخرجاً".
وقد فعلنا ذلك بطريقة ما. بفضل الكثير من المثابرة والتفكير الإبداعي والحظ، كسبنا ما يكفي من الوقت مع الدائنين لبيع بعض الأصول بسعر مناسب وتسديد الديون. وبمجرد أن استقر وضعنا، عملنا على حل المشكلات التي حجبتها سنوات النمو، وبالتحديد ثقافة الشك العميق. استعدادي لقول أنني لم أكن أعرف ما ينبغي لي فعله في لحظة حاسمة ساعد في الواقع على تقليل حالة عدم الأمان لدى الموظفين وإعادة ضبط التوقعات. كما أن ذلك حررني من مخاوفي، على الأقل لفترة من الوقت. وعلى مدى السنوات الأربع التالية، أعدنا بناء الشركة كما كانت في ذروة نجاحها بل وأفضل.
لم يسر كل شيء بسلاسة؛ فقد سرحنا ما يقرب من ثلث قوتنا العاملة، الأمر الذي كان مؤلماً في حد ذاته كما أنه أبطأ عملية بناء الثقة. ولكن عندما تقاعدت عام 2013، كانت "برولوجيس" تحقق أرباحاً كبيرة وأيضاً كانت أكبر شركة في قطاعها على مستوى العالم.
لا أود أن يتعرض أي شخص للمحنة التي مررت بها عام 2008. فلو لم أبني مصداقية مع المسؤولين التنفيذيين الآخرين في السنوات السابقة، لكان إظهاري لضعفي قد أطاح بي. ولكني أعتقد أن الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين يمكنهم وينبغي لهم اتخاذ خطوات للحد من الغرور والخوف المصاحب له. والسبيل إلى ذلك هو إعادة ضبط مشاعرك في مكان العمل من خلال الوجود في "مناخات صغيرة"، وهي بيئات خالية من التأثيرات الشائعة التي تزيد من الغرور وتجعله يشكل تهديداً للوظيفة. فيما يلي 3 خطوات أوصي بها لصرف التركيز عن نفسك.
3 خطوات تجنبك الغرور والخوف المصاحب له
الخطوة الأولى هي الابتعاد عن أصحاب المناصب التنفيذية العليا. لا أقصد السفر، الذي عادة ما يعزز مكانتك الرفيعة. حرصت على تناول الغداء مع موظفين لا يشغلون مناصب تنفيذية على الأقل مرة أسبوعياً. وكنا نتحدث أحياناً عن دورهم في الشركة، ولكننا في الغالب كنا نتحدث عن عائلاتنا وخِطط عطلة نهاية الأسبوع وبعض الأمور المبهجة الأخرى. وقد وجد المتخصصون في الأعصاب أنه يمكننا تقليل مخاوفنا من خلال التحدث مع الآخرين ببساطة. والموظفون الذين لا يشغلون مناصب تنفيذية عليا لن يحفزوا الارتياب.
الخطوة الثانية هي الثقة بزملائك بقدر أكبر مما تعتقد أنه من الحكمة. في كثير من الأحيان ما تعتقد أنه تصرف حكيم هو في الحقيقة غرور أو خوف. وفي معظم الحالات التي اخترت فيها متعمداً أن أثق بزملائي، كان هذا هو القرار الصحيح. وقد وقعت في مشكلات بضع مرات، ولكن حسن النية الذي تعاملت به باتباعي لهذا النهج كان معوضاً لي بقدر كبير عن الضرر العرضي قصير الأجل.
الخطوة الثالثة هي منح الأشخاص الاهتمام الذي يستحقونه. فهذا الأمر بمثابة الهبة التي تساعد على بناء حسن النية ونادراً ما تأتي بنتائج عكسية. ولن تؤتي ثمارها بمرور الوقت بإجراء محادثات أسهل عندما تسوء الأمور فحسب، ولكنها تغير أيضاً إطارك المرجعي ببراعة. يتسرع معظم المسؤولين التنفيذيين في إبداء آرائهم، ما يضع المرؤوسين الذين يفكرون بطريقة مختلفة في موقف ضعف. ولذلك أجبرت نفسي على الاستماع قبل أن أدخل في أي نقاش. وهذا ساعد على الخروج بمجموعة واسعة من الأفكار، ما يجعلنا في موقف أفضل لتحقيق النجاح. كما أنه صرف الانتباه عني.
لدى الرؤساء التنفيذيين الكثير من الطرق لتحسين أدائهم والتخلص من الخوف من الغرور والارتياب كتعيين مدربين إرشاديين أو تغيير الاستراتيجيات. ولكن تحسين الجانب العاطفي قد يكون أكثر أهمية؛ وذلك باستخدام ممارسات تأديبية للتغلب على مخاوفهم وغرورهم الذي يحد من فاعليتهم.